الحمد لله، معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، وفق أهل طاعته لما يحبه ويرضاه، وأصلي وأسلم على خير عبد اجتباه، وأفضل رسول اصطفاه، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى صحبه خيرمن تبعه وسارعلى خطاه وعلى من تبعهم بإحسان وعلى من بعدهم ممن اهتدى بهداه أمابعد عباد الله اتقواالله حق التقوى ياأيهاالذين آمنوااتقواالله حق تقاته ولاتموتن إلاوأنتم مسلمون ياأيهاالناس اتقواربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منهازوجهاوبث منهمارجالاكثيراونساءواتقواالله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباياأيهاالذين آمنوااتقواالله وقولواقولاسديدايصلح لكم أعمالكم ويغفرلكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقدفازفوزاعظيمافاتقواالله عباد الله و احذروا الذنوب والآثام صغيرها وكبيرها فإنها والله بئس زاد المرء يقدم به على ربه، فهي سبب كل شر وداء في الدنيا والآخرة، ومن شؤمها وسوء عاقبتها أن منها ما يحبط العملقال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه :بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ ؛ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ : مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ ، وَيُذْكَرُ عَنْ الْحَسَنِ مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌوترجم الإمام مسلم ـ أيضا ـ بَاب مَخَافَةِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُوعن عطاء قال : إن الرجل ليتكلم في غضبه بكلمة يهدم بها عمل ستين سنة أو سبعين سنة .وقال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد ، عنه : ما يؤمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبط عمله .قال ابن القيم رحمه الله : " ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر وليس الشأن في العمل إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه "أيهاالأحبة ومماتقدم فالأمرخطيرجدخطير وقدتحدثنافي الخطبة الماضية عن أربعة من محبطات الأعمال وهي الكفروالشرك والرياء والتألي على الله وترك الصلاة وفي هذه الخطبة سنكمل على ماسبق فأقول وبالله التوفيقخامسامن مبطلات الأعمال ومحبطاتهاعدم موافقةالعمل لماجاءبه نبيناعليه الصلاة والسلام قال الفضيل بن عياض رحمه الله في تفسير قوله تعالى:" ليبلوكم أيكم أحسن عملاً": أصدقه وأصوبه؛ قيل له: ما أصدقه وأصوبه؟ قال: أن يكون العمل صادقاً لله أي خالصالله وموافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكل عمل من غير اتباع فهو حظ النفس وكل اتباع من غير إخلاص فهونقص فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً وقد ثبت في الصحيحين وغيرهماعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد] ، وفي رواية لمسلم [من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد] . أي أن المحدث المبتدع عمله مردود عليه، لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً، فالحذر الحذر من الابتداع في الدين، ومن مخالفة الصراط المستقيم، والسبيل القويم الذي تركنا عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم،سادسامن المحبطات المن والأذى بالعمل قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾( فمَنْ مَنَّ بصدقته وطاعته فقد حبط عمله وخاب سعيه وأوجب ذلك عقوبته فعن أبي ذر مرفوعاً: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) كررها ثلاثاً قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: ((المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) رواه مسلموعن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لا يقبل اللّه منهم صرفاً ولا عدلاً: عاقٌ ومنانٌ ومكذب بالقدر» فالمن يبطل العمل عند الله عز وجل وبأي شيء تمن يا عبد الله فأنت ملك لله وما تقوم بطاعة إلا بتوفيق الله ثم تلك الطاعات التي تقوم بها فهي من كرم الله عليك فهو الذي من عليك أن هداك للإيمان فلولا فضل الله علينا ما زكا منا من أحد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليمسابعامن المحبطات العُجب وهو : الإحساس بالتميّز ، والافتخار بالنفس ، والفرح بأحوالها ، وبما يصدر عنها من أقوال وأفعال ، محمودة أو مذمومة .