توماس روبرت مالتوس، باحث سكاني واقتصادي سياسي من إنجلترا. مالتوس مشهور بنظرياته المؤثرة حول التكاثر السكاني. في العصر الحديث يتم منادته توماس مالتوس رغم أنه في حياته استخدم اسمه الأوسط، روبرت.
ولد مالتوس من أسرة إنجليزية ميسورة الحال، كان والده ملاك أراضٍ مثقف وصديق شخصي للفيلسوف جون هيوم ومن معارف جان جاك روسو. تلقى مالتوس تعليمه في البيت حتى دخوله "جيسز كوليدج" (Jesus Collge)، كامبريدج عام 1784. حيث تخصص في الرياضيات لكنه درس أيضا العديد من المواضيع وقد حصل على الجوائز التقديرية في الإنجليزية، اللاتينية، واليونانية. وحصل على لقب الماستر.
المعروف أن مالتوس لم يكن أول من بحث في نظرية نمو السكان، فابن خلدون بحث في ذلك منذ القرن الرابع عشر حيث تحدث عن الصلة الوطيدة بين عدد السكانومستوى الحضارة لان عدد السكان عامل هام في تقسيم العمل وفي النمو.
وهذا ما أعتقده جميع من جاء بعده من علماء الاجتماع ولكن فضل مالتوس هو في كونه وضع نظرية متكاملة في السكان وقد فرضها على علم الاقتصاد عندما اشار إلى وجود عامل يجب دراسته إلى جانب الأنتاج والتوزيع والتبادل، ذلك لأن العلاقة وطيدة بين تطور عدد السكان وتطور كمية الأنتاج، ويكون مالتوس بذلك قد أدخل من خلال ذلك عنصري الزمن والحركة في دراسة الفعاليات الاقتصادية في وقت كانت هذه الفعاليات ما تزال تدرس وتحلل على أسس سكونية راكدة، وكان لدخول عاملالسكان في صميم السياسة الاقتصادية أن تشكل علم خاص يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم الأقتصاد وهو علم السكان.
والجدير بالذكر أن آراء مالتوس عن الازمة الرأسمالية لا تعارض آراءه حول السكان وما أعلنه عن حتمية النقص في المواد الغذائية بالنسبة لزيادة السكان. إذ يعتبر أن عدد السكان يزيد وفق متوالية هندسية بينما يزيد الإِنتاج الزراعي وفق متوالية حسابية كما سيؤدي حتماً إلى نقص الغذاء والسكن.
ومن مؤلفاته (بحث في مبدأ السكان) وصاغ فيه نظريته حول السكان والتي ثارت ضجة كبيرة حيث ورد فيها أن الرجل الذي ليس له من يعيله والذي لا يستطيع أن يجد له عملاً في المجتمع سوف يجد أن ليس له نصيباً من الغذاء على أرضه فهو عضو زائد في وليمة الطبيعة حيث لا صحن له بين الصحون فإن الطبيعة تأمره بمغادرة الزمن.
مؤلفاته
ترجع شهرة مالتس في الفكر الإقتصادي إلى نظريته في السكان. فقد نشر في 1798م مقالة في مبدأ السكان، وأثرها على تقدم المجتمع، ثم أعاد نشر هذا المؤلف بعد عديد من التعديلات في 1803. ولكن مالتس نشر أيضاً في عام 1820م مؤلفاً في "أصول الإقتصاد السياسي"، وعدة مقالات أخرى في موضوعات متفرقة من الإقتصاد. وللأسف فإن هذه الدراسات لم تلق عناية الباحثين حتى وجه لورد كينز النظر إليها.
