الجزء السابع
ونظره حن قلبه اليه فحياه بالسلام وجعل يتأمل فيه ويقول والله من يوم غاب حامينا فقد عزنا وما أبصرنا قامته الا هذا اليوم ثم دمعت عيونه فقال الزير كيف تبكي عليه وانت ملتجئ إلى اعداءه فعند ذلك عرفه ونزل عن ظهر الجواد ووقع عليه واعتنقه المهلهل وطيب خاطر جماعته وقال لهم ابقوا على ماكنتم عليه وعندما تسمعون صرير السيوف في أعناق بني مرة فحينئذ تفعلون ما يجب عليكم فعله فساروا في سرور وأفراح حتى يعلم بعضهم بعضا واما الزير فانه سار وهو وطراف وهما متنكران حتى دخلا إلى حي جساس وقت المساء فوجد الحي في دق طبول ونقر دفوف وأمور تدل على مسرات وأفراح فقال المهلهل في سره ما عسى ان يكون هذا ولما اقترب من صيوان جساس وجده ممتليا من الناس وجساس جالس في الصدر وحوله الاكابر والاعيان والمولدات تدق بالدفوف والمزامر وبعد قليل حضر العبيد بسفر الطعام فقام جساس إلى المائده وتقدمت بعده الامراء وجعلت تتوارد الفرسان وتتزاحم على بعضها البعض فعند ذلك تقدم الزير مع جملة الناس وجلس بقرب جساس وأخذ يتناول من أنواع الاطعمه فلما رآه جساس أنكر أمره وقد استعظم كبر جثته وهو يأكل اكل الجمال فقال له جساس أدعو لي ياشيخ فقال انني دائما أدعو لك ولست بناسيك على طول الزمان فازداد جساس خوفا وارتجفت أعضاءه ولما انتهى من العشاء أمر جساس باحضار الرمل وضربه في الحال ورسم الاشكال فظهر له انكيس واحمرار وانه قادم عليه أوقات منحوسه وسيظهر رجل لقي الجلد عن قريب يذيقه الاهوال وقد تأكد عنده بأن ذلك هو نفس الزير لانه لايوجد له عدو غيره فالتهب قلبه بناره وصاح من ملو رأسه يا ستار فجاءت اليه أخوته وقالوا ماأصابك ياأمير فاأنشد يقول :
قال جساس بن مرة في بيوت اسمعوا ياأخواني أهل الوفا ضاق صدري وامتلا قلبي هموم فالقلق والغم ضارب بالحشا جمعت تخت الرمل حورته بسرعه حتى أرى ماهو هذا البلا رأيت لقي الجد آت عن قريب صاحب البطش ما بين الملا ورأيت الجود له بيت ضد والجماعه شكلهم واقع حدا ماعاد لي عقل لهذا الرمل قطرة حرت فيه اليوم يا أهل الندى لو يصح القول قلت الزير جا وها هو جالس بين الامرا
فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وفهم الزير مطلوبه وعرف المقصود ووضع يده على قبضة سيفه حتى اذا قال جساس اقبضوا عليه ليفتك به ويعدمه الحياة ومن كثرة ما جرى على جساس من الغم والوسواس ترك من كان عنده من الناس ودخل على الحريم خوفا من امر يأتي فلما رآه الزير فعل ذلك قال لابد من قتله ان لم يكن اليوم يكون غدا ثم خرج من الصيوان مع الامير طراف وسارا قاصدين الاوطان حتى وصلا إلى وادي الشعاب ودخل إلى الخيمه التي فيها بنات كليب فسمعت ابنة كليب الكبيرة صوته فقالت له من انت وماهو اسمك فلما سمع صوتها عرفها فتقدم اليها فوجدها وشقايقها بثياب الحداد فتقطع قلبه وهطلت عيناه بالدمع وقال اتقبلوا الضيف يا بنات الاماجيد قالت مرحبا فنحن أول من ضاف ولكن قد جار علينا الزمان فأولنا بعد العز والجاه صرنا في حالة يرثى لها فا قصد يا شيخ محل الوليمه وهو المكان الذي تدق فيه الطبول فتحصل على بلوغ المأمول فقال بالله عليك يا صبيه أن تحكي واقعة حالكم فقد جرحت قلبي بهذا الكلام فقالت اليمامه لقد ذكرتنا بمصابنا وعلى ما جرى فجلس الزير وهو وطراف وجلست هي بجانبه ثم عرفها هي وشقايقها بنفسه وانه عمها صاحت بصوت عالي من ملو راسها هذا في الحلم أم في اليقظه ثم وقعت عليه شقايقها يقبلونه وقلن الحمد لله الذي ارانا وجهك بخير وعافيه فوالله قد زالت أتراحنا وتجددت أفراحنا وسمع أبو شهوان عبدالعزيز هذا الخبر فدخل عليه ووقع على قدميه لانهم كانوا يظنون بانه مات فكانت تلك الليله عندهم من أعظم ليالي الافراح والمسرات وبعد ذلك جلسوا يتحدثون فقالت اليمامه بالله يا عماه أن تعلمنا بقصتك وما جرى في سفرتك فقص عليهم ذلك الخبر وماسمع وابصر وختم كلامه بهذا القصيد :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل عيوني دمعها جاري بكاها بكت دما على ماصار فينا ليالي السعد ماعدنا نراها عدمنا فارس الهيجا كليب عقاب الحرب ان دارت رحاها دهتني آل مرة جنح اليل لتقتلني وتشفي ما دهاها فكنت بخيمتي ملقى طريحا ثلاث آلاف درتني قناها وسحبوني لعند ضباع أختي والقوني طريحا في حداها وقالوا يا ضباع خذي أخوكي أخذنا روحه قوى عزاها فالقتني بصندوق مزفت وأرمتني بوسط البحر تاها واقتني مياه البحر حالا إلى بلد اليهود على رباها وجابوني لحكمون اليهودي أجل ملوك الارض جاها فداواني وعالجني سريعا فزالت كربتي مما دهاها بقيت انا ثمان سنين غائب وزال الشر عني مع عناها أسأل الله أن يحفظكم جميعا على ماطالت الدنيا مداها
