الحلاج

على الأرجح من أصلٍ فارسي بالرغم من أن البعض قالوا بخلاف ذلك. وُلد حوالي سنة 858 للميلاد في فارس، وقد كانت المنطقة الجنوبية الغربية من بلاد فارس أيام خضوعها للدولة العباسية لا تزال تدين بالزارادشتية وتعتنق ثقافتها على الرغم من انتشار اعتناق الإسلام آنذاك، فكان جد الحلاج زارادشتيًا واعتنق والده الإسلام.

كان أبيه حرفيًا في إحدى المناطق التي كانت قد اعتنقت الإسلام حديثًا خارج منطقة البادية، وهكذا فقد يكون الحلاج نشأ على اللغة العربية، في حين لم يكن بعض معاصريه من المتصوفين الفرس معتادين على اللغة الجديدة.

بالرغم من أن الكثيرين من عائلته اعتنقوا الإسلام، إلاّ أن البعض بقوا على الزارادشتية، وقد كانت والدته عربية من الحارثية وفق بعض المصادر.

وقد كان الحلاج مسلمًا سنيًا، وكان له صديقان من المسلمين الشيعة في البيضاء، كان والده يعمل في حلج القطن فسمي بالحلاج، وهي مهنةٌ كان الابن يمتهنها من وقتٍ لآخر. تنقل منصور إلى المدن الشهيرة بصناعة الأقمشة مثل الأحواز وتستر واستقر به المقام في واسط جنوبي العراق.

أمضى الحلاج فترة شبابه في واسط التي كانت تعتبر معقل الفكر السني وتعلم فيها على المذهب الحنبلي، وتشير بعض الدراسات إلى أنه شحذ هناك عربيته وأصبح عربيًا كاملًا لم يزل يحتفظ ببعض الموروث الفارسي من طفولته الذي نظمه لاحقًا بالعربية.

الإنجازات:

