في مكاني ....
منتظرا امتلاء الباص , أفرغتُ أياما قديمة على الرصيف المقابل , تجلسُ إلى جانبي أنثى تفسرً رائحة الدراق التي نضجتْ في صيفها .
استدارة للخلف وتقول: أغادر لأني فعل مغادرة ؟.
وبإحساس دائري بعيدا عما تعطيك الزوايا من تحديد للشعور ترتد نحو المركز لتصبح ذاتك المحصور بين قوسين لتنال منك الاستدارات.
بدءا برحم, قصيرة إقامتك فيه وثدي تبدله بإصبع تُضرب لأجله بعض الكفوف ,مرورا بسيجارة تشربها خفية؛ لكي تبقى صغيرا في حضرة أبيك, وكرة تركض خلفها وتجري معها لتدوسكَ بعدها .
مؤخرتها التي رسمتُ عليها القارات ثم لملمتها بشفتي قيصر توِجَ للتو سيدا للعالم, لفه للأمام, للخلف ,لليمين,لليسار , سر , قف , راوح في مكانك , كم تملك الأنثى حرية في تقديم الاستدارات ؟ بطن, ظهر, في حين أنت تعطي استدارة واحدة نافخا بطنها فقط وهي تنفخ فيكَ رأسكَ , قلبكَ ,عضوكَ.

اهتز الباص, استدرتُ نحوها مسحتها من فوق إلى أسفل , رجعتُ لمَ أنا عليه ,وما أنا عليه؟, الكرسي , قدمي , السرير , جسدها , ما لم يخطر على بالي يوما أن تكون فوقي ,هل سهوتُ عن ذلك أو سهونا؟, لربما تقصدنا ذلك تاركين بعض ما رفضناه في متحف لا شعورنا , لو ناقشنا ذلك قليلا لاكتشفنا أنه لم نتقدم حقيقة فيما نظرنا فيه على طاولات المقاهي, متقابلين فيها وجها لوجه , جنبا لجنب , مفوضين يدينا بكل الصلاحيات , لاختصار هذا الجسد المتهالك, ليتعرى في غرفة ,عملتُ جاهدا على تدبيرها.

اعترفتُ لها بحبي في اللقاء الثاني لكنّها تأخرتْ كثيرا لتلفظ تلك الكلمة مع أني أشكُ في قولها لها مع أنها قبلت جسدي فوقها مبكرا , همست لي يوما: تستطيع تنظيف هذا الجسد ولكن نادرا ما تستطيع التخلص من كلمة تفوهت بها.

لم ترض لجملها إلا التوازي ولنقم ما شئنا من الجسور والتقاطعات , ألوانها حقيقة وليست انكسارا للضوء , فأحمر عذريتها نبيذي وبياضها لا يتضمن غير السواد ,
تغلق سماعة الهاتف أمامي معللة ذلك بكرهها لصوت التون المتقطع , لو كان قلبي يدقُ دقه مستمرة ولا يسقط عضوي باهتزازات متتالية لمَ انهارت قبلي وتركت أنفاسي تلفح وجهها, ألهذا غادرتْ ؟ أم أن الكلام يبقى كلاما.

لو أنّ الحياة جملة واحدة وكفى ....
ناظرا إليها ,والشاي فاض من كأسي.
صدر يعلو, يهبط والباص يعلو, يهبط وأنا أرتقي ذكريات وأنحدر مع اهتزازة دائمة قادت نعاسا يهمس بصوت قديم ...

لا تستطيع المقارنة بين طاولة وغرفة.
عارضتني كثيرا لمَ أبدلتُ الغرفة بأخرى ,نسختُ أثاث الغرفة السابقة هنا, كما كانت هناك إلا الشباك الذي تمنع واتجه نحو الشمال, فعلقتْ على الحائط الجنوبي لوحة لنورس اجتاح الأفق , لم أفهم تماما ارتباطها بغرفة لقائنا الأولى وهي لم تعطِ تفسيرا أو سمحت لي أن أحل هذا الارتباط إلى خيطه الأخير مع معرفتي أنها كانت تعاقبني بصمتها.