نظرية السكان
تبلورت أفكار مالتس في السكان نتيجة للمناقشات التي كانت تدور بينه وبين والده حول هذا الموضوع. فقد كان والده من المتأثرين بالفيلسوف جودوين وآراءه المتفائلة عن الطبيعة البشرية. فعند جودوين أن البؤس الذي عليه الناس إنما يرجع إلى النظم الإجتماعية الفاسدة السائدة، أما الطبيعية عنده فهي خيرة. أما مالتس فقد رأى العكس، فليست النظم هي المسئولة عن البؤس والظلم، وإنما تقع المسئولية على الطبيعة ذاتها. فقد لاحظ مالتس تزايد كل من السكان والموارد الغذائية مع مرور الزمن، ولكنهما لا يتزايدان بنفس المعدل. ويؤدي هذا الإختلال في معدل الزيادة إلى ظهور المظالم الإجتماعية. ولإبراز فكرته، عمد مالتس إلى تشبيه زيادة السكان بمتوالية هندسية في حين أن زيادة المواد الغذائية تكون في شكل متوالية عددية. وأشار مالتس إلى أن السكان قادرون على المضاعفة مرة كل 25 عاماً إذا لم تقم عقبات تحول دون ذلك. أما الإنتاج الزراعي فإنه لا يستطيع مواكبة هذه الزيادة.
ويؤدي الإختلال بين الزيادة في السكان والزيادة في المواد الغذائية إلى ضرورة تدخل عوامل خارجية من شأنها إعادة التوازن بين نمو السكان ونمو المواد الغذائية. وقد بين مالتس في أول الأمر أن هذه العوامل تتكون مما أسماه بالموانع الإيجابية مثل الحروب والمجاعات والأوبئة والأمراض.
يُلاحظ أن الآراء التي نادى بها مالتس فيما يتعلق بزيادة السكان أو زيادة الإنتاج من المواد الغذائية لم ترتبط بدراسة تطبيقية أو إحصائية
نقد النظرية
لقد أنتقد الكثير من الكتاب والأدباء الاقتصاديون نظرية مالتوس السكانية، وظلت نظرية مالتوس للسكان معتمدة لفترة طويلة بين الاقتصاديين في العالم، وأدت إلى حدوث كوارث إنسانية، حيث اتخذت مبررًا للإبادة الجماعية لكثير من الشعوب، وأجبر أبناء بعض العرقيات المضطهدة كالسود والهنود في أمريكا على إجراء التعقيم القسري، وإن اتخذ صورة تعقيم أختياري في ظاهر الأمر، ومثل تجربة التنمية السوفيتية في روسيا التي أستحلت بدورها إبادة أعداد كبيرة من البشر (يقال 12 أو 15 مليونًا) بحجة أعتصار التراكم المطلوب للتنمية والتقدم الصناعي. ويقول آلان تشيس في كتابه (تركة مالتوس) إن 63678 ألف شخص قد جرى تعقيمهم قسراً فيما بين عامي 1907 و1964 في أمريكا في الولايات الثلاثين والمستعمرة الوحيدة التي سنت مثل هذه القوانين. ولكن كان هناك في الحقيقة مئات الآلاف من عمليات التعقيم الأخرى التي كانت طوعية في الظاهر غير إنها قسرية جرت عنوة في واقع الحال. وأقتبس آلان تشيس من القاضي الفيدرالي جيرهارد جيل قوله في عام 1974 في خضم قضية ترافعت فيها المحاكم لمصلحة ضحايا التعقيم القسري للفقراء: (على مدى السنوات القليلة الماضية قامت الدولة والهيئات والوكالات الفيدرالية بتعقيم ما بين مائة إلى مائة وخمسين الف شخص سنويا من متدني الدخل الفقراء).
