نشأة النظم البيئية الطبيعية 

يمكننا الآن استخدام مفهومي المدى الأمثل و العوامل المحددة لفهم الكيفية التي تتكون بها النظم البيئية الطبيعية و العوامل التي تتحكم بذلك . أي كيف تتحول منطقة معينة إلى نظام بيئي محدد به تجمعات من كائنات حية خاصة به و من بين العوامل التي تتحكم في نشأة النظم البيئية:

المناخ Climate

يعرف الطقس بأنه مجموع التغيرات في حالة الجو ( درجة الحرارة و الهطل Precipitation ) التي تحدث في أثناء فترة زمنية قصيرة . بينما يعرف المناخ بأنه حالة الطقس ( معدل الحرارة والهطل ) في أثناء فترة زمنية طويلة نسبيا مثل الفصول و السنين و القرون . و يختلف المناخ من منطقة لأخرى فوق سطح الأرض بشكل واضح تبعا لتغير درجة الحرارة و الهطل .  و تتغير درجة الحرارة على سطح الأرض تبعا لأسباب عدة . من ذلك زاوية سقوط الشمس التي هي بدورها تابعة لخط العرض على سطح الأرض . و القاعدة هنا أن درجة الحرارة تتناقص من خط الاستواء نحو العروض الأعلى ( باتجاه القطبين ) . و تتغير درجة الحرارة تبعا للوقت من اليوم . فهي أعلى في منتصف النهار . و تتغير أيضا تبعا للفصل من السنة أي حسب ميل محور دوران الأرض قربا في فصل الصيف أو بعدا في فصل الشتاء عن الشمس . و أخيرا فإن التضاريس تغير درجة الحرارة . إذ تنقص درجة الحرارة بمعدل 6 . 5 درجة مئوية لكل 1000م ارتفاعا . و تبعا لذلك تتغير أنواع النباتات .

أما بالنسبة للهطل فهو أيضا متفاوت من منطقة لأخرى . إذ قد يتراوح ما بين الصفر في بعض الصحارى إلى أكثر من 400سم / سنة في بعض المناطق الاستوائية و الموسمية . ثم إنه أيضا يتفاوت في التوزيع ، إذ قد يسقط بشكل متساو طوال العام كالمناطق الاستوائية أو قد يسقط خلال شهور الصيف فقط كالمناطق الموسمية .
و غالبا ما يحدث تداخل بين درجات الحرارة وكميات الأمطار و أوقاتها مما يسبب التباين في المناخ السائد في المناطق المختلفة . و تبعا لذلك تنشأ ظروف فيزيائية و كيميائية متباينة تؤدي إلى نشأة أنماط مختلفة من النظم البيئية .
و لتوضيح ذلك نأخذ الأنظمة البيئية الرئيسة الثلاثة التالية: الغابات و المراعي و الصحارى . . و تعد كمية الأمطار السنوية العامل المحدد لهذه الأنظمة البيئية . و يظهر أن نظام الغابات يحتاج إلى 110سم / السنة على الأقل . حتى إذا تدنت كمية الأمطار إلى 75سم / السنة تعرضت نباتات الغابة للإجهاد . و نتيجة لذلك تستبدل أشجار الغابة بالأعشاب التي تبلغ نهاية تحملها السفلى 25سم / سنة . أما إذا قلت كمية الأمطار عن ذلك فتموت الأعشاب و تستبدل بالنباتات الصحراوية كالأنواع المختلفة من الصبار التي يمكن أن تعيش إذا توفرت كمية من الأمطار تتراوح ما بين 5 إلى 10سم / سنة .

