التوثيقات العامة
1 ـ أصحاب الاجماع.
2 ـ مشايخ الثقات.
3 ـ العصابة التي لا يروون إلا عن ثقة.
4 ـ رجال أسانيد « نوادر الحكمة ».
5 ـ رجال أسانيد « كامل الزيارات ».
6 ـ رجال اسانيد « تفسير القمّي ».
7 ـ أصحاب « الصادق » 7.
8 ـ شيخوخة الإجازة.
9 ـ الوكالة عن الإمام 7.
10 ـ كثرة تخريج الثقة عن شخص.
1 ـ أصحاب الاجماع
* ما هو الاصل في ذلك.
* « أصحاب الاجماع » اصطلاح جديد.
* عددهم وما نظمه السيد بحر العلوم.
* كيفية تلقي الاصحاب هذا الاجماع وحجيته.
* مفاد « تصحيح ما يصح عنهم ».
قد وقفت على الطُّرق التي تثبت بها وثاقة راو معيَّن وهناك طرق تثبت بها وثاقة جمع كثير تحت ضابطة خاصة ، وإليك هذه الطرق واحداً بعد واحد. وأهمّها مسألة أصحاب الاجماع المتداولة في الألسن وهم ثمانية عشر رجلاً على المشهور.
إن البحث عن أصحاب الاجماع من أهمّ أبحاث الرجال ، وقد اشار اليه المحدّث النوري وقال : « إنه من مهمّات هذا الفنّ ، إذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الاحاديث الخارجة عن حريم الصحة إلى حدودها أو يجري عليها حكمها » (1).
ولتحقيق الحال يجب البحث عن أمور :
الأول : ما هو الاصل في ذلك؟
الأصل في ذلك ما نقله الكشّي في رجاله في مواضع ثلاثة نأتي بعبارته في تلك المواضع.
1 ـ « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله 8 : اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 757.
7 وأصحاب أبي عبدالله 7 وانقادوا لهم بالفقه فقالوا : أفقه الأولين ستّة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، قالوا : أفقه الستّة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي بصير الاسدي ، ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري » (1).
2 ـ « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله 7 : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه من دون اُولئك الستّة الذين عددناهم وسمَّيناهم (2) وهم ستّة نفر : جميل بن درّاج ، وعبدالله بن مسكان ، وعبدالله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان ، قالوا : وزعم أبو اسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون (3) أن أفقه هؤلاء جميل بن درّاج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله 7 » (4).
3 ـ « تسمية الفقهاء من اصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن 8 : أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستّة نفر أُخر دون ستّة نفر الذين ذكرناهم (5) في أصحاب أبي عبدالله 7 منهم : يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمد بن أبي عمير ، وعبدالله بن مغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وقال بعضهم مكان الحسن بن
____________
1 ـ رجال الكشي : 206.
2 ـ يريد بذلك العبارة المتقدمة التي نقلناها آنفاً.
3 ـ قال النجاشي ( في الرقم 302 ) : « كان وجهاً في أصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً راوية وكان حسن العمل ، كثير العبادة والزهد ، روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن 8 ».
4 ـ رجال الكشي : 322 ، والمراد من الاحداث : الشبان.
5 ـ يريد العبارة الثانية التي نقلناها عن رجاله.
محبوب ، الحسن بن علي بن فضال ، وفضالة بن أيوّب (1) وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوّب ، عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان وصفوان بن يحيى » (2).
ويظهر من ابن داود في ترجمة « حمدان بن أحمد » أنه من جملة من اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منهم والاقرار لهم بالفقه (3) ونسخ الكشي خالية منه ، ولعله أخذه من الاُصول ، لا من منتخب الشيخ ، كما احتمله المحدّث النوري ، لكن التأمل يرشدنا إلى خلاف ذلك وأن العبارة كانت متعلقة بـ « حمّاد بن عيسى » المذكور قبل حمدان. وقد سبق قلمه الشريف فخلط هو أو النسّاخ ووجه ذلك أنه عنون أربعة اشخاص بالترتيب الآتي :
1 ـ حمّاد بن عثمان النّاب. 2 ـ حمّاد بن عثمان بن عمرو. 3 ـ حمّاد بن عيسى. 4 ـ حمدان بن أحمد وصرّح في ترجمة حمّاد بن عثمان الناب أنه ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وأتى بهذا المضمون في ترجمة حمدان ، مع أن اللازم عليه أن يأتي به في ترجمة ابن عيسى ولعل الجميع كان مكتوباً في صفحة واحدة فزاغ البصر ، فكتب ما يرجع إلى ابن عيسى في حق حمدان (4).
أضف إلى ذلك أن ابن داود نفسه خصّ الفصل الأول من خاتمة القسم الأول من كتابه بذكر أصحاب الاجماع ـ كما سيوافيك عبارته ـ وذكر أسماءهم
__________________
1 ـ الظاهر أن « الواو بمعنى « أو » أي أحد هذين ، ويحتمل كونها بمعناها فيزداد العدد.
2 ـ رجال الكشي : الرقم 1050.
3 ـ رجال ابن داود : 84 ، الرقم 524.
4 ـ والجدير بالذكر ان تغاير « حمّادين » الاولين محلّ نظر. بل استظهر جمع من أئمة الرجال اتحادهما ولعله الاصح. راجع قاموس الرجال : 3 / 397 ـ 398 ؛ ومعجم رجال الحديث : 6 / 212 ـ 215.
مصّرحاً بكون حمّاد بن عيسى منهم من دون أن يذكر حمدان بن أحمد.
والعجب أنّه ذكر الطبقة الثّالثة بعنوان الطبقة الثانية وقال : إنّهم من أصحاب أبي عبدالله 7 مع أنّه صرح في ترجمة كل منهم أنّهم كانوا من أصحاب الرضا 7 وبعضهم من أصحاب أبي إبراهيم وأبي جعفر الثاني 8 (1).
هذا ، مضافاً إلى أنه لا اعتبار بما انفرد به داود مع اشتمال رجاله على كثير من الهفوات.
