جورج فرديناند لودفيغ فيليب كانتور، هو عالم رياضيات من ألمانيا، يشار إليه بأنه واضع نظرية المجموعة الحديثة. ويعتبر أول من أشار إلى أهمية مبدأ التناظر واحد لواحد بين المجموعات، ومن عرف المجموعات اللانهائية والمتسقة، كما أنه أثبت أن الأرقام الحقيقية أكثر بكثير من الأرقام الطبيعية. وبالفعل فإن نظرية كانتور تستلزم وجود عدد غير متناه من اللانهاية. وكذلك فإن كانتور هو من عرف الأرقام الكمية والترتيبية وطرق الحساب الخاصة بهم. ويعرف عن أعماله أنها ذات قيمة فلسفية عالية.
واجهت أفكار كانتور معارضة شديدة من قبل الرياضيين في ذلك العصر من أمثال ليوبلد كرونكر وهنري بوانكاريه ثم في وقت لاحق من هيرمان ويل وبروير. وكذلك فقد أبدى لوديغ ويتغينستين اعتراضات فلسفية على نظرية كانتور. ويُعزى إلى هذه المعارضة والموقف العدائي الذي اتخذه أصحابها المعاصرين من كانتور تدهور حالته النفسية وإصابته بالاكتئاب وبالعديد من الانهيارات العصبية بدأ من سنة 1884 م إلى نهاية حياته والتي عادة ما اعتقد بأنها نتيجة هذه المواقف العدائية، إلا أنه ينظر إلى هذه الأعراض اليوم على أنها علامات لإصابته باضطراب ثنائي القطبية.
في الوقت الحاضر يتقبل الغالبية العظمى من علماء الرياضيات الذين لا يأخذون بالرياضيات البنائية ولا المتناهية أعمال كانتور في المجموعات شبه المتناهية والحساب، مقرين بأنها كانت نقطة تغيير جوهري. وقد قال ديفيد هيلبرت عن عمل كانتور: «لا يجب لأحد أن يبعدنا عن الجنة التي صنعها كانتور».
حياته
كان جورج كانتور ابنا لجورج فالديمار كانتور، وهو رجل أعمال دنماركي كان يعمل سمسارا في سوق أسهم سانت بطرسبرغ، ولماريا آنا بوم، من روسيا. ورث جورج عن والديه مواهب مميزة فنية وموسيقية، وكان عازفا مميزا للكمان. وبالرغم من أن اسم كانتور هو اسم يهودي، إلا أن جورج رُبي كلوثري على دين أبيه، في حين كانت أمه من الرومان الكاثوليك.
عندما مرض والد كانتور انتقلت العائلة إلى ألمانيا في 1856 م، تحديدا إلى ويسبادن في باديء الأمر ثم إلى فرانكفورت، هربا من شتاء سانت بطرسبرغ البارد.
في سنة 1860 م، تخرج كانتور بترتيب متميز من ريلستشول في دارمشتادت، حيث ظهر عليه مهاراته الفريدة في الرياضيات وخاصة المثلثات. في سنة 1862 م، وتبعا لرغبة أبيه، التحق كانتور كلية زيورخ التطبيقية (ETH Zurich) حيث بدأ بدراسة الرياضيات.
بعد وفاة والده في 1863 م، انتقل كانتور للدراسة في جامعة برلين وهنالك فقد حضر لمحاضرات لكارل ويرستراس وإرنشت كومر وليوبلد كرونكر، وصادق زميله في الدراسة هيرمان شفارز. وقد قضى كانتور أحد فصول الصيف في جامعة غوتينغن، والتي كانت لفترة من أهم مراكز الأبحاث الرياضية.
في سنة 1867 م، منح شهادة الدكتوراة من برلين على رسالته عن نظرية الأرقام بعنوان De aequationibus secundi gradus indeterminatis. قضى كانتور سنة بعد ذلك مدرسا في مدرسة برلين للفتيات قبل أن ينتقل للتدريس في جامعة هالي، وهنالك أمضى ما تبقى من حياته المهنية.
