عبد الله المأمون
170- 218 هـ
عبد الله المأمون بن هارون الرشيد. ولد عام 170 هـ في الليلة التي مات فيها الهادي واستخلف أبوه وتوفي عام 218 هـ.
أمه من الفرس البرامكة اسمها مراجل ماتت في نفاسها به.
قرأ العلم في صغره ، وسمع الحديث من أبيه وهشيم وعباد بن العوام ويوسف بن عطية وأبي معاوية الضرير وإسماعيل بن علية وحجاج الأعور وطبقتهم.
وأدبه اليزيدي وجمع الفقهاء من الآفاق وبرع في الفقه والعربية وأيام الناس ولما كبر عني بالفلسفة وعلوم الأوائل ومهر فيها.
روى عنه: ولده الفضل ويحيى بن أكثم وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي والأمير عبد الله بن طاهر وأحمد بن الحارث الشيعي ودعبل الخزاعي و غيرهم.
قال أبو معشر المنجم: كان المأمون أماراً بالعدل فقيه النفس يعد من كبار العلماء.
وعن الرشيد قال إني لأعرف في عبد الله حزم المنصور ونسك المهدي وعزة الهادي ولو أشاء أن أنسبه إلى الرابع يعني نفسه لنسبته .
كان أفضل رجال بني العباس حزماً وعزماً وحلماً وعلماً ورأياً ودهاء وهيبة وشجاعة وسؤددا وسماحة.
استقل المأمون بالأمر بعد قتل أخيه سنة ثمان وتسعين وهو بخرسان واكتنى بأبي جعفر.
ورد في كتاب “العارف” للدينوري:
” وخلص الأمر للمأمون سنة ثمان وتسعين ومائة، وأمه أمة تسمى مراجل، وكان أبوه حدّه في جارية من جواريه. قال الرقاشي يمدح محمداً ويعرض بالمأمون:
لم تـلـده أمة تـــع رف في السوق التجارا
لا ولا حـدّ ولا خــا ن ولا في الجري جارا
وكان أبو السرايا مع هرثمة من أصحابه فمنعوه أرزاقا، فغضب وخرج حتى أتى الأنبار فقتل العامري بها، ثم مضى لا يعرف أين يريد ولا يطلب، ثم قدم علي بن أبي سعيد من قبل الفضل بن سهل فعزل هرثمة وطاهراً وولوا طاهراً على الجزيرة لمحاربة نصر بن شبث، وأقبل الحسن بن سهل من خراسان على العراق ومعه حميد بن عبد الحميد وجمع كثير من القواد، فلما دنا من بغداد خرج طاهر إلى الرقة وتوجه هرثمة يريد خراسان، وقدم الحسن ونزل الشماسية، وظهر بن طباطبا العلوي بالكوفة وانظم إليه أبو السرايا فغلب على الكوفة ووثب العلويون بمكة والمدينة واليمن فغلبوا عليها، فوجه طاهر زهير بن المسيب إلى أهل الكوفة فقاتلهم فهزموه واستباحوا عساكره ورجع إلى بغداد. وصار طاهر إلى الرقة فالتقى هو نصر بن شبث، فقاتله نصر وأثخن في أصحابه ولم يزل الحرب بينه وبينه حتى ورد المأمون بغداد فقدم عليه ووجه الحسن بن سهل عبدوس بن محمد بن أبي خالد إلى أبي السرايا فالتقوا، فقتل عبدوس أصحابه، وأقبل أهل الكوفة حتى صاروا إلى نهر صرصر وأخذوا واسطاً والبصرة، فبعث الحسن بن سهل السندي ابن شاهك إلى هرثمة وهو بحلوان فرده وبعث به فسار إلى نهر صرصر فكشقهم وأتبعهم فأدركهم بالقرب من قصر ابن هبيرة فواقعهم فقتل منهم خلقاً كثيراً وانهزموا حتى دخلوا الكوفة، ومات أبو طباطبا فنصب أبو السرايا مكانة فتى من العلويين يقال له محمد بن محمد، ولم يزل هرثمة يحاربهم وقد أثخنوا في أصحابه حتى ضعفوا وكاتبوه، وهرب أبو السرايا ومعه العلوي ودخلها هرثمة فأقام بها أياماً ثم استخلف علياً ثم رجع إلى بغداد ومضى إلى خراسان