الثاني : « أصحاب الاجماع » اصطلاح جديد
إن التّعبير عن هذه الجماعة بـ « أصحاب الاجماع » أمر حدث بين المتأخرين ، وجعلوه أحد الموضوعات التّي يبحث عنها في مقدمات الكتب الرجالية أو خواتيهما ، ولكنّ الكشّي عبر عنهم بـ « تسمية الفقهاء من أصحاب الباقرين 8 » أو « تسمية الفقهاء من أصحاب الصادق 7 » أو « تسمية الفقهاء من اصحاب الكاظم والرضا 8 » فهو ; كان بصدد تسمية الفقهاء من أصحاب هؤلاء الأئمّة ، الذين لهم شأن كذا وكذا ، والهدف من تسميتهم دون غيرهم ، هو تبيين أنّ الأحاديث الفقهية تنتهي إليهم غالباً ، فكأنّ الفقه الإماميّ مأخوذ منهم ، ولو حذف هؤلاء وأحاديثهم من بساط الفقه ، لما قام له عمود ، ولا اخضرّ له عود ، ولتكن على ذكر من هذا المطلب ، فأنّه يفيدك في المستقبل.
الثالث : في عددهم
قد عرفت أنه لا اعتبار بما هو الموجود في رجال ابن داود من عدّ « حمدان بن أحمد » من أصحاب الإجماع ، فلابدّ من الرجوع إلى عبارة
__________________
1 ـ الرجال : طبعة النجف ، الرقم : 118 ، 442 ، 454 ، 782 ، 909 و 1272.
الكشي فقد نقل الكشي اتفاق العصابة على ستة نفر من أصحاب الصادقين 8 وهم : 1 ـ زرارة أعين ، 2 ـ معروف بن خربوذ ، 3 ـ بريد بن معاوية ، 4 ـ أبو بصير الأسدي ، 5 ـ الفضيل بن يسار ، 6 ـ محمد بن مسلم الطائفي.
ونقل أيضاً اتّفاقهم على ستة من أحداث أصحاب أبي عبد الله 7 فقط وهم : 7 ـ جميل بن دراج ، 8 ـ عبد الله بن مسكان ، 9 ـ عبد الله بن بكير ، 10 ـ حماد بن عثمان ، 11 ـ حماد بن عيسى ، 12 ـ أبأن بن عثمان.
كما نقل اتفاقهم على ستة نفر من أصحاب الامامين الكاظم والرضا 8 وهم : 13 ـ يونس بن عبد الرحمان ، 14 ـ صفوان بن يحيى بيّاع السابري ، 15 ـ محمد بن أبي عمير ، 16 ـ عبد الله بن مغيرة ، 17 ـ الحسن بن محبوب ، 18 ـ أحمد بن محمّد بن نصر.
هذا ما اختار الكشي في من اجمعت العصابة عليهم ، ولكن نقل في حق الستة الأولى أن بعضهم قال مكان أبي بصير الأسدي ، أبو بصير المرادي ، فالخمسة من الستة الأولى موضع اتّفاق من الكشي وغيره ، كما أن الستة الثانية موضع اتفاق من الجميع ، وأما الطبقة الثالثة فخمسة منهم مورد اتفاق بينه وبين غيره حيث قال : « ذكر بعضهم مكان الحسن بن محبوب ، الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وذكر بعضهم مكان فضالة بن أيوب ، عثمان بن عيسى » فيكون خمسة من الطبقة الثالثة مورد اتفاق بينه وبين غيره وبالنتيجة يكون ستة عشر شخصاً موضع اتفاق من الكل ، وانفرد الكشي بنقل الإجماع على شخصين وهما أبو بصير الأسدي من الطبقة الأولى ، والحسن بن محبوب من الثالثة ونقل الاخرون ، الاتفاق على أربعة وهم : أبو بصير المرادي من الستة الأولى والحسن بن علي بن فضال ، وفضالة بن أيوب وعثمان بن عيسى من الثالثة ، فيكون المجموع : اثنين وعشرين شخصاً ، بين ما اتفق الكل على
كونهم من أصحاب الاجماع ، أو قال به الكشي وحده أو غيره فالمتيقن هو 16 شخصاً ، والمختلف فيه هو 6 اشخاص.
ثم إن المتتبع النوري قد حاول رفع الاختلاف قائلاً : « إنه لا منافاة بين الإجماعين في محل الانفراد لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر وعدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة ، وأنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الاخر ، والجمع بينهما ممكن ، فيكون الجميع مورداً للاجماع.
ونقل عن بعض الأجلة الاشكال عليه ، بأنّ الكشّي جعل الستّة الأولى أفقه الأوّليين وقال : « فقالوا أفقه الأوّين ستة » ومعناه هؤلاء أفقه من غيرهم ومنهم أبو بصير المرادي. وعليه فالأسدي الّذي هو جزء من الستة أفقه من أبي بصير المرادي وعلى القول الآخر يكون المرادي من أفراد الستة ويكون أفقه من أبي بصير الاسدي ، فيحصل التكاذب بين النقلين ، فواحد منهم يقول : الأفقه هو الأسدي ، والآخر يقول : الأفقه هو المرادي » (1).
وفيه أولاً : أنه يتم في القسم الأول من هذه الطّبقات الثلاث ، حيث اشتمل على جملة « أفقه الأولين ستة » دون سائر الطبقات ، فهي خالية عن هذا التعبير.
وثانياً أنه يحتمل أن يكون متعلق الاجماع هو التصديق والانقياد لهم بالفقه ، لا الأفقهيّة من الكلّ ، فلاحظ وتأمّل.
الرابع : فيما نظمه السيد بحر العلوم
إن السيد الجليل بحر العلوم جمع أسماء من ذكره الكشي في المواضع الثلاثة في منظومته وخالفه في أشخاص من الستة الأولى ، قال 1 :
قد أجمع الكل على تصحيح ما
يصح عن جماعة فليعلما
__________________
1 ـ خاتمة مستدرك الوسائل : 3 / 757 ، الفائدة السابعة.
وهم أولو نجابة ورفعة
أربعة وخمسة وتسعة
فالستة الأولى من الأمجاد
أربعة منهم من الأوتاد
زرارة كذا بريد (1) قد أتى
ثم محمد (2) وليث (3) يافتى
كذا الفضيل (4) بعده معروف (5)
وهو الذي ما بيننا معروف
والستة الوسطى اولو الفضائل
رتبتهم أدنى من الأوائل
جميل الجميل (6) مع أبان (7)
والعبدلان (8) ثم حمّادان (9)
والستة الاخرى هم صفوان (10)
ويونس (11) عليهما الرضوان
ثم ابن محبوب (12) كذا محمد (13)
كذاك عبدالله (14) ثم أحمد (15)
وما ذكرناه الأصحّ عندنا
وشذّ قول من به خالفنا (16)
قوله : « وما ذكرناه الأصح » إشارة إلى الاختلاف الذي حكاه الكشي في عبارته حيث اختار الكشي ان أبا بصير الاسدي منهم ، واختار غيره أن أبا
__________________
1 ـ المراد بريد بن معاوية.