( قال الراوي ) وكانت ليلة عند بنات كليب من أعظم الليالي وحضر تلك الليله جميع أصحاب الزير ففرحوا وانشرحوا بقدومه وهنوه بالسلامه فقال لهم من الاوفق أن تكتموا أمري لحينما أتجهز لقتال الاعادي وأحضر جوادي ثم أعلمهم بخبر الحصان وانه أبقاه في المركب عند القبطان لبينما يكون شاهد أهله وأقاربه ولما أنتصف الليل ودعهم وسار قاصدا شاطىء البحر هذا ماكان منه واما مرة أبو جساس فكان من عادته أن يذهب كل يوم إلى ساحل البحر ويتجسس الاخبار ويعود في آخر النهار فاتفق ان عبدان من عبيده كانا قد نظرا المركب عند قدومه إلى ميناء حيفا فأعلماه به فاستأجر قاربا وقصد ذلك المركب وعند وصوله اليه وجد ذلك الجواد المذكور فاندهش من رؤياه فسأل القبطان عنه فقال له القبطان هذا حصان الزير وقد حضر معنا من بيروت وسار نحو يومين لزيارة أهله ولم يكن القبطان يعلم ماهو جاري بين القوم من العداوة والحرب لما سمع مرة بخبر المهلهل وانه عاد سالما غانما استعظم الامر وتعجب ولكنه كتم الخبر وقال للقبطان اتبيعني هذا الحصان فقال كيف ابيعه وهو مودوعا على سبيل الامانه فقال لابد من ذلك أما أن تقبض ثمنه خمسة آلاف دينار أو آخذه منك بالقوه والاقتدار لان ابني جساس ملك هذه الديار وبيدنا زمام الاحكام ومازال يلح عليه بالكلام إلى ان امتثل وأجاب خوفا من أخذه بالقوة والاغتصاب فقبض القبطان الدراهم وسار مرة بالحصان إلى عند ابنه جساس وهو كاسب غانم واعلمه بواقعة الحال وقدوم المهلهل إلى الاوطان ففرح جساس بالحصان لانه كان من أجود خيول الاعراب ولكنه خاف من الغوائل وعلم انه لابد من تجديد الحروب بين القبائل فاجتمع بأهله وأعلمهم بالخبر وأن يكونوا على استعداد وحذر . هذا ماكان من جساس واما الزير الفارس الدعاس فانه عند وصوله إلى البحر سار المركب فلم يجد الحصان فسأل عنه القبطان فأخبره بما جرى وكان فلما سمع منه هذا الكلام أراد أن يضرب عنقه بحد الحسام ولكنه توقف عن أذاه أكراما لخاطر مولاه ثم أمر بالرجوع إلى عند الملك حكمون ليقص عليه الخبر ويطلب منه الجواد الاخر فامتثل القبطان أوامره وأقلع من تلك الساعه حتى وصل إلى بيروت فأنزل الزير في القارب وسار به إلى عند الملك حكمون ودخل عليه وهو في السرايه فلما رآه حكمون فرح فرحا شديدا وقال أهلا وسهلا بالصديق الحبيب وترحب به غاية الترحيبب وأجلسه بجانبه وأقام بواجبه وأشار يقول وعمر السامعين يطول :
قال حكمون بن عزرا في بيوت تشرح الخاطر وترضي السامعين أنورت علينا الدنيا ياهمام يامريع الخيل اذا طال الكمين يا مهلهل انت عز المحصنات انت فخر للاناس الماجدين قصدت أهلك ثم جيت لعندنا هل شفت أهلك يا مهلهل سالمين اذا كان يلزم نجده أحكي لي حتى أسير بالجيش كله أجمعين طيب قلبك يا مهلهل لاتخاف ثم اطلب يا ضيا عيني اليمين
فلما سمع الزير كلامه شكره وأثنى عليه وأخبره بما جرى وكان من فقد الحصان وان السبب في حضوره الان أولا لاجل سؤال خاطره الشريف وثانيا ليطلب منه المهر الثاني وختم كلامه بهذه الابيات :
قد أتيت اليوم في قلب حزين على فقد مهري الاخرج الثمين فان شئت أعطني أخوه يا معز الجار وفخر العلين لا أريد مال ولا كثرة نوال غير أبو حجلان مطلوق اليمين يا ملك حكمون ان مالي كثير كل مال البر في يدي خزين
فلما سمع حكمون هذا المقال تبسم وقال مهما طلبت منا لانعزه عليك وجميع أموالنا بين يديك فوالله اننا لاننسى جميلك ومعروفك على الزمان وان أبو حجلان بعد رواحك من الاوطان أظهر الوحشه ونفر من جميع الناس حتى لم يقدر عليه أحد من السياس ثم طلب منه أن يبقى عندهم عدة أيام ليستريح من متاعب الاسفار فاعتذر وقال لابد من الرجوع في هذا النهار فأعطاه حكمون الحصان وسار إلى المركب وعند وصولهم اليها نزل بالجواد إلى المدينه فركب وقصد أهله فاتفق في تلك الساعه أن رجلا من قبيلة جساس ابصر الزير فعرفه وسار إلى عند جساس وأخبره بقدومه وقال له انني خايف عليكم من سطوته شاهدته في هذا النهار وهو مثل الاسد الكرار ثم اشار يقول :