وحارب أهل بغداد الحسن بن سهل ورئيسهم محمد بن أبي خالد المروزي وبنوه عيسى وهارون وأبو زنبيل والحسن بالمدائن، وصار الناس فوضى لا أمير عليهم، فخرج سهل بن سلامة والمطوعة وبعث المأمون إلى علي بن موسى الذي يدعى الرضى فحمله إلى خراسان فبايع له بولاية العهد بعده وأمر الناس بلباس الخضرة، وصار أهل بغداد إلى إبراهيم بن المهدي فبايعوه بيعة الخلافة فخرج إلى الحسن بن سهل فألحقه بواسط وأقام إبراهيم بالمدائن، ثم وجه الحسن علي بن هشام وحميداً الطوسي فاقتتلوا فهزمهم حميد وجلس علي بن عيسى مكان سهل بن سلامة وأمره بالمعروف، فاحتال حتى خذل من معه وظفر به ودفعه إلى إبراهيم بن المهدي فغيبه عنده ولم يعرف خبره حتى قرب المأمون من بغداد.
ووجه الحسن بن سهل هارون بن المسيب إلى الحجاز لقتال العلوية فاقتتلوا فهزمهم هارون بن المسيب وظفر بمحمد بن جعفر فحماه إلى المأمون مع عدة من أهل بيته، فلم يرجع أحد منهم ومات الرضي بخراسان ولمل صار هرثمة إلى خراسان جرى بينه وبين الفضل بن سهل كلام بين يدي المأمون، فامر بسجنه فحبس في قبة في دار المأمون فمكث فيها أياماً ثم أخرج ميتاً فلف في خيشة ودفن في خندق كان لأهل السجن بمرو.
فلما بلغ حاتم بن هرثمة وهو على أرمينية ما صنع أبوه كاتب الأحرار هناك والملوك ودعاهم إلى الخلاف، فبينما هو على ذلك أتاه الموت.
فيقال: إن سبب خروج بابك كان ذاك، فمكث بابك نيفاً وعشرين سنة وكان أبو إسحاق المعتصم مع الحسن بن سهل فهرب إلى إبراهيم بن المهدي وكان يقاتل مع الحسن وأصحابه، ثم التقى هو ومهدي الشاري سنة ثلاث ومائتين فانهزم أبو إسحاق إلى بغداد، ولم تزل الحرب بين أهل بغداد وبين الحسن بن سهل حتى ظفر بهم الحسن وأسر منهم خلقاً وحملهم إلى خراسان مع أحمد بن أبي خالد فوافى خراسان وقد قتل الفضل بن سهل بسرخس في سنة ثلاث ومائتين، فاتخذه المأمون وزيراً مكان الفضل واستخلف على خراسان غسان بن عباد. وأقبل المأمون إلى بغداد فلما قرب منها ظفر إبراهيم بن المهدي بسهل بن سلامة، وقال له: ادع الناس إلى محاربة المأمون ففعل ذلك ثم توارى إبراهيم ودخل المأمون بغداد يوم السبت لأربع ليال خلون من صفر سنة أربع ومائتين وعليه الخضرة، فأحسن السيرة وتفقد أمور الناس وقعد لهم ثم أصابت الناس المجاعة ووجه إلى بابك يحيى بن معاذ، وشبيباً البلخي إلى نصر بن شبث فهزم يحيى وشبيب، ووجه خالد بن يزيد بن مزيد إلى مصر لمحاربة عبيد بن السري فظفر به عبيد وأخذه أسيراً فعفا عنه وعمن أسره من أصحابه وأطلقه، ثم وجه المأمون عبد الله بن طاهر لمحاربة نصر بن شبث والزواقيل سنة سبع ومائتين، وفيها مات طاهر أبوه، واستأمن ابن السري فأمنه وأشخصه إلى بغداد وظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي سنة عشر ومائتين فأمنه ونادمه، وفي هذه السنة بنى ببوران وبعث المأمون إلى محمد بن علي بن موسى وهو ابن الرضي فأقدمه فزوجه ابنته وأذن له في حملها إلى المدينة، فحملها ووجه محمد بن حميد لقتال بابك فالتقوا، فقتل محمد بن حميد سنة أربع عشرة ومائتين وعقد لعبد الله بن طاهر وهو بالدينور من أرض الجبل أن يتوجه