الأجناس البشرية مصطلح يشير إلى السلالات البشرية. قال الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: ﴿ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير﴾ الحجرات: 13.
خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام، وخلق زوجه، ثم أهبطهما إلى الأرض، ومنهما تناسل البشر، وتعددت أجناسهم. وقال رسولنا الكريم ³ في الحديث الشريف: (كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب ) صحيح الجامع الصغير: للألباني.
يطلق لفظ الجنس على أحد شِقَّيْ الذكورة والأنوثة، أو على ما يرتبط بهذا من معان، وعلى مرتبة تصنيفية أعلى من النوع ودون الفصيلة، ويعني به المناطقة شيئًا كليًا يضم أقسامًا. لكننا في هذه المقالة نحبذ استعمالاً شائعًا للفظ يشير إلى السلالات البشرية. ونستخدم لفظ عِرْق - عمومًا- مرادفًا.
ينحدر جميع البشر من قوم كانوا يعيشون منذ مئات الآلاف من السنين؛ فنحن جميعًا نلتقي في أصل مشترك. وهذا يعني أن جميع البشر الذين يعيشون على الأرض اليوم ينتمون إلى أصل واحد، ومع ذلك فلسنا جميعًا متشابهين؛ فأجسامنا مختلفة الأحجام والهيئات، وجلودنا متباينة الألوان. وكذلك تختلف عيوننا لونًا وشكلاً، كما أن شفاهنا وأنوفنا ذات أشكال متنوعة، وتتباين شعورنا في لونها وملمسها.
ويعتقد معظم علماء علم الإنسان (الأنثروبولوجيين) أن البشر نشأوا في إفريقيا، ثم انتشروا تدريجيًا في أرجاء الأرض. انظر: شعوب ما قبل التاريخ. فقد لاحظوا أن جماعات الآدميين الذين عاشوا في أنحاء معينة من الأرض عدة آلاف من السنين يجنحون إلى الاختلاف عن جماعات أخرى عاشت في أماكن أخرى من العالم. فالعيش في مناطق تضم بيئات مختلفة أحد أسباب اكتساب الناس مظاهر مختلفة. فعلى سبيل المثال، يميل الأقوام الذين عاش أسلافهم أجيالاً عديدة في المناطق الشمالية من العالم ـ كشمالي أوروبا أو شمالي اليابان ـ لأن يكون لون بشرتهم فاتحًا. أما أولئك الذين يعيشون بالقرب من خط الاستواء -كأواسط إفريقيا أو جنوبي الهند- فيميل لون بشرتهم لأن يكون قاتمًا. وأما أولئك الذين يعيشون في بيئات بين هذين الطرفين، فيميل لون بشرتهم لأن يكون وسطًا بين الفاتح والقاتم (القمحي). وإذا أردت أن تعرف المزيد عن كيفية نشوء ألوان البشرة من التكيفات البيئية، فانظر: القسم الخاص بالتكيّفات المنُاخية في هذه المقالة.
ونحن نلاحظ أحيانًا أن خصائص جسمانية معينة تميل إلى التجمع. فنحن قد نربط، مثلاً، بين الشعر الأشقر والعينين الزرقاوين والبشرة البيضاء وأهل الدنمارك والنرويج والسويد. كذلك نربط أيضًا بين الشعر الأحمر والعينين الخضراوين والبشرة ذات النَمَش والأيرلنديين. ومع ذلك يوجد في الواقع كثير من الناس في هذه الدول الأربع شعورهم وعيونهم بنية اللون، ولون بشرتهم بني فاتح. ويظهر لنا هذا المثال بعض المشكلات التي تجابه علماء علم الأحياء البشري الذين يحاولون تصنيف البشر أجناسًا.
ويعرِّف علماء الأحياء العرق بأنه قسم من أحد أنواع النبات أو الحيوان. ويتشابه أفراد النوع الواحد في كثير من النواحي الأساسية، وعلى الأخص في التزاوج فيما بينهم وإنجاب الذرية الكثيرة. أما أفراد الأنواع المختلفة فلا يمكنها أن تتزاوج وتنجب ذرية. فالدببة الشهباء والدببة السوداء في أمريكا الشمالية، مثلاً، دببة وثيقة القرابة. ولكن على الرغم مما بينها من تشابه لا يتزاوج أفراد أي من المجموعتين مع أفراد المجموعة الأخرى، وذلك لأنهما ينتميان إلى نوعين مختلفين.
ويمكن تقسيم كثير من أنواع النبات والحيوان إلى مجموعات يختلف بعضها عن بعض، أُطلقت عليها أسماء مختلفة: أجناس أو نُوَيْعات، أو عشائر طبيعية، أو سلالات، أو أصناف ؛ فعلماء الأحياء يلاحظون أن الدببة الشهباء مثلاً، تتميز من منطقة إلى أخرى باختلافات جسمانية، ولذلك يقسِّمونها نويعات على أساس تلك الفروق.
ينتمي جميع البشر إلى النويع هومو سابينز ، ولكن العشائر البشرية تختلف من منطقة إلى أخرى. ولقد استخدم العلماء هذه الاختلافات لتصنيف الناس أجناسًا مختلفة، ومن ثم ابتدعوا أقسامًا عرقية للبشر بناء على الخصائص الطبيعية مثل، لون الشعر وملمسه، وشكل العينين.
بيد أن بعض الأفراد الذين يُلحقون بالجنس الواحد نفسه ـ بل بعض أفراد الأسرة الواحدة ـ يختلفون عن خصائص جنسهم اختلافًا واسعًا. وعلى مر السنين، اختلف العلماء حول عدد الأجناس التي يصنَّف البشر تحتها، وحول الأفراد الذين يُلحقون بكل منها. ولهذا السبب، انتهى كثير من علماء الإنسان إلى الاعتقاد بأن إلحاق أية جماعة من البشر بجنس من الأجناس مسألة اعتباطية ولذا فالأمر مفتوح للحوار.
وقد ظل معظم العلماء أعوامًا كثيرة يعتقدون أنه قد كانت هناك أجناس نقية من البشر في وقت ما من عصور ما قبل التاريخ، وأن تلك الأجناس النقية قد تكوّنت منعزلة انعزالاً تامًا عن بعضها، وأن أفراد كل جنس منها اتصفوا بخصائص لم تكن لتوجد في أفراد سائر الأجناس.
