مقدمة في علوم البيئة ومفهومها وعلاقتها بالإنسان
البيئة لفظة شائعة الاستخدام يرتبط مدلولها بنمط العلاقة بينها وبين مستخدمها فنقول : البيئة الزراعية ، البيئة الصناعية ، البيئة الصحية ، البيئة الاجتماعية ، البيئة الثقافية ، والسياسية ويعني ذلك علاقة النشاطات البشرية المتعلقة بهذه المجالات , وقد ترجمت كلمة Ecology الى اللغة العربية بعبارة علم البيئة الذي وضعها العالم الالماني ارنست هيجل عام 1866 م بعد دمج كلمتين يونانيتين هما Logos ومعناها مسكن ، و oikes ومعناها علم وعرفها بأنها العلم الذي يدرس علاقة الكائنات الحية بالوسط الذي تعيش فيه ويهتم هذا العلم بالكائنات الحية وتغذيتها ، وطرق معيشتها وتواجدها في مجتمعات او تجمعات سكنية أو شعوب ، كما تتضمن ايضا دراسة العوامل غير الحية مثل خصائص المناخ ( الحرارة ، الرطوبة ، الإشعاعات ، غازات المياه والهواء ) والخصائص الفيزيائية والكيميائية للأرض والماء والهواء .
ويتفق العلماء في الوقت الحاضر على ان مفهوم البيئة يشمل جميع الظروف والعوامل الخارجية التي يعيش فيها الكائنات الحية وتؤثر في العمليات التي تقوم بها .
غالبيئة بالنسبة للانسان " الاطار الذي يعيش فيه والذي يحتوي على الماء والهواء وما يتضمنه كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة من مكونات جمادية ، وكائنات تنبض بالحياة . وما يسود هذا الاطار من مظاهر شتى من طقس ومناخ وامطار ورياح وجاذبية ومغناطيسية . . الخ ومن علاقات متبادلة بين هذه العناصر . فالحديث عن مفهوم البيئة إذنهو الحديث عن مكوناتها الطبيعية وعن الظروف والعوامل التي تعيش فيها الكائنات الحية .
وقد قسم بعض الباحثين البيئة الى قسمين رئيسين هما :
البيئة الطبيعية
البيئة الطبيعية : وهي عبارة عن المظاهر التي لا دخل للانسان في وجودها او استخدامها ومن مظاهرها : الصحراء البحار المناخ التضاريس والماء االسطحي ، والجوفي والحياة النباتية والحيوانية .
والبيئة الطبيعية ذات تأثير مباشراو غير مباشرفي حياة اية جماعة حية Population من نبات او حيوان او انسان .
البيئة المشيدة
البيئة المشيدة : وتتكون من البنية الاساسية المادية التي شيدها الانسان ومن النظم الاجتماعية والمؤسسات التي اقامها ، ومن ثم يمكن النظر الى البيئة المشيدة من خلال الطريقة التي نظمت بها المجتمعات حياتها ، والتي غيرت البيئة الطبيعية لخدمة الحاجات البشرية ، وتشمل البيئة المشيدة استعمالات الاراضي للزراعة والمناطق السكنية والتنقيب فيها عن الثروات الطبيعية وكذلك المناطق الصناعية والمراكز التجارية والمدارس والمعاهد والطرق . . . . الخ .
والبيئة بشقيها الطبيعي والمشيد هي كل متكامل يشمل اطارها الكرة الارضية ، أو لنقل كوكب الحياة ، وما يؤثر فيها من مكونات الكون الأخرى ومحتويات هذا الاطار ليست جامدة بل انها دائمة التفاعل مؤثرة ومتأثرة والانسان نفسه واحد من مكونات البيئة يتفاعل مع مكوناتها بما في ذلك اقرانه من البشر .
عناصر البيئة
يمكن تقسيم البيئة وفق توصيات مؤتمر ستوكهولم ، الى ثلاثة عناصر هي :
البيئة الطبيعية
البيئة الطبيعية : وتتكون من اربعة نظم مترابطة وثيقاً وهي :
- الغلاف الجوي
- الغلاف المائي
- اليابسة
- المحيط الجوي
بما تشمله هذه النظمة من ماء وهواء وتربة ومعادن ، ومصادر للطاقة بالاضافة الى النباتات والحيوانات ، وهذه جميعها تمثل الموارد التي اتاحها الله سبحانه وتعالى للانسان كي يحصل منها على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى .
البيئة البيولوجية
البيئة البيولوجية : وتشمل الانسان " الفرد " واسرته ومجتمعه ، وكذلك الكائنات الحية في المحيط الحيوي وتعد البيئة البيولوجية جزءاًمن البيئة الطبيعية .