يقول الشيخ يا أولاد مرة تعالوا واسمعوا لي يا فوارس ايا جساس يا همام اسمع ايا ملك يا أهل المجالس فقد كنت قرب البحر سائر رأيت خرج على اليوم فارس على ادهم اقب الضلع فارح وفوقه درع من بولاد لابس وفي كتفه قنا اسمر مكعب بطل صنديد يوم الروع عابس فهذا فارس البيداء مهلهل مريع الخيل للابطال داعس
( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه سلطان بن مرة بهذه الابيات :
يقول اليوم سلطان ابن مرة كلام الشيخ صادق يا فوارس فان كان أبو ليلى سيظهر يخلي دمنا مثل البواطس ويسبي من قبائلنا عذارى ونترك أرضنا قفرا دوارس ولايقبل رجاه ولا عطاه ويطرحنا على الغبرا نواكس
( قال الراوي ) فلما انتهى سلطان من كلامه وقع الخوف في قلوب القوم وأخذوا يستعدون للقتال من ذلك اليوم وأما الزير فانه كان قد جد في المسير حتى وصل إلى دياره والتقى بأهله وأنصاره فلما رأوه فرحوا به واتت اليه اليمامه وشقايقها وكذلك أخوة الزير وكل من في الحي من نساء ورجال فوقعوا عليه وقبلوا يديه وانتشرت الاخبار بقدومه إلى الديار بين الكبار والصغار حتى ملأت الاقطار فأقبلت الابطال والفرسان وتواردت اليه السادات والاعيان وسلموا عليه وتمثلوا بين يديه وهنوه بالسلامه فشكرهم واثنى عليهم وترحب بهم فذبح الذبائح وأولم الولائم ووعدهم بالمكاسب والغنايم وبعد أن أكلوا الطعام وشربوا المدام أنشد عدي أخو الزير يقول :
يقول عدي أبيات فصيحه أتانا الزير والمولى عطانا وكنا قبل ما يأتي الينا بحال الذل في قهر حزانا وجساس الردي عايب علينا يريد هلاك تغلب مع أذانا فأمرنا با نبقى جميعنا على طول الليالي مع نسانا ولا نركب خيولا صافنات ولانقل سيوفنا في حمانا الينا جيت يا جميل المحامل ويا كهف العذارى والامانا لربي الشكر ثم الحمد دايم أذا ماجئتنا نقهر عدانا ايا سالم فانهض شد عزمك واركب فوق مطلوق العنانا ونركب ثم نحمل فرد حمله على اولاد مرة في لقانا ونترك دورهم بورا وقفرا ونقتلهم ونأخذ ثارا أخانا
( قال الراوي ) فلما فرغ عدي من كلامه تقدمت اليمامه نحو عمها وشكرت الله تعالى على سلامته ودعت له بطول العمر فضمها إلى صدره والتفت إلى من حوله وانشد وقال :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل الا يابنات ان السعد جاكم وأقبل سعدكم والشر ولى وراح الشر عنكم لاعداكم ثماني سنين وسط البحر غائب وبالي عندكم مما دهاكم وفرج الله همي وغمي وخلصني وجيت إلى حماكم حيث اتيت زال الشر عنكم ونلتم يا بنات مني مناكم غدا جساس أقتله بسيفي وآخذ يا بنات بثار أباكم وانتم يا عدي ودريعان وباقي أخوتي تسلم لحاكم فأتوا بالصوافن واركبوهم وهبوا جميعكم ومن معاكم ودقوا طبلكم يآل قيس وقيموا النار فس ساير حماكم وخبوني بعيد عن المنازل غدا جساس يبرز للقاكم فلاقوه على خيل ضوامر واني سوف اهجم من وراكم
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه طابت قلوبهم وانشرحت صدورهم وزالت عنهم الاتراح وايقنوا بالنصر والنجاح ومازال بنو قيس يجتمعون إلى الزير ويتواردون حتى صاروا في جمع غفير وعدد كثير فاستعدوا للقتال والنزال فأطمعوا الجوعان واكسوا العريان وأوقدوا النيران ورجع الحي كما كان هذا ماكان من الزير وقومه وأما بنو مرة فلما بلغهم الخبر وكيف ان بنو قيس قد التموا بعد التفريق والشتات من جميع الجهات وهم في أفراح ومسرات أجتمعوا بجساس وقصوا عليه الخبر وقالوا له لو لم يكن الزير قد ظهر لما كانوا بنو قيس اجتمعت على بعض هذه الايام وخالفت أوامرك ومراسيمك العظام فقال لهم كفوا عن هذا المقال ولا يخطر لكم الزير على بال فاستعدوا للحرب والقتال فعند ذلك استعدت الفرسان الفحول وركبوا ظهور الخيول وتقلدوا بالسيوف والنصول ولقد أملوا بالنجاح وبلوغ المأمول وركب جساس حصان الزير الاخرج وسار بذلك الجمع الغفير ولما أقتربوا من حي بني