بيد أن معظم علماء الإنسان الطبيعيين (أي العلماء الذين يدرسون الاختلافات الجسمانية للبشر وتطورهم في عصور ما قبل التاريخ) يشكّون في أنه كانت هناك أجناس نقية في أي وقت من الأوقات. وهم يشيرون إلى أن من المحتمل أن الناس كانوا دائمًا يتخذون أزواجهم من عشائرهم أو من خارجها، وأنه بازدياد وسائل الانتقال والتواصل يُسرًا ازداد اختلاط العشائر البشرية أكثر فأكثر. ولهذه الأسباب لا يُحْسِنُ التعريف الأحيائي للجنس وصف العشائر البشرية. ويتجنب معظم علماء الإنسان الآن تصنيف الناس أجناسًا، ولكنهم ـ عوضًا عن ذلك ـ يحاولون أن يزدادوا معرفة بالتنوع البشري، وذلك بدراسة تباين الخصائص البشرية في أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن الافتقار إلى نظام تصنيف للأجناس مطلوب وصحيح نظريًا، إلا أن الناس يعدون ـ بصفة عامة ـ أولئك الذين يتخذون مظهرًا مخالفًا لهم أفرادًا منتمين إلى جنس آخر. ونتيجة لهذا ظل مفهوم الجنس البشري ذا أهمية ولكن بمدلول اجتماعي. فالمجتمعات تمضي في تصنيف أفرادها أجناسًا ، على الرغم من أن المعايير والأسماء المستخدمة قد تختلف من مجتمع إلى آخر.
وكثيرًا ما أساء الناس فهم فكرة الجنس (العرق) البشري، بل إن المصطلح قد أسيء استخدامه في بعض الأحيان عن عمد. وكثيرًا ما خلط الناس أيضًا بين المفهوم الأحيائي للجنس والحضارة أو اللغة القومية أو الدين. فالفروق الجسدية قد أدت ببعض الناس إلى الانتهاء إلى نتيجة خاطئة وهي أن أفراد الجماعات المختلفة يولدون وبهم اختلافات في الذكاء والمواهب والقيم الأخلاقية. ولقد اتُّخذ الجنس أساسًا رئيسيًا للتمييز في المعاملة، أي معاملة كل جماعة للجماعات الأخرى على أنها ذات مستوى أدنى منها. انظر: التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا .
وتصف هذه المقالة بعض نظم تصنيف الأجناس البشرية التي اتبعت على مر السنين، وتناقش مداخل بديلة لدراسة التنوع البشري. كذلك تصف كيف تتغير الخصائص الجسمانية لبني الإنسان، وتناقش المغزى الاجتماعي للجنس (العرق).
نظم التصنيف الجنسي (العِرْقي) دأب العلماء منذ بداية تدوين التاريخ على تصنيف البشر بطرق مختلفة. وقد تباين عدد الأقسام التي يعتمدها كل واحد من هذه النظم. ولقد تأثر تطور نظم تصنيف الأجناس بثلاث نظريات رئيسية :
- نظرية الأجناس الثلاثة .
- نظرية التطور .
- نظرية الجنس الجغرافي.
نظرية الأجناس الثلاثة
كان المصريون القُدامى والإغريق والرومانعلى صلة بأقوام ذوي بشرة قاتمة وشعر أجعد يعيشون في إفريقيا، كما أنهم كانوا يتصلون بأقوام يسمّوْن بذوي البشرة الصفراء في آسيا، لمعظمهم ثنية من جلد جفونهم تمتد إلى الركن الداخلي (الموق) لعيونهم. وهكذا كانت المعلومات المحدودة عن سكان العالم في ذلك الزمان توحي بوجود ثلاثة أجناس من البشر: الأوروبي أو الأبيض، الإفريقي أو الأسْود، الآسيوي أو الأصفر.
ثم أصبحت هذه المجموعات تعرف في النهاية بالقوقازية والزنجية والمغولية على التوالي. وقد دأب العلماء سنين كثيرة على محاولة تصنيف جميع العشائر البشرية وفقًا لهذه الأجناس الثلاثة، أو بعض الصور المحوَّرة منها. فقد كانوا يعتقدون أن جميع الناس ينتمون إلى عدد محدود من الأجناس، وأن خصائص كل جنس ثابتة لا تتغير.
وقد أدَّت الحقبة الرئيسية للكشوف الأوروبية فيما وراء البحار، والتي بدأت في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، إلى زيادة الاتصال بأقوام من حضارات شتَّى، حتى أصبح من الواضح في القرن التاسع عشر الميلادي أنه ليس من اليسير إلحاق معظم سكان العالم بنظام الأجناس الثلاثة.
نظرية الأجناس الثلاثة
Image:files/uploads/Farah/2014/1/21/99.PNG
الخصائص القوقازية
كان يُعتقد أنها تشمل: بشرة شقراء، وشعرا ناعما فاتح اللون - إما مُرسلاً أو متوجًا. وكذلك كان يُظن أن زرقة العينين ودقة الأنف ورقة الشفتين من الخصائص القوقازية.
الخصائص الزنجية
كان يُعتقد أنها تشمل: بشرة لونها بني قاتم أو أسود، وشعرًا خشنًا جعدًا أسود اللون. وكذلك كان يُظن أن العينين البنيتين والأنف العريض والشفتين الغليظتين من الخصائص الزنجية.
الخصائص المغولية كان يُعتقد أنها تشمل: بشرة صفراء، وشعرًا خشنًا مرسلا ً أسود اللون. وكذلك كان يُظن أن وجود ثنية من الجلد تمتد عبر الركن الداخلي للعين من الخصائص المغولية.
ظل العلماء سنوات عديدة يصنفون جميع العشائر البشرية في واحد من أجناس ثلاثة: القوقازي، والزنجي، والمغولي. وتظهر هذه الصور الثلاث الخصائص الجسمانية التي كان يُعتقد أنها تمثل الطراز المميَّز لأفراد كل جنس من هذه الأجناس.