البيئة الاجتماعية
البيئة الاجتماعية : ويقصد بالبيئة الاجتماعية ذلك الاطار من العلاقات الذي يحدد ما هية علاقة الإنسان مع غيره ، ذلك الاطار من العلاقات الذي هو الاساس في تنظيم اية جماعة من الجماعات سواء بين افرادها بعضهم ببعض في بيئة ما ، او بين جماعات متباينة او متشابهة معاً وحضارة في بيئات متباعدة ، وتؤلف انماط تلك العلاقات ما يعرف بالنظم الاجتماعية ، واستحدث الانسان خلال رحلةحياته الطويلة بيئة حضارية لكي تساعده في حياته فعمر الارض واخترق الاجواء لغزو الفضاء .
وعناصر البيئة الحضارية للانسان تتحد في جانبين رئيسين هما اولاً : الجانب المادي : كل ما استطاع النسان ان يصنعه كالمسكن والملبس ووسائل النقل والادوات والاجهزة التي يستخدمها في حياته اليومية ، ثانياًالجانب الغير مادي : فيشمل عقائد الانسان وعاداته وتقاليده وافكاره وثقافته وكل ما تنطوي عليه نفس الانسان من قيم وآداب وعلوم تلقائية كانت ام مكتسبة .
وغذا كانت البيئة هي الاطار الذي يعيش فيه الانسان ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء وكساء ويمارس فيه علاقاته مع بني اقرانه من بني البشر ، فأن اول ما يجب على الانسان تحقيقه حفاظاًعلى هذه الحياة أن يفهم البيئة فهما صحيحاً بكل عناصرها ومقوماتها وتفاعلاتها المتبادلة ثم ان يقوم بعمل جماعي جاد لحمايتها وتحسينها وان يسعى للحصول على رزقه وان يمارس علاقاته دون اتلاف أوافساد .
البيئة والنظام البيئي :
يطلق العلماء لفظ البيئة على مجموع الظروف والعوامل الخارجية التي تعيش فيها الكائنات الحية وتؤثر في العمليات الحيوية التي تقوم بها ، ويقصد بالنظام البيئي اية مساحة من الطبيعة وما تحويه من كائنات حية ومواد حية في تفاعلها مع بعضها البعض ومع الظروف البيئية وما تولده من تبادل بين الجزاء الحية وغير الحية ، ومن امثلة النظم البيئية الغابة والنهر والبحيرة والبحر ، وواضح من هذا التعريف انه يأخذ بعين الأعتبار كل الكائنات الحية التي يتكون منها المجتمع البيئي ( تركيب التربة ، الرياح ، طول النهار الرطوبة ، التلوث ، الخ . . . . . ) ويأخذ الانسان كأحد كائنات النظام البيئي مكانة خاصة نظرا لتطوره الفكري والنفسي ، فهو المسيطر الى حد ملموس على النظام البيئي وعلى حسن تصرفه تتوقف المحافظة على النظام البيئي وعدم استنزافه .
خصائص النظام البيئي : ويتكون كل نظام بيئي مما يأتي :
- كائنات غير حية : وهي المواد الاساسية الغير عضوية والعضوية في البيئة .
- كائنات حية : وتنقسم الى قسمين رئيسين :
- كائنات حية ذاتية التغذية : وهي الكائنات التي تستطيع بناء غذائها بنفسها من مواد غير عضوية بسيطة بواسطة عمليات البناء الضوئي ، ( النباتات الخضراء ) ، وتعتبر هذه الكائنات المصدر الاساسي ولارئيسي لجميع انواع الكائنات الحية الأخرى بمختلف انواعها كما تقوم هذه الكائنات باستهلاك كميات كبيرة من ثاني اكسيد الكربون خلال عملية التركيب الضوئي وتقوم بإخراج الاكسجين في الهواء .
- كائنات حية غير ذاتية التغذية : وهي الكائنات الحية التي لا تستطيع تكوين غذائها بنفسها وتضم الكائنات المستهلكة والكائنات المحللة ، فآكلات الحشائش مثل الحشرات التي تتغذى على الأعشاب كائنات مستهلكة تعتمد على ما صنعه النبات وتحوله في اجسامها الى مواد مختلفة تبني بها انسجتها وأجسامها ، وتسمى مثل هذه الكائنات المستهلك الاول لأنها تعتمد مباشرة على النباتات ، والحيوانات التي تتغذى على هذه الحشرات كائنات مستهلكة ايضا ولكنها تسمى " المستهلك الثاني " لأنها تعتمد على المواد الغذائية المكونة لاجسام الحشوالتي نشأت بدورها من اصل نباتي أما الكائنات المحللة فهي تعتمد في التغذية غير الذاتية على تفكك بقايا الكائنات النباتية والحيوانية وتحولها الى مركبات بسيطة تستفيد منها النباتات ومن امثلتها البكتيريا الفطريات وبعض الكائنات المترممة .