قيس سمعت أبطال الزري دق طبولهم وصهيل خيولهم فهاجوا وماجوا فأمرهم الزير أن يتأهبوا للقتال ويلاقوهم إلى ساحة المجال فتبادروا في المجال وتقدمت الفرسان والابطال وركب الزير على مهره أبو حجلان وسبقهم إلى الميدان وكمن في بعض الروابي والتلال مع جماعة من الرجال ولما اقترب جساس من رجال بني قيس قال لهم لقد خالفتم أوامري وغركم الطمع وهجم عليهم بالرجال وأحاط بهم من اليمين والشمال فالتقوه بقلوب كالجبال واشتد القتال بينهم وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال فلما راى المهلهل تلك الاحوال لكز الحصان وتقدم إلى ساحة الميدان فشق الصفوف والكتائب ومرق المواكب وهو يهدر ويصيح من قلب فريح ابشروا يا بني بكر ياأنذال ميحل بكم من الوبال على ماعلمتونا به من سوء الفعال فقد اقسمت برب الانام الذي لايغفل ولاينام أني لا أترك منكم شيخ ولا غلام ثم انه مال وجال وضرب بالسيف العال وتبعه الفرسان والابطال من اليمين والشمال فلما سمع جساس صوت المهلهل انقطع قلبه من الخوف والوجل ولكنه ثبت في ساحة الميدان خوفا من الهلاك والقلعان وأخذ ينخي الابطال والفرسان على القتال والثبات والهجوم على لقاء الاعادي قبل الممات فثبتوا ثبات الجبابرة وقاتلوا قتال الاسود الكاسرة ولكنهم لم يقدروا ان يثبتوا أكثر من ثلاث ساعات حتى انصبت عليهم النكبات وبلوا ببلايا لا تطاق من سيف المهلهل فارس الافاق فولوا الادبار واركنوا إلى الهزيمه والفرار بعد ان قتل منهم عشرة آلاف فارس كرار وتبعهم الامير جساس وهو في قلق ووسواس وغنم بنو قيس منهم غنائم عظيمه ومكاسب جسيمه ورجعت إلى الديار بالعز والانتصار والبطش والاقتدار وفي مقدمتهم الامير المهلهل الجبار وهو مثل شقيقه الارجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان ولما وصل إلى المضارب بقواد المواكب لاقته بنات أخيه وجماعته من أقاربه وأهاليه فشكروه على تلك الفعال وقالوا مثلك تكون الابطال والفرسان ثم انه جلس في الخيام وجلست حوله السادات العظام وجبابرة الصدام فتحادثوا في الكلام وشكروا رب الانام على بلوغ القصد والمرام وبعد ان اكلوا الطعام وشربوا المدام التفت بعض القواد إلى المهلهل فارس الطراد وقالوا بالله عليك أن تنشدنا شيئا من اشعارك لان قلوبنا مشتاقه على الوقوف على أخبارك وماجرى لك في أسفارك فعند ذلك أنشد يقول وعمر السامعين يطول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل فكل مقدر لابد يأتي نزلت ياأخوتي وابناء عمي بجنح الليل لايدروا صفاتي فقالوا ضيفنا شرطوا علينا فلا نوقد النار في الفلاة تكافحت اليمامه مع حمامه وقالوا عمنا هيهات يأتي فقلت لها لبيك جئتك انا مرادي السباع الكاسرات فجيت لعندها في قلب صامد وجدت عيونها مقرحات قلت يا يمامه ليش تبكي جرحت بالبكا قلبي لأني فهمك يايمامه ليس تبكي اذا ثارت حروب الفلاة انا همي كراديس الفوارس اذا ما وهجت نار العداة وجيت انا علي جساس رامح هرب مني وصاح أنوا العداة وقال الزير جانا يا بلانا وطالب تارة بالمرهفات فقولوا لابن مرة ياتي عندي اتاه الزير دباح العداة
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه شكرته أخوته وجميع قوامه فعند ذلك تقدم سالم المهيأ اليه وقبله بين عينيه وأشار يقول :
على ما قال سالم المهيأ مهلهل جيت هذا اليوم يومك وزال النحس والتوفيق أقبل وأضحى القطر يزهو في قدومك ولما جيت يا زين الفوارس ازلت همومنا وزالت همومك فقم أركب عليهم يا مهلهل نهار وليل ما أحد يلومك وخذ الثار من جساس حالا وافرج همنا واخلي همومك