نظرية التطور
لما اتجه بعض البيولوجيين (علماء الأحياء) إلى تقبل نظرية التطور (النشوء والارتقاء) التي نادى بها عالِم الغرب داروين، بدأ الرأي القائل بإمكان تصنيف البشر أجناسًا على أساس خصائص جسمانية ثابتة ـ بدأ هذا الرأي في التغير تغيرًا جوهريًا. وذلك أن معظم البيولوجيين ـ خصوصًا في المجتمعات الغربية ـ كانوا في أوائل القرن التاسع عشر يعتقدون أن جميع أنواع النبات والحيوان ظلت ثابتة على حالها من جيل إلى جيل. بيد أن الجيولوجيين (علماء طبقات الأرض) وجدوا أحافير لنباتات وحيوانات تختلف عن الأنواع المعاصرة ، فقدموا بذلك الدليل المبدئي على أن الأنواع لم تكن ثابتة.
ومع أن بعض العلماء أدركوا عندئذ أن الأنواع يمكن أن تتغيّر، فإنهم لم يعرفوا كيف يكون الفرق. كانت فكرة الانتخاب الطبيعي كالذي يسير عليه التطوّر، هي التي أعانت العلماء الغربيين على فهم كيفية تغيّر الكائنات الحية على مرّ الأجيال الكثيرة. وتزعم هذه الفكرة التي قَدَّمهاعالم التاريخ الطبيعي تشارلز داروين في كتابه أصل الأنواع (1859م) أن عشائر الكائنات الحية يمكنها أن تتغيّر عبر الأجيال المتعاقبة من خلال تكيُّفها مع بيئاتها الطبيعية. وعندما طُبِّق هذا الفهم الجديد لعمليات التطوّر من خلال الانتخاب الطبيعي، أظهر أن كثيرًا من الخصائص التي كان يُفترض ثباتها، والتي كانت تُستخدم في تمييز الأجناس، كانت في الواقع تكيّفات تطورت على مرِّ الزمان، استجابة للأحوال البيئية. ولقد اتضح لبعض العلماء أن الجماعات المتباعدة تباعدًا واسعًا يمكنها أن تكتسب خصائص متشابهة نتيجة تكيفها مع بيئات متشابهة، حتى وإن لم تتقاسم علاقة سلفية حديثة. انظر: داروين، تشارلز روبرت.
ولما تفهَّم الخبراء الغربيون نظرية التطوّر، بدأوا يدركون صعوبة محاولتهم استخدام الخصائص القابلة للتكيف لتصنيف الناس في عدد محدود من الأجناس البشرية الرئيسية، ومن ثمَّ شرع الأنثروبولوجيون (علماء علم الإنسان) الطبيعيون في البحث عن خصائص غير قابلة للتكيف أو طبيعية أي خصائص جسمانية سوف تثبت وتبقى في عشيرة ما من البشر ولو انتقلت العشيرة إلى بيئة مخالفة. ومعنى هذا أنهم نظروا إلى الجنس البشري على أنه شيء ثابت وغير متغيّر، وأرادوا أن يكتشفوا خصائص هي أيضًا غير قابلة للتغير. وعكف علماء علم الإنسان على مقارنة كثير من الخصائص والعمليات الخاصة بوظائف الأعضاء في أقوام يعيشون في بيئات مختلفة. وسوف نناقش هذه المقارنات في قسم لاحق من هذه المقالة عن كيف تتطوّر العشائر البشرية وتتغيّر.
نظرية الجنس الجغرافي:
كان يُعتقد أن الأجناس الجغرافية قد وجدت بسبب الانعزال الناجم عن المحيطات والجبال والصحاري. وتظهر هذه الخريطة الأجناس التي كان يقرها أحد نظم التصنيف الشائعة. نظرية الجنس الجغرافي. ابتدع بعض علماء الإنسان في الخمسينيات من القرن العشرين نظامًا جديدًا لتصنيف الأجناس، وذلك في محاولتهم التوفيق بين نظرية التطوّر والتباين المشاهد بين العشائر البشرية في العالم الحديث حيث قسَّموا البشر أقسامًا رئيسية، أسموها أجناسًا جغرافية . وكانت هذه الأجناس مجموعات من العشائر التي تسودها مميِّزات متشابهة. وقد اعتمد نظام شائع الاستخدام من تلك الأنظمة تسعة أجناس جغرافية: 1- الأسترالي 2- الآسيوي 3 - الإفريقي 4- الأوروبي 5- البولينيزي 6- الميلانيزي 7- الميكرونيزي 8- الهندي 9 - الهندي الأمريكي .
ويمكن القول إن تلك الأجناس الجغرافية كانت تنتشر على امتداد مساحات قارية رئيسية وسلاسل جزرية كبرى، ولكنها لم تناظر القارات مناظرة دقيقة. فعلى سبيل المثال، شمل الجنس الجغرافي الأوروبي ، عشائر منتشرة في أوروبا، وفي الشرق الأوسط، وشمالي الصحراء الكبرى في إفريقيا، كما شمل أيضًا أقوامًا منحدرة من تلك العشائر في مناطق أخرى من العالم مثل البيض في أمريكا الشمالية وفي أستراليا.
دور لون البشرة في تصنيف الأجناس:
وفقًا لنظرية الأجناس الجغرافية، ينتمي الأفراد في الصف العلوي من الصور إلى الجنس الأوروبي، في حين ينتمي الأفراد في الصف السفلي إلى الجنس الإفريقي. بيد أن لون البشرة يتباين تباينًا واسعًا في كل من هاتين المجمو عتين وكان من المعتقد أن الأجناس الجغرافية قد نشأت بسبب الانعزال الناجم من الحواجز الطبيعية مثل المحيطات والجبال والصحارى. واعتمد هذا الرأي على أن هذه الحواجز قد فصلت جماعات من البشر بعضها عن بعض آلافًا عديدة من السنين، وهذا جعل العشائر تتطور في اتجاهات مختلفة.
وقد استخدم علماء علم الإنسان مصطلح الأجناس المحلية لوصف الأقسام الفرعية المتميزة من الأجناس الجغرافية. وكان بعض تلك الأجناس المحلية يضم ملايين الأفراد، في حين كان بعضها الآخر يضم جماعات قليلة العدد. وقد استخدم بعض علماء علم الإنسان مصطلح الجُنيْسات أو الأجناس الصغرى للأقسام الفرعية من العشائر التي تعيش في داخل الأجناس المحلية.