الانسان ودوره في البيئة :
يعتبر النسان اهم عنصر حيويفي إحداث التغيير البيئي والإخلال الطبيعي البيولوجي ، فمنذ وجوده وهو يتعامل مع مكونات البيئة ، وكلما توالت الأعوام ازداد تحكما وسلطانا في البيئة وخاصة بعد ان يسر له التقدم العلمي والتكنلوجي مزيداًمن فرص احداث التغير في البيئة وفقا لازدياد حاجاته إلى الغذاء والكساء .
وهكذا قطع الانسان اشجار الغابات وحول ارضها الى مزارع ومصانع ومساكن ، وافرط في استهلاك المراعي بالرعي المكثف ، ولجأالى استخدام الأسمدة الكيميائية والمبيدات بمختلف انواعها ، وهذه كلها عوامل فعالة في الإخلال بتوازن النظم البيئية ، ينعكس أثرهافي نهاية المطاف على حياة النسان كما يتضح مما يلي :
- الغابات : الغابة نظام بيئي شديد الصلة بالانسان وتشمل الغابات ما يقرب 28%من القارات ولذلك فأن ازالتها او تدهورها يحدث انعكاسات خطيرة في النظام البيئي وخصوصاً في التوازن المطلوب بين نسبتي الاكسجين وثاني اكسيد الكربون في الهواء .
- المراعي : يؤدي الإستخدام السيء للمراعي الى تدهور النبات الطبيعي ، الذي يرافقه تدهور في التربة والمناخ ، فإذا تتابع التدهور تعرت التربة واصبحت عرضة للإنجراف .
- النظم الزراعية والزراعة غير المتوازنة : قام النسان بتحويل الغابات الطبيعية الى اراضي زراعية فاستعاض عن النظم الطبيعية باجهزة صناعية ، واستعاض عن السلاسل الغذائية والعلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية والمواد المميزة للنظم البيئية بنمط آخر من العلاقات بين المحصول المزروع والبيئة المحيطة به ، فاستخدم الاسمدة والمبيدات الحشرية للوصول الى هذا الهدف ، واكبر خطأارتكبه الانسانفي تفهمه لاستثمار الارض زراعيا هو اعتقاده بأنه يستطيع استبدال العلاقات الطبيعية المعقدة الموجودة بين عوامل البيئة النباتات بعوامل صناعبة مبسطة ، فعارض بذلك القوانين المنظمة للطبيعة ، وهذا ما جعل النظم الزراعية مرهقة وسريعة العطب .
- النباتات والحيوانات البرية : أدى تدهور الغطاء النباتي والصيد غير المنتظم الى تعرض عدد كبير من النباتات والحيوانات البرية الى الإنقراض ، فأخل بالتولزن البيئي .
أُثر التصنيع والتكنلوجيا الحديثة على البيئة :
إن للتصنيع والتكنلوجيا الحديثة اثاراًسلبية في البيئة ، فانطلاق الابخرة والغازات والقاء النفايات ادى الى اضطراب السلاسل الغذائية وانعكس ذلك على الانسان الذي افسدت الصناعة بيئته وجعلتها في بعض الأحيان غير ملائمة لحياته كما يتضح مما يلي :
- تلويث المحيط المائي : إن للنظم البيئية المائية علاقات مباشرة وغير مباشرة بحياة الانسان ، فمياهها التي تتبخر تسقط بشكل امطار ضرورية للحياة على اليابسة ، ومدخراتها من المادة الحية النباتية والحيوانية تعتبر مدخرات غذائية للانسانية جمعاء في المستقبل كما ان ثرواتها المعدنية ذات اهمية بالغة .
- تلوث الجو : تتعدد مصادر تلوث الجو ، ويمكن القول انها تشمل المصانع ووسائل النقل والانفجارات الذرية والفضلات المشعة ، كما تتعددهذه المصادر وتزداد اعدادها يوما بعد يوم ، ومن أمثلتها الكلور ، اول ثاني اكسيد الكربون ، ثاني اكسيد الكبريت ، اكسيد النيتروجين ، املاح الحديد والزنك والرصاص وبعض المركبات العضوية والعناصر المشعة ، واذا زادت نسبة هذه الملوثات عن حد معين في الجو اصبح لها تأثيرات واضحة على الانسان وعلى كائنات البيئة .
