قال الملك دبشليم لبيدبا الفيلسوف: قد فهمت ما ذكرت من أمر العجول غير المتأيد ولا المتثبت فأخبرني ما الذي إذا عمل به الملك كرم على رعيّته وثبّت ملكه، ألحلم أم المروءة أم الحميّة أم الجود؟
فقال الفيلسوف: إنّ أفضل ما يحفظ به الملك ملكه الحلم والعقل لأنهما رأس الأمور وملاكها مع مشاورة الملك. فإن الحلم أفضل ما يستعين به على أموره. ثم من صلاح المرء في معيشته المرأة الصالحة الفاضلة الرأي المؤاتية. فإن الرجل وإن كان شجاعاً رئيساً ثم لم يكن له من يشاوره حليماً عاقلاً وشاور غير لبيب، فإنه يبهظه الأمر اليسير حتى ترى فيه القبح والضعف لجاهلته وخطإ رأي أصحابه. فإن أصاب ظفراً أو لقي رشداً لقدر ساقه إليه صارت عاقبة أمره إلى ندامة. وإذا كان على خلاف ذلك من الفضل وآزره في التدبير وزير عاقل ثم أعانه القضاء أصاب الفلاح على من خاصمه والغلبة على من ناوأه والسرور لمن أحزنه، كما زعموا أنه جرى بين شادرم ملك الهند وإيراخت امراـه وإيلاذ صاحب سره ورأيه.
فقال الملك: وكيف كان ذلك؟

قال الفيلسوف: زعموا أن إيلاذ كان ناسكاً مجتهداص حسن الخلق ليّناً حليماً كاملاً. فبينما شادرم الملك ذات ليلة نائم في غرفة له إذ رأى ثمانية أحلام يستيقظ عند كل حلم منها. فلما أصبح دعا البراهمة، وهم النساك، فقص عليهم ما رأى وأمرهم أن يعبروها، فقالوا: قد رأيت أيها الملك أمراً منكراً معجباً لم نسمع بمثله فيما مضى. وإن أحببت أن تنطلق فنفكّر فيه ستة أيام ونأتيك في اليوم السابع فنخبرك به، ولعلنا نستطيع أن ندفع ما تتخوف منه.
قال الملك: فاعملوا برأيكم فيما تعلمون أنه يوافقني.
قالوا: نعم وخرجوا من عنده واجتمعوا وقالوا: لم يطل العهد منذ قتل منا اثني عشر ألفاً، وقد استمكنا منه إذ أفضى إلينا بسرّه وعرّفنا فرقه من رؤياه، ولعلنا ننتقم منه إن نحن أغلظنا له القول فيحمله الخوف على أن يتابعنا ما نريد، فنأمره أن يدفع إلينا من يكرم عليه من أهله ووزرائه ونقول له: إنا قد نظرنا في كتبنا فلم نجد شيئاً يصرف ما رأيت إلا قتل من ينتمي لك. إن قال: ومن تريدون؟ قلنا: إيراخت امرأتك وابنها جوبر وابن أختك إيلاذ صاحب أمرك، فإنه ذو حيلة وعلم، وكال كاتبك ولسانك. ونريد سيفك والفيل الأبيض الذي تقاتل عليه، وكنان أبزون الفقيه. فتجعل دماءهم في مرجل نقعدك فيه، فإذا أردنا أن نخرجك منه اجتمعنا معشر البرهميين من الآفاق الأربعة فرقيناك ومسحنا عليك وغسّلناك بالماء والدهن الطيب، ثم صيّرناك إلى مجلسك فيُذهب الله عنك ما تحذر مما رأيت. فإن أنت صبرت على هذا وطبت به نفساً خلصت من البلاء ونجوت من الأمر العظيم الذي قد رهقك وأشرف عليك واستخلفت مكانهم مثلهم. وإن لم تفعل فإنا نتخوف أن تغصب فتهلك وينزع ملكك ويستأصل عقبك.
فلما أبرم البرهميون ذلك من رأيهم اتفقوا عليه أتوا الملك فقالوا: إنا قد نظرنا في كتبنا وتبحّرناها وفكرنا في رؤياك وأعملنا العقول فيها، فلسنا نقدر على أن نعلمك ما رأينا حتى تخلينا. ففعل ذلك فقصوا عليه الأمر على ما هيّأوا له.