إلى خراسان، وبعث علي بن هشام لمحاربة بابك، ثم توجه المأمون إلى طرسوس في المحرم سنة خمس عشرة ومائتين فغزا الروم وافتتح حصن قرة وخرشنة وصملة، ثم انصرف إلى دمشق ثم مضى إلى مصر ثم عاد إلى دمشق ثم توجه إلى الروم سنة سبع عشرة ومائتين، وفي هذه السنة قدم عليه عجيف بعلي بن هشام فقتله وأخاه وفيها مات عمرو بن سعيد بأذنة، وفيها فتحت لؤلؤة وأمر ببناء طوانة، ثم عاد المأمون فصار إلى الرقة ثم عاد إلى بلاد الروم فمات على نهر البذندون لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، فحمل إلى طرسوس ودفن بها وكانت خلافته منذ قتل محمد عشرين سنة وعقبه كثير”.
ورد في “سير أعلام النبلاء” للذهبي:
” الخليفة أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي ابن أبي جعفر المنصور العباسي. ولد سنة سبعين ومئة.
وقرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات وعلوم الأوائل وأمر بتعريب كتبهم وبالغ وعمل الرصد فوق جبل دمشق ودعا إلى القول بخلق القرآن وبالغ نسأل الله السلامة.
وسمع من هشيم وعبيد بن العوام ويوسف بن عطية وأبي معاوية وطائفة.
روى عنه ولده الفضل ويحيى بن أكثم وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي وعبد الله بن طاهر الأمير ودعبل الشاعر وأحمد بن الحارث الشيعي.
وكان من رجال بني العباس حزماً وعزماً ورأياً وعقلاً وهيبة وحلماً ومحاسنه كثيرة في الجملة.
قال ابن أبي الدنيا كان أبيض ربعة حسن الوجه تعلوه صفرة قد وخطه الشيب وكان طويل اللحية أعين ضيق الجبين على خده شامة.
أتته وفاة أبيه وهو بمرو سائرا لغزو ما وراء النهر فبايع من قبله لأخيه الأمين ثم جرت بينهما أمور وخطوب وبلاء وحروب تشيب النواصي.
إلى أن قتل الأمين وبايع الناس المأمون في أول سنة ثمان وتسعين ومئة.
قال الخطبي كنيته أبو العباس فلما استخلف اكتنى بأبي جعفر واسم أمه مراجل ماتت في نفاسها به. قال ودعي له بالخلافة في آخر سنة خمس وتسعين إلى أن قتل الأمين فاجتمع الناس عليه فاستعمل على العراق الحسن بن سهل ثم بايع بالعهد لعلي بن موسى الرضى ونوه بذكره ونبذ السواد وأبدله بالخضرة فهاجت بنو العباس وخلعوا المأمون ثم بايعوا عمه إبراهيم ابن المهدي ولقبوه المبارك وعسكروا فحاربهم الحسن بن سهل فهزموه فتحيز إلى واسط ثم سار جيش المأمون عليهم حميد الطوسي وعلي بن هشام فالتقوا إبراهيم فهزموه فاختفى زماناً وانقطع خبره إلى أن ظفر به بعد ثمان سنين فعفا عنه المأمون.
وكان المأمون عالما فصيحا مفوها وكان يقول معاوية بن أبي سفيان بعمره وعبد الملك بحجاجه وأنا بنفسي وقد رويت هذه أن المنصور قالها. وعن المأمون أنه تلا في رمضان ثلاثا وثلاثين ختمة. الحسين بن فهم حدثنا يحيى بن أكثم قال لي المأمون أريد أن أحدث قلت ومن أولى بهذا منك قال ضعوا لي منبراً ثم صعد قال فأول ما حدثنا عن هشيم عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلي النار ثم حدث بنحو من ثلاثين حديثاً ونزل فقال كيف رأيت أبا يحيى مجلسنا قلت أجل مجلس تفقه الخاصة والعامة قال ما رأيت له حلاوة إنما المجلس لأصحاب الخلقان والمحابر.