2 ـ المراد محمد بن مسلم.
3 ـ ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري ، وقد خالف فيه مختار الكشي.
4 ـ الفضيل بن يسار.
5 ـ معروف بن خربوذ.
6 ـ جميل بن دراج.
7 ـ أبان بن عثمان.
8 ـ عبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير.
9 ـ حمّاد بن عثمان وحمّاد بن عيسى.
10 ـ صفوان بن يحيى. المتوفّى عام 220 هـ.
11 ـ يونس بن عبد الرحمن.
12 ـ الحسن بن محبوب.
13 ـ محمد بن أبي عمير.
14 ـ عبد الله بن المغيرة.
15 ـ أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.
16 ـ قد مضى القولان في عبارة الكشي.
بصير المرادي منهم واختار السيد بحر العلوم القول الثاني ونسب القول الأول إلى الشذوذ.
الخامس : في كيفية تلقي الأ صحاب هذا الاجماع
إن المتتبع النوري قد قام بتصفح كلمات الأصحاب حتى يستكشف من خلالها كيفية تلقيهم هذا الإجماع بالقبول وإليك الإشارة إلى بعض الكلمات التي نقلها المحدث النوري في الفائدة السابعة من خاتمة المستدرك بتحرير منّا حسب القرون :
1 ـ إن أول من نقله من الأصحاب هو أبو عمرو الكشي وهو من علماء القرن الرابع وكان معاصراً للكليني ( المتوفّى عام 329 هـ ) وتتلمذ للعياشي صاحب التفسير.
2 ـ ويتلوه في النقل ، الشيخ الطوسي ، وهو من علماء القرن الخامس ( المتوفّى عام 460 هـ ) حيث إنه قام باختصار رجال الكشي بحذف أغلاطه وهفواته ، وأملاه على تلاميذه وشرع بالإملاء يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة 456 هـ ، بالمشهد الشريف الغري ، ونقل سبط الشيخ ، السيد الأجل « علي بن طاووس » في كتاب « فرج المهموم » عن نفس خط الشيخ في أول الكتاب أنه قال : « هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي واخترنا ما فيها » (1). وظاهر كلامه أن الموجود في الكشي مختاره ومرضيه.
أضف إلى ذلك أنه يقول في العدة : « سوَّت الطائفة بين ما رواه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات ، الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به ، وبين ما
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 757 ، نقلاً عن فرج المهموم.
أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم » (1).
فان قوله « وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به » دليل على أن فيهم جماعة معروفين عند الاصحاب بهذه الفضيلة ، ولا تجد في كتب هذا الفنّ من طبقة الثقات ، عصابة مشتركة في هذه الفضيلة غير هؤلاء.
3 ـ وممَّن تلقّاه بالقبول ، رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب من علماء القرن السادس ( المتوفّى عام 588 هـ ) فقد أتى بما ذكره الكشّي في أحوال الطبقة الاُولى والثانية ، وترك ذكر الثالثة ، ونقل الطبقتين بتغيير في العبارة كما سيوافيك وجهه (2).
4 ـ وممَّن تلقّاه بالقبول ، فقيه الشيعة ، العلامة الحلي من علماء القرن الثامن ( المتوفّى عام 726 هـ ) وقد أشار بما ذكره الكشّي في خلاصته في موارد كثيرة كما في ترجمة « عبدالله بن بكير » و « صفوان بن يحيى » و « البزنطي » و « أبان بن عثمان ».
5 ـ وقال ابن داود مؤلّف الرجال وهو من علماء القرن الثامن ، حيث ولد عام 648 وألَّف رجاله عام 707 هـ : « أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلا فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنهم يتفاوتون ثلاث درج » (3).
6 ـ وقال الشهيد الأول ( المستشهد عام 786 هـ ) في « غاية المراد » عند
__________________
1 ـ عدة الاصول : 1 / 386 ، وسيوافيك حق القول في تفسير كلام العدة ، وتقف على أن كلام العدة غير مستنبط من كلام الكشي ، وانما ذكرناه في المقام تبعاً للمحدث النوري.
2 ـ المناقب : 4 / 211 ، أحوال الإمام الباقر ، والإمام الصادق 8 : 280.
3 ـ رجال ابن داود : 209 ، خاتمة القسم الأول ، الفصل الأول ، طبعة النجف والصفحة : 384 ، طبعة جامعة طهران.
البحث عن بيع الثمرة بعد نقل حديث في سنده الحسن بن محبوب : « وقد قال الكشي : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب ».
نعم ، لم نجد من يذكر هذا الاجماع أو يشير إليه من علماء القرن السّابع كالحسن بن زهرة ( المتوفّى عام 620 هـ ) ونجيب الدين ابن نما ( المتوفّى عام 645 هـ ) ، وأحمد بن طاووس ( المتوفّى عام 673 هـ ) ، والمحقق الحلّي ( المتوفّى عام 676 هـ ) ويحيى بن سعيد ( المتوفّى عام 689 هـ ).
كما لم نجد من يذكره من علماء القرن التّاسع كالفاضل المقداد ( المتوفّى عام 826 هـ ) وابن فهد الحلّي ( المتوفّى عام 841 ).
نعم ذكره الشّهيد الثّاني ( وهو من علماء القرن العاشر وقد استشهد عام 966 هـ ) في شرح الدراية في تعريف الصحيح حيث قال : « نقلوا الاجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيّاً ، وهذا كلّه خارج عن تعريف الصحيح الّذي ذكروه ».
كما نقل في الروضة البهية ، في كتاب الطلاق عن الشيخ أنه قال : « ان العصابة اجمعت على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير وأقرّوا له بالفقه والثقة » (1).
وأما القرون التالية ، فقد تلقاه عدة من علماء القرن الحادي عشر بالقبول كالشيخ البهائي ( المتوفّى عام 1031 هـ ). والمحقق الداماد ( المتوفّى عام 1041 هـ ) ، والمجلسي الأوّل ، وفخر الدين الطّريحي ( المتوفّى عام 1085 هـ ) والمحقق السبزواري ( المتوفّى عام 1090 هـ ) مؤلّف « ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ».
كما تلقاه بالقبول كثير من علماء القرن الثاني عشر كالمجلسي الثاني
__________________
1 ـ الروضة البهية : 2 / 131 ، كتاب الطلاق.
