وهج الموت / قصة قصيرة جدّاً
نزار سرطاوي

قال الرجل ذو الخوذة الفولاذية بهدوء بارد: "أستطيع أن أريك وهجَ الموت إن أحببت." قلت متسائلاً وقد استبد بي حب الاستطلاع: "كيف؟" بسرعة البرق دسّ يده في مكان ما، وأخرج شيئاً ما، وصوبه باتجاهٍ ما، وضغط بسبابته على شيءٍ ما قائلاً: "هكذا." لمحتْ عيناي شيئاً ما يلمع في فوّهة ذلك الشيء، وسمعت أزيزاً يشقّ الريح، تلته شهقةٌ خافتة، ثم ارتطام. كلّ ذلك حدث في لمح البصر.

التفتُّ مدفوعاً بمزيد من حب الاستطلاع. كان مُسَجّى هناك بلا حراك أسفل قامتي المنتصبة. قدماه تلاصقان قدميّ. جسده يمتد أمامي كما لو كان ظلّي. رأسه يستلقي في بركة من سائلٍ أحمرَ قان. مزيد من السائل الأحمر يتدفق من جبينه، يسحّ على عينيه ووجهه مُشكّلاً جداولَ صغيرةً تصب في البركة. أردت أن أصرخ، أن أطلب النجدة. بحثت عن صوتي. أدركت فجأة أنني قد فقدته. يا إلهي أصبحت بدون صوت دققت النظر في وجه ذلك المُسَجّى عند قدميّ. جمد الدم في عروقي، فقد تعرفت عليه. أصابني هلعٌ شديد. يا للهول إنّه... إنّه... إنّه... إنّه أنا

أردت أن أمسك بالرجل ذي الخوذة الفولاذية. أن أهزه بعنف: "لماذا؟ لماذا؟" وإذا بالخوذة قد اختلطتْ بخُوَذٍ أخرى، ودخلتْ الخُوَذ معاً في رطانة لا أفهمها. عدت بنظراتي إليّ. ما زلت على حالي. البركة الحمراء تتسع. وجهي مصبوغ كله بالأحمر. عيناي مفتوحتان واللون الأحمر يخضب بياضهما وسوادهما. ركعتُ بجانبي، واقتربتُ من وجهي أتأمّله. أردتُ أن أحتضنني وأضمني إلى صدري، وأبكي. لكن يدين هائلتين انقضتا عليّ وأمسكتا بي كالعصفور وطوحتا بي بعيداً في الفضاء. ما زلت أراني مسجّى في الأسفل. أبتعد وأبتعد، وأتضاءل وأتضاءل حتى أصبحت بحجم فأر، بل ذبابة، بل بعوضة. بل لا شيء. وداعاً لقد اختفيت تماما. لم أعد أراني.

المراجع

pulpit.alwatanvoice.com

التصانيف

تصنيف :قصص   مجتمع   قصة