أبو العباس السراج حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال تقدم رجل غريب بيده محبرة إلى المأمون فقال يا أمير المؤمنين صاحب حديث منقطع به فقال ما تحفظ في باب كذا وكذا فلم يذكر شيئاً فقال حدثنا هشيم وحدثنا يحيى وحدثنا حجاج بن محمد حتي ذكر الباب ثم سأله عن باب آخر فلم يذكر شيئاً فقال حدثنا فلان وحدثنا فلان ثم قال لأصحابه يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيام ثم يقول أنا من أصحاب الحديث أعطوه ثلاثة دراهم.
قلت وكان جواد ممدحاً معطاء ورد عنه أنه فرق في جلسة ستة وعشرين ألف ألف درهم وكان يشرب نبيذ الكوفة وقيل بل يشرب الخمر فالله أعلم.
وقيل إنه أعطى أعرابياً مدحه ثلاثين ألف دينار.
مسروق بن عبد الرحمن الكندي حدثني محمد بن المنذر الكندي جار لعبد الله بن إدريس قال حج الرشيد فدخل الكوفة فلم يتخلف إلا ابن إدريس وعيسى بن يونس فبعث إليهما الأمين والمأمون فحدثهما ابن إدريس بمئة حديث فقال المأمون يا عم أتأذن لي أن أعيدها حفظاً قال أفعل فأعادها فعجب من حفظه ومضياً إلى عيسى فحدثهما فأمر له المأمون بشعرة آلاف درهم فأبى وقال ولا شربة ماء على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى محمد بن عون عن ابن عيينة أن المأمون جلس فجاءته امرأة فقالت مات أخي وخلف ست مئة دينار فأعطوني ديناراً واحداً وقالوا هذا ميراثك فحسب المأمون وقال هذا خلف أربع بنات قالت نعم قال لهن أربع مئة دينار قالت نعم قال وخلف أما فلها مئة دينار وزوجة لها خمسة وسبعون دينار بالله ألك اثنا عشر أخاً قالت نعم قال لكل واحد ديناران ولك دينار.
قال ابن الأعرابي قال لي المأمون خبرني عن قول هند بنت عتبة:
نحن بنـات طـارق نمشي على النمارق
من هو طارق فنظرت في نسبها فلم أجده فقلت لا أعرف قال إنما أرادت النجم انتسبت إليه لحسنها ثم دحا إلي بعنبرة بعتها بخمسة آلاف درهم.
عن المأمون من أراد أن يكتب كتاباً سراً فليكتب بلبن حلب لوقته ويرسله فيعمد إلى قرطاس فيحرقه ويذر رماده على الكتابة فيقرأ له.
قال الصولي اقترح المأمون في الشطرنج أشياء وكان يحب اللعب بها ويكره أن يقول نلعب بها بل نتناقل بها. وعن يحيى بن أكثم قال كان المأمون يجلس للمناظرة يوم الثلاثاء فجاء رجل قد شمر ثيابه ونعله في يده فوقف على طرف البساط وقال السلام عليكم فرد المأمون فقال أتاذن لي في الدنو قال أدن وتكلم قال أخبرني عن هذا المجلس الذي أنت فيه جلسته باجتماع الأمة أم الغلبة والقهر قال لا بهذا ولا بهذا بل كان يتولى أمر الامة من عقد لي ولأخي فلما صار الأمر إلي علمت أني محتاج إلى اجتماع كلمة المسلمين على الرضى بي فرأيت أني متى خليت الأمر اضطرب حبل الإسلام ومرج عهدهم وتنازعوا وبطل الحج والجهاد وانقطعت السبل فقمت حياطة للمسلمين إلى أن يجمعوا على من يرضونه فأسلم إليه فقال السلام عليك ورحمة الله وذهب فوجه المأمون من يكشف خبره فرجع فقال مضى إلى مسجد فيه خمسة عشر رجلاً في هيئته فقالوا لقيت الرجل قال نعم وأخبرهم بما جرى فقالوا ما نرى بما قال بأساً وافترقوا فقال المأمون كفينا مؤنة هؤلاء بأيسر الخطب.