( المتوفّى عام 1110 هـ ) وعلماء القرون التالية ولا نرى حاجة في ذكر عبائرهم (1).
اقول : ان الأصحاب وان تلقوه بالقبول ، لكن ذلك التلقّي لا يزيدنا شيئاً ، لأنهم اعتمدوا على نقل الكشي ولولاه لما كان من ذلك الاجماع أثر ، ولأجل ذلك نرى أن الشيخ لم يذكره في كتابي الرجال والفهرست ، ولا نجد منه اثرا في رجال البرقي ورجال النجاشي ، وذكره ابن شهرآشوب تبعاً للكشي وتصرف في عبارته ، على أن ذكر الشيخ في رجال الكشي لا يدل على كونه مختاراً عنده لأنه هذبه عن الأغلاط ، لا عن كل محتمل للصدق والكذب ، وابقاؤه يكشف عن عدم كونه مردوداً عنده ، لا كونه مقبولاً.
السادس : في وجه حجية ذاك الاجماع
عقد الاصوليون في باب حجية الظنون ، فصلاً خاصاً للبحث عن حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد وعدمها ، فذهب البعض إلى الحجّية بادعاء شمول أدلة حجية خبر الواحد له ، واختار المحققون وعلى رأسهم الشيخ الأعظم عدمها ، قائلاً بأن أدلة حجّية خبر الواحد تختص بما إذا نقل قول المعصوم عن حس لا عن حدس ، وناقل الإجماع ينقله حدساً لا حسّاً وذلك من ناحيتين :
الأولى : من ناحية السبب ، وهو الاتفاق الملازم عادة لقول الإمام 7 ووجه كونه حدسياً ، لا حسياً ، ان الجل ـ لولا الكل ـ يكتفون في احراز السبب ، باتفاق عدة من الفقهاء لا اتفاق الكل ، وينتقلون من اتفاق عدة منهم إلى اتفاق الجميع.
الثانية : من ناحية المسبب ، وهو قول الإمام ، فإنهم يجعلون اتفاق
__________________
1 ـ لاحظ خاتمة المستدرك : 3 / 758 ـ 759 ، بتحرير وتلخيص واضافات منا.
العلماء دليلاً على موافقة قولهم لقول الإمام 7 حدساً لا حساً ، مع ان الملازمة بين ذاك الاتفاق ، وقول الامام غير موجودة ، وعلى ذلك فناقل الاجماع ينقل السبب ( اتفاق الكل ) والمسبب ( قول الامام ) حدساً لا حساً ، وهو خارج عن مورد أدلة الحجية.
والاشكال من ناحية السبب ، مشترك بين المقام وسائر الاجماعات المنقولة ، حيث ان المظنون ان ابا عمرو الكشي لم يتفحص في نقل إجماع العصابة على هؤلاء ، وإنما وقف على آراء معدودة واكتفى ، وهي لا تلازم اتفاق الكل.
وهناك اشكال اخر يختص بالمقام ، وهو ان الاجماع المنقول لو قلنا بحجّيته ، انما هو فيما إذا تعلق على الحكم الشرعي ، لا على الموضوع ، ومتعلق الاجماع في المقام موضوع من الموضوعات لا حكم من الأحكام ، كما تفصح منه عبارة الكشي : « أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة ... ».
والاجماع على موضوع ولو كان محصلاً ، ليس بحجة ، فكيف إذا كان منقولاً.
والجواب عن الاشكال الأول مبني على تعيين المفاد من عبارة الكشي في حق هؤلاء الثمانية عشر ، فلو قلنا بأن المراد منها هو تصديق هؤلاء الأعلام في نفس النقل والحكاية الملازم لوثاقتهم ـ كما هو المختار ويظهر من عبارة المناقب أيضاً وغيرها كما ستوافيك ـ فلا يحتاج في إثبات وثاقة هؤلاء إلى اتفاق الكل حتى يقال انه أمر حدسي بل يكفي توثيق شخص أو شخصين أو ثلاثة وقف عليه الكشي عن حس ، ليس الاطلاع على هذا القدر أمراً عسيراً حتى يرمي الكشي فيه إلى الحدس ، بل من المقطوع أنه وقف عليه وعلى أزيد منه.
نعم ، لو كان المراد من عبارة الكشي هو اتفاق العصابة على صحة رواية هؤلاء ، بالمعنى المصطلح عند القدماء اعتماداً على القرائن الخارجية ،
فالإشكال باق بحاله ، لان العلم بالصحة ليس أمراً محسوساً حتى تعمه أدلة حجية خبر الواحد إذا أخبر عنها مخبر ، وليست القرائن الموجبة للعلم بالصحة ، كلها من قبيل عرض الكتاب على الإمام 7 وتصديقه إياه ، أو تكرر الحديث في الاصول المعتمدة ، حتى يقال « انها من قبيل الامور الحسية ، وأن المسبب ـ أعني صحة روايات هؤلاء ـ وان كان حدسيّاً ، لكن أسبابه حسّية ، ولا يلزم في حجة قول العادل كون المخبر به أمراً حسياً ، بل يكفي كون مقدمات حسية » ، وذلك لأن القرائن المفيدة لصحة أخبار هؤلاء ليست حسّية دائماً ، وإنما هي على قسمين : محسوس وغير محسوس ، والغالب عليها هو الثاني وقد مر الكلام فيه عند البحث عن شهادة الكليني في ديباجة الكافي على صحة رواياته.
وقد حاول بعض الأجلة الإجابة عنه ( ولو قلنا بأن المراد هو تصحيح روايات هؤلاء ) بأن نقل الكشي ، اتفاق العصابة على تصحيح مرويات هؤلاء بالقرائن الدالة على صدق مفهومها أو صدورها ، وأن لم يكن كافياً في إثبات الاتفاق الحقيقي ، لكنه كاشف عن اتفاق مجموعة كبيرة منهم على تصحيح مرويات هؤلاء ، ومن البعيد أن يكون مصدره ادعاء واحد أو اثنين من علماء الطائفة ، لأن التساهل في دعوى الإجماع شائعاً وأن كان بين المتأخرين ، لكنه بين القدماء ممنوع جداً ، هذا من جانب.
ومن جانب آخر إن اتفاق جماعة على صحة روايات هؤلاء العدة ، يورث الاطمئنان بها ، والقرائن التي تدل على الصحة وإن كانت على قسمين : حسي واستنباطي ، لكن لما كان النظر والاجتهاد في تلك الأيام قليل ، وكان الأساس في المسائل الفقهية وما يتصل بها ، هو الحس والشهود ، يمكن أن يقال باعتمادهم على القرائن العامة التي تورث الاطمئنان لكل من قامت عنده أيضاً ، ككونه من كتاب عرض على الإمام ، أو وجد في أصل معتبر ، أو تكرر في الاصول ، إلى غير ذلك من القرائن المشهورة.
