وفقًا لفريق البحث الذي يتضمّن علماء فلك من جامعة فرجينيا، فإنّ المجرّة القزمة (dwarf galaxy) المكتشفة حديثًا والموجودة في كوكبة الوشق (Lynx) قد تُقدّم فهمًا أفضل لتطوّر الكيمياء في المراحل المبكرة من عمر الكون، وقد نُشر هذا الاكتشاف الجديد في Monthly Notices of the Royal Astronomical Society.
وتُبيّن الدراسة أن نسبة الأكسجين في المجرّة الصغيرة تُمثّل أقلّ نسبةٍ جرى اكتشافها حتى الآن في مجرّاتٍ فتيّةٍ بمرحلة التشكّل النجميّ، ومن المرجّح أن تكون هذه الحالة مشابهةً لما كانت عليه الحال في أولى مجرّات الكون.
يعرف علماء الفلك أن المجرّات الأولى كانت بسيطةً من الناحية الكيميائيّة أثناء وجودها في طور التشكّل النجميّ، إذ كانت تتألّف بصورةٍ رئيسيّةٍ من الهيدروجين والهليوم وهي العناصر التي تشكّلت بعد الانفجار العظيم (Big Bang) وخلال الدقائق الثلاث الأولى من وجود الكون.
بعد ذلك، نتج الأكسجين عن تشكّل النجوم فائقة الكتلة التي كوّنت عناصرَ أثقل وأكثر تعقيدًا نتيجةً للاندماج النوويّ (nuclear fusion) الذي حصل داخلها، وأيضًا نتيجة موتها الانفجاريّ، وكلّ ذلك يقود إلى كونٍ يملؤه عددٌ لا يُحصى من المجرّات الغنيّة بالأكسجين مثل درب التبانة (Milky Way).
إن المجرّات الأولى والتي تُعاني من نقصٍ في الأكسجين بعيدةٌ وباهتةٌ جدًا لدرجة أنها غير قابلةٍ للكشف، لكنّ المجرّات الموجودة في مرحلة التشكّل النجميّ الأقرب نسبيًا والتي تحتوي كمياتٍ قليلةً جدًا من الأكسجين مثل تلك الموجودة في المجرّات الأولى هي أكثر قابليةً للكشف، كما أنها تُقدّم نفس الأدلة.
لسوء الحظ، فهذه المجرّات الصغيرة والقريبة والتي تحتوي القليل من الأكسجين والموجودة حاليًا في مرحلة تشكيل النجوم الزرقاء فائقة الكتلة (massive blue stars) نادرةٌ جدًا. لكن في حالة اكتشافها، فقد تُقدّم رؤىً قيمةً لكيفية تشكّل أولى المجرّات قبل 13 مليار سنةٍ تقريبًا، إضافةً إلى تطوّر الكون خلال مراحله المبكرة.
اكتُشفِت المجرّة القزمة الجديدة والموجودة في مرحلة التشكّل النجميّ في بيانات المسح السماويّ الرقميّ سلوان (Sloan) المتواصل حاليًّا على شكل نقطةٍ ذات أهميةٍّ خاصّةٍ. بعد اكتشافها، استهدف علماء الفلك تلك النقطة بمزيدٍ من الفحص الدقيق باستخدام التلسكوب الثنائيّ الكبير الموجود بأريزونا، وكشفت البيانات القادمة من ذلك التلسكوب أن هذه المجرّة، المُلقّبة بـ J0811+4730، قد حطّمت الرقم القياسيّ، إذ أن كميّة الأكسجين داخلها أقل بـ 9% تقريبًا من أي مجرّة تم اكتشافها حتى الآن، وهذا دليلٌ على بساطة تركيبها.
يقول عالم الفلك ترينه ثوان Trinh Thuan من جامعة فيرجينيا، وهو أحد مؤلفي الدراسة: "اكتشفنا أن نسبةً معتبرةً من الكتلة النجميّة للمجرّة قد تشكّلت قبل بضعة ملايين من السنين فقط، ممّا يجعلها واحدةً من أفضل المجرّات المشابهة لأولى المجرّات في الكون".
ونتيجةً لمستوى الأكسجين المنخفض للغاية، تقدّم هذه المجرّة صورةً توضيحيّةً لمجرّات في مرحلة التشكّل النجميّ وُجدت في الفترة الممتدة ما بين مليارين إلى ثلاثة مليارات سنةٍ بعد الانفجار العظيم، وهي الفترة الأولى من الكون البالغ من العمر نحو 14 مليار سنةٍ حاليًّا.
المجرّة القزمة مهمةٌ أيضًا لأنها توفّر أدلةً عن كيفية إعادة تأييّن الكون بفضل عملية تشكّل النجوم، ممّا نقل الكون من العصور المظلمة للغازات الحياديّة إلى الكون معقّد التركيب حاليًا حيث يكون الغاز الموجود بين المجرّات مؤيَّنًا.
يقول ثوان أن البيانات تشير إلى أن تلك المجرّة الصغيرة تنتج نجومًا جديدةً بسرعةٍ وبمعدّلٍ مساوٍ لربع معدّل مجرّة درب التبانة مع أن كتلة نجومها أقلّ بـ 30 ألف مرةٍ تقريبًا، وقد تشكّلت 80% من كتلتها النجميّة خلال بضعة ملايين من الأعوام التي مضت، ممّا يجعلها مجرّةً شابّةً بشكلٍ استثنائيٍّ وتُنتج كمياتٍ وفيرةً من الإشعاعات المؤيَّنة.
المراجع
nasainarabic.net
التصانيف
الارض والفضاء بيئة أبحاث علمية العلوم البحتة