فقال الملك: الموت خير مما أسمع. كيف أبدأ فأقتل هذه النفوس التي هي عندي عدل نفسي وأحتمل الإصر والوزر. ولا بد من الموت على كل حال، ولست الدهر على ملكي هذا، وإنه سواء عليّ الهلاك وفراق الأحبة.
فقال الرهميون: إنت أنت لم تغضب أخبرناك أن رأيك مخطئ وأنك لم تصب إن أهنت نفسك وأكرمت عليها غيرها. أولست تعلم أن كل شيء معها يسير وأنه لا يفيدها شيء، وإن عظم خطره أو صغر. فلعمري لئن فديتها بمن سمّيناهم لك إنه لأمثل وأخير، فتبقى في ملكك وسلطانك ويصلح لك أمرك، فانظر لها ودع ما سواها فإنه لا شيء يعدلها.
فلما رأى الملك أن البرهميين قد أغلظوا في القول واجترأوا عليه فيه قام فدخل قصره ووقع وجهه، وجعل يتقلب مهموماً محزوناً ويفكر في رأيه لا يدري ما يصنع: أيخاطر بنفسه وملكه أو ينحاز إلى ما سألوا من قتل أحبائه. فمكث بذلك أياماً وفشا الحديث في أرضه وقيل: لقد نزل بالملك أمر هو فيه في كرب.
فلما رأى إيلاذ الذي قد وقع فيه الملك من ذلك فكّر ونظر وكان فطناً عالماً مجرّباً داهياً فقال: ما ينبغي أن أستقبل الملك بشيء دون أن يدعوني ولكني أنطلق إلى إيراخت امرأة الملك فأسألها عن ذلك. فأتاها فقال: إني أعلم أن الملك لم يركب أمراً صغيراً ولا كبيراً مذ كنت معه إلى بمشورتي. فإني كنت صاحب سره ولم يكن يكتمني شيئاً طرأ عليه، وكان إذا حاربه امر مفظع عزى نفسه فيه واصطبر على ما نزل به وذكر لي ذلك فأسليه عنه بأرفق ما أقدر عليه. وإني أراه مستخلياً بالبراهمة منذ سبعة أيام وقد احتجب فيها عن الناس. وأنا خائف أن يكون قد أطلعهم على دخلة أمره ولست آمن عليه منهم. فاذهبي إليه وسليه عن حاله وما بلغه وما الذي ذكروا له، ثم أعلميني، فإني لا استطيع أن أدخل عليه. وأحسبهم قد زيّنوا له أمراً قبيحاً وحملوه على عضيهة وأغضبوه بشيء شبهوا له فيه. فإن من أخلاق الملك إذا اغتاظ أن لا يلتفت إلى أحد ولا يسأل عن شيء ولا ينظر فيه، وسواء عليه جسيم الأمور وحقيرها. ولست أشك أنهم لم ينصحوه لما في قلوبهم من الحقد عليه والبغض له، وأنهم إن قدروا عليه وعلى هلكته التمسوا إنزالها فيه وإدخالها عليه.
قالت إيراخت: إنه كان بيني وبين الملك كلام ولست أريد أن آتيه ما دام مذنباً لم يرع لي خاطراً.
قال إيلاذ: لا تحملن الحقد في مثل يومك هذا. فلن يقدر أحد على أن يدخل عليه غيرك، وقد كنت سمعته يقول غير مرة: "إني إذا حزنت واهتتمت فأتني إيراخت أذهبت عني ذلك". فانطلقي إليه وكلميه بما تظنين أنه يطيب نفساً به وتجلّي عنه ما به.
فلما سمعت ذلك إيراخت نهضت إلى الملك ودخلت عليه، وجلست عند رأسه وقالت: ما أمرك أيها الملك السعيد الرشيد المحمود؟ وما الذي قال لك البرهميون؟ فإني أراك مهموماً حزيناً. إن كان الذي ينبغي أن تحتاله أمراً فيه جلاء همك وسرورك ونفعك فيه استئصال أنفسنا فافعل ذلك، وإن يكن بك غضب علينا نرضك ونأت ما يسرّك.
فقال الملك: لا تسأليني أيتها المرأة عن شيء فتزيديني خيالاً إلى ما بي. فإنه لا ينبغي أن تعلمي ذلك الأمر العظيم خطره، الشديد هوله، ولا تجديك معرفته نفعاً.