والحاصل ؛ أنه إذا ثبت ببركة نقل الكشي كون صحة روايات هؤلاء ، أمراً مشهوراً بين الطائفة ، يحصل الاطمئنان بها من اتفاق مشاهيرهم ، لكونهم بعداء عن الاعتماد على القرائن الحدسية ، بل كانوا يعتمدون على المحسوسات أو الحدسيات القريبة منها ، لقلة الاجتهاد والنظر في تلك الأعصار.
أقول : لو صحت تلك المحاولة لصحت في ما ادعاه الكليني في ديباجة كتابه ، من صحة رواياته ، ومثله الصدوق في مقدمة « الفقيه » ، بل الشيخ حسب ما حكاه المحدث النوري بالنسبة إلى كتابيه « التهذيب والاستبصار » والاعتماد على هذه التصحيحات ، بحجة ان النظر والاجتهاد يوم ذاك كان قليلاً ، وكان الغالب عليها هو الاعتماد على الامور الحسية مشكل جداً وقد مرَّ اجمال ذلك عند البحث عن أدلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال فلاحظ ، على ان احراز القرائن الحسية بالنسبة إلى أحاديث هؤلاء مع كثرتها ، بعيد غايته وسيوافيك بعض الكلام في ذلك عند تبيين مفاد العبارة.
واما الاشكال الثاني فالاجابة عنه واضحة ، لأنه يكفي في شمول الأدلة كون المخبر به مما يترتب على ثبوته اثر شرعي ، ولا يجب ان يكون دائماً نفس الحكم الشرعي ، فلو ثبت بإخبار الكشي ، اتفاق العصابة على وثاقتهم أو صحة اخبارهم ، لكفى ذلك في شمول ادلة الحجية كما لا يخفى.
السابع : في مفاد « تصحيح ما يصح عنهم »
وهذا هو البحث المهم الذي فصل الكلام فيه المتتبع النوري في خاتمة مستدركه ، كما فصل في الامور السابقة ـ شكر الله مساعيه ـ.
والخلاف مبني على ان المقصود من الموصول في « ما يصح » ما هو؟ فهل المراد ، الرواية والحكاية بالمعنى المصدري ، أو ان المراد المروي ونفس الحديث؟
فتعيين أحد المعنيين هو المفتاح لحل مشكلة العبارة ، وأما الاحتمالات الاُخر ، فكلها من شقوق هذين الاحتمالين ، ويتلخص المعنيان في جملتين :
1 ـ المراد تصديق حكاياتهم.
2 ـ المراد تصديق مروياتهم.
وان شئت قلت : هل تعلق الإجماع على تصحيح نفس الحكاية وان ابن ابي عمير صادق في قوله ، بأنّه حدثه ابن اُذينة أو عبدالله بن مسكان أو غيرهما من مشايخه الكثيرة الناهزة إلى أربعمائة شيخ أو تعلق بتصحيح نفس الحديث والمروي ، وان الرواية قد صدرت عنهم :.
وبعبارة اخرى ؛ هل تعلق بما يرويه بلا واسطة كروايته عن شيخه « ابن اُذينة » ، أو تعلق بما يرويه مع الواسطة أعني نفس الحديث الذي يرويه عن الإمام بواسطة استاذه.
والمعنى الأول يلازم توثيق هؤلاء ويدل عليه بالدلالة الالتزامية ، فان اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء في حكايتهم وتحدثهم ملازم لكونهم ثقات ، فيكون مفاد العبارة هو توثيق هؤلاء لأجل تصديق العصابة حكايتهم ونقولهم عن مشايخهم.
وأما المعنى الثاني فله احتمالات :
1 ـ صحة نفس الحديث والرواية وان كانت مرسلة أو مروية عن مجهول أو ضعيف لأجل كونها محفوفة بالقرائن.
2 ـ صحتها لأجل وثاقة خصوص هؤلاء الجماعة فتكون الصحة نسبية لا مطلقة ، لاحتمال عدم وثاقة من يروون عنه فيتحد مع المعنى الأول.
3 ـ صحتها لأجل وثاقتهم ووثاقة من يروون عنهم حتى يصل إلى الإمام 7 فعلى الاحتمال الثالث ، تنسلك مجموعة كبيرة من الرواة ممَّن
لم يوثقوا خصوصاً ، في عداد الثقات ، فإن لمحمد بن ابي عمير مثلا « 645 » حديثاًيرويها عن مشايخ كثيرة (1).
واليك توضيح هذين المعنيين (2).
المعنى الأول : وهو ما احتمله صاحب الوافي في المقدمة الثالثة من كتابه : « ان ما يصح عنهم هو الرواية لا المروي » (3). وعلى هذا تكون العبارة كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته.
ونقل المحدث النوري عن السيد المحقق الشفتي في رسالته في تحقيق حال « أبان » ان متعلق التصحيح هو الرواية بالمعنى المصدري أي قولهم أخبرني ، أو حدثني ، أو سمعت من فلان ، وعلى هذا فنتيجة العبارة أن أحداً من هؤلاء إذا ثبت أنه قال : حدثني ، فالعصابة أجمعوا على أنه صادق في اعتقاده.
وقد سبقه في اختيار هذا المعنى رشيد الدين ابن شهر آشوب في مناقبه ، حيث اكتفى بنقل المضمون وترك العبارة وقال : « اجتمعت العصابة على تصديق ستة من فقهائه ( الإمام الصادق 7 ) وهم جميل بن دراج ، وعبدالله بن مسكان ... الخ » فقد فهم من عبارة الكشي اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء وكونهم صادقين فيما يحكون ، فيدل بالدلالة الالتزامية على وثاقة هؤلاء لا غير ، والتصديق مفاد مطابقي ، والوثاقة مفاد التزامي كما لا يخفى.
__________________
1 ـ لاحظ معجم رجال الحديث : 14 / 303 ـ 304 ، طبعة النجف.
2 ـ وقد ادغمنا الوجه الثاني والثالث من الاحتمال الثاني فبحثنا عنهما بصفقة واحدة ، لان وثاقة هؤلاء ليست مورداً للشك والترديد وانما المهم اثبات وثاقة مشايخهم.