( قال الراوي ) فلما فرغ سالم من شعره طابت قلوب الجميع وعادوا لما كانوا عليه من الفرح والمسرة واما بنو مرة ابتلوا بالذل والويل من حرب الزير فارس الخيل ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح ركب الامير مهلهل في مائة الف بطل وطلب حرب القوم فالقاه جساس في ذلك اليوم وكان بمعيته مائه الف مقاتل بين فارس وراجل فانتشب بين الفريقين القتال وعظمت بينهم الاهوال وقاتل المهلهل حتى استقتل فنكس الابطال الفحول على ظهر الخيل وقتل جماعه من السادات الاعاظم الذين اشتهروا بالفضل والمكارم وشاع ذكراهم وشاع ذكراهم بين الاعارب والاعاجم فمنهم الامير شهاب المكنى بعقاب وغيره من السادات والانجاب واستمر القتال على هذا الحال طول ذلك النهار فانكسرت بنو مره اشد انكسارورجع المهلهل بالغزو والانتصار ولما كان الصباح ركب المهلهل والفرسان فالتقاه جساس بالرجال وتقاتلوا اشد قتال ولما تقابلت الصفوف تبادرت المئات والالوف وبرز أخو جساس بين الصفين ولعب برمحين بين الفرقين وطلب قتال المهلهل فانطبق عليه وحمل كانه قطعه من جبل او قله من القلل فتطاعنا بالرماح وتضاربا بالصفائح وثبت شاوش امام الزير ثبات الابطال والغاوير لانه كان من الابطال المشهوره والفرسان الذكوره واستعمر الائتان نحو ساعه من الزمان وهم ضرب وطعان وكان الامير شاوش قد حتم على نفسه امام الابطال اما ان يهلك في النهار او ان يظفر بخصمه ويعيش في عز واقبال ثم صاح على المهلهل وطعنه بالرماح قاصد قبض روحه فالتقاها المهلهل بالدوقه فراحت خائبه بعدما كانت صائبه ثم تقدم المهلهل وهجم عليه وضربه بالسيف على عاتقه خرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قتيلا وفي دمه حديلا ثم هجم على الرايات وطعن الفرسان والسادات وقتل الرجال ومدد الابطال في ساحه المجال وفتك فيهم قتك فيهم فتك الاسود الكاسره وفعل افعالا تعجز عنها صناديد الجبابره وفعلت ابطاله مثل افعاله فقاتلوا القتال المنكر واذاقوا الاعداء الموت الاحمر فلما راى جساس ما حل بقومه من العذاب استعظم المصاب وخرج عن دائره الصواب وزاد اكتئاب وذلك على فقد اخيه ليث الغاب لانه كان يحبه محبه عظيمه وموده جسيمه فبكى وانسحب وولى يطلب لنفسه الهرب وتبعه رجاله وابطال ورجع الزير بباقي الفرسان إلى المنازل والاوطان وهو شقيقه الارجوان مما سال عليه من ادميه فالتقته اليمامه بالاعتزال والكرامه ثم نزل في الخيام مع السادات الكرام فاكلوا الطعام وشربوا المدام وكان في كل يوم يركب حسب عادته لحرب القوم حتى بلغ منهم غايه المنى وابلاهم بالذل والعنا فلما طال المطال على بني مره الاهوال جمع جساس الرجال ومن يعتمد عليهم من المطال وقال لهم ما هو قولكم في هذا الامر العسير فقد حل بنا التدمير وهلك كل سعيد وامير وان طال القتال لم يبق أحد من الرجال فقال اخوة سلطان الراي ىعندي ان تأخذ اختنا الجليله وبعض نساء القبيله وتذهب اليه وتقع عليه وتطلب منه كف الاذى والضرر وتعطيه اديه اخوه مهما امر وتقيمه ملكا على بلاد الشام وتدفع له الجزيه في كل عام فقال جساس من يذهب وقص هذا الكلام عليه قال انا وانت يا أخي فبتسم جساس وقال سمعت بأحد من الناس يرى الموت بين يديه فيزحف اليه على رجليه فقال سلطان انا اذهب اليه بنفسي لان بيني وبينه مودة قديمه ومحبه مستقيمه ثم انه نهض في الحال وتاهب للسير والترحال واخذ معه اخته الجليله وبعض من نساء القبيله وقصد المهلهل حتى وصل اليه وسلم عليه وقال بالله عليك ان تصفح عنا فقد اهلكت رجالنا ولم تبق أحد منا وقد اتيتك الان مع امراة اخيك الجليله واكابر نساء القبيله تقع على ساحه اعتابك وتطلب من جنابك وتبلغك غابه الارب من الفضه والذهب ونقيمك ملكا على هذه الديار وتكون طوع لك مدى الاعصار لانك سيفنا الثقيل ورمحنا الطويل ثم انشد هذه الابيات بحضور الامراء والسادات :
قال سلطان بن مرة في بيوت يا مهلهل استمع مني القصيد ليت عمرك يامهلهل الف عام ياحماه البيض في يوم الشديد فاعف عنا وانت يا سياج المحصنات ليت عمرك كل يوم في مزيد نحن منك وانت منا ياهمام كلنا اولاد عمك يارشيد فاعف عنا ثم دعنا في حماك تحت ظلك عيشك يبقى رغيد
فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه المهلهل : افتهم يا ابن عمي ما اريد افتهم فحوى كلامي في قصيد ليس لي ذنب في أي الامور وانا في حقكم لست عنيد غصب عني يا سياج المحصنات على عمرك يا ولد عمي يزيد كل ذا جاري عليكم يا رجال على يمامه بنت اختك الاكيد اليمامه كل يوم تقول خذ بثاري ايها البطل العنيد فان عفت انا عنكم اعف كل قول صادق والله شهيدا وان ابت لا اخالف قولها انني عن امرها لست احيد
