على الرغم مما يتمناه كل أب وأم من أن يروا أبناءهم على أكمل الأخلاق، وسيرهم على منهج الرحمة والرفق لا الشدة والعنف، إلا إننا نجد بعض وجنات الأطفال في بعض غرف البيوت وفصول المدارس ما زالت تتوهج تحت تأثير الصفعات، وأيديهم ترتعش تحت وطأة العصي، ناهيك عن صواريخ الشتائم والتوبيخ والإذلال التي يتعرضون لها خلال فترات التحصيل العلمي واستذكار الدروس. 

وما نعنيه هنا بالعنف التربوي يختلف نهائيًا عما نعنيه بالعقوبة التربوية، وذلك من حيث درجة العمق والتأثير، فالعنف التربوي يكون عبر فعاليات تربوية سلبية متعددة، تُشَكِّل المناخ العام لعملية تفريغ نفسي، ويتحقق عبر سلسلة من الخبرات المؤلمة التي يعانيها الطفل عبر سيرته التربوية في إطار الأسرة والمدرسة، كالعقوبات الجسدية، والاستهزاء، والسخرية، والتهكم، وإحكام التبخيس، وغير ذلك من الإصابات النفسية والمعنوية التي تشكل المناخ العام لحالة الخوف والقلق التي يعانيها الأطفال.

التربية أحادية الجانب

حاولنا إلقاء الضوء داخل بعض البيوت لنرصد آراء الأمهات والآباء، فتبدأ (هناء 28 عامًا) من فلسطين حديثها عن أسباب اتجاهها للعنف أحيانًا قائلة :" بعد استشهاد زوجي-نحسبه كذلك- صرت شديدة العصبية تجاه أطفالي، وأحيانًا كثيرة أكون عنيفة معهم، خاصة في أمور الدراسة والأخلاق، أحيانًا أحزن لأجل ذلك، وأعود لمصالحتهم، لكن أدرك جيدًا أنَّ له أثرًا سيئًا على نفسيتهم، فأنا لا أعتمد العنف بحد ذاته، لكني ألجأ إليه رغمًا عني كوسيلة من أجل توجيه الأطفال وتربيتهم.
وقد قرأت سابقًا أن العنف في التربية يؤدي إلى شخصية متشددة في أمور الدين، تنظر إلى البشرية والمقصرين بحق الإسلام بعين العنف، لا بعين الرحمة والتسامح، لذلك أحاول أنْ أضبط نفسي أثناء تعاملي مع الأبناء".
وتتفق معها (سهام الماجد 32 عامًا) من قطر قائلة : " من الناحية النظرية قرأنا كثيرًا عن مخاطر العنف التربوي والعواقب الوخيمة التي تنتج عنه، لكن من واقع الحياة والضغوط التي تقع على الوالِدَيْن والأم أكثر، فقد نتعامل مع الأطفال أحيانًا بشكل عنيف، ولا أرى أنّ هذا يسبب مشاكل نفسية عليهم، طالما أدرك الوالدان المشكلة، وحاولا تصحيح ما حدث، لكن أعتقد أنه من الصعب السير طول الخط على العنف، أو طول الخط على الرفق خلال الحياة التربوية للطفل، فنحن قد ضُرِبْنَا من قِبَل آبائنا وصرنا أسوياء !

التربية بالتسلط !

أما (محمود درويش 39 عامًا) من مصر، فيوضح قائلًا :" أعتقد أنّ من يستخدمون العنف في تعاملهم مع الأبناء لا يُدركون حجم العواقب الوخيمة لذلك، فالعنف يُؤَثِّر بشكل سلبي على شخصية الطفل، وأعتقد أن العنف هو انعكاس لشخصية الأبوين، بما في ذلك جملة الخلفيات التربوية والاجتماعية التي أثّرت عليهم في طفولتهم، أو اعتقاد البعض بأنه الأسلوب الأسهل في جعل الأطفال يلتزمون بما يريده الآباء دون جهد وجدال".
وقد تضطر الظروف الأسرية الإخوة الكبار أن يتحملوا أعباء التربية، وذلك في حالة فقدان أحد الآباء؛ حيث تقول (صفية 22 عامًا): تُوُفِّي أبي منذ أربعة عشر عامًا، وأمي سيدة كبيرة في السن، وأنا التي أتولى تربية أختي الصغيرة، وأعتقد أن العنف طول الوقت غير مُجْدٍ، والحنان طول الوقت لا يأتي بالنتيجة المرجوة ، إنما الأنسب الحنان والحزم في آن واحد، واستخدام كل منهما في الوقت المناسب، فهناك مواقف لايصلح معالجتها إلا بالحب والهدوء وإظهار العاطفة، ومواقف أخرى تحتاج إلى الشدة والحزم، لكن دون مبالغة، وقد يتحلى المربي بالثقافة التربوية والخلفية الكافية للتعامل مع أبنائه، لكنه قليل الصبر، وربما تَحْدُثُ مواقف غير متوقعة من الأبناء تدفع المربي إلى استخدام العنف تجاههم".
وتستكمل قائلة : "كذلك أعتقد أنّ من العنف التربوي تصريحَ الآباء بأنهم يفقدون الثقة في أبنائهم، وما يترتب على ذلك من الشكوك والظنون، وبالتالي المناقشات الحادة اللاذعة، التي قد تَجْرَحُ مشاعر الأبناء، وتترك أثرًا سلبيًّا دون أن يدري المربي خطورة ذلك. وقد يري البعض أن العنف هو الطريق المنشود لإيجاد أبناء أسوياء وهذا غير حقيقي، خاصة إذا لجأ الابن أو الابنة إلى العناد والانحراف، كَرَدِّ فعل لهذا العنف في التوجيه".