3 ـ الوافي : المقدمة الثالثة ، الصفحة 12 ، وجعل الفيض كونها كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم في عرض ذلك الاحتمال ، والظاهر أنه في طوله ، لان تصديق حكايتهم في الموارد المجردة عن القرائن غير منفك عن التصديق بعدالتهم فلاحظ.
ويظهر ذلك أيضاً من استاذ الفن ، الشيخ عبدالله بن حسين التستري ، الذي كان من مشايخ الشيخ عناية الله القهبائي مؤلف « مجمع الرجال » ، حيث نقل عن استاذه ما هذا عبارته : « قال الاستاذ مولانا النحرير المدقق ، والحبر المحقق المجتهد في العلم والعمل عبدالله بن حسين التستري 1 (1) ، هكذا : وربما يخدش بأن حكمهم بتصحيح ما يصح عنهم ، انما يقتضي الحكم بوقوع ما أخبروا به ، وهذا لا يقتضي الحكم بوقوع ما أخبر هؤلاء عنه في الواقع ، والحاصل أنهم إذا أخبروا أنّ فلاناً الفاسق حكم على رسول الله مثلا بما يقتضي كفره ( نستغفر الله منه ) فان ذلك يقتضي حكمهم بصحة ما أخبروا به ، وهو وقوع المكفّر عن الفاسق المنسوب اليه ذلك لا صحة ما نسب إلى الفاسق في نفس الأمر ... إلى ان قال : ان الجماعة المذكورين في هذه التسميات الثلاث إذا أخبروا عن غير معتبر في النقل ، فانه لا يلزم الحكم بصحة ما أخبروا عنه في الواقع ، نعم يلزم ذلك إذا أخبروا عن معتبر ».
وأضاف التلميذ : « ولا يخفى ان المذكورين في التسميات المذكورات هنا لا يروون إلا عنهم : إلا قليلا ، ولا عن غير معتبر إلا نادراً وهذا ظاهر مع ادنى تتّبع ، فما افاد الاستاذ ; من المعنى الدقيق والمحمل الصحيح لا يؤثر فيما نفهم منها في أول الأمر » (2). ويظهر النظر في كلام التلميذ فيما سننقله من رواية هؤلاء عن غير الائمة بكثير فتربَّص.
وقد نقله أبو علي في رجاله عن استاذه صاحب الرياض حيث قال : « المراد دعوى الاجماع على صدق الجماعة ، وصحة ما ترويه إذا لم يكن في السند من يتوقف فيه ، فاذا قال احد الجماعة : حدثني فلان ، يكون الاجماع منعقداً على صدق دعواه وإذا كان ضعيفاً أو غير معروف ، لا يجديه نفعاً ،
____________
1 ـ توفي مولانا التستري عام 1021 هـ ، ويظهر من قوله « 1 » في حق استاذه ان المؤلف كان حياً عام وفاته وتوفي بعده.
2 ـ تعليقة مجمع الرجال : 1 / 286.
وذهب اليه بعض أفاضل العصر وهو السيد مهدي الطباطبائي » (1).
وأقول : هذا هو المختار ويؤيدّه أمور :
1 ـ إنَّ الكشّي اكتفى في تسمية الطبقة الاُولى بقوله : « اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من اصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله 8 وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأولين ستّة » ولم يذكر في حقّهم غير تلك الجمل ، فلو كان المفهوم من قوله « تصحيح ما يصحّ عن جماعة » إجماعهم على تصديق مرويّاتهم ( لا حكاياتهم ) ، كان عليه أن يذكر تلك العبارة في حق الستّة الاُولى ، لأنهم في الدرجة العالية بالنسبة إلى الطبقتين ، وهذا يعرب عن كون المقصود من التصحيح ، هو الحكم بصدقهم وتصويب نفس نقلهم ، وبالدَّلالة الالتزامية يدلّ على وثاقهم.
2 ـ فهم عدة من الاعلام ذلك المعنى من العبارة.
إنّ ابن شهرآشوب قد فهم من كلام الكشّي نفس ما ذكرناه ، ولأجل ذلك حذف كلمة « تصحيح ما يصحّ » عند التعرّض للطبقة الثانية فعبَّر عنه بقوله : « اجتمعت العصابة على تصديق ستَّة من فقهاء أصحاب الإمام الصادق 7 وهم : جميل بن درّاج ـ إلى آخره ».
نرى أنه وضع التصديق مكان « تصحيح ما يصحّ عنه » وهذا يعرب عن وحدة المقصود ، ويظهر ذلك من بعض كلمات العلاّمة في المختلف حيث قال : « لا يقال : عبدالله بن بكير فطحي ، لأنّا نقول : عبدالله بن بكير وان كان فطحيّاً ، إلا أن المشايخ وثَّقوه » ونقل عبارة الكشّي ، وقال بنظيره في ترجمة أبان بن عثمان الاحمر : « ... ، إلا انه كان ثقة وقال الكشي : إنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه » والظاهر أن التمسّك بقول
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 2 / 760.
الكشي ، لاجل الاستدلال على قوله : « إن المشايخ وثَّقوه » أو « إلا أنه كان ثقة ».
كما يظهر ذلك من ابن داود حيث قال : « أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلا فلم يختلفوا في تعظيمهم ، غير أنهم يتفاوتون ثلاث درج » (1).
3 ـ إمعان النظَّر في ما يتبادر من قوله : « ما يصحّ من هؤلاء » فاذا قال الكليني : « حدَّثنا علي بن إبراهيم ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن هاشم ، قال : حدثنا ابن ابي عمير ، قال : حدثنا ابن أُذينة قال : قال ابو عبدالله 7 » فلو فرضنا وثاقة الاولين من السَّند ـ كما هو كذلك ـ فانه يقال صحّ عن ابن ابي عمير كذا ، فيجب تصحيح نفس هذا ، لا غير ، وبعبارة أخرى يجب علينا إمعان النَّظر في أنه ما هو الذي صحَّ عن ابن ابي عمير ، حتى يتعلق به التصحيح. فهل هو حكاية كل واحد عن آخر؟ أو هو نفس الحديث ومتنه؟.
