امتلاك المليارات ليس رائعا والثري الذكي هو من يتبرع بماله.. هذا ما قاله أثرى أثرياء العالم بيل جيتس، شارحا الجانب السلبي في الثراء، وكم كان لافتا تأكيده على أن ترك الثروة للأبناء أمر غير جيد. جيتس ترك عمله في مايكروسوفت وتفرغ للأعمال الخيرية، وصاحبه الآخر بارون بافيت تبرع بـ37 مليار دولار أمريكي لهذه الأعمال، أما دخل مصلحة الزكاة في السعودية في الأشهر الثمانية الأولى من العام الهجري الحالي فقد بلغ نحو ملياري دولار، نعم مليارين فقط وليس 20 مليار دولار.

مع التأكيد على أن مصلحة الزكاة ليست المنفذ الوحيد للزكوات في البلاد، ومع ملاحظة أن هناك من رجال الأعمال الأثرياء، وغير الأثرياء، يفضلون إخراج زكاتهم بأنفسهم، إضافة إلى التبرعات الخيرية التي يقدم عليها البعض منهم، لكن في كل الأحوال لا يمكن مقارنة حجم الدورة الاقتصادية للمستثمرين في السعودية، بنصيب الأعمال الخيرية من هذا الدخل، بل إن دخل مصلحة الزكاة في عام واحد يمكن اعتباره قيمة الزكاة الحقيقية لاثنين أو ثلاثة من كبار الأثرياء، مرة أخرى: أين هم من الأعمال الخيرية؟

ليس من المبالغة القول إننا لم نشهد في السعودية حتى الآن تجربة حقيقية واحدة منظمة بتوجيه الثروات المليارية لرجال الأعمال نحو أعمال الخير، باستثناء بعض التجارب الفردية التي لا يمكن القياس عليها إطلاقا، وإلا أين الثري الذي خرج علينا ليعلن: ها أنا أتبرع بثلث ثروتي، مثلا، لأعمال الخير، كل ما نقرأه ونسمعه هو مبالغ معدودة، ربما يراها البعض كبيرة في قيمتها، لكنها في الحقيقة صغيرة جدا جدا، مقارنة بثروة صاحبها، فماذا سيفعل أصحاب المليارات بثرواتهم بعد رحيلهم عن هذه الدنيا؟ لا شيء سوى أنهم يورثونها ذريتهم، وهو أمر أتفق مع بيل جيتس على أنه سيكون أمرا غير جيد، والشواهد كثيرة هنا تحديدا.

من يلحظ كيف (تتوسل) بعض الجمعيات الخيرية من أجل تبرعات هي في أمس الحاجة إليها، يعي أن الشق أكبر من الرقعة في العمل الخيري السعودي، فالغالبية من كبار الأثرياء، وصغارهم أيضا، مؤمنون بأن تقديمهم لأقل القليل من هذه التبرعات، بأنه منّة ومبادرة منهم، وهذا بكل تأكيد مفهوم خاطئ، شرعا وعرفا، فهو ضمن الواجبات الأساسية المنوطة بهم، بل إن البعض لا يخجل بالمجاهرة بأن المساهمة في القضاء على الفقر هي من مسؤولية الدولة وحدها. عجبا لهم، يتكسبون من وراء مشاريع هذه الدولة مليارات المليارات، ثم يبخلون على أعمال الخير بالنزر اليسير مما يربحون.

أرجو ألا يبدو هذا الحديث وكأننا نبجِّل لقامات تجارية عريقة حرصها على عمل الخير، في السر والعلن، غير أن أي مراقب لحجم التبرعات الخيرية داخل السعودية، يستطيع أن يلحظ غياب ثقافة العمل الخيري المؤسسي، إلا من رحم ربي، مع وجود بعض المؤسسات الخيرية التي ربما قد تكون نافذة مهمة لهذه التبرعات، لذا فمن المحزن أنه في الوقت الذي تعتبر الزكاة من أركان الدين ولا نرى إلا القليل ممن يعمل لها، فيما يتبرع أثرياء العالم بثلث ونصف ثرواتهم وليس 2.5 في المائة سنويا فقط، وأخشى ما أخشاه أن نفقد رجال أعمالنا واحدا بعد الآخر لو عرضنا عليهم فكرة التبرع بنصف ثرواتهم ما داموا على قيد الحياة


المراجع

صحيفة نسيج الإلكترونية

التصانيف

إسلام