تزوج كانتور إلى فالي غوتمان (Vally Guttmann) في سنة 1874 م، حيث أنجبا 6 أطفال ولد آخرهم في 1886 م. كان الوظائف الأكاديمية في ذلك الوقت ذات راتب قليل، إلا أن تركة والد كانتور أعانته على تدبر أمر عائلته. وخلال شهر عسله في سويسرا قضى كانتور وقتا طويلا في نقاشات حول الرياضيات مع ريتشارد ديدكايند والذي كان قد صادقه قبل ذلك بسنتين أثناء قضاء كانتور إجازة في سويسرا.
رقي كانتور إلى مرتبة أستاذ استثنائي في سنة 1872 م ثم إلى رتبة أستاذ في سنة 1879 م وكان عمره حينها 34 عاما وهو ما يعتبر إنجازا متميزا له، لكن طموح كانتور كان في أن ينضم إلى جامعة ذات مستوى أعلى، وتحديدا جامعة برلين والتي كانت الجامعة الألمانية الأولى في ذلك الوقت إلا أن رغباته اصطدمت برغبات رئيس قسم الرياضيات في برلين في ذلك الوقت، وهو كرونكر والذي بقي في هذا المنصب حتى وفاته في سنة 1891 م، وكذلك زميله هيرمان شفارتز اللذان لم يوافقا على ضمه إلى قسمهم.
والأسوأ من ذلك أن كرونكر -الذي كان متميزا بين علماء الرياضيات الألمان- كان على اختلاف مبدأي مع أعمال كانتور. فقد كان كرونكر، أحد مؤسسي وجهة النظر البنائية في الرياضيات، لا يستسيغ نظرية كانتور في المجموعة والتي تؤكد وجود مجموعات تحقق خواص معينة من دون أن تعطي أمثلة محددة على ذلك. انتهى الأمر بكانتور أن جزم أنه لن يستطيع أن يغادر هالي ما دام كرونكر مسموع الكلمة.
في سنة 1881 م توفي إدوارد هاين زميل كانتور تاركا مكانه شاغرا. قبلت الجامعة، بناء على نصيحة كانتور، أن تعرض الوظيفة على ديدكايند ثم هينريك ويبر ثم فرانز ميرتنز، بهذا الترتيب، إلا أنهم رفضوا العرض جميعا.
كان عدم اهتمام ديدكايند مفاجئا وذلك لأنه كان يعمل في مدرسة هندسة ذات مستوى متدن وكان يحمل أعباء إدارية هنالك. ويكشف هذا الحدث عن تواضع مستوى قسم الرياضيات في جامعة هالي بين الجامعات الألمانية الأخرى. وأخيرا فقد عين وانغرين في تلك الوظيفة إلا أنه لم يكن من المقربين لكانتور.
أصابت كانتور أول نوبة اكتئاب في سنة 1884 م فدفعته هذه الأزمة النفسية لأن يتقدم بطلب ليصبح محاضرا في الفلسفة بدلا من الرياضيات. وكانت كل واحدة من الرسائل، والتي بلغ عددها 52، التي كتبها كانتور لعالم الرياضيات السويدي ميتاغ ليفلر تهاجم كرونكر. ثم ما لبث كانتور أن عاد لطبيعته، إلا أن ثقته بنفسه كانت قد تضررت بشكل كبير كما يظهر في إحدى رسائله التي كتبها حيث يقول:
«لا أدري متى يجب أن أعود لمتابعة وظيفتي العلمية. ففي هذه اللحظة فإني عاجز عن القيام بأي شيء فيها، واقتصر عملي على المهام الضرورية فقط في محاضراتي، ما أكثر سعادة ستكون لو أستطيع أن أرجع إلى نشاطي العلمي، فقط لو كنت أملك الصفاء الذهني اللازم.»
وعلى الرغم من أنه قام بأعمال قيمة بعد 1884 م إلا أن ما قام به في تلك الفترة لم يرق للمتسوى المميز الذي كان عليه خلال الفترة 1874 إلى 1884 م. وأخيرا قام كانتور بالتماس الصلح مع كرونكر والذي قبله مرحبا، إلا أن الخلافات الفلسفية والصعوبات المفرقة بينهم استمرت. وقد ظن البعض أن الاكتئاب الذي أصاب كانتور كان بسبب المعارضات التي لقيها من كرونكر. تدور الشكوك بأن الهموم العلمية والمشاكل في التعامل مع أشخاص معينين والتي واجهت كانتور لم تكن السبب في الاكتئاب الذي مر به ولكن بأنه كان مصابا باضطراب ثنائي القطبية.