لا سبيل إلى الثاني ، لان من صدّر به السند ، لا ينقل إلا حكاية الثاني ولا ينقل نفس الحديث ، وإنما يكون ناقلا لو نقله من الامام بلا واسطة ، ومثله من وقع في السند بعده ، فانه لا ينقل إلا حكاية الثالث له ، فعندئذ ما صحَّ عن ابن ابي عمير ليس نفس الحديث ، بل حكاية الاستاذ لتلميذه ، وعليه يكون هذا بنفسه متعلقاً للتصحيح ، وان ابن أبي عمير مصدق في حكايته عن ابن اُذينة ، وهو صادق في نقله عنه ، وأما ثبوت نفس الحديث ، فهو يحتاج إلى كون الناقل لابن ابي عمير صادقاً وثقة وإلا فلا يثبت ، نعم يثبت بتصحيح ما صحَّ عن ابن أبي عمير كونه ثقة ، لكن لا بالدلالة المطابقية ، بل بالدلالة الالتزامية.
واختار هذا المعنى سيّدنا الاستاذ ـ دام ظله ـ وقال : « المراد تصديقهم لما أخبروا به وليس اخبارهم في الاخبار مع الواسطة إلا الاخبار عن قول
__________________
1 ـ رجال ابن داود : خاتمة القسم الأول ، الفصل الأول الصفحة 209 طبعة النجف ، والصفحة 384 طبعة جامعة طهران.
الواسطة وتحديثه ، فإذا قال ابن أبي عمير « حدّثني زيد النرسي ، قال : حدّثني علي بن مزيد ، قال : قال ابو عبدالله 7 كذا » لا يكون اخبار ابن أبي عمير إلا تحديث زيد ، وهذا في ما ورد في الطبقة الأولى واضح وكذلك الحال في الطبقتين الاخيرتين أي الاجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم ، لان ما يصحّ عنهم ليس متن الحديث في الإخبار مع الواسطة لو لم نقل مطلقاً ، فحينئذ إن كان المراد من الموصول مطلق ما صحّ عنهم يكون لازمه قيام الاجماع على صحّة مطلق إخبارهم سواء كان مع الواسطة أو لا ، إلا أنه في الإخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقهم ، وتصحيح ما صحّ عنهم بالنسبة إلى الوسائط ، فلابد من ملاحظة حالهم ووثاقتهم وعدمها » (1).
وإلى ما ذكر يشير الفيض في كلامه السابق ويقول : « ما يصحّ عنهم هو الرواية لا المرويّ ، وأما ما اشتهر في تفسير العبارة من العلم بصحة الحديث المنقول منهم ونسبته إلى اهل البيت : بمجرَّد صحته عنهم ، من دون اعتبار العدالة فيمن يروون عنه ، حتى لو رووا عن معروف بالفسق أو بوضع ، فضلا عمّا لو أرسلوا الحديث ، كان ما نقلوه صحيحاً محكوماً على نسبته إلى اهل العصمة ، فليست العبارة صريحة في ذلك » (2).
هذا حال الأول ودلائله. غير أن المحدّث النوري أورد عليه وجوهاً نذكرها واحداً بعد واحد.
الأول : إن هذا التفسير ركيك خصوصاً بالنسبة إلى هؤلاء الاعلام.
الثاني : لو كان المراد ما ذكروه ، لاكتفى الكشي بقوله : « اجتمعت العصابة على تصديقهم ».
الثالث : ان أئمة فنّ الحديث والدّراية صرَّحوا بأن الصحة والضعف
__________________
1 ـ الطهارة : 1 / 186 ـ 187.
2 ـ الوافي : 1 / 760 المقدمة الثالثة.
والقوة والحسن وغيرها من أوصاف متن الحديث ، تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند ، وقد يطلق على السند مسامحة ، فيقولون : « في الصحيح عن ابن ابي عمير » وهو خروج عن الاصطلاح ، فالمراد بالموصول في « ما يصحّ عنه » هو متن الحديث ، لأنه الذي يتصف بالصحة والضعف.
ولكنَّ الكل غير واضح ، أما الأول فأي ركاكة في القول بأن العصابة اتفقت على وثاقة هؤلاء؟ ولو كان ركيكاً ، فلم ارتكبه نفس الكشي في الطبقة الأولى ، حيث اكتفى فيهم مكان « تصحيح ما يصحّ عنهم » بقوله « أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من اصحاب الامامين 8 ».
وأما الثاني ، فإنما يرد لو قدم قوله « وتصديقهم » في الذكر على قوله « تصحيح ما يصحّ عنهم » ، إذ عندئذ لا حاجة إلى الثاني ، ولكن الكشي عكس في الذكر ، فاحتاج الكلام إلى الجملة التوضيحية ، فأتى بلفظ « وتصديقهم ».
وأما الثالث ، فلأن الصحة سواء فسِّرت بمعنى التمامية أم بمعنى الثبوت ، يقع وصفاً للسند والمتن معاً إذا كان في كلّ ملاك للتوصيف به ، وليس للصحة مصطلح خاص حتى نخصه بالمتن دون السند.
وأما تخصيص هؤلاء الثمانية عشر بالذكر دون غيرهم ، مع أن هناك رواة اتفقت كلمتهم على وثاقتهم ، فلأجل كونهم مراجع الفقه ومصادر علوم الأئمة : ولأجل ذلك اضاف على قوله « بتصديقهم » ، قوله « وانقادوا لهم بالفقه » و « أقرّوا لهم بالفقه والعلم » فلم ينعقد الاتفاق على مجرّد وثاقتهم ، بل على فقاهتهم من بين تلاميذ الائمة :. فهذه المميزات أوجبت تخصيصهم بالذكر دون غيرهم.
على أن الكشي كما عرفت لم يعنونهم باسم « أصحاب الاجماع » بل هو اصطلاح جديد بين المتأخرين ، بل عنونهم في مواضع ثلاثة بـ « تسمية الفقهاء
من أصحاب الباقرين 8 » و « تسمية الفقهاء من أصحاب الصادق 7 » و « تسمية الفقهاء من أصحاب الامامين الكاظم والرضا 8 » ، فالسؤال ساقط من رأسه.
وأما التخصيص بالستة في كل طبقة فلأجل فقاهتهم اللامعة التي لم تتحقق في غيرهم في كل طبقة.
إلى هنا تبيّن صحة المعنى الأول وأنه المتعين. ثم إن ما جعله شيخنا النوري قولاً ثانيا وذكره تحت عنوان « ب » ، من أن المراد كون الجماعة ثقات ، يرجع إلى ذلك القول لبّاً والتفاوت بينهما هو أن الوثاقة مدلول المعنى بالدلالة الالتزامية في القول الأول ، ومدلول المعنى بالدلالة المطابقية في القول الثاني كما لا يخفى ، ولأجل ذلك جعلنا القولين قولاً واحداً.
إذا عرفت المعنى المختار فاليك الكلام في المعنى الثاني.