العقاب وضوابطه

حملنا هذه الآراء وتوجهنا إلى الاستشاري التربوي (د.ياسر نصر)- مدرس الطب النفسي بكلية الطب جامعة القاهرة، وعضو مركز "لندبيك" البحثي – بقسم الشرق الأوسط – بلجيكا، ومقدم برنامج " ساعة تربية" بقناة الناس الفضائية، قائلًا: "كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يضع قواعدَ للانضباط في التربية، وهذا الانضباط نَوْعٌ من أنواع الحسم في بعض الأوقات، ولا يتنافى مع قضية الرحمة والحب والتسامح، فنجده مع أنس رضي الله عنه عندما أرسله في إحدى شئونه، فتأخر، فما كان من رسول الله إلا أن انطلق خلف أنس ونادى عليه بنبرة خاصة حانية رفيقة، قائلًا: " يا أُنَيْسُ ! " وكان أنسٌ رضي الله عنه يعرف نبرة صوت الرسول وما يعنيه، واستوعب أن أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم يحثه أن يتحرك للذهاب في موضوعه، بلا صخب ولا عنف.
وكثير من التربويين، والأمهات خاصة، إن بكى الطفل في حالة ارتكابه خطأ ما تنسى الأمر وتحتضن الطفل، دون إدراك منها أن الطفل قد يفتعل ذلك للتأثير على رد فعلها وقرارها إزاءَ الخطأ الذي اقترفه، أو عندما يُمْنَع الطفل عن بعض الحلويات التي تُعْطِي السعرات الحرارية العالية وقت تناول الغذاء، فيَظَلُّ يبكي ولسان حاله يقول: " سأظل أضغط عليها بهذا الأسلوب، حتى تتنازل عن قرارها "!
وهنا، فالانضباط ووضع القواعد التربوية الحاسمة لا يعني الضرب الْمُبَرِّح، أو الصوت العالي ، أو سَبّ الأبناء ، أو الإهانة والتحقير أو المقارنة بينه وبين الآخرين أو التقليل من ذاته ، ولكنه يعني وضع قواعد تربوية لكي يعرف الطفل حدوده، توازيًا مع الحب والرحمة.

الضرب للتنفيس !

وللأسف، بعض الآباء عندما يستذكرون الدروس للأبناء ، ويكونون تحت ضغطٍ من الانشغال، وعدم استيعاب الطفل بشكل سريع – كما يرغب الآباء – يلجئون إلى الضرب العنيف، بحجةِ أن الطفل لا يُرَكِّز في الدراسة، أو أن استيعابه قليل، لكن هذا ليس السبب الحقيقي للضرب، إنما هو ضغط الآباء أنفسَهُم، وقلة حيلتهم أمام عدم استجابة الأطفال للتعلم، وأنّ الجو العام مشحونٌ في البيت، خاصَّةً أوقات الامتحانات أو الأزمات، فيلجئون إلى العنف، وهنا يجب أن يكون لدينا بدائل في التحصيل الدراسي، وتخفيف طاقة الضغط على الأطفال، والتشجيع المستمر في المجالات الأخرى يُحْدِث تحسنًا في مستوى التحصيل الدراسي والتعليمي، وعموما يجب أن يمنع المربي نفسه تمامًا من استخدام الضرب أو العنف في حالة الغضب.
واستخدام الضرب يكون بمحاذير شديدة ، وليس بأن نجد أمًّا تضرب ابنها لأنه ضرب أخاه، فبدلًا من أن تضربه، عليها أن تفصلهما عن بعضهما البعض في اللعب لمدة يوم مثلًا، أو التي تضرب ابنها؛ لأنه يُسْقِط الطعامَ على الأرض أثناء الأكل، فلماذا لا تضع له مفرشًا ليأكل عليه، أو كالتي تضرب ابنها؛ لأنه دخل الحمام ولَعِبَ في الماء وابتلتْ ملابسه، فلماذا لا تأخذه للنادي مثلًا للسباحة، أو حتى تُخَصِّص له وقتًا للعب في الماء، أو كالتي تضربه؛ لأن ملابسه اتسخت أثناء اللعب !
وهنا فالإشارة من النبي صلى الله عليه وسلم للعقاب كانت للصلاة، حين يبلغ الطفل سن العاشرة، وهو سن البلوغ والحساب، وهنا فالضرب غير المبرح، إنما الإهانة فقط؛ ليعرف أنه اقترف ذنبًا كبيرًا في علاقته مع ربه.