- تلوث التربة : تتلوث التربة نتيجة استعمال المبيدات والاسمدة والقاء الفضلات الصناعية ، وينعكس ذلك على الكائنات الحية في التربة ، وبالتالي على خصوبتها والنبات والحيوان ، مما ينعكس اثره على الانسان في نهاية المطاف
الانسان في مواجهة تحديات البيئة :
الانسان احد الكائنات الحية التي تعيش على الأرض ، وهو يحتاج الى اكسجين لتنفسه للقيام بعملياته الحيوية ، وكما تحتاج الى مورد مستمر من الطاقة . التي يستخلصها من غذائه العضوي الذي لا يستطيع الحصول عليه الا من كائنات حية أخرى نباتية حيوانية ، ويحتاج أيضاً الى الماء الصالح للشرب كجزء هام يمكنه من الاستمرار في الحياة .
وتعتمد استمرارية حياته بصورة واضحة على ايجاد حلول عاجلة للعديد من المشكلات البيئية الرئيسية التي من ابرزها مشكلات ثلاث يمكن تلخيصها فيما يلي :
- كيفية الوصول الى مصادر كافية للغذاء لتوفير الطاقة لاعداد متزايدة
- كيفية التخلص من حجم فضلاته المتزايدة وتحسين الوسائل التي يجب التوصل اليها للتخلص من نفاياته المتعددة ، وخاصة النفايات غير القابلة للتحلل.
- كيفية التوصل الى المعدل المناسب للنمو السكاني ، حيث يكون هناك تناسب بين عدد السكان والوسط البيئي .
ومن الثابت ان مصير الانسان مرتبط بالتوازنات البيولوجية وبالسلاسل الغذائية التي تحتويها النظم البيئية ، وأن اي اخلال بهذه التوازنات والسلاسل ينعكس مباشرة على حياة الانسان ولهذا فأن نفع الانسان يكمن في المحافظة على سلامة النظم البيئية التي تؤمن له حياة افضل ، ونذكر فيما يلي وسائل تحقيق ذلك :
- الادارة الجيدة للغابات : لكي تبقى الغابات على انتاجيتها ومميزاتها .
- الادارة الجيدة للمراعي : من الضروري المحافظة على المراعي الطبيعيةومنع تدهورها وبذلك يوضع نظام صالح لاستعمالاتها .
- الادارة الجيدة للأراضي الزراعية : تستهدف الادارة الحكيمة للاراضي الزراعية الحصول على افضل عائد كما ونوعا مع المحافظة على خصوبة التربة وعلى التوازنات البيولوجيةالضرورية لسلامة النظم الزراعية ، يمكن تحقيق ذلك بالآتي :
- تعدد المحاصيل في دورة زراعية متوازنة
- تخصيب الأراضي الزراعية
- تحسين التربة باضافة المادة العضوية
- مكافحة انجراف التربة
- مكافحة تلوث البيئة : نظراً لاهمية تلوث البيئة بالنسبة لكل انسان فأن من الواجب تشجيع البحوث العلمية بمكافحة التلوث بشتى اشكاله.
- التعاون البناء بين القائمين على المشروعات وعلماء البيئة : إن اي مشروع نقوم به يجب ان ناخذ بعين الاعتبار احترام الطبيعة ، ولهذا يجب ان يدرس كل مشروع يستهدف استثمار البيئة بواسطة المختصين وفريق من الباحثين في الفروع الأساسية التي تهتم بدراسة البيئة الطبيعية ، حتى يقرروا معاً التغييرات المتوقع حدوثها عندما يتم المشروع ، فيعملو معاًعلى التخفيف ن التأثيرات السلبية المحتملة ، ويجب أن تظل الصلة بين المختصين والباحثين قائمة لمعالجة ما قد يظهر من مشكلات جديدة .
- تنمية تالوعي البيئي : تحتاج البشرية الى أخلاق اجتماعية عصرية ترتبط باحترام البيئة ، ولا يمكن ان نصل الى هذه الاخلاق الا بعد توعية حيوية توضح للإنسان مدى ارتباطه بالبيئة وتعلمه ان حقوقه في البيئة يقابلها دائما واجبات نحو البيئة ، فليست هناك حقوق دون واجبات .
وأخيراً مما تقدم يتبين ان هناك علاقة اعتمادية داخلية بين الانسان وبيئته فهو يتأثر ويؤثر عليها وعليه يبدو جليا ان مصلحة الأنسان الفرد أو المجموعة تكمن في تواجده ضمن بيئة سليمة لكي يستمر في حياة صحية سليمة .