وقفتُ أرنو إلى دهشتي أمام صمته ... كانَ يضعُ إبهاميه تحت ذقنه، مستنداً بكوعيه على الطاولة، يتأمَّلُ جموع الرَّاحلين ...ابتسمتُ في وجهه، رددتُ تحيَّته، ورشفتُ رشفة من فنجان قهوتي بسرعةٍ ، على غير عادتي ... قطَّبَ حاجبيه وكأنه يسأل عن سبب إعجابي بطريقته الغريبة في التأمُّل ... تذكرت لحظتها (زوربا) اليوناني ...
أشعلتُ سيجارتي، ونفثتُ سحابة من دخان، مُديراً وجهي إلى الناحية الأخرى ... انتصبَ واقفاً، وتقدَّمَ نحوي، سحبَ كرسيَّاً وجلسَ على بعد سنتيمترات من دهشتي، تأمَّل وجهي، ودون أن ينطق فهمتُ بأنَّه مسافرٌ أيضاً، ينتظر " البولمان " المتوجِّه إلى دمشقَ ...
نظر إلى ساعته، ثمَّ إليَّ وأنا أرفع فنجان قهوتي إلى فمي، وقبلَ أن أنظر إليه، قال :
ـ هل أنتَ مسافر؟
هززتُ رأسي موافقاً، وأنا أتناولُ رشفة أخرى فنجاني، .. وضعتُ الفنجان على الطاولة، وأغلقتُ الدفتر المفتوحَ أمامي، ثمَّ سحبته ببطءٍ، ورميتُ به في حقيبتي، ونهضتُ للذهاب ... مددتُ يدي إليه مصافحاً: " صار لازم روح، فرصة سعيدة ... "
نهض بتكاسل، ووضعَ يده في يدي، ونظر نظرة ملؤها الاستغراب، تجاهلتُ تلكَ النظرة، رسمتُ ابتسامة بلهاءَ على شفتيَّ، وتحاشيتُ أن أنظر إلى عينيه ...
تركتُه، ومشيتُ باتجاه " البولمان" ، وعندما ألقيتُ بنفسي في مقعدي، كانَ ينظر إليَّ من بعيد ... أومأ إليَّ مودِّعاً ... ومضى البولمان في طريقه، وظلَّ هو يترقَّب رحلة أخرى ...

قصيّ عطيَّة / سوريا

المراجع

pulpit.alwatanvoice.com

التصانيف

تصنيف :أدب  تصنيف :أدب عربي  مجتمع