رشيد الدين علي بن خليفة، هو عالم وطبيب متصوف أبو الحسن علي بن خليفة بن يونس بن أبي القاسم بن خليفة عم الطبيب ابن أبي أصيبعة صاحب “عيون الأنباء في طبقات الأطباء“.

أرّخ عنه ابن أخيه ابن أبي أصيبعة في “عيون الأنباء في طبقات الأطباء“: ((هو أبو الحسن علي بن خليفة بن يونس بن أبي القاسم بن خليفة، من الخزرج من ولد سعد بن عبادة، مولده بحلب في سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وكان مولد أبي قبله في سنة خمس وسبعين وخمسمائة بالقاهرة المعزية، ونشأ أيضاً بالقاهرة واشتغلا بها وذلك أن جدي رحمه اللَّه كانت له همة عالية ومحبة للفضائل وأهلها، وله نظر في العلوم، ويعرف بابن أبي أصيبعة، وكان قد توجه إلى الديار المصرية عندما فتحها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكان في خدمته وخدمة أولاده، وكان من جملة معارف جدي وأصدقائه من دمشق جمال الدين أبي الحوافر الطبيب، وشهاب الدين أبو الحجاج يوسف الكحال وذلك أن مولد جدي كان بدمشق.

ونشأ بها وأقام سنين كثيرة، فلما اجتمع بجمال الدين بن أبي الحوافر بمصر وبأبي الحجاج يوسف، وكان قد ترعرع أبي وعمي، وقصد إلى تعليمهما صناعة الطب لمعرفته بشرفها، وكثرة احتياج الناس إليها، وأن صاحبها الملتزم لما يحب من حقوقها يكون مبجلاً حظياً في الدنيا، وله الدرجة العليا في الآخرة، وترك أبي وعمي يلازمان ذينك الشيخين ويغتنمانهما، فلازم أبي أبا الحجاج يوسف واشتغل بصناعة الكحل، وباشر معه أعمالها، وكان أبوالحجاج يكحل في البيمارستان ذلك الوقت في السقطين أسفل القاهرة، وكان جدي يسكن إلى جانبه، فبقي أبي ملازماً لأبي الحجاج يوسف ومتعلماً منه إلى أن أتقن صناعته، وقرأ أيضاً على غيره من أعيان المشايخ الأطباء في ذلك الوقت بمصر مثل الرئيس موسى القرطبي صاحب التصانيف المشهورة ومن هو في طبقته، ولازم عمي لجمال الدين ابن أبي الحوافر واشتغل عليه بصناعة الطب، وأول اشتغال عمي بالعلم أنه كان عند تقي المعلم، وهو أبو التقي صالح بن أحمد إبراهيم بن الحسن بن سليمان العرشي المقدسي، وكان هذا تقي يعرف علوماً كثيرة، وكانت له سيرة حسنة في التعليم في الكتب، وسياسة مشهورة عنه لم يكن أحد يقدر عليها إلا هو، ولما أتقن عمي رحمه اللّه حفظ القرآن عند تقي وعلم الحساب، وشرع في تعلم صناعة الطب والنظر فيه لازم جمال الدين بن أبي الحوافر، وكان في ذلك الوقت رئيس الأطباء بالديار المصرية، وصاحبها الملك العزيز عثمان بن عبد الملك الناصر صلاح الدين، وقرأ عليه شيئاً من كتب جالينوس الستة عشر، وحفظ منها الكتب الأولية في أسرع وقت.

ثم باحث الأطباء ولازم مشاهدة المرضى بالبيمارستان، ومعرفة أمراضهم، وما يصف الأطباء لهم، وكان فيه جماعة من أعيان الأطباء، ثم قرأ في أثناء ذلك علم صناعة الكحل، وباشر أعمالها عند القاضي نفيس الدين الزبير،وكان المتولي للكحل في ذلك الوقت في البيمارستان، وكذلك أيضاً باشر معه في البيمارستان أعمال الجراح، وكان الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي يومئذ في القاهرة، وكان صديقاً لجدي وبينهما مودة أكيدة فاشتغل عمي عليه بشيء من العربية والحكمة، وكان يبحث معه في كتب أرسطوطاليس ويناقشه في المواضع المشكلة منها وكان يجتمع أيضاً بسديد الدين، وهو علامة في العلوم الحكمية، ويشتغل عليه .

وكان أيضاً قبل ذلك قد اشتغل بعلم النجوم على أبي محمد بن الجعدي، وكان هذا الشيخ فاضلاً في علم النجوم متميزاً في أحكامه، وكان لحق الخلفاء المصريين، ويعد من الخواص عندهم، وكان أبوه من أعيان الأمراء في دولتهم، وأما صناعة الموسيقا فكان قد أخذها عن ابن الديجور المصري، وعن صفي الدين أبي علي بن التبان، ثم بعد ذلك أيضاً اجتمع بأعيان المصنفين في هذا الفن مثل البهاء المصلح الكبير وشهاب الدين النقجوني وشجاع الدين بن الحصن البغدادي ومن هو في طبقتهم وأخذ عنهم كثيراً من تصانيف العرب والعجم، ولم يكن لعمي دأب في سائر أوقاته من صغره إلا النظر في العلوم والاشتغال، وتكميل نفسه بالفضائل، ولما عاد جدي إلى الشام وانتقل إليها، وذلك في سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وكان لعمي في ذلك الوقت من العمر نحو العشرين سنة، شرع عمي في معالجة المرضى والتزيد في صناعة الطب، وكان في دمشق الشيخ رضي الدين يوسف بن حيدرة الرحبي، وكان كثير الصداقة لجدي من السنين الكثيرة، وسمع بعمي ولما شاهده ورأى تحصيله فرح به، وبقي عمي يحضر مجلسه ويقرأ عليه، ويبحث معه في صناعة الطب، وباشر المرضى في البيمارستان الذي أنشأه الملك العادل نور الدين ابن زنكي وكان فيه من الأطباء موفق الدين بن الصرف، والشيخ مهذب الدين عبد الرحيم ابن علي.

ولما كان في سنة تسع وستمائة مرضت عيني خادم يقال له سليطة للسطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب وهو يعزه كثيراً، وتفاقم المرض في عينيه حتى هلكت ويئس منها، ورآه المشايخ من الأطباء والكحالين، وكل عجز عن مداواته، وأجمعوا أنه قد عمي، وأن المداواة لم يبق لها فيه تأثير أصلاً، لما رآه أبي وتأمل عينيه قال أنا أداوي عيني هذا ويبصر بهما إن شاء اللّه تعالى، وشرع في مداواته وفي علاجه، وعيناه في كل وقت تصلح حتى كملت عافيته وبرأ برءاً تاماً، وركب وعاد إلى ما كان عليه أولاً حتى كان يتعجب منه، وظهرت منه في مداواته معجزة لم يسبق إليها فأحسن الملك العادل ظنه به كثيراً، وأكرمه غاية الإكرام من الخلع وغيرها، وكان له قبل ذلك أيضاً تردد إلى الدور السلطانية بالقلعة بدمشق وداوى بها جماعة كانت في أعينهم أمراض صعبة فصلحوا في أسرع وقت.



المراجع

al-hakawati.net

التصانيف

فلاسفة ورحالة   شخصيات   التاريخ   العلوم الاجتماعية