وقيل إن المأمون استخرج كتب الفلاسفة واليونان من جزيرة قبرس وقدم دمشق مرتين.
قال أبو معشر المنجم كان أماراً بالعدل محمود السيرة ميمون النقيبة فقيه النفس يعد من كبار العلماء.
وروي عن الرشيد قال إني لأعرف في عبد الله ابني حزم المنصور ونسك المهدي وعزة الهادي ولو أشاء أن أنسبه إلى الرابع يعني نفسه لفعلت وقد قدمت محمداً عليه وإني لأعلم أنه منقاد إلى هواه مبذر لما حوته يداه يشارك في رأيه الإماء ولولا أم جعفر وميل الهاشميين إليه لقدمت عليه عبد الله.
عن المأمون قال لو عرف الناس حبي للعفو لتقربوا إلي بالجرائم وأخاف أن لا أوجر فيه.
وعن يحيى بن أكثم كان المأمون يحلم حتى يغيظنا قيل مر ملاح فقال أتظنون أن هذا ينبل عندي وقد قتل أخاه الأمين فسمعها المأمون فتبسم وقال ما الحيلة حتى أنبل في عين هذا السيد الجليل.
قيل أهدى ملك الروم للمأمون نفائس منها مئة رطل مسك ومئة حلة سمور فقال المأمون أضعفوها له ليعلم عز الإسلام.
وقيل أدخل خارجي على المأمون فقال ما حملك على الخلاف قال قوله” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” قال ألك علم بأنها منزلة قال نعم قال وما دليلك قال إجماع الأمة قال فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل فارض بإجماعهم في التأويل قال صدقت السلام عليك يا أمير المؤمنين .
الغلابي حدثنا مهدي بن سابق قال دخل المأمون ديوان الخراج فرأى غلاماً جميلاً على أذنه قلم فأعجبه جماله فقال من أنت قال الناشىء في دولتك وخريج أدبك والمتقلب في نعمتك يا أمير المؤمنين حسن بن رجاء فقال يا غلام بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول ثم أمر برفع رتبته وأمر له بمئة ألف. وعن المأمون قال أعياني جواب ثلاثة: صرت إلى أم ذي الرياستين الفضل بن سهل أعزيها فيه وقلت لا تأسي عليه فإني عوضه لك قالت يا أمير المؤمنين وكيف لا أحزن على ولد أكسبني مثلك.
قال وأتيت بمتنبىء فقلت من أنت قال أنا موسى بن عمران قلت ويحك موسى كانت له آيات فائتني بها حتى أومن بك قال إنما أتيت بالمعجزات فرعون فإن قلت أنا ربكم الأعلى كما قال أتيتك بالآيات.
وأتى أهل الكوفة يشكون عاملهم فقال خطيبهم هو شر عامل أما في أول سنة فبعنا الأثاث والعقار وفي الثانية بعنا الضياع وفي الثالثة نزحنا وأتيناك قال كذبت بل هو محمود وعرفت سخطكم على العمال قال صدقت يا أمير المؤمنين وكذبت قد خصصتنا به مدة دون باقي البلاد فاستعمله على بلد آخر ليشملهم من عدله وإنصافه ما شملنا فقلت قم في غير حفظ الله قد عزلته.
أول قدوم المأمون من خراسان سنة أربع ومئتين فدخل بغداد في محمل لم يسمع بمثله.
قال إبراهيم نفطويه حكى داود بن علي عن يحيى بن أكثم قال كنت عند المأمون وعنده قواد خراسان وقد دعا إلى القول بخلق القرآن فقال لهم ما تقولون في القرآن فقالوا كان شيوخنا يقولون ما كان فيه من ذكر الحمير والجمال والبقر فهو مخلوق فأما إذ قال أمير المؤمنين هو مخلوق فنحن نقول كله مخلوق فقلت للمأمون أتفرح بموافقة هؤلاء ؟قلت وكان شيعياً.