ماذا عن دور درجة الحرارة ؟ في الواقع يعضد Superimposed دورها دور الأمطار . إذ تعمل على تحديد نوع الكائنات الحية بداخل النظام البيئي الواحد . فعلى سبيل المثال يلاحظ أن أنواع الأشجار ذات الأوراق العريضة دائمة الخضرة لا تستطيع أن تتحمل درجات حرارة التجمد ، فلذلك تسود في المناطق الاستوائية أو المدارية . أما في المناطق التي يحدث تجمد الماء فيها في فصل الشتاء ، فتسود الأشجار المتساقطة الأوراق . إذ تسقط أوراق هذه الأشجار في فصل الخريف لكي تتحمل درجات حرارة التجمد في الشتاء التالي . فبذلك تسود غابات الأشجار متساقطة الأوراق في مناطق خطوط العرض الوسطى حيث تكون كمية الأمطار كافية . أما في مناطق خطوط العرض العليا حيث يكون الشتاء طويلا و قاسيا و الصيف قصيرا فلا تستطيع الأشجار متساقطة الأوراق التحمل ، فتستبدل بالأشجار الصنوبرية ذات الأوراق الإبرية التي تستطيع تحمل ظروف الانجماد . و في مناطق الانجماد السنوي الدائم Permafrost تتجمد طبقة التربة السفلى Subsoil طول العام مما يمنع نمو الأشجار لأن جذورها لا تستطيع اختراق التربة عميقا للحصول على العناصر المغذية . و لكن تتمكن بعض أنواع الأعشاب و النباتات المزهرة الصغيرة من النمو في التربة العليا Topsoil فوق منطقة الانجماد الدائم . و يسمى هذا النظام البيئي التندرا Tundra . و من الطبيعي أنه باستمرار انخفاض درجة الحرارة يستبدل نظام التندرا بنظام الثلج الدائم و الغطاء الجليدي .

المناخ المحدود و العوامل غير الحية الأخرى Microclimate and other Abiotic Factors

يقصد بالمناخ المحدود Microclimate الظروف المناخية التي تسود موقعا محددا Localized Area من المنطقة الكلية . فمثلا تستقبل المنحدرات المقابلة للجنوب في نصف الكرة الأرضية الشمالي كمية من أشعة الشمس أكبر من تلك التي تقع فوق المنحدرات الشمالية . و بالتالي تكون المنحدرات الجنوبية أكثر دفئا و جفافا نسبيا من الشمالية . يؤثر هذان المناخان المحدودان على مكونات النظام البيئي الحية و غير الحية في تلك المنحدرات ضمن المناخ الرئيسي . أي على الكائنات الحية و نوع التربة و كمية الرطوبة فيها و بالتالي نوع النباتات التي تنمو فيها و حتى الكائنات الدقيقة التي تعيش فيها . و يظهر تأثير المناخ المحدود بوضوح في المناطق الصناعية المعرضة لتلوث الهواء و سيتم مناقشة ذلك فيما بعد . و من العوامل غير الحية الأخرى التي تؤثر في الأنظمة البيئية نوع التربة و مقدار انحدار سطح الأرض . فالتربة الرملية تحتفظ بكمية قليلة من الرطوبة ( أو مياه التربة ) بينما تحتفظ التربة الطينية أو التربة الحمراء كتربة بلادنا بكمية أكبر من الرطوبة . و بالتالي تختلف أنواع النباتات التي تنمو في كل منها . كما أن المنحدرات الشديدة لا تتكون فيها التربة بسبب الانجراف بفعل الجاذبية و بالتالي لا تنمو فيها الأشجار باستثناء بعض الأعشاب ، بينما تمتاز المناطق ذات الانحدار القليل أو المستوية بتربة سميكة نسبيا و بالتالي يمكن أن تنمو فيها الأشجار .

العوامل الحية Biotic Factors

يمكن أن تؤدي العوامل الحية إلى صياغة شكل النظام البيئي . فمثلا تعيش الأعشاب في المناطق التي تسقط الأمطار فيها بمعدل يزيد على 75سم / سنة . و لكن إذا كانت كمية الأمطار كافية لنمو الأشجار فلا تتاح الفرصة للأعشاب للنمو . أي أن العامل الذي حد من نمو الأعشاب هو المنافسة مع الأشجار الأطول .

العوائق الطبيعية Physical Barriers

العامل الأخير الذي يحدد وجود نوع ما في منطقة معينة هو وجود عائق طبيعي مثل المحيط ، أو الصحراء أو سلسلة جبلية لا يستطيع ذلك النوع عبورها . و بالتالي تكون الأنواع التي تشكل المجتمعات Communities في القارات المتباعدة أو الجزر المعزولة مختلفة عن بعضها البعض مع أن المناخ نفسه يسود فيها . الأمر الذي يؤدي إلى بعض الاختلاف بين النظم البيئية المتباعدة .


المراجع

mawdoo3.com

التصانيف

النظام البيئي  بيئة  القانون البيئي   العلوم البحتة