وقد مثَّل هذا النظام التصنيفي المفصَّل والموسَّع تغييرًًا جوهريًا في النظرة إلى الأجناس البشرية؛ فنظام الجنس الجغرافي راعى نظرية التطور، وكذلك الوراثة، مع إدراك أن العشائر تشكلها البيئة. ولكن، لم يكن بالمستطاع تقدير المعايير الجنسية بوضوح، وذلك لأن أفراد الأجناس المختلفة يمكن أن يتصفوا بالخصائص الجسمانية نفسها.
بدائل التصنيف الجنسي (العرقي)
أقام العلماء التصنيف الجنسي في الماضي على أساس مجموعات من الخصائص الجسمانية كان يفترض أنها تمثل الفرد النموذجي من كل جنس. ولكن كثيرًا من الأفراد الذين كانوا يُصنفون في جنس ما لم تظهر فيهم جميع الخصائص التي كانت تُنسب إلى ذلك الجنس. هذا فضلاً عن أن العلماء الذين أقاموا نظم التصنيف لم يتفقوا دائمًا على ماهية الخصائص التي ينبغي عليهم الاعتداد بها ولا على عددها.
ويمكننا أن نتخذ لون البشرة مثالاً لكي نتفهَّم المشكلات المرتبطة بتعريفنا الأجناس باستخدام الخصائص النموذجية. ثمة صبغة تسمَّى الملانين تحدد لون البشرة. فالبشرة القاتمة تحوي من الملانين مقدارًا يفوق ما تحويه البشرة الفاتحة. وقد استُخدم لون البشرة خاصيةً تصنيفية أساسية في جميع نظم الأجناس. فعلى سبيل المثال اعتبر لون البشرة البني الفاتح نموذجيًا للأفراد من الجنس الجغرافي الأوروبي، ولكن لون بشرة بعض أفراد ذلك الجنس أفتح كثيرًا من ذلك اللون النموذجي، كما أن أفرادًا آخرين لون بشرتهم أكثر قتامة. ومما يزيد الأمور اختلاطًا أن بعض ذوي البشرة القاتمة من أفراد الجنس الجغرافي الأوروبي يماثلون في لون بشرتهم بعض ذوي البشرة الفاتحة من أفراد الجنس الجغرافي الإفريقي. ونظرًا لهذه التعقيدات أصبح من العسير للغاية إلحاق بعض الناس بجنس ما، اعتمادًا على لون البشرة وحده.
لم تسفر زيادة عدد الخصائص المستخدمة في تعريف الأجناس إلا عن إضافة مشكلات جديدة. فشكل الشفتين وحجمهما، مثلاً، يتباينان تباينًا واسعًا بين أقوام كانوا يعدون أعضاءً من الجنس نفسه. ثم إن شكل الشفتين أظهر ذلك اللون من التداخل بين ما يفترض أنهم أعضاء أجناس مختلفة، كما حدث في حال لون البشرة.
وقد قادت هذه المشكلات كثيرًا من علماء علم الإنسان إلى نتيجة أن التصنيف المبني على الخصائص الجسدية ليس صحيحًا علميًا ولا يحقق غرضًا مفيدًا. وهم يجدون أن دراسة التنوع البشري أجدى من مجرد وضع علامات جنسية محددة على جماعات البشر. ومن ثم تبنّوا ـ نتيجة لذلك ـ بدائل أخرى للنظم التقليدية لتصنيف الأجناس، أبرزها:
1- المدخل المَمَالي (أو الكلايْني)، 2- المدخل العشائري.
الخريطة الممالية (الكلاينْية) تظهر التوزيع الجغرافي لإحدى الخصائص الجسمانية.
Image:files/uploads/Farah/2014/1/21/88.PNG وتدل المناطق، التي تسمّى ممالات(كلاينات)، على الأماكن التي توجد بها هذه الخاصية في تردد واحد بعينه. وتمثل هذه الخريطة توزيع خاصية تسمّى الآليل ب في نظام تصنيف الدم المدخل المَمَالي (الكلاينْي). يمكن إظهار التوزيع الجغرافي للخصائص الجسمانية على خريطة في صورة مناطق تسمَّى مَمَالات (أو كلاْيْنات) وتكوَّن الممالات برسم خطـوط تربـط نقـاط الترددات أو المعدَّلات المتماثلة أو المتشابهة. ففي حالة لون البشرة، على سبيل المثال، يشمل كل مَمَال المواقع التي تُظهر فيها العشائر المتوسطَ نفسَه للون البشرة. وبتوقيع التباين من القاتم إلى الفاتح على خريطة، تأخذ طرز معينـة للتـوزيع في الظهور. والتوزيع الممالي لايربط بين خصائص معينة والأقسام الجنسية التقليدية، وهو لا يربط بين بعض الخصائص وبعضها الآخر. فلون البشرة وفصائل الدم ينبغي أن يوقعـا على خريطتين منفصلتين لإظهار نمطي توزيعيهما المختلفين.
ولقد استُخدم المدخل الممالي استخدامًا واسعًا لدراسة التوزيع العالمي لفصائل الدم. ويصنف العلماء دماء البشر مجموعات وفقًا لبروتينات موجودة على أغشية كريات الدم الحمراء، وتحدد الوراثة وجود هذه البروتينات أو عدم وجودها. وتُظهر الدراسات اختلافات في معدلات توزيع فصائل الدم في أنحاء العالم.
ونظام فصائل الدم المعروف باسم (أ ب و)، هو أفضل ما نعرفه من هذه النظم. وفي هذا النظام، الفصيلة (و) هي أشيع الفصائل، ثم تليها الفصائل: أ، ب، أ ب. والنظم الأخرى التي تستخدم في مقارنة توزيع فصائل الدم تشمل نظم كِل، كِدْ، لوثران، الريصي، م ن س، ب. انظر: الدم.