( قال الراوي ) فلما انتهى الزير من شعره ونظامه قال للسطان ومن حضر معه انني لا اكف الحرب والقتال ولا ارفع عنكم السيوف الصقال إلى يوم القيامه او تمنعني اليمامه فاذهب اليها وخاطبها بما خا طبها به امام هؤلاء الاعيان فعساه ان تجيب طلبك يا سلطان فعند ذلك قصد سلطان اليمامه اخته الجليله ومن حضر معه من نساء سادات القبيله فدخلوا جميعا اليها وسلموا عليها وقبلت الجليله بناتها وقالت لهن اما كفي يا بنات الاكارم والوقار فقد قتلت رجالنا وهلكت فرساننا وابطالنا وساءت احوالنا وصارت عبره لمن اعتبر ومثلا بين البشر فا جابتها اليمامه انا لااصلح حتى لايبقى منا أحد يقدر ان يكافح ان كان عمي عجز من قتالكم فانا انوب عنه والتقي بابطالكم ثم انها ختمت كلامها بهذا الشعر والنظام :
قالت يمامه من ضمير صادق يا جليله اقصرى عن عناكم انت وخوالي وكل عشائري لا تزيدوا لفظكم ولا لغاكم قتلتم الماجد كليب والدي غدرا وما له ذنب معاكم جساس طعنه من قفاه بحربه ودعاه على الغبرا حقير حداكم انا واخوتي بقينا بذ له نمسي ونصبح ولاننسى بلاكم انا لا اصالح حتى يعيش ابويا ونراه راكب يريد لقاكم
( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها ونظامها وفهمت الجليله فحوى كلامها ر جعت هي واختها مع باقي النساء إلى الحي بدون ادنى افاده واخبروا الامير جساس بواقعه الحال وما سمعوه من المقال فاعتراه الخوف والانذهال وايقن بالهلاك والوبال فقال اخوه سلطان وكان ذا مكر واحتيال اني سأهلك الزير ايها الامير واقوده اليك عند الصباح كا لبعير فقال ماذا عولت ان تفعل وما هو العمل قال اني اقصد الميدان في جماعه من الاعوان واحفر هناك ثلاث حفاير ونغطيهم بالقش حتى يخفوا عن عيون العساكر فما كان الصباح والتقى الجحفل بالجحفل فتبرز انت إلى المهلهل وتكون انت عارف بهم فتقوده اليهم وبهذه الوسيله تتم الحيله فيسقط ويهلك في هذا الشرك فنخلص من شرة وتبلغ ما انتمناه فاستصوب جساس هذا اراي واستحسنه وخرج ذلك الليل مع اخيه سلطان في جماعه من العبيد والاعوان حتى وصلوا إلى المكان فحفروا ثلاث حفائر عميقه وغطوها بالقش ووضعوا عليها التراب حتى يخفى عن العيون ثم رجعوا إلى اماكنهم وهم مسرورين وباتوا تلك الليله على مقالي النار وهم ينظرون طلوع النهار هذا ما كان هؤلاء واما الزير البطل النحير فانه ركب في الصباح بفرسان الكفاح وقصد ساحة الميدان بقلب اقوى من الصيوان فالتقاه جساس بالعسكر ثم انفرد بنفسه نحو الحفاير واخذ يلاعب الجواد على عيون العساكر والقواد فرآه بعض الفرسان وهو يجول في ذلك المكان على ظهر الحصان فأعلم المهلهل بذلك الشأن وقال له ان خصمك ظاهر للعيان وهو في تلك الناحيه من الميدان فلما رآه المهلهل قصده على عجل ليقتله ويبلغ الامل فلما اقترب منه ابتعد جساس وانطبقت عليه باقي الناس بقصد ان يطعنوه ويهلكوه ويعدموه فلله در الحصان أبو حجلان فانه كان من عجائب الزمان وغرائب الاوان أخف من الغزلان واسبق من البرق عند اللمعان فانه عندما وقع ضرب بحافرة الاض ارتفع حتى صار بين الفرسان بالميدان فرجعت الخيل عنه مدبرة فاستعظم تلك الامور المنكرة وغاب عن الوجود حتى صار بصفة مفقود فرأى جساس ينخى ابطاله ويصيح على رجاله فتقدم نحوه بالجواد ليشفي من غليل الفؤاد فاتفق المقدر بوقوعه في الحفرة الثانيه من تلك الحفر فوثب به الجواد وانتصب اسرع من النظر اذا وثب حتى صار على وجه الارض فانقلبت عليه العساكر على بعضها البعض فزاد بالزير الكدر وطار من عينيه الشرر فقصد الامير جساس دون باقي الناس ليقتله ويعدمه الحواس فكبى به الجواد في الحفرة الثالثه وكانت عليه اقبح حادثه وكان جواده قد اعياه التعب وضعفت قواه وانحل منه العصب حتى لم يعد يمكنه ان يفعل كما كان يفعل وكذلك الامير مهلهل فقد انهد حيله وطاش واعتراه الخوف والارتعاش وايقن بالهلاك والممات وآيس على نفسه من الحياة فكانت علة عظيمة وداميه جسيمه فلما بلغ جساس الامل ونجح بذلك العمل ايقن ببلوغ الارب وصاح من شدة الطرب على باقي رجاله ومن يعتمد عليهم من ابطاله يا ويلكم ادركوه واطمروه واقتلوه فان تخلص هذه المرة من هذه الحفرة لا تتأملوا بنجاح أو نصر فلما سمع الرجال منه هذا المقال قصدوا ذلك المكان من اليمين والشمال وكانت ايضا بنو تغلب قبيلة الزير