اليوم ومع تسارع إيقاع الحياة وشدة تنافس الناس في أمور الدنيا شاع مرض قلبي وانتشر، وأرهق أصحابه، وكدّر معيشتهم، وأساء علاقات الناس بعضهم ببعض، إنه الحقد و الحسد، إذ قلما ترى اليوم رجلاً وقد سلم قلبه من الغل والبغضاء، ومن مظاهر ذلك التقاطع والتهاجر والكراهية بين الناس والسخرية والحط من أقدار الآخرين، وفي حين أن الناس يهتمون بطهارة ظاهرهم وثيابهم وهيأتهم، فإن القليل منهم من يهتم بطهارة قلبه وسلامته.
ولقد امتدح الله أقواماً بأنهم يدعونه تعالى أن يطهر قلوبهم ويسلمها من البغضاء والشحناء فقال: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا" وأخبر سبحانه أنه لا نجاة يوم القيامة إلا لمن سلم قلبه، وسلامة القلب تقتضي طهارته من الغل والشحناء والبغضاء، يقول جل من قائل: "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم". كما أنه سبحانه أتم النعمة على أهل الجنة بأن نزع ما في قلوبهم من الغل وجعلهم إخواناً، ذلك أن الغل يشقي صاحبه ويتعذب به، يقول سبحانه عن أهل الجنة: "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين". وبين سبحانه أن من مقتضيات التقوى حصول ذلك الصلاح في ذات البين وطهارة القلوب وسلامتها. وإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم عامرة بالنصوص المؤكدة على أهمية طهارة القلوب وسلامتها من الغل والشحناء والبغضاء، يسأل عليه الصلاة والسلام: أي الناس أفضل؟ فيقول: (كل مخموم القلب صدوق اللسان)، فيقال له: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ فيقول عليه الصلاة والسلام : (هو التقي النقي، لا إثم ولا بغي ولا غل ولا حسد) ويقول: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً).
إن في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من المواقف العظام المؤكدة على هذا الأصل الكبير، أصل سلامة القلوب وطهارتها من الغل والشحناء، فمن أعظم المواقف قوله صلى الله عليه و سلم حين استأذنه ملك الجبال أن يطبق الأخشبين – وهما جبلان عظيمان يحيطان بمكة – حين كذبوه، وحين ناصبوه العداء، فقال عليه الصلاة والسلام وقد سلم قلبه وامتلأ بالطهارة وانعدم منه الغل والشحناء: "بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده".