ليست السريالية Surréalisme جوهراً يعرّف بذاته، بل هي مجموعة الأفكار والإنتاجات والأفعال والمواقف الخاصة بالمشاركين في الحركة التي أسسها أندريه بروتون André Breton في باريس عام 1924 وجمعت نخبة من الكتاب والشعراء أمثال لوي أراغونLouis Aragon، وبول إيلوار Paul Éluard، وأنطونان آرتو Antonin Artaud، وبنجامان بيريه Benjamin Péret، وفيليب سوبو Philippe Soupault، وروبير دسنوس Robert Desnos وعرفت باسم الحركة السريالية. شكّل بروتون محور الحركة والضامن لاستمرارها، فإن ضعفت المجموعة الملتئمة حول الشاعر المنظّر لسبب أو آخر، كما جرى بعيد نهاية الحرب العالمية الثانية، كان بروتون يعيد تشكيلها بمن بقي وفياً لها، ولا يتردد في إضافة أعضاء متحمسين جدد. ولم تنحصر السريالية في فرنسا بل امتد إشعاعها إلى عدد من الدول الأخرى فتشكلت مجموعات سريالية وطنية كان أشهرها المجموعة البلجيكية التي عارض ناشطوها بروتون في كثير من مبادئه، من دون أن يدفع ذلك بسرياليي باريس إلى عدم الاعتراف بهم. كما امتد إشعاعها إلى العالم العربي حيث ظهر أول الأدباء المتحمسين لها في مصر (ألبير قصري وجويس منصور) قبل أن تنتقل إلى سورية (أورخان ميسّر) وغيرها من البلدان.المجموعة السريالية بريشة ماكس إرنست1ـ رينيه كريفيل 2ـ فيليب سوبو 3ـ هانس آرب 5ـ ماكس موريز 6ـ دستويفسكي 7ـ رافائيل  8ـ تيودور فرنكل 9ـ بول إيلوار10ـ  جان بولان 11ـ بنجمان بيريه12ـ لويس آراغون 13ـ أندريه بروتون 14ـ يوهانس تيودور بارغليد15ـ غيورغو دي كيريكور 16ـ غالا إيلوار 17ـ روبير دسنوسيعد كتاب «البيان السريالي» (1924) Le Manifeste surréaliste البيان المؤسس للحركة، إلا أن السريالية لم تولد معه بل تعود إرهاصاتها إلى الرواية السوداء Le Roman Noir في إنكلترا وإلى الرومنسية الألمانية، وإلى المفكرين السباقين في تحرير اللذة مثل فرويد  Freudوالمركيز دي ساد de Sade. ويعترف السرياليون بتأثير مجموعة من الشعراء فيهم، مثل رامبوRimbaud، ولوتريامون Lautréamont وجاري Jarry، وأبولينير Apollinaire، إضافة إلى عدد من الفنانين مثل دي كيريكو de Chirico وبيكاسوPicasso.لايجمع بين السرياليين الأوائل مبدأ شامل، ولا حالات انفعالية متشابهة. غير أن حرية الفكر، وما وضعته الحرب العالمية الأولى من عوائق أمام ممارسة هذه الحرية، كانت هي الخلفية التي انطلقوا منها كلاً بمفرده. لم يكن هاجسهم الكتابة عن الحرب وأثرها في حرية الفكر، وإنما كان، منذ البداية، البحث عن الطرق التي يمكن فيها للفكر ألا يتأثر بالأهوال التي تولّدها الحرب. وعلى هدى كتابات جاك فاشيه Jacques Vaché وقصائد أبولينير وجدوا أن السخرية والشعر هما الشكلان الأمثلان للتعبير عن حرية الفكر، بعيداً عن حتميات الواقع. لكن السريالية لم تقتصر على المعايير الشكلانية لتعبر عن هذه الحرية، بل وضعت أيضا تصوراً عاماً يتناول ذات الإنسان كما يتناول علاقاته مع المجتمع والعالم. وقد كان هذا التصور ناظماً لمجمل المواقف السياسية والأخلاقية التي اتخذتها الحركة وزعيمها بروتون. فالإقصاءات الكثيرة التي تعرّض لها أعضاء كثيرون في الحركة لا يمكن تفسيرها على أساس جمالي أو شخصي وإنما على أساس سياسي وأخلاقي.تتأكد حرية الفكر، في نظر السرياليين، بمعارضة كل ما يعمل على تقييده وفق مسار محتوم. وهذا ما يعطي لأعمالهم صفة الثورية والتمرد على كل نظام. ولم يحاول السرياليون التملّص من هاتين الصفتين بل سعوا إلى تعزيزهما من خلال رفضهم لفكرة الإله والوطن وسيادة القانون. ويعبر بروتون عن هذا الموقف في البيان الثاني للسريالية الذي نشره ضمن كتابه «الثورة السريالية» (1929) La Révolution surréaliste حيث يقول: «علينا البدء من الصفر، وكل الأساليب يجب أن تكون ناجعة لتقويض فكرة العائلة، وفكرة الوطن، وفكرة الدين»، وهذا ما دفع الكثيرين إلى ربط السريالية ربطاً خاطئاً بالعدمية Nihilisme والشيطانية Satanisme.السريالية ليست حركة تشاؤمية، إذ أن هناك أملاً يحفزها ويشجع معتنقيها على البحث عن «الحياة الحقيقية» التي وجدوا الإشارة إلى إمكانيتها في قصائد رامبو. وضمن عملية البحث هذه كان لا بد للسريالية من القطع مع النظام الاجتماعي القائم، ففعلت ذلك بدايةً عبر سلسلة من الفضائح المفتعلة في صيغة رسائل هجاء مثل رسالة بعنوان «جثة» Cadavre بمناسبة وفاة الكاتب أناتول فرانس Anatole France، أو «رسالة مفتوحة إلى كلوديل» Lettre ouverte à Claudel، وبقيت هذه المواقف بعيدة عن الالتزام السياسي. لكن الأحداث التي كانت تمر بها فرنسا (الحرب في الهند الصينية، حرب الريف في المغرب) دفعت بالسرياليين إلى إعادة النظر في موقفهم من الفعل الثوري، مما دفع بأحد أعضاء الحركة وهو بيير نافيل Pierre Naville إلى وضع كتاب «الثورة والمفكرون» (1926) La Révolution et les intellectuels يهيب فيه برفاقه السرياليين أن يتجاوزوا الهم الأخلاقي الذي وضعوه أمام أعينهم والانتساب إلى الحزب الشيوعي الفرنسي. ومع أن بروتون كان قد وجّه انتقاداً شديداً لسياسة الحزب في «دفاع مشروع» Légitime défense لم يرفض الفكرة فانتسب هو وأراغون وإيلوار وبيريه وبيير أونيك Pierre Unik إلى الحزب بعد أن كتبوا انتقاداً شديداً لرفاقهم رافضي الانتساب مثل آرتو وسوبو. لكن اللقاء بين الحركة والحزب لم يعش طويلاً إذ كانت الحركة تصرّ على المحافظة على استقلالها في حين كان الحزب يصر على رضوخها لأوامره. وغدا الفراق بينهما أكيداً إثر مؤتمر الأدباء عام 1935، وانسحاب أراغون من الحركة.يُعرِّف بروتون السريالية في البيان السريالي بأنها: «الآلية النفسية الصرف التي نحاول بوساطتها التعبير شفاهةً أو كتابةً أو بأي شكل آخر عن النشاط الحقيقي للفكر. هي إملاء فكري متحرر من كل رقابة يفرضها العقل، ومن كل هم جمالي أو أخلاقي»، ويضيف: «إن السريالية تقوم على الإيمان بوجود حقيقة متعالية مكونة من أشكال غير معروفة من الارتباطات». ويظهر هذا التعريف مدى تأثر السريالية بالتحليل النفسي، فحسب فرويد تكمن الحقيقة العميقة للفكر الإنساني في لاوعيه. والسرياليون يريدون الكشف عن كل ما هو خفي لدى الإنسان. ولا بد لفعل ذلك من التحرر أولا من ضغوطات «الفكر المراقِب» وهذا ممكن لرواد الحركة باللجوء إلى طريقتين في الكتابة: الكتابة الآلية الصرف والكتابة الصُدفية. وتشترك الكتابتان بالابتعاد عن كل بناء لغوي عقلاني. لكن الأولى تكون بإطلاق حرية التعبير الآلي لما يعتمل في النفس البشرية (بوساطة الكتابة الحلمية مثلاً، وضحك المصابين عقلياً، والهلوسة، وكلام الأطفال…) وتكون الثانية بانتظار الكشف أو انبعاث الإشراقة المتولدة من التقاء بالمصادفة لم يكن لعقلنا أي دور في تدبيره. وفي الحالة الأخيرة تتجلى حرية الفكر من خلال مقدرته على إكساب معنىً لأية مصادفة. وهذا ما يشير إليه بروتون في البيان السريالي بقوله: «من الممكن أن نطلق اسم قصيدة على ما نركّبه من رصف عشوائي لعناوين أو لمقاطع من عناوين جريدة يومية».هذا الكشف غير المنتظر يحدد لدى السرياليين معنى الصورة الجميلة التي يمكن تعريفها بأنها تقارب حقيقتين لا تجمع بينهما علاقة منطقية. لكن ليس كل تقارب من هذا النوع منتجاً بالضرورة للجميل، إذ ثمة عنصر آخر لا بد من توافره في الجميل وهو الحياة. فالسرياليون يرفضون الجمال البارد، المعروض، ويطالبون بجمال مزعزِع، «مثير للقشعريرة» حسب تعبير بروتون. الجمال الوحيد المقبول سريالياً هو ذاك الذي «يجعل مشاهده كالمسمار مثبتاً إلى الأرض». لهذا السبب ينفصل الانفعال الشعري لدى السرياليين عن الانفعال الأدبي، ويتجاوزه، ليصبح أقرب إلى الانفعال الإيروسي الجامع بين الروحي والجسدي، الانفعال الذي لا يقبل بالاختزال إلى التعلق العاطفي ولا إلى الإحساس الشبقي.هذا الانفعال هو ما تقدمه صورة المرأة في الكتابة السريالية. فالمرأة، كما يقول بروتون في كتاب «الحب المجنون» L’amour fou هي «انصهار الطبيعي وما فوق الطبيعي في الموضوع ذاته، وهي تحتل في كتابات السرياليين مكانة إلهية يجعل التواجد في حضرتها مولّدا لانفعال كلي وصاعق لا يعادله سوى الانفعال الذي يولده الجانب الشعوري من التجربة الصوفية، لا الجانب الديني الذي لم يقم السرياليون له أي اعتبار يذكر. لقد رفض السرياليون التخلي عن شهوات الإنسان لكن من دون أن يتخلوا، في الوقت نفسه، عمّا تمثله التجربة الدينية المستقلة عن أي إيمان بإله خالق ومدبّر، من إيجابية لحياة الإنسان، ومن دون أن يقعوا ضحيةً لأي وهم بمصالحة الفكر مع العالم.غير أن هذا كله لا يسمح باعتبار السريالية فلسفةً. فباستثناء جيرار لوغران Gérard Legrand لم يكن أي من السرياليين فيلسوفاً، كما أن فكر السرياليين يغص بالتناقضات. فهم يشيدون بضرورة العمل السياسي بالتوازي مع إشادتهم بالتجربة الداخلية، ويجتمع عندهم الحب اللانفعي والمخلص مع السادية الاستحواذية والإباحية، ويدافعون عن ممارسة السحر، في حين يرفضون مبدأه، واليأس لديهم منهل للأمل. وفي حين لم يجهد السرياليون لإيجاد حل لهذه التناقضات على صعيد التصوّر قبلوا بعيشها، بكل توترها، على صعيد الواقع، مقدمين بذلك شهادة على الشروط المتناقضة التي يتميز بها الإنسان.

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

الآداب   اللغات وآدابها