وعرفه ابن المبارك بعبارة موجزة فقال : (أن ترى أن عندك شيئاً ليس عند غيرك )إن المرء قد يعمل طاعة ، فيستعظمها في نفسه ، ويرى أنه قدّم شيئا كبيرا يستحق أن يشكر ويثنى به عليه ، وربما يتطور الأمر فيزداد به الزهو والغرور حتى يدلّ على الله بعمله . فكأنه هو صاحب الفضل ، وربما أنه ازدرى عباد الله وخاصة من يبدو منهم التقصير فيرى نفسه خيرا منهم . وهذا أس البلاء ومكمن الداء فقدجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" ثلاث منجيات وثلاث مهلكات ، فأما المنجيات :فخشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الفقر والغنى ، والعدل في الغضب والرضا ، وأما المهلكات : فشح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وهي أشدهن "حسنه الأباني وجاء في البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ * قال الديلمي رحمه الله : "إن العجب يحبط عمل سبعين سنةإن الواجب معاشر الإخوة ألا يغتر الإنسان منا بعمله مهما عظم ، وألا يحتقر ويزدري غيره بحجة أنه صالح وذاك مذنب مقصر ، فلربما غفر الله لذلك المذنب بانكساره بين يدي ربه وخوفه من ذنبه ، وعُذب هذا المفتخر المغتر بعبادته وصلاحه ، قال ابن القيم في ( مدارج السالكين ) : (ويحتمل أن يكون تعييرك لأخيك بذنبه أعظمَ إثما من ذنبه وأشد من معصيته إلى أن قال فذنب تَذِل به لديه أحب إليه من طاعة تُدل بها عليه وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما خيرٌ من أن تبيت قائما وتصبح معجبا فإن المعجب لا يصعد له عمل ولنتذكر كيف كان حال السلف ، وكيف كانوا يزدرون أنفسهم ويحقرون من أعمالهم ولم يكونوا يغترون بأعمالهم مع عظمها وجلالتها فأبوبكرالصديق المبشربالجنة رضي الله عنه الذي لووزن إيمانه مع إيمان أمة محمدقاطبة لرجح إيمانه لماحضرته الوفاة يقول ياليتني كنت شجرة تعضد ودخل المزني على الشافعي رحمه الله في مرض موته فقال : كيف أصبحت يا أبا عبدالله ؟ قال : أصبحت من الدنيا راحلا ، وللإخوان مفارقا ، ولسوء عملي ملاقيا ، وعلى الله واردا ، ولا أدري : أروحي تصير إلى الجنة فأهنّئها أو إلى النار فأعزّيهافيامن يعجب بعمله علام العجب ولله الفضل والإمتنان وهوالذي حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون " واعلم أنك مهما بلغت من العبادة فلن تصل إلى مرتبة رسول الله صلى اله عليه وسلم الذي كان هو هو في العبادة والزهد والخوف من الله ومع ذلك فكان يقول كما في البخاري عَنْ عَائِشَةَ : "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍثامنامن المحبطات التي تحبط العمل وتجعله هباء منثورا انتهاك حرمات الله تعالى في الخلوات فعن ثوبان مرفوعاً: ((لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً يجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً. قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)) رواه ابن ماجه بسند صحيح. لذلك قال بعض الصالحين من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله قال سحنون : " إياك أن تكون عدوا لإبليس في العلانية صديقا له في السرإن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ، وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدورإذاماخلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيبولاتحسبن الله يغفل ساعة
  • ولا أن مــاتـخفيـه عنه يغيـبلهونا لعمر الله حتى تتابعت -bbbbbb- ذنــوب علـى آثـارهـن ذنـوبفياليت أن الله يغفر مامضى -bbbbbb- ويــأذن فـي تـوبـاتنا فنتـوبتاسعامن المحبطات التعدي على الآخرين وظلمهم سواءبالقول أوبالفعل إن ظلم عبادالله والاعتداء عليهم من أعظم ما يفسد عمل الصالحات ، لأن حقوق الناس مبنية على العدل والمقاصة بينهم . من أكل مال مسلم أو هتك عرضه بقول أو فعل أو هضمه حقا كان لهروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ * فهذا والله هو الإفلاس الذي ليس بعده إفلاس، وهذا هو الخسران الذي ليس بعده رجحان، فقد يكون الإنسان غنياً في الدنيا مفلساً في الآخرة، وقد يكون ذليلاً ضعيفاً في الدنيا عزيزاً مكرماً في الآخرة، لاختلاف الموازين بين الدارين، فمن بَطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه ومن صورالتعدي على الآخرين وظلمهم أكل مال اليتيم وأكل حقوق الأجراء والخدم وعضل البنات وعدم تزويجهن وأكل مهورهن من غيررضى منهن وظلم الزوجات والتعدي على المسلمين بالنميمة والتكلم في أعراضهم فليعلم كل مغتاب أن من اغتابه سيأخذمن حسناته يوم القيامة قال أحدالسلف لولا أني أكره أن يعصى الله لتمنيت أن لا يبقى أحد في المصر إلا وقد اغتابني ، لأن كل حسناتهم إلينسال الله بمنه وكرمه أن يتقبل صالح أعمالنا وأن يتجاوز عن سيئها ، وأن يتغمدنا برحمة منه وفضل إنه جواد برٌّ رؤوف رحيم بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

المراجع

khutabaa.com

التصانيف

تصنيف :خطب    العلوم الاجتماعية   الآداب   الدّيانات