خلال فترة الاكتئاب التي مرت به فقد تحول كانتور عن الرياضيات واتجه إلى الفلسفة. وخلال سنة 1884 طلب أن يصبح محاضرا في الفلسفة بدلا من الرياضيات. وفي سنة 1888 م نشر مراسلات مع عدد من الفلاسفة حول التطبيقات الفلسفية لنظريته عن المجموعات.
إدموند هسرل، والذي كان زميل كانتور في هالي وصديقه في الفترة 1886 إلى 1901 م، كان قد اكتسب صيتا في مجال الفلسفة بالرغم من أن رسالته لنيل الدكتوراة كانت في الرياضيات وأن عالم الرياضيات ويرستراس كان المشرف عليه. وكذلك فقد كتب كانتور عن التطبيقات الدينية لأعماله في الرياضيات، كما فعل، على سبيل المثال، عندما أشار إلى اللانهاية المطلقة بأنها الإله.
كان كانتور يعتقد أن فرانسيس باكون هو من كتب المسرحيات المنسوبة لشكسبير. وأثناء مرضه في 1884 بدأ بدراسة مكثفة للأدب في عهد إليزابيث محاولا إثبات فرضيته حول باكون. في نهاية الأمر بشر كانتور كتيبين في 1896 و1897 م موضحا رأيه فيما يتعلق بباكون وشكسبير.
وفي سنة 1890 م كان لكانتور دور أساسي في إنشاء جمعية الرياضيين الألمان (Deutsche Mathematiker-Vereinigung) وترأس أول اجتماعاتها الذي عقد في هالي في السنة التالي وتم انتخابه كأول رئيس لها. وفي هذا دلالة على أن موقف كرونكر منه لم يكن مدمرا لمكانته بين أقرانه. وكان كانتور قد دعا كرونكر للتكلم في هذا الاجتماع، إلا أنه هذا الأخير لم يستطع الحضور لأن زوجته كانت تحتضر.
بعد وفاة ابنه الأصغر في سنة 1899 م، عانى كانتور من اكتئاب مزمن خلال ما تبقى من حياته الأمر الذي أدى إلى إعفائه من مهام التعليم لعدة مرات وأخذ إلى مستشفى الأمراض النفسية للمراقبة. إلا أن كانتور لم يترك الرياضيات كليا واستمر يحاضر عن التناقضات في نظرية المجموعة -المنسوبة إلى بورالي وفورتي ورسل وكانتور نفسه- وذلك في اجتماع جمعية الرياضيين الألمان في سنة 1903 م، وكذلك فقد حضر مؤتمر الرياضيات العالمي الذي عقد في هيدلبرغ في سنة 1904 م.
أصبح كانتور في سنة 1911 م أحد العلماء المتميزين الذين دعوا لحضور الاحتفال المقام بمناسبة مرور 500 سنة على تأسيس جامعة سانت أندروس في سكتلندا. حضر كانتور الحفل على أمل لقام برتراند رسل الذي كان قد نشر كتابا جديدا بعنوان مباديء الرياضيات (Principia Mathematica) استشهد فيه بأعمال كانتور مرارا، إلا أن رسل لم يحضر الحفل.
وفي السنة التالي منحت سانت أندروس كانتور دكتوراة فخرية إلا أن مرضه حال دون تسلمه للشهادة بشخصه.
تقاعد كانتور في سنة 1913 م وعانى من الفقر والجوع خلال الحرب العالمية الأولى. وكان الاحتفال المقرر بمناسبة عيد ميلاده السبعين قد ألغي بسبب الحرب. توفي كانتور في المصحة حيث قضى آخر سنة في حياته.
المراجع
mawsoati.com
التصانيف
علماء ومخترعين أجانب العلوم الاجتماعية رياضيات