فارس العجم والعرب قد اقبلت ابطالها وفرسانها ورجالها وانشب بينهم وبين القوم قتالا لم يسمع بمثله قبل ذلك اليوم وكان القتال في ذلك اليوم بجانب تلك الحفر ولما عظمت الاهوال وتكردست جثث القتلى على الارض مثل التلال من ضرب السيوف وطعن النصال هجم جساس امام الناس وقال للفرسان والابطال والشجعان ادركوني في هذا النهار واسعفوني بالتراب والاحجار واردموا هذه الحفرة في ساعة الحال وانا ارد عنكم هجمات الرجال فتقدموا من عجل وبادروا باجراء هذا العمل غير انهم لم يبلغوا الامل لان أخوة الزير والفرسان المشاهير هجموا عليهم من اليمين واليسار وضربوا فيهم السيف البتار فأبلوهم بالذل والدمار وكان الامير مرة بالقرب من تلك الحفرة فرآه عدي أخو الزير فتقدم اليه وقبض عليه والقاه في تلك الحفرة بالعجل وقال خذ عمك يامهلهل ولما صار بالقاع ضربه بالسيف فقتله ثم اخرجوا الزير من تلك الحفرة بالقوة والاقتدار فعند ذلك انشرحت من بني تغلب القلوب وزالت عنهم الغموم والكروب وايقنوا بالفلاح والتوفيق والنجاح وقصدوا الحرب والكفاح والتقوا أعداءهم بأسنة الرماح ومال ايضا الزير على القوم ونادى اليوم ولاكل يوم وفي الحال اشتعلت النيران القتال وقامت الحرب على قدم وساق وارتجت جوانب الافاق من ضرب السيوف الدقاق والرماح الرقاق وجمدت من القوم الاحداق وفعل الزير في ذلك اليوم فعالا لاتطاق ومازاولوا في أشد قتال إلى وقت الزوال فعند ذلك دقت طبول الانفصال فرجعت بنو مرة بالويل والحسرة والمهلهل بالنجاح والنصرة فنزل عن ظهر جواده وخلع آلة حربه وجلاده وجاءت السادات واكلت من زاده ولما جلس في الصيوان ونادى على عبده ابي شهوان باحضار المدام إلى الديوان فأحضره بالعجل فتناوله منه المهلهل ومن حضر في ذلك المحفل فعند ذلك تذكر الزير ماجرى له في ذلك اليوم المهول فأنشد يقول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل فدمع العين هطال عمانا لقد قتلوا أخي اولاد عمي وقالوا ما راوه الا جبانا ولا يدرون بأسي واقتداري فقطعتهم ولم أخشى الزمانا أتتنا في كليب اولاد مرة اتونا داخلين على نسانا وقالوا كف عنا يا مهلهل فقد حكمت سيفك في اذانا فاطلب ما تروم اليوم منا واتركنا فقد صرنا حزانا فقلت لهم روحوا لليمامه رضاها اليوم احسن من رضانا قتلنا كليب الوف قوم فما فيهم ردي ولا جبانا قتلنا من بني مرة امارة ملابسها ثياب الطيلسانا فرحوا الكل قد وقعوا عليها وقالوا عمك ارسلنا عيانا فقالت اذهبوا اولاد عمي فهذا القول ضحك في لحانا فانا لا نصالح في كليب الا ان نراه على الحصانا وقد حفروا لقلعاني حفاير وغطوها وقالوا قد كفانا فركبوا خيولهم واتوا حداها وقالوا قد اتانا قد اتانا وقف جساس ما بين الحفاير هجمت عليه اطعنه السنانا فولى هاربا من هول حربي ومرة قد قتلناه عيانا فكوني يا يمامه في انشراح وحظ دايم في طول الزمانا فسوف ابيد جساس بسيفي وكل سيد يبغي اذانا
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من شعره ونظامه شكره جميع اقوامه ولما كان الصباح رجعوا على ماكانوا عليه من الحرب والكفاح ومازالوا في قتال وصدام مدة من الايام ولما طال المطال اتفقوا على توقيف الحرب والقتال واخذوا هدنة شهرين لراحة الفريقين فاتفق في بعض الايام بينما كان الزير خارج الخيام معه جماعة من الخدام واذا برجل يقود مهر ادهم كامل الصفات فاستحسنه الزير غاية الاستحسان وقال لقائده ماهو اهل هذا الحصان يا حلو الشمائل ايه من الخيول الاصايل قد اتيت به من ابعد الحلل لاهديه للامير مهلهل فتعجب الزير من الاتفاق الغريب وقال لقد نلت مرادك من قريب فانا هو مهلهل الذي انت قاصده فاخذ منه الجواد وامر له بالف دينار وبلغه مقاصده فدعا له بطول العمر والبقاء وعلو الشأن والارتقاء وسار من يومه إلى قومه فاعتنى الزير بذلك الحصان وفضله على جميع الخيول والجياد واتفق في ذلك النهار انه التقى برجل ختيار وهو راكب على دلة سوداء مثل الظلام ووراها كر ابن سبعة ايام وهو يبرطع خلفها وتارة من قدام فلما رأه الزير اعجبه وقال لذلك الشيخ اتبيع هذا الكر فقال بكم فقال ليس على الكريم شرط فأعطاه الزير مائة دينار وأخذه منه وسلمه إلى