فقالت إيراخت: أو قد صار أمري عندك إلى أن تجيبني بمثل ما قد سمعت؟ أو ما تعلم بأن أفضل الرأي للملك إذا وقع بالأمر الذي يدهمه أن يشاور أهل نصيحته ومودّته ومن يهمه وما أحزنه؟ فإن المذنب لا يقنط من الرحمة ولكنه يتوب مما يخاف. فلا يدخلنك من الهم والحزن ما أرى بك. فإنهما لا يردان شيئاً بل يشتمان العدو ويسوءان الصديق. وأهل العلم والتجارب ينظرون في ذلك ويصبّرون أنفسهم على ما فاتهم من عرض الأطماع ونزل بهم من حوادث الأزمان.
فقال الملك: أيتها المرأة لا تسأليني عن شيء فإن في الذي تفحصين عنه دماري وهلاكك وهلاك ولدك وكثير من أهل ودي. فإن البرهميين زعموا أنه لا بد من قتلك وقتله ولا خير في العيش بعدكم ولا لذة لي عند فراقكم، وذلك أفظع الأمور وأجلها خطباً في نفسي.
فلما سمعت ذلك إيراخت جزعت ومنعها عقلها أن تظهر للملك جزعها، فقالت: لا يحزنك الله أيها الملك ولا يسؤك. أنفسها لك الفداء والوفاء. فإن ذلك يسير في بقائك وصلاحك. وقد جعل الله لك من الجواري ما فيه الخلف والعوض. ولكني أطلب إليك بعد موتي ألا تثق بالبرهميين ولا تستشيرهم ولا تقتل أحداً حتى تشاور فيه أهل نصيحتك والثقة لك وتعرف ما تقدم عليه. فإن القتل عظيم الخطب شديد الوزر، ولست تقدر على رد ما أهلكت. وقد قيل: "إن وجدت جوهراً لا تظن فيه خيراً وأردت أن تلقيه فلا تفعل ذلك حتى تريه من يبصره"، ولا تقرّ عين عدوك من البرهميين وغيرهم. واعلم أنهم لم ينصحوا لك أبداً وإنما قتلت منهذ منذ قريب اثني عشر ألفاً، أفتظن أنهم نسوا ذلك؟ ولعمري ما كنت جديراً أن تحدثهم برؤياك ولا تطلعهم على سرك، فإنهم يريدون بما عبّروا من رؤياك هلاكك وبوار أحبابك واستئصال وزرائك أهل الحلم والعلم والحكمة ومراكبك التي تقاتل عليها. ولكن انطلق إلى كنان أبزون فاذكر له أمرك وسله عما بدا لك، فإنه لبيب أمين وليس عند أحد شيء إلا عنده أفضل منه، وإن كان من البراهمة فإنه ناسك فقيه. فإن أشار عليك بمثل رأيهم فعلت، وإن خالف رأيه قولهم نظرت ولم تعجّل في أمرك.
فلما سمع الملك ذلك منها أعجبه فأمر بإسراج فرسه ثم ركب وانطلق إلى كنان أبزون حثيثاً. فلما انتهى إليه نزل عن فرسه ثم سجد له وحياه وطأطأ رأسه. فقال كنان أبزون: ما جاء بك أيها الملك؟ ومالي أراك متغير اللون ممتلئاً حزناً ولا أرى عليك تاجك ولا إكليل الملك؟
فقال له الملك: كنت ذات ليلة نائماً على ظهر إيواني فسمعت من الأرض ثمانية أصوات أستيقظ مع كل صوت منها ثم أرقد. فرأيت ثمانية أحلام فاقتصصتها على البرهميين. فأنا أخاف أن يصيبني أمر عظيم، إما أن أقتل في حرب وإما أن أغصب في ملكي فأغلب عليه.