وتساعد ممالات توزيع فصائل الدم علماء علم الإنسان على التفكير في تعليلات محتملة لما يشاهدون من تباين جغرافي. فالخرائط الممالية تُظهر، مثلاً، أن أدنى معدل لتوزيع فصيلة الدم، (و) يوجد في أواسط آسيا. وأحد التعليلات المحتملة لهذه الظاهرة له علاقة بمرض الطاعون الدمّلي الوبائي القاتل، وهو مرض توطن زمنًا طويلاً في آسيا الوسطى. وبروتينات السطح التي تميّز الفصيلة (و) من كريات الدم الحمراء تشبه بروتينات السطح الموجودة على الجرثومة المسبِّبة لمرض الطاعون الدمّلي. والذي يحدث عادة أن الجسم يستطيع أن ينتج مواد كيميائية مقاومة للأمراض تتعرف على الخلايا الحاملة للبروتينات السطحية للطاعون الدمّلي وتهاجمها. ولكن إذا كان الشخص من فصيلة الدم (و)كان جسمه أقل استعدادًا لصنع تلك المواد المقاومة للمرض. وذلك لأنها سوف تتلف خلايا دمه الحمراء نفسها. فإذا ما انتشر وباء من الطاعون الدمّلي، كان قاطنو آسيا الوسطى من أصحاب فصيلة الدم (و) أكثر تعرضًا لخطر الموت بالمرض من أصحاب فصائل الدم الأخرى. سوف تؤدي هذه النقيصة، على مرّ القرون، إلى انخفاض نسبة أصحاب الفصيلة (و) انخفاضًا نسبيًا في آسيا الوسطى.
المدخل العشائري
يُستخدم هذا المدخل في دراسة أنماط التباين في العشائر البشرية. ويعرِّف علماء علم الإنسان العشيرة بأنها مجموعة من البشر المتشابهين، تكون فرصهم للتزاوج فيما بينهم أكثر من احتمالات الاقتران بأزواج من خارج مجموعتهم. ويدرس علماء علم الإنسان الذين يتبعون المدخل العشائري زُمَرًا أو (تجمعات) من الخصائص الجسدية، ولكنهم لا يقيمون أي افتراضات بشأن الجنس على أساس تلك الزمر؛ فهم ـ عوضًا عن ذلك ـ ينظرون إلى كل عشيرة على أنها نتاج مجموعة فريدة من الظروف تتضمن: التكيّف، والتغير الوراثي، والانعزال، وتاريخ الهجرة. ثم يحاول أولئك الباحثون بعدئذ تعليل أوجه التشابه والاختلاف بين العشائر، ولكنهم لا يحاولون إلحاق تلك العشائر بمراتب أو أقسام عرقية.
ويفترض المدخل العشائري أن جماعات البشر التي عاشت في بيئات متشابهة زمنًا طويلاً سوف تبدي تكيفات متشابهة. ويمكن أن يحدث هذا لو كانت مواقع تلك الجماعات متباعدة كثيرًا. فعلى سبيل المثال، العشائر التي تعيش في أماكن مرتفعة جدًا لابدَّ أن تتكيف مع بعض الظروف المتطرفة. فدرجات الحرارة قد تكون مرتفعة جدًا أثناء النهار وشديدة الانخفاض أثناء الليل، كما أن ضغط الهواء يبلغ من الانخفاض ما يقلل من نسبة غاز الأكسجين فيه، ومن ثم يصبح التنفس في تلك الأجواء أصعب. وتُظهر العشائر التي تعيش في المرتفعات في أنحاء العالم خصائص معينة استجابة لتلك الظروف البيئية المتشابهة. فرئاتهم، مثلاً، تستطيع أن تستوعب كمية من الهواء أكبر مما تستوعبه رئات قاطني الأماكن المنخفضة، وهذا يمكنهم من استنشاق كمية أكبر من الأكسجين مع كل نَفَس من أنفاسهم.
كيف تتطور العشائر البشرية وتتغير الخصائص التي يدرسها علماء علم الإنسان الطبيعيون ـ كلون العين، وشكل الأنف، وفصيلة الدم، وارتفاع القامة، وقابلية الإصابة بالأمراض الوراثية ـ تحددها الوراثة والبيئة. والنواحي الوراثية لصفة ما، تحددها تراكيب كيميائية حيوية صغيرة جدًا في الخلايا تسمى المورثات (الجينات) . وتحوي المورثات تعليمات كيميائية لتكوين الخصائص الوراثية. ويرث الأبناء نصف مورثاتهم من آبائهم ونصفها الآخر من أمهاتهم. وتسمى البنية الوراثية التي تقوم عليها إحدى الخصائص الطراز الجيني . أما ما يتكَشَّف فعلاً من هذه الخاصية فيسمى الطراز الظاهري والطراز الظاهري هو نتاج الوراثة والبيئة معًا.
ويجنح أعضاء العشيرة الواحدة من البشر إلى حيازة مقدار من المورثات المشتركة أكبر مما يحوزه أعضاء عشائر مختلفة. وكذلك العشائر وثيقة القرابة تشترك أيضًا في مقدار من المورثات أكبر مما يكون بين العشائر بعيدة القرابة، شأنها في ذلك تمامًا شأن أبناء العمومة والخؤولة الذين يتقاسمون من المورثات المشتركة أكثر مما هو موجود بين أبناء العائلات المختلفة. وتسمى جميع المورثات الموجودة في عشيرة ما المستودع الجيني لهذه العشيرة. أما درجة انتشار مورثة ما في عشيرة معينة فيسمى تردد المورثة . لمعرفة المزيد عن كيفية وراثة الخصائص، انظر: الوراثة، علم ؛ الخلية ؛ المورثة.
وقد تبين للعلماء أن مستودعات المورثات للعشائر البشرية قد تتغير بمرور الزمن، فترتفع نسبة وجود بعض المورثات في حين تنخفض نسبة وجود بعضها الآخر. وبتغير تكرر المورثات قد يتغير أيضًا تكرر الخصائص الجسمانية في الجماعة. وقد تحدث هذه التغيرات نتيجة عدد من العوامل المختلفة، منها : 1- الانتخاب الطبيعي، 2- الطفرة، 3-تالانجراف الوراثي 4- أثر المؤسس 5- الهجرة وسريان المورثات.
الانتخاب الطبيعي
هو العملية التي تمكِّن بعض الكائنات أو الأفراد من الحياة والتكاثر، في حين لا يتمكن غيرها من البقاء. وتلك الكائنات التي تتكاثر تنقل خصائصها الوراثية إلى أبنائها. والانتخاب الطبيعي هو القوة الدافعـة للتكاثر. فعلى سبيـل المثـال، ثمة أفراد معيَّنين في العشيرة قد يحوزون خاصية وراثية تمكِّنهم من مقاومة مرض محلّي. ونتيجة لهذا، يكون هؤلاء الأفراد أحرى بالعيش حياة أطول وبإنجاب أبناء أكثر عددًا من سواهم من أعضاء العشيرة. هذا فضلاً عن أن أبناءهم الذين يرثون عنهم تلك الخاصية الملائمة سوف يميلون هم أيضًا إلى أن تمتد حياتهم وينجبوا حفدة أكثر عددًا. وعلى مر الزمن سوف يميل الأفراد الحائزون لهذه الخاصية المواتية لأن يتفوقوا عددًا على الأفراد غير الحائزين لها، وهكذا تتغير تكرارات المورثات في تلك الجماعة.