قال نفطويه بعث المأمون مناديا فنادى في الناس ببراءة الذمة ممن ترحم على معاوية أو ذكره بخير وكان كلامه في القرآن سنة اثنتي عشرة ومئتين فأنكر الناس ذلك واضطربوا ولم ينل مقصوده ففتر إلى وقت. وعن المأمون قال الناس ثلاثة رجل منهم مثل الغذاء لابد منه ومنهم كالدواء يحتاج إليه في حال المرض ومنهم كالداء مكروه على كل حال.
وعنه قال لا نزهة ألذ من النظر في عقول الرجال.
وعنه غلبة الحجة أحب إلي من غلبة القدرة.
وعنه الملك يغتفر كل شيء إلا القدح في الملك وإفشاء السر والتعرض للحرم.
وعنه أعيت الحيلة في الأمر إذا أقبل أن يدبر وإذا أدبر أن يقبل.
وقيل له أي المجالس أحسن قال ما نظر فيه إلى الناس فلا منظر أحسن من الناس.
أبو داود المصاخفي حدثنا النضر بن شميل قال دخلت على المأمون فقلت إني قلت اليوم هذا: أصبح ديني الذي أدين به == ولست منه الغداة معتذرا
حب علي بعد النـبـي ولا أشتم صديقه ولا عـمـرا
وابن عفان في الجنان مع ال أبرار ذاك القتيل مصطبرا
وعائش الأم لست أشتمـهـا من يفتريها فنحن منه بـرا
قيل إن المأمون لتشيعه أمر بالنداء بإباحة المتعة متعة النساء فدخل عليه يحيى بن أكثم فذكر له حديث علي رضي الله عنه بتحريمها فلما علم بصحة الحديث رجع إلى الحق وأمر بالنداء بتحريمها.
أما مسألة القرآن فما رجع عنها وصمم على امتحان العلماء في سنة ثماني عشرة وشدد عليهم فأخذه الله.
وكان كثير الغزو وفي ثاني سنة من خلافته خرج عليه بالكوفة محمد ابن طباطبا العلوي يدعو إلى الرضى من آل محمد والعمل بالسنة وكان مدير دولته أبو السرايا الشيباني ويسرع الناس إليه وبادر إليه الأعراب فالتقاه عسكر المأمون عليهم زهير بن المسيب فانهزموا وقوي أمر العلوي ثم أصبح ميتاً فجأة فقيل سمه أبو السرايا وأقام في الحال مكانة أمرد علوياً ثم تجهز لحربهم جيش فكسروا وقتل مقدمهم عبدوس المروروذي وقوي الطالبيون وأخذوا واسطاً والبصرة وعظم الخطب ثم حشد الجيش عليهم هرثمة وجرت فصول طويلة والتقوا غير مرة ثم هرب أبو السرايا والطالبيون من الكوفة ثم قتل أبو السرايا سنة مئتين وهاجت العلوية بمكة وحاربوا وعظم هرثمة بن أعين وأعطي إمرة الشام فلم يرض بها وذهب إلى مرو فقتلوه.
ثم في سنة إحدى ومئتين جعل المأمون ولي عهده عليا الرضى ولبس الخضرة وثارت العباسية وفيها تحرك بابك الخرمي بأذربيجان وقتل وسبى وذكر الرضى للمأمون ما الناس فيه من الحرب والفتن منذ قتل الأمين وبما كان الفضل بن سهل يخفيه عنه من الأخبار وأن أهل بيته قد خرجوا ونقموا أشياء ويقولون هو مسحور وهو مجنون قال ومن يعرف هذا قال عدة من أمرائك فأسألهم فأبوا أن ينطقوا إلا بأمان من الفضل فضمن ذلك فبينوا له وأن طاهر بن الحسين قد أبلى في طاعتك وفتح الأمصار وقاد إلى أمير المؤمنين الخلافة ثم أخرج من ذلك كله وصير في الرقة ولو كان على العراق حاكماً لضبطها بخلاف الحسن بن سهل وقالوا له فسر إلى العراق فلو رآك القواد لأذعنوا بالطاعة فقال سيروا فلما علم الفضل ضرب بعضهم وحبس آخرين وما أمكن المأمون مبادرته فسار من مرو الى سرخس فشد قوم علي الفضل فقتلوه في حمام في شعبان سنة اثنتين ومئتين عن ستين سنة فجعل المأمون لمن جاء بقاتليه عشرة آلاف دينار وكانوا أربعة من مماليك المأمون فقالوا أنت أمرتنا بقتله فأنكر وضرب أعناقهم.وضعف أمر إبراهيم بن المهدي بعد محاربة وبلاء. وفي سنة مات الرضى فجأة.