ثم قصّ الملك عليه الرؤيا فقال له البرهمي: لا يحزنك هذا الأمر ولا يوجلنّك، فإنك لا تموت الآن ولن تسلب ملكك ولن يصيبك شيء من الآثام والشرور التي تحذر. فأما الأحلام الثمانية التي رأيت فإني منبئك بتأويلها. تدل السمكتان الحمراوان اللتان قامتا على ذنبيهما أنه يأتيك من قبل هميون رسول يهديك من قبله هدية ثمنها أربعة آلاف رطل من ذهب. وأما البطتان اللتان رأيت أنهما طارتا من وراء ظهرك فوقعتا بين يديك فإنه يأتيك من عند ملك بلخ من يقوم بين يديك بفرسين ليس في الأرض مثلهما. وأما الحية التي رأيتها دبّت على رجلك اليسرى فإنه يأتيك من قبل ملك صنجين من يقوم بين يديك بسيف خالص الحديدة لا يوجد مثله. وأما الدم الذي رأيت أنه يخضب جسمك فإنه يأتيك من قبل ملك كاسرون من يقوم بين يديك بلباس معجب يسمى حلة أرجوان يضيء في الظلمة. واما ما رأيت من غسلك جسمك بالماء فإنه يأتيك من قبل ملك راز من يقوم بين يديك بثياب من لباس الملوك. وأما ما رأيت من أنك على جبل أبيض فإنه يأتيك من خيار الملوك من يقوم بين يديك بإكليل من ذهب مكلل بالدر والياقوت. وأما الطير الأبيض الذي ضرب رأسك بمنقاره فلست بمفسّره لك اليوم وليس بضارّك فلا توجلنّ منه، ولكن فيه بعض السخط والإعراض عمن تحب. فأما البرد والرسل فإنهم يأتونك بعد سبعة أيام جميعاً فيقومون بين يديك.

فلما سمع الملك ذلك سجد بين يدي كنان أبزون وانصرف وقال: إني لناظر فيما قال. فلما كان اليوم السابع لبس الملك ثيابه وأخذ زينته وقعد في مجلسه وأذن للعظماء والأشراف، فجاءته تلك الهدايا التي أخبره عنها كنان أبزون فوضعت بين يديه. فلما رأى الملك أولئك البرد والرسل وتلك الهدايا اشتد فرحه لذلك وقال في نفسه: "لم أوفّق حين قصصت رؤياي على البرهميين فأمروني بما أمروني به. ولولا أن الله حماني ورحمني وتداركني برأي إيراخت كنت هلكت وزالت دنياي. فلذلك ينبغي لكل أحد أن يسمع من الأخلاء والأحباء وذوي القرابات رأيهم ويقبل مشورتهم. فإن إيراخت أشارت علي برأي فقبلته واغتبطت به فثبت لي ملكي بأي الأخلاء والنصحاء واستبان لي أيضاً علم كنان أبزون وصدق قوله". ثم دعا الملك جوبر وإيلاذ وكال الكاتب فقال لهم إنه لا ينبغي لنا أن ندخل هذه الهدايا خزائننا ولكني سأقسمها بينك أنت الذي وطّنتم أنفسكم على الموت في سببي وبين إيراخت التي أشارت عليّ بالرأي الذي انتفعت به في بقاء ملكي والذي ترون من الفرح والسرور.
فقال إيلاذ: إنه لا ينبغي لنا معاشر العبيد أن نعجب لما كان منا في ذلك. فإن العبد ينبغي له أن يسلم نفسه في الموت مكان سيده. فأما هذه العطية فلا ينبغي لنا معشر العبيد أن ندنو منها. فأما جوير ابنك فهو لنا أهل فليأخذ ما أعطيته.
فقال الملك: إنه قد شاع لنا في هذا ثناء وخير كبير فلا تحتشمنّ يا إيلاذ وخذ نصيبك وقرّ به عيناً.
فقال إيلاذ: ليكن من ذلك ما أحب الملك أن يبدأ بأخذ ما يريد فليفعل. فأخذ الملك الفيل الأبيض وأعطى جوبر أحد الفرسين وأعطى إيلاذ السيف الخالص الحديدة وأعطى كال الكاتب الفرس الآخر وبعث إلى كنان أبوزون باللباس الذي تلبسه الملوك. وأما الإكليل وسائر اللباس وما كان يصلح للنساء فقال لإيلاذ: خذ الإكليل والثياب احملها معي واتبعني إلى النساء. فدعا الملك زوجتيه إيراخت وكورقناه فجلستا بين يديه، وقال الملك: يا إيلاذ ضع الإكليل والكسوة بين يدي إيراخت فلتأخذ أيها شاءت. فلما نزرت إيراخت إلى الإكليل وعجبه نظرت إلى إيلاذ بمؤخر عينها ليريها أيهما أفضل فأراها إيلاذ الثياب وأشار إليها بأخذها، فحانت من الملك التفاتة فرأى إيلاذ. فلما رأت إيراخت أن الملك قد أبصر إيماءه إليها بعينه تركت الذي أراها إيلاذ وأخذت الإكليل. فعاش إيلاذ بد ذلك أربعين سنة كلما دخل على الملك كسر عينيه لئلا يظن الملك أنه أراها شيئاً. ولولا عقل إيراخت وعقل إيلاذ لم ينج واحد منهما من الموت.