إلى أي درجة تتمسك المرأة بالمكان؟, أدركتُ ذلك لما رقصتْ عارية في وسط الغرفة وكأنها تعمدها.

باحتْ بالقبول وأنا أدخن السيجارة الثالثة بعد أن ذبل عضوي , انتزعتْ سيجارة وخرجتْ ,أنها لآخر الليل عندما تفرغ مثانتها كما اعتادت أن تفرغ العالم من معالمه وتشكله كجديلة لفتاة لم تأتِها دورتها , صرختْ يوما في وجهي: إن هذه الدماء صوت الجرح الدائم لهذا الخلق المنكوس دوما نحو السماء.
الاهتزاز المتواتر المقطوع بعدد من المطبات والحفر, ضربات الفرام ,
آه أي سرير كنا ركبناه؟ لو كان هكذا وهي تستقبلني بأرقام ميلادها الأربعة ,
تسلل النوم إليها , أرختْ رأسها ولو قليلا على كتفي.

أتشمم رائحة الدراق, نفسُ إيقاع الأنفاس وهي نائمة على صدري , يرتج الباص نتيجة دخوله بحفرة , تعدل وضعها , تشكل صمتها من جديد, لابد أن تكون أجالت نظرها عليَ من زاوية عينيها, تحركتُ قليلا لعب الهواء بستارة عينيها , رياح ,من أين ؟ من ناحيتها حاملة شعرها لاسعا وجهي, أغلقت النافذة الشمالية وفتحت الجنوبية , هدأ شعرها.


أنا من قطعتُ التذاكر, راقبتني من بعيد . لم يكن لها ظل ولربما خفيف لكثرة الإضاءة الليلية, نائمة على كتفي ككتاب يضطجع على صدر صاحبه بعد أن غلبه النعاس.
أطوقها بيدي, تتجه نحوي بوضعية جنينية , تهمس بأذني , أتشهى السمك , أنا حامل من ذكر السمكة الحمراء في الحوض الدائري في غرفتكَ الجديدة, سأنجب حور ية ولن تبيع صوتها بقدمين.
- سأبيع كل شيء من أجل ذيل سمكة.

- سأصطادكَ من عيون البحارة سأرمي شباكي في تفاصيل الأزرق وسأضعك في الحوض الدائري في غرفتنا .
- سأتزوجكِ على جرف شط عال ونقفز إلى البحر.

أزيحُ ستارة وجهها , أصمتُ شفتيها, أقيسُ مسافة عنقها واستدارة نهديها, فيتضخمان كبالوني عيد ميلادها ويرتفعان في فراغ الباص, تعلوهما صدارتها, أتسلق, أجلس على قمة حلمة نهدها الأيمن وأرقب العالم من فوق , يمتد سهل بطنها نحو الأسفل أتدحرج كقلم حمرتها من حقيبتها راسما خطا أحمرا على طول المنحدر,أعود صغيرا , طفلا في الرابعة لربما أصغر , لم يعد لي زمن لا جسد ولكن لي كل المفروض لأتوغل قدما, بين الحين والحين أنظر إلى الأعلى لأرى عينيها تبرقان بحنان وصمت يهمس امضِ.
سائل أحمر خضَب يديَ , فضضتُ عذريتها بجسدي كاملا , إنه ولوج كامل,
ينوس الضوء من خلفي لتضمني عتمة دافئة أتلمس الدرب عبر دقات قلبها المتسارعة ليسود بعدها صمت طويل.

الريح باردة , وصوت سيارة إسعاف يرسم شفاه الصمت, مازالت بقربي نائمة , مازلت في داخلها غافيا,أقف قريبا من قبرها , تهتز أنصال العشب الصغير بتواتر.
إنه اهتزاز باص بضوء أزرق داخلي.

التذاكر تلعب بهما الريح ,تفلت أحدهما تطير لا أحرك ساكنا أتابع عمال الشحن وهم يرحلون حمولتي عن الرصيف المقابل.
التفت إلى فتاة الدراق بجانبي , الثلج ينهمر خارجا , امسح الزجاج و..............


المراجع

aleftoday.info

التصانيف

فنون  أدب   الآداب