نظرية الطلب الفعلي
تناول مالتس في "أصول الاقتصاد السياسي" ما لا يقل أهمية عن نظرية السكان. فيمكننا القول بأن التقليديين بصفة عامة قد أخذوا بما يُعرف بعد ذلك بقانون المنافذ الذي يُنسب إلى الإقتصادي الفرنسي جان باتست ساي. ومقتضى هذا القانون أن العرض يخلق الطلب المقابل له والمساوي له. فعرض السلع-وهو محصلة الإنتاج- يعني توزيع دخول على عناصر الإنتاج بنفس القيمة. وهذه الدخول تتحول إلى طلب على السلع المنتجة. ومن ثم فإنه لا يتصور أن يكون العرض أكبر من الطلب. وكل ما يمكن أن يحدث هو احتمال نوع من الاختلال الجزئي في سوق سلعة معينة يقابله اختلال عكسي في سلعة أو أكثر، ولكن الاختلال لا يمكن أن يكون عاماً وشاملاً بوجود فائض مطلق في العرض. ومن هنا نستطيع أن نفهم منطق ريكاردو في أن الاقتصاد السياسي يحاول أن يهتم بمسألة التوزيع فقط، أما حجم الإنتاج فهو لا يثير أي مشكلة، ذلك أن الإنتاج يستقر دائماً عند مستوى التشغيل الشامل لأنه من غير المتصور أن يزيد العرض الإجمالي على الطلب الإجمالي، وهكذا لا يوجد أي مبرر لتوقف الإنتاج قبل مستوى التشغيل الشامل.
وقد ظلت هذه الفكرة-قانون ساي- أحد الأسس التي تقوم عليها الأفكار التقليدية حتى اهتزت تماماً مع أفكار كينز. فقد نازع مالتس قبل كينز في صحة هذا القانون، وبذلك كان من أوائل من أعطوا سنداً نظرياً للأزمات الإقتصادية. فقد لاحظ مالتس أنه ليس من الضروري أن يكون الطلب الإجمالي مساوياً للعرض الإجمالي، إذا كان هناك نقص في الإستهلاك وزيادة في الإدخار لم يعوضها طلب على السلع الإستثمارية. ففي هذه الحالة من المتصور أن يكون الطلب الإجمالي أقل من العرض الإجمالي، وهذا ما يؤدي إلى قيام ظاهرة البطالة. ولذلك فلم يقبل مالتس بصحة قانون المنافذ بشكل مطلق.
وقد دعم مالتس بهذا التحليل الدفاع عن طبقة ملاك الأراضي؛ فهذه الطبقة تتجه بطبيعتها إلى الإستهلاك، وبذلك تساعد على زيادة الطلب الفعلي، وتحول دون نقص الطلب الإجمالي ووقوع الأزمات الإقتصادية والركود. وهكذا برر مالتس وجود طبقة الملاك يحجة اقتصادية مستمدة من ضرورة الإبقاء على مستوى النشاط الإقتصادي مرتفعاً. فإذا كان أصحاب الأراضي من الطبقات المستهلكة بطبيعتها، فإنها تقدم خدمة للإقتصاد القومي بحفظ مستوى الطلب الفعلي عند مستويات مرتفعة. وقد ترتب على ذلك أن حظي مالتس بأكبر قدر من الهجوم من ماركس وأتباعه، وقد استدعى ذلك اعتباره-في نظر الماركسيين- اقتصاداً رجعياً. وبطبيعة الأحوال فإن مالتس لم يعرض أفكاره في إمكان قصور الطلب الإجمالي ومعارضة قانون ساي للمنافذ بالوضوح الكافي بما يسمح لنا بالقول أن كينز كان مجرد مردد لأفكاره؛ فقد كانت هذه الأفكار ضائعة في سجل المحاورات بينه وبين ريكاردو حول هذا الموضوع. ويعتبر كينز في الحقيقة هو صاحب نظرية الطلب الفعلي ومعارضة قانون ساي. ويعود إليه-كينز- في الحقيقة فضل صياغة هذه الأفكار بشكل واضح وإحياء دور مالتس فيها.
المراجع
aljazeera.net
التصانيف
مواليد 1766 وفيات 1834 سكان باحثون اقتصاديون بريطانيون اقتصاديون شخصيات العلوم الاجتماعية