برز الاهتمام بالتربية القومية شكلاً من أشكال الرد الطبيعي على الاستعمار، والدعوة إلى فكرة الوحدة العربية التي عملت على رص صفوف حركات التحرر الوطني العربية في مرحلة النضال ضد السيطرة الإمبريالية. ولا تزال حتى اليوم تمثل أحد العوامل الرئيسة في حياة العرب السياسية المعاصرة.وقد كانت الحركة القومية العربية منذ البداية تتسم بطابع علماني. وترتكز إلى تشابه المشكلات التي تعترض طريق التطور الاجتماعي في البلدان العربية. وتستند إلى وحدة لغة الشعوب العربية وتاريخها.واتسمت التربية القومية العربية بأنها تربية إنسانية ديمقراطية، هدفها إلغاء مبدأ الصراع بين القوميات، وسعت لتفتيح المواطن العربي على الوجود الإنساني وإنماء مشاعره الإنسانية. وتعد التربية القومية العربية أن التحرر القومي جزء من التحرر الإنساني.والتربية القومية العربية ذات نزعة روحية فهي تؤمن بالمثل التي تعلو على حدود القوميات، وترى أن الإنسان الحق هو الذي يسمو فوق وجوده المادي ليتصل بقيم الحق والخير والجمال. ولاسيما أن هذه السمات الأخلاقية كانت من سمات العرب خلال تاريخهم.كما تبرز القيم الديمقراطية للقومية العربية بما تتضمنه من مساواة وإيمان بالإنسان والاتجاه نحو الجماهير وتحريرها. وهذا المبدأ الديمقراطي غاية ووسيلة، إذ عن طريق الديمقراطية نحسن تربية الإنسان، وعن طريق تربية الشعب على أساليب الحياة الديمقراطية نصل إلى تحقيق المبدأ الديمقراطي.وتؤكد التربية القومية العربية القيم الاشتراكية القائمة على المحبة والعاطفة القومية التي تذيب الصراع بين الطبقات وتشرك جميع المواطنين في البناء الاشتراكي.     وقد كان لمنظري الحركة البارزين مكانة مهمة في الحياة الاجتماعية العامة. ويأتي في طليعة هؤلاء العالم العربي المنور ورائد المنحى العلماني في الفكر القومي العربي ساطع الحصري[ر] الذي كان له قدرة على رؤية القوى الاجتماعية التي تصلح لأن تكون ركيزة للتوجه القومي التقدمي، وانعكس ذلك في نقده الجاد للجانب الرجعي في قومية الأمم المضطهدة الذي بدأ يظهر بعد استقلالها السياسي واعتبر أن جوهر التربية هو نشر الإيمان بالفكر القومي وتوسيع الوعي بين أبناء الأجيال والعمل على نشر الثقافة القومية العربية التي تعمل على إلغاء الاختلافات بين الأقطار العربية. وهي مرتبطة عنده بأفكاره عن القومية بشكل عام وعن القومية العربية خاصة فضلاً عن تأثرها بالفكر الغربي القومي والتربوي.ويرى الحصري أن التربية القومية هي السبيل لتأكيد الفكر والشعور القومي وتعميقه بين أبناء الأمة العربية ثم تجسيده في هدف الوحدة.وحدد الحصري أوصاف التربية القومية بأنها تربية عربية خالصة، مستمدة من مبادئ القومية العربية بالدرجة الأولى، وتعمل على تحقيقها في الناشئة ويمكن تلخيصها في المبدأ الذي يعني انفتاح الفرد العربي على قيم العالم وغرسها في العقل العربي.كما دعا الحصري إلى ضرورة توحيد حركات التحرر الوطني، وصياغة خطة أيديولوجية للحركة التحررية. وللاعتزاز بالماضي والعمل على إصلاح الحاضر والتطلع إلى المستقبل الأفضل.وكان يرى أن نشر الوعي والفكر القومي هو هدف تربوي يمكن تحقيقه من خلال الثقافة القومية العربية والتحرر مما أسماه «بالعبودية الثقافية» الأوربية لأنها تشكل خطراً جدياً على الثقافة القومية العربية.ويرى الحصري أن التربية الوطنية والقومية تأتي في مقدمة مقومات التربية والتعليم لأن التربية يجب أن ترتكز على النظرة الإبداعية الخلاقة.أما التربية القومية كما وردت في المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي فهي: خلق جيل عربي جديد يؤمن بوحدة أمته وخلود رسالته، متفائل ومتضامن ومناضل في سبيل تحقيق الثورة العربية الشاملة وتقدم الإنسانية، مؤمن بالعلم والتفكير العلمي. فالتربية من هذا المنظور هي تربية ثورية تقوم على العلم والتراث العلمي والإنساني. فهي قد بعثت الحياة الجديدة في الأمة وفجرت انعكاساتها ومنحت روح التمرد على كل مايعيقها عن التقدم، وتهدف إلى تنشئة وتهيئة جيل منسجم مع ذاته ومع أمته تراثاً وفكراً، ويتمتع بميزات المعرفة والوعي العلمي.التربية القومية عالمياًيبرز التفكير القومي والتربية القومية عند فيخته (1762-1814) في خطبه إلى الشعب الألماني، التي وجهها عام 1807 في إثر الاحتلال الفرنسي لألمانية، منطلقاً من قوله: «لقد فقدنا كل شيء ولم يبق لنا سوى التربية».وعليه فالشعب الألماني في حاجة إلى الولادة من جديد حتى يتغلب على مشاكله ويؤدي أدواره المذكورة، والتربية القومية هي السبيل الوحيد لذلك. لأنها تربية فعالة تعد الفكر الخالص المبدع لا الذاكرة المشحونة بالمعارف الميتة. وهي تحمي التلميذ من محيطه الفاسد، وتوجه أبناء الشعب لتولد فيهم الفاعلية الروحية التي تمكنهم من التقدم باستمرار، ومن الاتحاد في حياة أخلاقية وقومية.ويدعو فيخته إلى قيام الدولة بمهام التربية القومية فهي قادرة على ذلك برغم انتصار فرنسة عليها، وهي في حاجة إلى هذه التربية لتنهض بالشعب الألماني من جديد وتجعله جيشاً يستحيل قهره.وكانت القومية في عهد النازية تعزيزاً لمشاعر الاستعلاء على الشعوب الأخرى وتمجيداً للعرق الألماني الصافي (بحسب زعمهم) الذي يجب أن يخضع العالم لسيطرته.ويخاطب فيخته الشعوب الأخرى قائلاً «إنكم وثنيون وفاسدون ومختلون أما نحن فإننا وحدنا الشعب الحي، إننا الشعب الأولي شعب الله المختار».أما المربي الأمريكي جون ديوي فقد تطرق إلى التربية القومية في أكثر من موضع في كتاباته التربوية الفلسفية، ففي كتابه الديمقراطية والتربية يخلص إلى نتيجة أن إحدى المشاكل الكبرى للتربية التي تقوم في جماعة ديمقراطية وتعمل من أجلها، مصدرها الصراع القائم بين هدف القومية والهدف الاجتماعي الأوسع. لأن الشعب الأمريكي مزيج من عدة شعوب تتكلم بألسنة مختلفة ذات تقاليد متباينة وويرى ديوي أن المبدأ القومي الذي ندعو إليه هو «أن نكون شعباً واحداً من شعوب مختلفة».أما التربية القومية الصهيونية فهي ترتبط بالبنية الحلولية التي ترى أن اليهود شعب الله المختار. وقد حول الصهاينة فكرة النخبة الصالحة إلى فكرة سياسية. فظهر تيار نتشوي دارويني يسري في الفكر الصهيوني، يرى أن الصهاينة هم البقية التي شيدت الدولة الصهيونية لتكون مركزاً لليهود في العالم، ولتحفظهم من الاندماج والانصهار. ومن هذا المفهوم، فإنهم يؤمنون بضرورة نفي الدياسبورا (القضاء على الجماعات اليهودية) واستناداً لهذا المفهوم فإن الصهاينة فاوضوا أيخمان والنازيين وعقدوا معهم الصفقات. وبموجب إحدى هذه الصفقات وافق أيخمان على السماح بترحيل بضعة آلاف من اليهود إلى فلسطين مقابل أن تتم عملية شحن يهود المجر إلى ألمانية في هدوء ونظام لتتم إبادتهم.وقد وصف أيخمان هذه النخبة التي أرسلت إلى فلسطين على أنهم «من أفضل المواد البيولوجية» وهذا يدل على أن المفهوم الدارويني الخاص بالبقاء للأصلح يلتقي بالمفهوم الصهيوني الخاص ببقاء النخبة.وبعد الحرب العالمية الثانية أخذ المفهوم بعداً جديداً تحت مصطلح (البقية الباقية) وهم اليهود الذين لم يبادوا، وهم الذين عليهم أن يضطلعوا بالمهمة المقدسة، وهي تأكيد البقاء اليهودي والحياة القومية (الصهيونية الاستيطانية) وتأسيس دولة اسرائيل.ويرفض الكثير من اليهود إما من منظور ديني أو ليبرالي اشتراكي فكرة القومية اليهودية فيرون أن اليهود ليسوا شعباً وإنما أقلية دينية.كما أن هناك تياراً فكرياً داخل إسرائيل يسمى «الحركة الكنعانية» نسبة إلى أرض كنعان يرفض فكرة القومية اليهودية ويطرح شعار فكرة «القومية الإسرائيلية».والتربية القومية اليهودية مصطلح يفترض وجود شعب يهودي ذي تاريخ مشترك ومصير مشترك إلا أن هذا الافتراض لاتدعمه الحقائق التاريخية لعدم وجود شعب واحد باستثناء فترة قصيرة من تاريخهم أي منذ استقرارهم في فلسطين نحو القرن الثاني عشر ق.م حتى القرن السادس ق.م عند تهجيرهم إلى بابل.وما الوطن القومي في رأيهم إلا فلسطين وهي أرض الميعاد مع أن أكثرية الوقائع التاريخية لا تساند هذا القول. وأن عدد اليهود خارج فلسطين فاق عددهم داخلها قبل هدم الهيكل. وأن أغلب الهجرات إلى الولايات المتحدة. ولو كانت فلسطين هي أرض اليهود القومي لاتجهوا إليها. ولم يعد يشار إلى أن الولايات المتحدة هي منفى وإنما هي وطن قومي آخر لليهود. وهي التي تحقق متطلبات المهاجرين المادية. ولا نعلم هل هي وطن قومي ثان أم أول لهم. وقد حسم اليهود القضية إذ حولوا إسرائيل (فلسطين) من وطن قومي إلى مسقط رأسهم. أما الوطن القومي الحالي الذي يعيشون فيه بالفعل فهو الولايات المتحدة. وبذا أصبح اليهود أمريكيين يهوداً على غرار الأمريكيين العرب أو الأمريكيين الإيرلنديين. وهذا يعني أن أسطورة الذات الجديدة تصفي الأسطورة الصهيونية. إذ إن مسقط الرأس إسرائيل هو البلد الذي يهاجر اليهودي منه لا إليه.تاريخ التربية القومية في عهد الثورة الصناعية والثورة المعلوماتيةترافق ظهور التربية القومية مع تطور الرأسمالية في أوربة الغربية في القرنين السابع عشر والثامن عشر.فالرأسمالية الباحثة عن أسواق لتصريف بضائعها وجدت في السعي لإقامة دولة قومية واحدة لكل شعب من الشعوب الأوربية وسيلة لإنشاء سوق واحدة لكل دولة تستهلك هذه السلع والبضائع.ومع ظهور الدول القومية بدأت تظهر النظريات القومية في التربية. وبرز مجموعة من العوامل ساعدت على ظهور نظريات التربية القومية في أوربة بدءاً من اللغة والأرض والدين والعرق والتاريخ المشترك والمصالح الاقتصادية والإرادة المشتركة.أسهم التقدم الصناعي في تغذية القومية، لأن المصالح القومية تتحقق من خلال عملية الاكتفاء الذاتي، وهذا ما يعزز تلك المصالح. فقد عززت شبكات الاتصالات والطرق العامة ووسائل المواصلات والإعلان والتلفزيون والإذاعة التجانس القومي، وشجعت المواطنين على التكلم والعمل وفق أساليب قومية. وانطبع كلٌ من القرنين التاسع عشر والعشرين بطابع الحركات القومية، وسميا عصر القوميات لأن ما جرى فيهما من أحداث سياسية غيرت معالم خارطة أوربة السياسية، وهذه الأحداث جرت من خلال تغلغل الفكرة القومية في نفوس أبناء الأمم الأوربية، مما دفع إلى تأسيس دول قومية. ويعدُّ القرن التاسع عشر عصر التنوير وعصر العقل والتفكير الديمقراطي وتقرير المصير القومي.كما تأثرت التربية القومية بالثورة المعلوماتية بالمتغيرات الهائلة على صعيد المفاهيم السياسية والاقتصادية فبرزت إلى السطح مفاهيم جديدة مثل العولمة، والمصالح الاقتصادية التي تلغي الهوية القومية ومن ثم التربية القومية.وتبدو التربية القومية في نظر ماركس معنى وهمياً لرابطة لا أساس لها وجدت في مرحلة معينة من التاريخ هي المرحلة البرجوازية وستنتهي بانتهاء هذه المرحلة، وأن الخطوة الأولى لتحطيمها يجب أن تأتي من اتحاد العمال على مختلف جنسياتهم فالماركسيون لا يعترفون بالمسألة القومية ولا بالتربية القومية، وهم يرون أن المسألة القومية توصلت في المرحلة الإمبريالية في نهاية القرن العشرين لاتجاهين تاريخيين أثرا فيها، ففي المقام الأول: ولدت المعالجة الرأسمالية التطورية شعوراً بالقومية أدى إلى ظهور الحركات القومية المضادة للاستعمار، وفي المقام الثاني شهدت العلاقات بين دول عديدة اتصالات قوية متبادلة بين حقول مختلفة أدت إلى ظهور الوعي القومي. 

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

التربية والفنون   تربية وعلم نفس