ونتيجة للانتخاب الطبيعي تميل عشيرة تعيش في منطقة ما، أجيالاً كثيرة إلى إظهار خصائص وراثية مميزة أو زُمَرًا من تلك الخصائص. وقد أظهر العلماء أن الاختلافات في لون البشرة، وبنية الجسم، وخصائص جسمانية كثيرة غيرهما تمثل تكيفات لعوامل بيئية مختلفة. انظر: الانتخاب الطبيعي.
التكيفات المُنَاخية
قد تتغير البنية الوراثية للعشيرة بمضي الزمن كي تتكيف مع المناخ. فلون البشرة الفاتح والقاتم ولون العين، مثلاً، يمثلان تكيفات لمقادير مختلفة من ضوء الشمس. وألوان بشرتنا وشعرنا وعيوننا تحددها صبغة الملانين. ويمكن أن يتفاوت مقدار الملانين في البشرة والشعر والعينين تفاوتًا واسعًا من شخص إلى آخر. وتساعد المقادير الكبيرة من الملانين في الجلد على حمايته من لفح الشمس وتقلل من احتمالات الإصابة بسرطان الجلد. والصبغة القاتمة في العينين تحسِّن قدرتهما على الإبصار في ضوء الشمس الساطع. وهكذا يتضح أن لون البشرة ولون العينين القاتم يمثلان تكيفات في أناسٍ عاش أسلافهم أجيالاً عديدة في أجواء مشمسة.
ويؤثر ضوء الشمس في لون البشرة بطريقة أخرى. فأجسامنا تحتاج إلى فيتامين (د)، لمساعدتها على امتصاص الكالسيوم. وامتصاص أشعة الشمس يمكّن أجسامنا من صنع فيتامين (د). وفي الأجواء التي يطول فيها الليل يصعب على أجسامنا أن تمتص من ضوء الشمس ما يلزمها لصنع ما يكفيها من فيتامين (د). والناس الذين عاش أسلافهم في تلك الأجواء أجيالاً عديدة قد تكيفوا لقلة ضوء الشمس باكتسابهم بشرة فاتحة اللون تستطيع امتصاص ضوء الشمس القليل المتاح لها. وهكذا يتضح لنا أن ألوان بشرة الآدميين نشأت نتيجة تكيفات مع البيئات التي عاش فيها أسلافنا.
القابلية للأمراض الوراثية
كثير من الأمراض التي تصيب الإنسان بعض أسبابها وراثي. بيد أن العشائر البشرية تختلف فيما بينها في تكرر المورثات المسِّببة لبعض الأمراض والاختلافات الوراثية. ولهذا السبب، يختلف توزيع عدد من الأمراض الوراثية في العالم، فيصيب بعض العشائر أكثر مما يصيب سواها. وكون بعض العشائر مبتلى بأمراض وراثية معينة حقيقة يمكن تفسيرها في ضوء الانتخاب الطبيعي.
فمرض الدم الوراثي المعروف باسم أنيميا الخلية المنجلية يتباين معدل انتشاره تباينًا واسعًا في العشائر البشرية المختلفة. والأفراد الذين يرثون المورثة المسببة للحالة المنجلية من الوالدين كليهما يصابون بأنيميا الخلايا المنجلية، ومعظم هذه الحالات تنتهي بالوفاة. أما الحاملون ـ وهم الأفراد الذين يرثون المورثة المعتلة من أحد الوالدين فقط ـ فلا يكادون يشكون شيئًا أو يشكون بعض الأعراض الطفيفة، ولكنهم ينقلون المورثة المعتلة لأبنائهم. انظر: الخلية المنجلية، مرض.
بيد أن العلماء وجدوا أن حاملي مورثة الخلايا المنجلية عندهم مقاومة أعلى للملاريا. وأنيميا الخلايا المنجلية آفة نادرة، ولكنها أكثر انتشارًا بين عشائر غربي إفريقيا، والشرق الأوسط، وجنوبي أوروبا، ومنطقة الكاريبي. ومعظم قاطني هذه المناطق تهددهم الملاريا. وهكذا يمثل جين (مورثة) الخلايا المنجلية ـ على الرغم من آثاره السلبية ـ ميزة مهمة للأقوام الذين يعيشون في تلك المناطق.
الطفرة
الطفرة (التغير الوراثي) هي تغير في المادة الوراثية. وكثيرًا ما يُنتج الجين المتغيِّر صفة وراثية مختلفة يمكن أن تنتقل إلى الأجيال التالية. وتَنتج الطفرات من تغيّر كيميائي في د ن أ (الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين)، وهو المكوِّن الأساسي للمورثات. وقد تحدث الطفرات أيضًا من تغيّر في عدد الصبغيات (الكروموزومات) أو بنيانها، والصبغيات تراكيب شبيهة بالخيوط تحمل المورثات. ويعرف العلماء عددًا من العوامل التي يمكنها أن تُحدث الطفرات وذلك مثل أنواع معينة من الإشعاع والتفاعلات الكيميائية والحرارة، ولكنهم لا يستطيعون التنبؤ مسبقًا، أيُّ المورثات أو الصبغيات سوف تطفر، أو كيف تطفر الصفة التي يتحكم فيها هذا المورث أو تلك الصبغية.