وفي سنة أربع وصل المأمون فتلقاه إلى النهروان بنوالعباس وبنو العباس أبي طالب وعتبوا عليه في لبس الخضرة فتوقف ثم أعاد السواد.
وفيها التقى يحيى بن معاذ أمير الجزيرة بابك الخرمي وولي طاهر جميع خراسان وأمر له بعشرة آلاف ألف درهم. وفيها -أعني سنة 205نصر المسلمون على بابك وبيتوه. وفي سنة سبع خرج باليمن علوي فأمنه المأمون وقدم. ومات طاهر ويقال إنه كان قد قطع دعوة المأمون قبل موته وخرج فقام بعده ابنه طلحة فولاه المأمون خراسان فبقي سبعة أعوام ومات فوليها أخوه عبد الله بن طاهر.
وكانت الحروب شديدة بين عسكر الإسلام وبين بابك وظهر باليمن الصناديقي وقتل وسبى وادعى النبوة ثم هلك بالطاعون.وخرج حسن أخو طاهر بن الحسين بكرمان فظفر به المأمون وعفا عنه.
وكان المأمون يجل أهل الكلام ويتناظرون في مجلسه وسار صدقة بن علي لحرب بابك فأسره بابك وتمرد وعتا. وفي سنة عشر دخل المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل بواسط وأقام عندها بجيشه سبعة عشر يوماً فكانت نفقة الحسن على العرس وتوابعه خمسين ألف ألف درهم فمكنة المأمون مدينة وأعطاه من المال خمس مئة ألف دينار.وفي سنة إحدى عشرة قهر ابن طاهر المتغلبين على مصر وأسر جماعة.
وفي سنة اثنتي عشرة سار محمد بن حميد الطوسي لمحاربة بابك وأظهر المأمون تفضيل علي على الشيخين وأن القرآن مخلوق واستعمل على مصر والشام أخاه المعتصم فقتل طائفة وهذب مصر ووقع المصاف مع بابك مرات.
وفي سنة خمس عشرة سار المأمون لغزو الروم ومن غزوته عطف إلى دمشق.
وفي سنة ست عشرة كر غازياً في الروم وجهز أخاه المعتصم ففتح حصوناً ودخل سنة سبع عشرة مصر وقتل المتغلب عليها عبدوساً الفهري ثم كر إلى أذنة وسار فنازل لؤلؤة وحاصرها مئة يوم وترحل.
وأقبل توفيل طاغية الروم ثم وقعت الهدنة بعد أن كتب توفيل فبدأ بنفسه وأغلظ في المكاتبة فغضب المأمون وعزم على المسير إلى قسطنطينية فهجم الشتاء.وفيها وقع حريق عظيم بالبصرة أذهب أكثرها.
وفي سنة اهتم المأمون ببناء طوانة وحشد لها الصناع وبناها ميلاً في ميل وهي وراء طرطوس وافتتح عدة حصون وبالغ في محنة القرآن وحبس إمام الدمشقيين أبا مسهر بعد أن وضعه في النطع للقتل فتلفظ مكرهاً.