التربية بالثواب والعقاب

كذلك على الآباء حسن استخدام أسلوب الثواب والعقاب، كأن يقول للابن: إن أنت رجعت مبكرًا من الحديقة فستذهب الأسبوع القادم مرة أخرى، ولكن إن تأخرت مع أصدقائك فلن تذهب ، وهنا فعلى المربي التزام الكلام، فلا يستعطفه الابن فيتنازل عن القرار ويجعله يخرج إن تأخر، فالأبناء كثيرًا ما يحاولون اختبار مدى صمود الأم خاصةً أمام قراراتها، وهذا قد يكون سببا لاقتراف الأبناء الخطأ مرة أخرى متعمدين؛ لأنهم على علم أنهم سيستعطفون الأم أو الأب فيتنازلون عن العقاب.
ويجب أن يكون الضرب آخر وسيلة تُستخدم في التربية؛ لان الأم أو الأب إن استخدما طريقة ما وفشلت سيلجئون للطريقة التالية، وهكذا تدريجيا، لكن للأسف نَجِدُ طفلًا في السابعة من العمر وقد أخطأ، فيذهب بنفسه ويُحْضِر العصا لكي تضربه أمه، وعندما تنتهي يعود لما كان عليه!
وهذا هو الفشل التربوي بعينه، وكما يذكر المثل المصري، فالطفل يقول لنفسه ( علقة تفوت ولا حد يموت) وقد تَعَوَّد جسده على الضرب، فما عاد يؤثر فيه، وما زال الطفل مصرا على الخطأ!
والأسوأ عندما نجد أبًا يُعَنِّف ابنه البالغ من العمر ستة أشهر؛ لأنه يبكي طوال الليل، ولا يستطيع الأب أن ينام!
أو الأم التي تنهر ابنتها ذات الستة أشهر ؛ لأنها عضت صدرها أثناء الرضاعة!
والطفل للأسف ودون علم الآباء يخزن هذه اللحظات في ذاكرته، فينشأ على العنف التربوي.
كذلك من أهم الأوقات التي يلجأ فيها معظم الآباء والأمهات إلى الضرب لحظات تعليم الطفل دخول الحمام بنفسه، ويزداد الأمر سوءًا إن كان الطفل يعاني التبول اللاإرادي، فالضرب يزيد مساحات الخوف لديه، وبالتالي تطول المشكلة لديه، وكذلك الطفل العنيد والعصبي لا يربيه الضرب، إنما يزيد مساحة العصبية لديه، بل قد يتولد لديه العنف مع الآخرين.