وكثير من الطفرات ضار يحدث خللاً عقليًا أو جسمانيًا، ولكن بعضها محايد، وبعضها الآخر مفيد. والطفرة النافعة قد تقدم المادة الخام للانتخاب الطبيعي، وذلك يجعل أحد الأفراد أفضل تكيفًا مع البيئة. فمثلاً، الطفرة التي ترفع قدرة الجسم على صنع فيتامين (د) بالاستعانة بضوء الشمس سوف تكون نافعة لشخص يعيش في أقصى الشمال، حيث يقل ما تستقبله الأرض من ضوء، ومثل هذه المورثات النافعة سوف يزداد تكررها من جيل إلى جيل. أما الأفراد الذين يحوزون طفرات ضارة فسوف يعمل الانتخاب الطبيعي ضدهم، ومن ثم لا تميل الصفات الضارة إلى أن تزداد انتشارًا في العشيرة. وعلِى هذا النحو قد يعمل التطفر مع الانتخاب الطبيعي أحيانًا على إحداث تغيرات في تكرر المورثات. انظر: التغير الوراثي؛ الوراثة؛ الحمض النووي.
الانجراف الوراثي
يشير هذا المصطلح إلى التذبذب العشوائي في تكرر المورثات في عشيرة ما من جيل إلى جيل. فالمورثات في كل جيل لا تمثل إلا عينة من المستودع الجيني (التوريثي) للجيل الذي يسبقه. ونتيجة لهذا، يميل تكرر المورثات في كل جيل من الأفراد إلى التغير عشوائيًا متقيدًا بحدود المستودع الجيني للجيل السالف. وكلما صغر حجم العشيرة، ازدادت احتمالات قوة تأثير تلك التذبذبات. ولكن ليس من المحتمل أن يكون لأمثال هذه التغيرات تأثير كبير في العشائر المفرطة الضخامة، ولكنها تؤدي إلى تغيرات وراثية ذات شأن في العشائر الصغيرة الأحجام.
أثر المؤسـس
عنـدما يؤسـس عـدد قليـل من الأفــراد ـ المنتمين إلى عشيرة كبيرة ـ عشيرة كبيرة جديدة في مكان مختلف، فليس من المحتمل أن يمثل أولئك المؤسسون المدى الكامل للتنوع في المستودع الجيني (التوريثي) لعشيرتهم الأم. وعندما ينجب أولئك المؤسسون أبناء، فسوف ينشأ مستودع جيني أصغر حجمًا وأكثر تحديدًا. وتسمى هذه الظاهرة أثر المؤسس. وفي الأجيال اللاحقة، يُرجَّح أن يكون أفراد عشيرة نشأت على هذا النحو أكثر تشابها فيما بينهم مما يكون بين أفراد العشيرة الأم الأكبر حجمًا والأكثر تنوعًا.
وقد يفسر أثر المؤسس زيادة انتشار بعض الخصائص أو الأمراض في عشيرة ما. ومن هذا القبيل، خلل دماغي وراثي، يسمَّى مرض تاي سَاخس، يوجد أساسًا في الأطفال اليهود الذين ترجع أصولهم إلى أوروبا الشرقية. والأفراد الذين يحوزون مورثًا واحدًا من تاي ساخس لا يصابون بالمرض، ولكنهم قد ينقلون تلك المورثة إلى أبنائهم. أما الأبناء الذين يرثون المورثة من كلا الوالدين فإنهم يصابون بالمرض. وكان يهود أوروبا الشرقية يكونون عشيرة صغيرة لها مستودع توريثي محدود، ولذا ظل انتشار المرض مرتفعًا بين ذرياتهم أكثر مما في العشائر الأخرى. انظر: تاي ساخس، مرض.
وقد يحدث تحديد مماثل في المستودع الجيني لعشيرة ما إذا مرَّتْ مورثات شخص واحد أو عائلة واحدة من عشيرة صغيرة إلى عدد كبير من الأبناء. فمثلاً إذا تزوج رجل معين في جماعة صغيرة منعزلة بعدة نساء، وأنجب منهن أبناء كثيرين، فإن مورثاته سوف تظهر في الأجيال اللاحقة بتكرر مورثات الأعضاء الآخرين من العشيرة.
الهجرة قد تؤدي إلى إحداث تغيرات في تكرر المورثات في العشائر مع مرور الزمن. وتظهر هذه الصورة جماعة من الوافدين الجدد، من المهاجرين الأوروبيين في حوالي عام 1900 م، في جزيرة إليس، وهي محطة استقبال المهاجرين في ميناء نيويورك. الهجرة وسريان المورثات. عندما تحدث هجرة بين عشائر مستقلة يحتمل أن تدخل مورثات جديدة أو اتحادات جديدة من المورثات في المستودع الجيني لكل من تلك الجماعات من خلال تزاوج أفراد منها. ونتيجة لذلك، سوف يضم المستودع التوريثي لكل من تلك الجماعات مورثات من المستودعات التوريثية للعشائر الأخرى. وعلى هذا النحو، قد تعمل الهجرة على تغيير تكرر المورثات في العشائر مع مرور الزمن. وفي الأزمنة الحديثة، ساعدت سهولة وسائل النقل على زيادة سريان المورثات زيادة كبيرة.
دأب الناس من أقدم العصور على الانتقال من مكان إلى آخر وعلى اختيار أزواجهم من جماعات أخرى. ولكنّ أكبر قدر من سريان المورثات يحدث بين العشائر التي تعيش متجاورة.كذلك قد يحدث الخلط والامتزاج نتيجة ممارسات حضارية متنوعة. فعلى مرِّ التاريخ، عملت الكشوف الجغرافية والاستعمار، وسَـبْي النساء، والاسترقاق على الجمع بين أفراد لهم بِنىً وراثية مختلفة فكانت النتيجة في كثير من الأحوال حدوث تغير في تكرر المورثات في العشائر التي تأثرت بتلك الممارسات.
المغزى الاجتماعي للجنس (العِرْق
) نبذ معظم علماء علم الإنسان الطبيعيين ـ كما رأينا ـ فكرة تصنيف البشر أجناسًا بيولوجية. ومع ذلك، ظل الناس في كثير من المجتمعات، وفي معظم الأحوال ينظرون إلى أنفسهم وإلى الآخرين على أنهم أعضاء من جنس معين، بناء على لون البشرة. وهكذا، مازال التصنيف العرقي (الجنسي) عاملاً اجتماعيًا مهمًا، على الرغم مما يعتري أساسه البيولوجي من مآخذ. وإذا كان علماء الاجتماع يأملون في فهم السلوك البشري، فعليهم أن يتعرَّفوا الطريقة التي يحدد بها مجتمع ما الأقسام العرقية (الجنسية). فمثلا، سوف يصعب علينا تحليل المجتمع الأمريكي دون أن نأخذ في اعتبارنا التقسيم الشائع لذلك المجتمع إلى بيض و سود و أسبانيين ، وغير ذلك من الأجناس. ومع ذلك تسفر هذه الأقسام أنفسها عن مشكلات فيما يختص بمفهوم الجنس (العرق). ويمثل الأبيض و الأسود قسمين يُستخدمان تقليديًا في تعرف الأجناس الأحيائية، أما أسبانيون فلفظ يشير إلى مجموعة لغوية من أقوام تتكلم اللغة الأسبانية، وليس إلى أي جماعة أحيائية بعينها. ولسوء الحظ، ينتج كثير من التمييز الاجتماعي في التعامل بين الأجناس بناء على تحامل جنسي سابق ومفاهيم خاطئة.