وكتب المأمون إلى نائبه على العراق إسحاق بن إبراهيم الخزاعي كتاباً يمتحن العلماء يقول فيه وقد عرفنا أن الجمهور الأعظم والسواد من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر لهم ولا روية أهل جهالة وعمى عن أن يعرفوا الله كنه معرفته ويقدروه حتى قدره ويفرقوا بينه وبين خلقه فساووا بين الله وبين خلقه وأطبقوا علي أن القرآن قديم لم يخترعه الله وقد قال” أنا جعلناه قرآنا” فكل ما جعله فقد خلقه كما قال” وجعل الظلمات والنور ” وقال” نقص عليك من أنباء ما قد سبق” فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها.
وقال” وأحكمت آياته ثم فصلت” والله محكم له فهو خالقه ومبدعه إلى أن قال “فمات قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله إلى موافقتهم فرأى أمير المؤمنين أنهم شر الأمة ولعمرو أمير المؤمنين إن أكذب الناس من كذب علي الله ووحيه ولم يعرف الله حق معرفته فاجمع القضاة وامتحنهم فيما يقولون وأعلمهم أني غير مستعين في عمل ولا واثق بمن لا يوثق بدينه فإن وافقوا فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود ومسألتهم عن علمهم في القرآن ورد شهادة من لم يقر أنه مخلوق”.
وكتب المأمون أيضاً في أشخاص سبعة محمد بن سعد وابن معين وأبي خيثمة وأبي مسلم المستملي وإسماعيل بن داود وأحمد الدورقي فامتحنوا فأجوا قال ابن معين جبنا خوفاً من السيف وكتب بإحضار من امتنع منهم أحمد بن حنبل وبشر بن الوليد وأبي حسان الزيادي والقواريري وسجادة وعلي بن الجعد و إسحاق بن أبي إسرائيل وعلي بن أبي مقاتل وذيال بن الهيثم وقتيبة بن سعيد وسعدويه في عدة فتلكأ طائفة وصمم أحمد وابن نوح فقيدا وبعث بهما فلما بلغا الرقة تلقاهم موت المأمون وكان مرض بأرض الثغر فلما احتضر طلب ابنه العباس ليقدم فوافاه بآخر رمق وقد نفذت الكتب إلي البلدان فيها من المأمون وأخيه أبي إسحاق الخليفة من بعده فقيل وقع ذلك بغير أمر المأمون وقيل بل بأمره .
وأشهد على نفسه عند الموت أن عبد الله بن هارون أشهد عليه أن الله وحده لا شريك له وأنه خالق وما سواه مخلوق ولا يخلو القرآن من أن يكون شيئاً له مثل والله لا مثل له والبعث حق وإني مذنب أرجو وأخاف وليصل على أقربكم وليكبر خمساً فرحم الله عبداً اتعظ وفكر فيما حتم الله علي جميع خلقه من الفناء فالحمد لله الذي توحد بالبقاء ثم لينظر امرؤ ما كنت فيه من عز الخلافة هل أغنى عني شيئاً إذ نزل أمر الله بي لا والله لكن أضعف به على الحساب فيا ليتني لم أك شيئاً يا أخي ادن مني واتعظ بما ترى وخذ بسيرة أخيك في القرآن وأعمل في الخلافة إذ طوقكها الله عمل المريد لله الخائف من عقابه ولا تغتر فكأن قد نزل بك الموت ولا تغفل أمر الرعية الرعية الرعية فإن الملك بهم الله الله فيهم وفي غيرهم يا أبا إسحاق عليك عهد الله لتقومن بحقه في عباده ولتؤثرن طاعته علي معصيته فقال اللهم نعم هؤلاء بنو عمك من ذرية علي رضي الله عنه أحسن صحبتهم وتجاوز عن مسيئهم. ثم مات في رجب في ثاني عشرة سنة ثمان عشرة ومئتين وله ثمان وأربعون سنة توفي بالبذندون فنقله ابنه العباس ودفنه بطرسوس في دار خاقان خادم أبيه.
قال الأصمعي كان نقش خاتمه عبد الله بن عبيد الله. وله من الأولاد محمد الكبير والعباس وعلي ومحمد وعبيد الله والحسن وأحمد وعيسى وإسماعيل والفضل وموسى وإبراهيم ويعقوب وحسن وسليمان وهارون وجعفر و إسحاق وعدة بنات.