ضوابط العقاب

وعن ضوابط تطبيق الضرب كعقابٍ يضيف الدكتور نصر قائلًا: " هناك بعض الشروط الواجب التزامها حين الأخذ بالعقاب البدني للطفل، وتتمثل في :
1- أن يكون الضرب آخر وسيلة يلجأ إليها الأبوان لعلاج مشكلة أو خطأ ما لدى الطفل، ويجب أن يتذكر الآباء أن الله سيسألهم لماذا استخدموا الضرب والقسوة في معاملة الأبناء، والجهل بهذا لم يَعُدْ مُبَرِّرًا أمام الله؛ لأن وسائل المعرفة أصبحت منتشرةً في وسائل الإعلام والصحف والجرائد والأشرطة السمعية والمرئية، فاتخاذ الضرب الوسيلةَ الأسهل للتربية ظُلْمٌ في حق هؤلاء الأبناء؛ لأن التربية الصحيحة هي تقويم سلوك الطفل للأفضل،والاعتلاء بسلوكه ، والنزول لمستوى المتربي لنرتقي بأخلاقه وسلوكياته، وليس أن يرتقي هو بنفسه إلى مستواك العقلي رغم صغر سنه.
2- أن يتجنب المربي الضرب وقت الانفعال والغضب، فقد تكون هناك مشكلة ما بين الزوجين، ولا تستطيع الزوجة التنفيس عن غضبها أمام زوجها، فتلجأ للتنفيس عما بداخلها تجاه زوجها في أطفالها لأتفه الأسباب، وتكمن المشكلة الأكبر أن الطفل مثلًا كان يلعب في غرفة الضيوف، ورأته أمه مرةً ولم تقل شيئًا ، وفي المرة الثانية عقب مشكلتها مع زوجها رأته يلعب في نفس المكان، فأطاحت به ضربًا، مما يحدث خللًا لدى الطفل في مفهوم الخطأ والصواب.
3- ألا يكون الضرب سياسة دائمة للتعامل مع الطفل، فللأسف هناك بعض الأمهات من شدة الضغوط وكثرة عدد الأبناء تستخدم كافة الوسائل من أحذية وكئوس وأطباق وغيرها لتقذف بها الابن عندما يخطئ! أو هذا الأب الذي يُعَلِّق( حزام البنطال، أو سلسلة حديدية) في مدخل البيت؛ ليكون عبرة للطفل، بل إن بعض الأمهات يقمن بربط الطفل حتى لا يجهدها أثناء ضربه في المقاومة!!
4- التدرج في العقاب من الأخف للأشد، فمن الخطأ ضرب الطفل وحرمانه من الحلوى، ومن الخروج مع إخوته للتنزه، ومخاصمته، ومنعه من اللعب على الكمبيوتر، كل ذلك في وقت واحد، بل إن الحرمان يكون في وقت قصير وبدون ضرب.
5- لا يُضْرَبُ الطفل أبدًا في أول مرة يخطئ فيها، بل يجب أن نترك له أكثر من فرصة للتعلم من الخطأ، بل والاعتذار.
6- ألا يُضْرَبَ الطفل قبل 10 سنوات من العمر، ويجب أنْ يدرك الآباء أن التربية بالضرب هي التربية على الخوف وقلة احترام الآباء، فقد يتساءل الأب: لماذا لا يحترمني أبنائي؟ وهو لا يعلم أن التربية بالعنف التي انتهجها منذ ولادتهم تسببت في هذه المشكلة.
7- عدم ضرب الوجه والرأس للطفل، فقد كَرَّم الله الوجه ، والرأس تسبب بعض المشكلات الضخمة كالارتجاج وغيرها.
8- أن يكون الضرب غير شديد على اليدين أو الأرجل بعصا غير قوية، وغير شديدة الألم.
9- لا يتم ضرب الطفل أمام الآخرين من الأقارب أو الأصدقاء، أو حتى إخوته أو في الشارع، لأن هذا يُسَبِّب ضررًا شديدًا للابن.
10- العدالة في العقاب بين الأبناء، وعدم اتخاذ سياسة عقاب الابن الأكبر؛ لأنه من شجع الصغير على ارتكاب الخطأ بمجرد أنه الكبير !

وهناك بعض ضوابط العقاب العام:

1- يجب على الأمهات والآباء أن يستفسروا عن الخطأ قبل العقاب، حتى لا يقع عقاب على ابنٍ وهو مظلوم.
2- يجب ألا يقع عقابٌ على الطفل في حالة التأكيد من النسيان أو السهو.
3- عدم عقاب الطفل على خطأ سَبَّبَ له ألمًا ، كأن صعد على المنضدة وطلبت منه أمه النزول، لكنه لم يسمع الكلام فسقط على الأرض وجُرِحَ، فمن القسوة عقابُه رغم جرحه.
4- لا يُعَاقَبُ الطفل على أمورٍ خارجةٍ عن إرادته ، كمشكلةٍ صحية ما ، أو حدود القدرات الذهنية.
5-عدم الاستمرار في العقاب عند اعتذار الطفل، لكنْ قد يقترف الطفل خطأً ثم يعتذر، ثم يعود لنفس الخطأ ويعتذر، ويتكرر نفس الموقف، فهنا الوضع مختلف.