الجنس والهوية العرقية أو القومية (الجنسية)
يحدث الخلط أحيانًا بين المفهوم الأحيائي للجنس وفكرة العرقية أو القومية (الجنسية). فالناس يعتبرون أنفسهم أعضاء في مجموعات عرقية أو قومية معينة بناءً على خصائص جغرافية أو حضارية أو دينية معينة. ومع ذلك لا تقوم هذه التعريفات على فروق جسمانية. فالناس، مثلاً، يتحدثون خطأ في بعض الأحيان عن الجنس العربي أو الجنس الألماني أو الجنس الأيرلَنْدي، أو الجنس اليهودي. بيد أن هذه الشعارات لا تشير إلا إلى أوصاف عرقية أو قومية، وليس لها أدنى علاقة بالمفهوم الأحيائي للجنس.
الجنس والتمييز
يشتمل التاريخ على حكايات كثيرة عن أعضاء جماعة من الناس اعتبروا أنفسهم متفوقين على جماعة أخرى. ولقد استخدمت هذه المعتقدات طويلاً لتسويغ استرقاق الناس المستضعفين واضطهادهم. فعلى سبيل المثال، كان الرومان القدامى ينظرون إلى القبائل الجرمانية على أنهم جنس من الهمج لا يكادون يعدّون من البشر، وكذلك ادَّعى الأوروبيون الذين استقروا في أمريكا تفوقهم على الهنود الأمريكيين كي يسوغوا توسعاتهم في العالم الجديد. وفي الثلاثينيات من القرن العشرين نادى زعماء ألمانيا النازية بتفوق الألمان المنتمين إلى الجنس الآري الرفيع وبأن اليهود وغيرهم من الأقوام غير الآرية أدنى منهم مرتبة.
وليس لدى الخبراء أي أساس علمي لادعاءات التفوق هذه، ولكن كثيرًا من الناس ما زالوا ينظرون إلى غيرهم من الجماعات متأثرين بقوالب جامدة ، أي أنهم بالغوا في تبسيط أو تسطيح المعتقدات عن أعضاء تلك الجماعات، في ضوء تعميمات وأفكار سابقة. فمثلاً، قد وصفت جماعات معينة، في أزمان مختلفة، بأنهم سفلة، أو غير أمناء، أو خبثاء، أو فاقدون لروح الفكاهة، أو متبلدو الحسّ. وكثيرًا ما كان يحدث خلط بين هذه الأحكام والخصائص الجنسية، مع أنه لا شأن لها البتة بالمفهوم البيولوجي للجنس. بل إن كثيرًا من هذه الأحكام لا شأن لها أيضًا بالثقافة، فلا علاقة لها إلا بأوهام الذين أطلقوها وما عندهم من تحامل سابق. فالتمييز ينشأ من تلك القوالب الجامدة. ونتيجة لهذه المعتقدات يحظى أعضاء جماعات الأقليات في كثير من المجتمعات بفرص في التعليم والعمل أقل مما يحظى به أعضاء جماعة الأغلبية.
وشاع الاعتقاد بأن بعض الجماعات أذكى من بعضها الآخر لتبرير التمييز العنصري. ولكن العلماء بينوا أن ذكاء الشخص يحدده كل من الوراثة والبيئة. واستخدام الذكاء معيارًا في الموازنة بين جماعات البشر مسألة عسيرة للغاية، لأن قليلاً من هذه الموازنات فقط يمكن اعتباره عادلاً. فمثلا، الجماعة التي نالت حظًا أوفى من التعليم سوف تحرز نقاطًا أعلى في الاختبارات التي تقيس مستوى التعليم. وكذلك الجماعات التي تقدَّر القدرات الرياضية أو المهارات التقنية سوف تتفوق في الاختبارات التي تتضمن أمثال تلك القدرات والمهارات.
ويعتقد معظم الخبراء أنه من المستحيل تصميم اختبار ذكاء لا يتأثر بخبرات الشخص المختبرَ. ومع ذلك، يعكف العلماء على وضع اختبارات عادلة ثقافيا أو متحررة من الثقافات للتقليل من آثار اختلاف الثقافات في نتائج الاختبارات.
والاختلافات القائمة بين البشر تجعل عالمنا مكانًا فاتنًا ساحرًا تطيب فيه الحياة، بيد أن الناس إذا ما ركزوا اهتمامهم في تلك الاختلافات فإنهم كثيرًا ما يخفقون في تقدير مدى التشابة القائم بين البشر. ومعظم ما يقوم به الناس من تمييز لأنفسهم على من سواهم هو أكثر ارتباطًا بالحضارة والثقافة منه بعلم الأحياء (البيولوجيا).
أسئلة
كيف تؤدي الطفرة إلى حدوث التغيرات في العشائر البشرية؟ لماذا يتشكك معظم الأنثروبولوجيين الطبيعيين في وجود أجناس نقية في أي وقت من الأوقات؟ لماذا اعتبرت الحواجز الطبيعية شيئًا مهمًا في نظرية الأجناس الجغرافية؟ ما الصعوبات التي تعترض اتخاذ الذكاء أساسًا في الموازنة بين جماعات من البشر؟ ما الخاصية غير القابلة للتكيف؟ كيف تكون المقادير الكبيرة من صبغة الملانين مفيدة في بعض الأحوال وضارة في أحوال أخرى؟ كيف يستخدم الأنثروبولوجيون الممالات (الكلاينات) في دراسة التنوع البشري؟ كيف يختلف الجنس (العرق) عن النوع؟
المراجع
الموسوعة المعرفية الشاملة
التصانيف
تصنيف :ثقافات فرعية