عمر حلاق
لم يكن تعريف السياسة بفن الممكن معزولاً عن الأوضاع والتقاطعات التي أنتجت التعريف بالضرورة، نعم السياسة فن التحرك في حدود الممكن كتعريف ولكن
من في بني البشر من يمكنه الإعلان عن انحيازه لشعار أو مصطلح كالسياسة فن الممكن مع عزلها عمداً عن الأخلاق؟ أظن أن قليل من البشر من يفعلون ذلك، السياسة في تعريفها الاخلاقي أن من يسود الناس قائم على خدمتهم في الاساس لذا أنتجت الدولة الحديثة نماذج مختلفة من السياسيين تقاطعوا واختلفوا في أساليب الادارة مع اتفاق تام أنهم مجرد موظفين تنتهي فترة عملهم بتنفيذهم لوعودهم الانتخابية او فشلهم، المهم أن مبدأ الإعلان باق ومبدأ المحاسبة حاضر.

 

ما ساقني للمقدمة أعلاه أمران، الاول يتمثل في سعادة بالغة تمظهرت في إعلانات وحلقات تلفزيونية ولقاءات صحفية ادبان اعلان إدارة اوباما انها سترفع العقوبات جزئيا عن السودان مع إمكانية رفعها كليا حال التزمت الحكومة السودانية باشتراطات منها المعلن ومنها المخفي بالضرورة، هذه السعادة لم يتبقى لإعلانها سوى استدعاء مغنيين النظام في حفل بهيج يطرب الحاضرين والمشاهدين في حد سواء، ولكن للاسف اكتشف النظام وزبانيته ان كل الذين شاركوا في مشروعها الفني ما يزالون في مربع (امريكا روسيا قد دَنَا عذابها) و(وروني العدو واقعدوا فراجة) وعلى شاكلة المدفع الرزام ذاك الموجه لصدر امريكا، فالنظام في اثناء فرحه نسى ان اعلى هرمه صرح مراراً أنهم يمضون في الطريق الخطأ حال رضا امريكا عنهم، وأن الاستهداف الخاص بالسودان باعتباره عصي على التركيع، وأن المستهدف الدين وليس السودان في أشارة للدين الاسلامي، ليس ذلك وحسب، بل مضى رئيس الدولة للتصريح علانية بعد استقلال جنوب او (انفصاله)
 
أن ميقات تطبيق الشريعة قد آن دون (دغمسة)، اكتشف النظام انه قبل الولوغ في التواجد ضمن الظل الامريكي أنه لم يعلن لجبهته الداخلية انتقاله ذلك، وهنا تباين النظر للسياسة من زاوية الأخلاق وزوايا الكسب، هنا سقطت آخر ورقة توت كان يخاطب بها النظام شعبه، أبسط أبناء الشعب السوداني تيقن الان وتماما أن من يحكمه لم ولن يحكمه بالدِّين وأن الشريعة مطية، وأن أمريكا تحولت من عدو معلن لـ (رب) يحميهم من غضبة شعبهم، ثم سقطت مع ورقة التوت أخلاق وقيم وأغنيات وشعارات، لم يتبقى منها ولو (خرقة) تخفي سوءة فشلهم الكلي في انتاج دولة تشابه الدول ناهيك أن تمتلك سيادة.

 

الامر الآخر ولمزيد من الفصل بين السياسة في حدها الممكن والاخلاق والمبادئ تلك التي سقفها السيادة، رأينا وقرأنا تصريحات الرئيس وهو في الدوحة عن الانتقال الكبير حين جلوسه مع الرئيس الامريكي في الرياض وهو الذي ترك له السفير والبعثات الدبلوماسية الامريكية المكان عدة مرات في مناطق مختلفة من العالم، الرئيس السوداني ذكر صراحة ان جلوسه مع ترامب يعتبر نقلة ولم يدري مصيره حينها إذ لم يجلس معه سوى فريق برنامج أغاني وأغاني ذلك البرنامج التلفزيوني الذي لا يطلب مقدمه والمغنيين من مجالسهم سوى الطرب لرنين حناجرهم، ثم لم أتسائل عن شعارات بائدة فقط أسأل عن كيفية انفصام الشخصية الإنقاذية، من أين لها القدرة على أن تكون الشيء وضده في آن واحد، كيف لها الهتاف علانية بالتكبير والتهليل و(أمريكيا وبريطانيا تحت جزمتي) والخضوع علانية ايضاً للسابقين والمذكورين أعلاه؟

 

أقول ان السبب الاساس يتمثل في الكرسي والحفاظ عليه، في الحكم فقط وان تبادلت الأماكن مع من نعتتهم بالعمالة لامريكا وإسرائيل، فالنظام القائم في السودان فوق جهله لا يستحي، بريق السلطة اعلى من شمس الحقيقة وإن نسى سأذكره فقط بضعة تفاصيل غابت عنه وعن المحبطين في صف المعارضة من التقارب بين الديكتاتور وأمريكا، سأذكرهم فقط ان جعفر نميري عندما نُزع الحكم منه كان في رحلة لامريكا،وأن حسني مبارك الرئيس المصري الأسبق لم تسنده دبابة أمريكية عندما كانت الحناجر في ميدان التحرير تهتف (ارحل) فامريكا ليست سوى طاعون العصر بصيغته الرأسمالية المقيتة، ليست سوى الفاعل في تثبيط الهمم لصالح شركاتها عابرة القارات، لا يعنيها مجتمع مدني أو حقوق بقدر ما تعنيها عائدات شركاتها من الاصطراع والسلم، أقول قولي هذا والسكين أقرب لعنق النظام من أي وقت مضى، فورقة التوت سقطت والعمالة بذاتها ما يمكن وصف النظام بها، أما شعبي فهو المعلم وهو الذي سيقرر في اختيار النهاية المناسبة لكل من عمل على فصل السياسة عن الأخلاق.
اخيرا تبقى اللحظات بين الرصاصة وصدري مليئة بحلم الحياة في وطن يسع الجميع.
 
 
 

المراجع

khartoumpost.net

التصانيف

علم النفس  تصنيف :مشاعر   العلوم الاجتماعية