الرسول مربيًا

وتضيف الباحثة الشرعية والتربوية (د.وفاء سعداوي)، ومؤلفة سلسلة (كيف تسعدين طفلك) قائلة: " حَثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على تربية الأولاد وتأديبهم، فقال :"الزموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم" وإذا تتبعنا السنة النبوية نستطيع أن نستقى منهجا تربويا يتضمن وسائل إصلاحية ناجحة ومناسبة للطفل، يتضح منها طريقة الإسلام في الإصلاح، ومنهجه في التربية فنجد:
1- توجيه الولد ووعظه وملاطفته، فقد روى البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال : كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصَّحْفَة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا غُلَامُ سَمِّ الله ، وكُلْ بيمينك ، وكُلْ مما يليك ).
2- هَجْرُ الولد، وعدم مخاطبته والكلام معه، حتى يرجع عن الخطأ الذي ارتكبه، بدلًا من استخدام العنف الجسدي، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحذف [رمي الحصى بالسبابة والإبهام] وقال : (إنه لا يَقْتُلُ الصيد ولا ينكأ العدو ، وإنه يَفْقَأُ العين، ويَكْسِرُ السن) وفي رواية : أنّ قريبًا لابن مُغَفَّل [ وكان دون الْحُلُم ] حذف، فنهاه، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف، وقال: إنها لا تصيد صيدًا. ثم عاد، فقال : أُحَدِّثُكَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ثم عدت تَحْذِف ؟ لا أكلمك أبدا".
ويُمْكِن أنْ يُسْتَدَلَّ أيضًا بقصة الثلاثة الذين تَخَلَّفُوا عن غزوة تبوك، حينما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم التحدث معهم، وبقوا على ذلك خَمْسِين ليلةً، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، حتى أنزل الله توبته عليهم في كتابه الكريم ، وقد ثَبَتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه شهرًا، زجرًا لهن وتأديبًا.
3- ضَرْبُ الولد ضربًا غَيْرَ مُبَرِّح، وإنما ضربًا للتربية والتأديب، بحيث يُؤَدِّبُ الولدَ، ولا يترك أثرًا في جسده. فقد روى أبو داود والحاكم عن عمرو بن شُعَيْبٍ عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (مُرُوا أولادَكُم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضْرِبُوهم عليها وهم أبناء عَشْرٍ ، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع). وللحديث شواهد تقضي بقوته. ولحديث: (لا يُجْلَدُ فوق عَشْرِ جَلْدَاتٍ إلا في حَدٍّ من حدود الله). أخرجه البخاري وغيره.
وقال بعض المحققين من أهل العلم، كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم: (وعُرْفُ الشرعِ إطلاقُ الحَدِّ على كل عقوبةٍ لمعصيةٍ من المعاصي، كبيرةً أو صغيرة، فيكون المراد بالنهي المذكور في التأديب للمصالح، كتأديب الأب ابنه الصغير). وفي ضرب المربين للصبيان : حدد فقهاؤنا حدودًا لا يجوز للمربي تجاوزها؛ إذ يلـزمه أن يتقـي في ضربه الوجه، ومكان المقاتل؛ لما ورد في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عـلـيـه وسلـم، قال : " إذا ضرب أَحَدُكم فَلْيَتَّقِ الوجه".
وهكذا نجد النبى صلى الله عليه وسلم يُوَجِّه الطفل بالملاطفة والوعظ، وعلى المربي- إن لم يُجْدِ ذلك- أن يلجأ إلى الهجر، ثم إلى الزجر، ولا يجوز له أن يلجأ إلى الضرب، إلا إذا عجز عن جميع الوسائل الإصلاحية السابقة، فلا بأس بعد هذا أن يلجأ إلى الضرب غير المبرح، عسى أنْ يَجِدَ المربي في هذه الوسيلة إصلاحًا وتقويمًا لسلوك الولد واعوجاجه.
والْمُطَالع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يلمس رقة قلبه ورحمته مع الأولاد، فقد دخل رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجَدَهُ يقَبِّلُ حفيدَهُ الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، فَتَعَجَّبَ الرجل، وقال: والله يا رسول الله، إنّ لي عشرةً من الأبناء ما قبَّلتُ أحدًا منهمْ أبدًا، فقال لهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحم). [متفق عليه].
وفي رواية: ((أَوَ أَمْلِكُ أنْ نَزَعَ اللهُ الرحمة من قَلْبِك؟!)) مُخَرَّجٌ في الصحيحين من حديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كان رسول الله يأخذني فيُقْعِدُني على فَخِذِه، ويُقْعِد الحسنَ على فخِذِه الأخرى، ثم يَضُمُّهُمَا ثم يقول: (( اللهم ارْحَمْهُمَا؛ فإنِّي أرحمهما)) أخرجه البخاري.
صَلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.


المراجع

annajah.net

التصانيف

قضايا  المجتمع  قضايا مجتمعية  تنمية الاطفال   العلوم الاجتماعية