السايس فرباه مدة اربع سنوات ثم دخل الزير ذات يوم إلى الاصطبل فنظر الكر وهو متعافي فأمر السايس ان يضع عليه عدة ولجام فأخرجه واسرجه ولجمه فركب عليه الزير وساقه ورجع إلى الوراء فرده إلى اليمين فراح شمالا واجتهد ان يمشه فما كان يمشي معه فغضب منه ولكزه برجله في الركاب فتضايق المشوم من فعاله وضربه بنعاله ضرط ضرطة من شدة الوجع كأنها صوت مدفع فغضب الزير وتألم وضربه بالسيف فأورثه العدم ودخل إلى صيوانه فاجتمع بنوابه واعيانه وقال ولقد جربت دني الاصل واكرمته فضاع فعلي معه وما قدمت هذا المثل ايها السادات الاخيار الا لتعلموا ان الحمار يقتني الحمار ثم انه ركب ذلك الحصان فوجده من عجائب الزمان فزاد انشراحه فيه فأمر السايس ويداويه ثم انشد يقول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل بلوم الشعر ما تغلي مالي ابا غالي رضيت الخيل تركب تعالى واسمعي مني مقالي جمع الخيول للحمر خوادم شبيه الصيب تخدمها الموالي واما الخضر مركوب الامارا فتركبها الملوك وكل والي واما الدهم زيدوهم عليقا وسيبوهم لدهمات الليالي
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه شكره قومه على حسن اهتمامه ثم استعد الفريقان للقتال وجرت بينهم عدت وقائع واهوال انتصربها المهلهل وكسب اموالا كثيره وقتل سادات كثيره حتى ضعفت بنو بكر وذلت وبعد كثرتها قلت واضحمك ( قال الراوي ) فبينما هم في حاله الذل والانكسار واذا بغبار قد علا وثار قاصدا بلادهم وتلك الديار فشخصت اليه الابصار ساعه من النهار إلى ان ارتفع وتمزق وبان من تحته الف فارس وكلهمخ با لسلاح والدوق وفي اولهم فارس بالحديد غاطس كأنه قله من القلل او قطعه فصلت من ذيل جبل وعلى راسه البيارق والريات والسناجق فلما راه جساس استبشروا وايقن بالفرج بعد الشقا والكدر ولما اقترب للعيان ونأملته الفرسان واذا اسد الاجام الامير سيبون ابن الامير همام وكان المذكور قد خرج في جماعه من فرسان الصدام للغزو على بلاد الروم وذلك من عهد وقوع الزير في البحر كما سبق الكلام فلما عرفوا وتحققوا خرجوا اليه واستقبلوه وفرحوا بقدومه الي الديار وكان ذلك اليوم عندهم اعظم نهار فذبحوا الذبائح وطعموا الغادي والرائح وكان افراح الخلق ابوة همام وامه ضباع حيث لم يكن غيره سوى الذي قتل الزير على بير السباع فلما نزل بصيوانه بابطاله وفرسانه خاع عدته وغير بذلته ودقت له النوبات وقامت الافراح والمسرات وعمل جساس وليمه عظيمه لها قدر وقيمه استدعى اليها جميع الاكابر وامراء القبائل والعشائر وكان شيبون قد وجد السادات والاعيان في هموم واحزان فسال عن ذلك الشان فقال جساس له لاتسال يا ابن أخي عما اصابنا ودهانا من خالك الزير غالمهان فانه يكتف بقتل اخيك شيبان حتى جعلنا مثلا بين العربان على طول الزمان فانه افنى رجالنا واهلك ابطالنا وقد حرمنا هجوع الليل وهدمنا القوى والحيل كل هذا هو لايقبل منا ديه ولامال ديه ولامال ولافديه وقد اعلمنا بالقضيه واو قفناك على باطن الطويله فلما سمع شيبون هذا الكلام صار الضيا في عينيه كالضلام من عظم ما قاله اخمرت عينيه وشتم خاله ووعدهم بالمساعده والمعاضده وان يكون معهم على قتال خاله يد واحده ثم نظم هذه القصيده وارسلها لخاله على سبيل الملام والتهديد :
قال شيبون ابن همام الامير حامي الزينات طعان العدا مرعب الفرسان في يوم اللقا ساقيا للعدى كاس الردى ضر ب سيفي يقطع السيف المتين ثم يقدح الصخور الجمدا كل من يبغي قتالي يرتدي ويرتمي فوق الصعيد ممدا لم يبق لي مقارن في المجال حين يلقوني يولدا شردا وانت يا خالي مهلهل ياهمام شد عزمك للقتال إلى غدا ولاتقل يا خالي ما اعلمتني يا قليل العقل لاتتمردا ابرز الي في الصباح ولاقني ثم ابشر يا مهلهل بالردا
( قال الراوي ) فلما فرغ شيبون من شعره ومقاله ختم الكتاب وارسله إلى خاله مع رجل من ابطاله فلما فتحه الزير وقرأه وعرف فحوى معناه أجارت وغاب من ديناه وقد شق عليه وتأسف وصفق كفا على كف وقال انه معذور في هذه الامور لانه جاهل مغرور فلقتضى ان ينتصح قبل ان يفتضح فاجابه على ابياته تقول :
<--
-->
المراجع
al-hakawati.la.utexas.edu
التصانيف
تصنيف :قصص مجتمع قصة
|