وكان الملك يقضي ليلة عند إيراخت وليلة عند كورقناه، فأتى الملك إيراخت في ليلة وقد صنعت له أرزاً فدخلت على الملك وفي يدها صحفة من ذهب والإكليل على رأسها فقامت على رأس الملك بالصحفة وهو يطعم منها. فلما رأت كورقناه الإكليل على رأس إيراخت غارت على إيراخت فلبست تلك الثياب فظهر حسنها مثل الشمس ومرّت بين يدي الملك فاشتاق إلى كورقناه وقال لإيراخت: لقد كنت جاهلة حين أخذت الإكليل وتركت الكسوة التي ليس في خزائننا مثلها.
فلما سمعت إيراخت ذلك من قوله ومدحه كورقناه وتسفيه رأيها ألبست الغيظ والغضب فضربت الصحفة التي كانت في يدها رأس الملك فسال الأرز على رأسه وعلى جسمه. وكان ذلك تصديق الحلم الذي كان كنان أبوزن شرح للملك بطرف منه ولم يكن بيّنه له. فدعا الملك إيلاذ فقال: يا إيلاذ ألا ترى إلى ملك العالم كيف حقرته هذه المرأة وعملت به ما علمت، فانطلق بها واضرب عنقها ولا ترحمها.
فخرج إيلاذ بإيراخت من عند الملك وقال في نفسه: ما أنا بقاتلها حتى يسكن غضب الملك، فإنها امرأة عاقلة سعيدة من الملكات ليس لها من بين النساء عِدل في الحلم والعقل وليس الملك بصابر عنها. وقد خلص بها إلى اليوم أناس كثير من الموت وعملت أعمالاً صالحة ورجاؤنا فيها اليوم عظيم، ولست آمن أن يقول: "ما استطعت أن تؤخر قتلها؟". فلست قاتلها حتى أنظر ما رأي الملك فيها، فإن ندم على قتلها وحزن جئته بها حية، وكنت قد عملت ثلاثة أعمال عظام: نجيت إيراخت من القتل، وسليت حزن الملك، وافتخرت بذلك على الناس. وإن لم يذكر ها أمضيت أمره فيها.
فانطلق بها إيلاذ سراً إلى منزله فوكل بها رجلين من أمناء الملك الذي يلون نساءه وأمر أهله بحفظها وإكرامها حتى ينظر كيف يكون آخر أمرها. ثم خضّب إيلاذ سيفه بالدم ودخل على الملك كئيباً حزيناً، فقال للملك: قد أمضيت أمرك في إيراخت.
فلم يلبث الملك أن سكن غضبه فذكر جمال إيراخت ورأيها وعظم عنائها وجسيم منفعتها فاشتد حزنه وجعل يقوّي نفسه ويتجلد وهو على ذلك يستحيي أن يسأل إيلاذ: أأمضى أمره حقاً فيها أم لا. وجعل يرجو لها البقاء لعلمه بعقل إيلاذ أن لا يكون قتلها. ونظره إيلاذ بفضل علمه فقال: لا أحزن الله الملك ولا يهتمّنّ فإنه ليس في الغم والحزن منفعة، ولكنهما ينحلان الجسم ويفسدانه مع ما يدخل على أهل الملك أيضاَ من الحزن إذا حزن، وفرح أعداؤه وشمتوا به، وإنه إذا سمع بهم لم يعدم من صاحبه عقلاً ولا علماً. فاصبر أيها الملك ولا تحزن على ما لست بناظر إليه أبداً وإن أحبّ الملك حدّثته بحديث شبيه بأمره هذا.
قال الملك: حدثني به.


المراجع

al-hakawati.net

التصانيف

تصنيف :قصص   مجتمع   قصة