الكسي اللاذقاني (1907م ـ م)
أصله
ولد الفنان الكسي بن بطرس اللاذقاني في أنطاكية مهد الفنون الرومانية عام 1907 وتلقى العلم في مدارسها، ومنذ نشأ وميّز كانت علائم النبوغ بادية في محياه، فكل من رآه يعلم بالفراسة أنه سيكون له نباهة وشأن فني، وقد تعشّق الفن الموسيقي تلقى الفن متأثراً بمناظر الطبيعة الخلابة... على عود صغير نظراً لصغر أنامله، ثم نزح إلى مدينة حلب مهبط والإلهام الموسيقي ومهد الطرب والأصوات الجميلة، وكان ذا ثروة من التجارة تعاطاها مع أخيه في بضاعة الأقمشة، ثم افتتح محلاً لبيع الأجواخ والخياطة، وتلقى على فحول الأساتذة أجمل القطع والأوزان الموسيقية وبقي مواظباً على الفن الذي يهواه قلبه السليم.
وفي عام 1922 نزح إلى مصر واندمج في المعهد الموسيقي الخاص بفقيد الأدب والشعر والموسيقى اسكندر شلفون صاحب مجلة روضة البلابل الموسيقية وتلقى منه قواعد النوطة الإفرنجية وأصول تصوير الأنغام على كل مقام وبعد ذلك انتقل إلى المدرسة الموسيقية الأهلية التي كانت تدار من قبل الأستاذ منصور عوض وسامي الشوا ودرس عندهما أصول تهجئة النوتة الإفرنجية (أي الصولفيج) وتلقى بعدها الفن على الأستاذ تلماك صاحب المدرسة الموسيقية وهو تركي الأصل وجمع ثروة فنية لا تضاهى من الكتب والمؤلفات والآلات الموسيقية النادرة... وفي عام 1942 عاد إلى بيروت وأسس الكونسرفاتوار الوطني والنادي الموسيقي الشرقي وعصبة الأدب والنادي الموسيقي اللبناني والمجمع الموسيقي الشرقي والنادي الموسيقي الأدبي البيروتي وذلك خلال مدة سبعة عشر عاماً قضاها في الجهد المضني وصرف ثروة كبرى في سبيل إحياء الفن الشرقي كانت تكفيه طيلة حياته وما زال يعمل بكل شغف وإخلاص ويناضل في فنه وماله وقلمه لتعزيز الفن والمحافظة عليه.
وفي عام 1924 أنشأ جريدة الفنون الجميلة، وفي عام 1937 ساهم مع فرقته بتأسيس محطة الإذاعة اللبنانية ورعاها بروائع فنه.
فنه
يعتبر الأستاذ الكسي اللاذقاني خليفة المرحوم كميل شمبير فناً وعلماً وذكاء، وهما صنوان جمع الفن بينهما، فاللاذقاني بعوده وكمانه وشمبير على بيانه وبسطونه.
ثم زار مصر مرة ثانية وأقام مدة يرتشف من مناهل الفنون وعاد إلى بيروت وأسس حزب العمال العام وهو يضم (65) نقابة وكان النادي الموسيقي يطرب نقاباته في حفلاتهم.
وفي عام 1924 أقام حفلة تأبينية لفقيد الفن المرحوم الشيخ سيد درويش وفي عام 1937 أقام حفلة تأبينية كبرى لذكرى زميله الفقيد كميل شمبير... وكان يدعى من قبل المفوضين السامين لترأس الحفلات التي كانت تقام في قصر البارك.
وفي عام 1948 تلقى من الحكومة التركية دعوة رسمية لزيارة أنقرة فسافر مصحوباً بسلاحين ماضيين، هما روائع فنه على قيثارته وعوده واللغة التركية التي يجيدها كأبنائها، واحتفل به أكابر الموسيقيين في محطة الإذاعة في أنقرة وأذاعت له عدة برامج من وضعه وتلحينه منها طلوع الفجر على الكمان وآذان الصبح الخاص ومارش أتاتورك العظيم الحماسي الحربي الصامت الذي كان يفتتح الحفلات بعزفه. واشترك بمعرض ازمير الدولي وعزف على قيثارته وعوده قطعات من وضعه وزار أضنة ومرسين واستانبول وأقام عدة حفلات خاصة ولقي من الحفاوة والتكريم ما لا يحد، ودعاه والي إزمير فكانت مسك الختام حضرها العظماء والسفراء والأدباء وأشادوا بفنه ونبوغه، ثم دعاه والي هاتاي لإقامة حفلة في إنطاكية وعاد في رحلته، وقد انتزع إعجاب أهل الفن في تركيا.
ثقافته وصفاته
يجيد اللغة الإفرنسية وعليم باللغة التركية كأحد أدبائها وضليع باللغة العربية، أديب هو بين الأدباء فارس الميدان، ألمعي في أقواله وأفعاله وأحواله، تستقي قريحته الوقادة من المنهل العذب، أحاطت به الفنون الجميلة إحاطة الهالة بالقمر، بيانه حديقة ورد وريحان، رياها عبير الفنون ورضاب الحسان يفوح شذاها من سطور جريدته التي ما زال يغذيها بروحه وقلمه منذ ربع قرن.
له خلق أرق من النسيم وأعذب، وكلام ألذ من سماع العود وأطرب، نبيل القصد كريم النفس يتغلب على المصاعب بالثبات والصبر والحلم.
قلمه سريع الإنتاج، فإذا ثار نار وضرام، وإذا صفا نور وسلام.
شعره
لقد كانت الطبيعة سخية على المترجم فهو غزير بالمواهب الفنية والأدبية ومن نظمه الرقيق قصيدة مدح بها صديقة أدهم الجندي منها قوله:
الفن فيك مجسم ونبيل
في كل يوم شاهد ودليل
والفن أنت مقيله من عثرة
لولا وجودك لاعتراه خمول
سبحان ربك قد حباك مواهباً
لا القل ينقصها ولا التعديل
جذبت محبتك القلوب فكلها
أمست إليك ولا ملام تميل
فلئن نطقت فأنت أكبر عادل
والحق بات يقيم حيث تقول
وختمها بقوله:
الفن لا ينسى الجميل حياته
حفظ (الفنون) مقدس وجميل
وكان المترجم شغوفاً بمطالعة أحاديث المؤلف الفنية ويشجعه على المضي قدماً في التأليف، وبعث إليه بقصيدة هذه بعض أبيات منها:
محضتك يا (جندي) ودي ومن به
سواك جدير من قصي ومن دان
بذكراك تسكين لشوقي إذا طغى
كما أنَّ في مرآك نور لأجفاني
عرفتك أوفى من صحبت من الورى
فمدحك يشدو فيه سري وإعلاني
ومنها:
إذا ما سرى في كل ناد عبيره
فأنت عبير الأرز في جو لبنان
ومهما رماني الدهر في نكباته
كفاني إن كنت خيرة إخواني
فلا زلت يا (جندي) للفن حارساً
وناديك معموراً بفضل وإحسان
المراجع
alencyclopedia.com
التصانيف
الفنانون شخصيات الفنون العلوم الاجتماعية