  • في واسط تعلم الحلاج النحو والقرآن الكريم على أيدي المحدثين الحنابلة، إلاّ أنه وعندما بلغ السادسة عشر من عمره ترك البيئة المحافظة التي درس فيها وانطلق إلى تستر، وهي مدينةٌ في خوزستان، وهناك تعرف على سهل التستري وأصبح صديقه المقرب وذلك في الأعوام ما بين 818 و 896 للميلاد، وكان سهل باحثًا في علوم القرآن، كما كان متصوفًا درس على طريقةٍ تختلف عن الطريقة التقليدية المتبعة في واسط، حيث أنه ومنذ سنٍ مبكرة عاش بطريقة المتنسكين فحافظ على الصيام وسافر إلى البصرة والكوفة ومكة بحثًا عن الهداية
  • عاش سهل عامين في عبدان التي كان معقل النساك بالقرب من نهر دجلة في العراق، وأصبحت على ما يبدو مصدر إلهامه الأول. أما في مدينته تستر، فقد ألّف تفسيرًا للقرآن الكريم يرتبط بمنهجه في التأمل، ويعتمد فيه فكرة كون الله ليس إلهًا منفردًا عن مخلوقاته، بل أنه يمثل قدر البشر المحتوم الذي سيذوب فيه البشر، وأن على الإنسان أن يبحث في أغوار نفسه ليدرك الله “سر النفس”.
  • في ذلك الوقت تتلمذ الحلاج على يدي سهل التستري في تستر لمدة عامين ثم افترقا لأسبابٍ غير معروفة، وقد رحل إلى البصرة في فترةٍ متخمةٍ بالقلاقل السياسية، حيث انطلقت ثورة الزنج وأثرت تطوراتٌ مرافقةٌ لها على تستر لذلك تم إخلاؤها، فرحل سهل إلى البصرة وشرع الحلاج باقتفاء آثار سهل وأفكاره، فقلده في التنسك وفي مجاهدة النفس، وهما تقليدان انتقلا إلى البصرة التي أصبحت مركزًا للتصوف وكانت ترتبط بجزيرة العبادين القريبة منها، لتخرج فيها أشكال تنسك على الطريقة الصوفية.
  • لم يعتنق الحلاج التصوف حتى انتقل إلى البصرة، حيث لبس الخرقة التي أصبحت تميز المتصوفة، والتي بدأها المحدث العربي عمرو بن عثمان المكي والذي بدأ أيضًا تقليد قص الشارب، وهكذا فإن الشكل الأولي لنظام الطقوس الصوفية الذي تطور لاحقًا قد جرى تبنيه في أوساط الصوفيين من أصحاب الرؤى التقليدية.
  • كان هذا التحول جزءًا من وضعٍ معقد سنة 877، حيث تزوج الحلاج من ابنة أبي يعقوب الأقطع البصري الذي كان بدوره من تلامذة المتصوف ذائع الصيت الجنيد البغدادي وأحد أفراد عائلة من الكتاب الإيرانيين من الأحواز، وقد كان هذا هو الزواج الوحيد للحلاج ورزق فيه أربعة أبناء وابنةً واحدة. وقد تحدث أحد أبنائه واسمه حمد، في إحدى الروايات عن شجارٍ حدث بين الحلاج وأحد تلامذة الجنيد وكان يدعى عمرو ابن عثمان المكي، حيث اعترض على زواج الحلاج. ويُروى أن الحلاج سافر إلى شمال بغداد لحل هذه المشكلة مع الجنيد نفسه، فما كان من الجنيد إلا أن نصح بالصبر وعدم الزواج فعاد الحلاج إلى بيت حماه في البصرة.
  • أما التطور المعرفي للحلاج فيفسره المؤرخون بأسبابٍ مختلفة، حيث كان تصوف الحلاج أكثر تعقيدًا من أي تصوفٍ تقليدي آخر وأي تنسكٍ آخر، حيث لا تروي سير أخبار المتصوفة ما يكفي لفهم ذلك، على الرغم من أن باحثين حديثين كشفوا بعض التفاصيل.
  • لم تكن البصرة بالمدينة المثالية آنذاك، حيث كانت حرب الزنج مشتعلةً في المناطق المجاورة في الأعوام ما بين 869-883، وقد كان الزنج عبيدًا جُلبوا من إفريقيا ومن مناطق أخرى وكان العديد منهم يعملون في مناجم الملح في ظروفٍ سيئة، كما كان معهم عبيدٌ من أعراقٍ أخرى وكذلك عربٌ أحرار وفارسيون. وقد دعم الشيعة ثورتهم، وهكذا لم يكن بمقدور الحلاج أن ينفذ بجلده من هذه الأحداث السياسية في حين كانت زوجته وأهلها من الشيعة الموالي الداعمين للثورة.
  • أما نهاية الثورة فكانت بمجازر واسعة ارتكبتها الدولة العباسية، فقتلت الزنج ومات من هرب منهم في الصحراء، كما أعدمت قائد الثورة صاحب الزنج، أما الحلاج فكان رأيه متشددًا منذ شبابه في هذا الشأن، فكان دائم الاعتراض على الأوضاع القاسية التي يعاني منها الزنج في مناجم الملح وكان يوجه سهام نقده للخلافة العباسية، وهو الموقف ذاته الذي اتخذه في الدفاع عن البدو الجائعين الذين أتوا إلى البصرة وبغداد في جماعاتٍ بحثًا عن الطعام.
  • في تلك المدة الصعبة كان متصوفو بغداد عرضةً للتهجم اللفظي من الشيخ غلام خليل، وهو ما دفع البعض لاستلام منصب القضاء، وقد كان أمرًا مستجدًا في الصوفية، الأمر الذي خلق الشقاق بين المتصوفة. وكان الشيخ غلام خليل ينتقد على الصوفية قولهم بالحلول، أي حلول الله في روح المرء، وقد أسهب الحلاج في هذا الجانب إلى حدٍ كبير.
  • انتهت حروب الزنج سنة 883 بالقضاء على الثوار واستعادة الخلافة العباسية السيطرة على البصرة، فانتقل الحلاج إلى مكة حاجًا وبقي هناك عامًا كاملًا يقود نمطًا جديدًا من الطقوس الصوفية، ولم يعرف الكثير عن آرائه في تلك المدة .
  • بعد ذلك عاد الحلاج إلى زوجته أم الحسين في البصرة، وهناك بدأ بالجهر بآرائه وبالحديث عن تجاربه كما بدأ يتحدث بلسان الله، وهو ما أدى على ما يبدو إلى نزاع بين الأقطع ومكي، فرحل وزوجته إلى تستر بسبب تهجم مكي وإرساله رسائل وعيد من البصرة مستنكرًا ادعاء الحلاج بأنه مرسلٌ من الله.
  • في تستر كان الحلاج يحكي مواعظه بالعربية لسكان المدينة الفرس الذي اعتنقوا الإسلام، كما تعرف هناك على علوم الفلسفة والطب الفلك الإغريقية.

المراجع

arageek.com

التصانيف

فلاسفة ورحالة   شخصيات   التاريخ   العلوم الاجتماعية