المعنى الثاني : قد عرفت أن لها احتمالات ثلاثة فنبحث عنها واحداً بعد واحد.
الاحتمال الأول :
هو الحكم بصحة رواياتهم لأجل القرائن الداخلية أو الخارجية.
وبعبارة أخرى ؛ المراد من « تصحيح ما يصحّ » هو الحكم بصحة روايات هؤلاء بالمعنى المعروف عند القدماء ، وهو الاطمئنان بصدق رواياتهم من دون توثيق لمشايخهم ، وهذا مبنيّ على أن المراد من « الموصول » هو نفس المروي والحديث ، فاذا صحَّ المروي إلى هؤلاء فيحكم بصحته وان كان السند مرسلاً أو مشتملاً على مجهول أو ضعيف فيعمل به.
توضيح ذلك ; ان الصحيح عند المتأخرين من عصر العلامة أو عصر شيخه أحمد بن طاووس الحلي ( المتوفّى عام 673 هـ ) هو ما كان سنده متّصلاً إلى
المعصوم بنقل الامامي العدل الضابط عن مثله في جميع الطبقات. ولكن مصطلح القدماء فيه عبارة عما احتفّت به القرائن الداخلية أو الخارجية الدالة على صدقه ، وان اشتمل سنده على ضعف ، وقد مرَّت القرائن الخارجية عند البحث عن الحاجة إلى علم الرجال.
وبعبارة اخرى ؛ ان الحديث في مصطلح القدماء كان ينقسم إلى قسمين : صحيح وغير صحيح ، بخلافه في مصطلح المتأخرين ، فانه على أقسام اربعة : الصحيح والموثق والحسن والضعيف.
نعم ، إن من القرائن الدالة على صدق الخبر هو كون رواته ثقاتاً بالمعنى الاعم ، أي صدوقاً في النقل ، ولكنه احدى القرائن لا القرينة المنحصرة.
ثمَّ لما اندرست تلك القرائن الخارجية عمد المتأخرون في تمييز المعتبر عن غيره إلى القرائن الداخلية ، من المراجعة إلى اسناد الروايات (1).
وعلى هذا فمعنى اتفاق العصابة على تصحيح أحاديث هؤلاء ، أنهم وقفوا على ان رواياتهم محفوفة بالقرائن الداخلية أو الخارجية الدالة على صدق الخبر وثبوته ، وقد اختار هذا المعنى ، المحقق الداماد في رواشحه وقال : « أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، والاقرار لهم بالفقه والفضل والضبط والثقة ، وان كانت روايتهم بارسال أو رفع أو عمن يسمونه وهو ليس بمعروف الحال ولمّة منهم في أنفسهم فاسدو العقيدة ، غير مستقيمي المذهب ـ إلى ان قال : مراسيل هؤلاء ومرافيعهم ومقاطيعهم ومسانيدهم إلى من يسمونه من غير المعروفين ، معدودة عند الاصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ من الصِّحاح من غير اكتراث منهم لعدم صدق حدّ الصحيح على ما قد علمته ( من المتأخرين ) عليها » (2).
__________________
1 ـ لاحظ « منتقى الجمان » : 1 / 13 ، والتكملة للمحقق الكاظمي : 1 / 19 ـ 20.
2 ـ الرواشح السماوية : 41.
واختاره المحقّق البهبهاني على ما في تعليقته حيث قال : « المشهور ان المراد صحة ما رواه حيث تصحّ الرواية اليه ، فلا يلاحظ من بعده إلى المعصوم وإن كان فيه ضعيف » (1).
ولا يترتب على هذا الاحتمال ثمرة رجالية من توثيق هؤلاء أو توثيق مشايخهم إلى أن ينتهي السند إلى المعصوم ، كترتّبها على الاحتمال الثاني من المعنى الثاني على ما سيوافيك. وأقصى ما يترتب عليه. صحة الحديث وجواز العمل به.
وقد أورد عليه المحدِّث النوري ، بأن ذاك التفسير مبنيّ على تغاير الاصطلاحين في لفظ الصحيح ، وانه في مصطلحهم ، الخبر المؤيد بالقرائن الدالة على صدقه ، وفي مصطلح المتأخرين كون الراوي إمامياً عدلاً ضابطاً وهذا غير ثابت ، بل الصحيح عند القدماء هو نفسه عند المتأخرين ، عدا كون الراوي إمامياً ، فيكفي كونه ثقة بالمعنى الاعم ، وما ذكره شيخنا البهائي في فاتحة « مشرق الشمسين » أو المحقق صاحب المعالم في « منتقى الجمان » من ان المدار في توصيف الرواية بالصحة هو الوثوق بالصدور ولو من جهة القرائن ، غير ثابتة ، بل لنا أن نسألهما عن مأخذ هذه النسبة ، فإنّا لم نجد ما يدل على ذلك ، بل هي على خلاف ما نسباهما ومن تبعهما ، بل وجدناهم يطلقون الصحيح غالباً على رواية الثقة وان كان غير إمامي.
والحاصل ان الصحيح عند القدماء ، نفسه عند المتأخرين من كون الراوي ثقة ، ولو كان هناك فرق بين المصطلحين فانما هو في شرطيَّة المذهب ، فالمتأخرون على شرطيَّته ولزوم كون الراوي إمامياً في اتصاف الحديث بالصحة ، والقدماء على كفاية الوثاقة فقط.
أقول : الظاهر ان توصيف الخبر بالصحة لأجل القرائن الداخلية أو
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 762.
الخارجية أمر ثابت. أما القرينة الداخلية كوثاقة رواته ، فعليه المتأخرون كلهم ، واعترف به المحدث نفسه ، وأما القرائن الخارجية ، فقد أشار اليها المحقق ابو الهدى الكلباسي في تأليفه المنيف « سماء المقال » واليك القول فيه موجزاً :
1 ـ العنوان الذي ذكره الشيخ في كتاب « العدّة » عند البحث عن التعادل والتراجيح ، فانه يوضح المراد من الصحة وان المقصود منها ما يقابل الباطل ، لا ما رواه الثقات من الإمام حيث قال : « في ذكر القرائن التي تدل على صحة اخبار الاحاد أو على بطلانها ».
2 ـ القرائن التي تدل على صحة مضمون أخبار الاحاد وأنها أربعة.
منها : أن يكون موافقاً لأدلة العقل وما اقتضاه.
ومنها : أن يكون الخبر مطابقاً لنصّ الكتاب.
ومنها : أن يكون الخبر موافقاً للسنَّة المقطوع بها من جهة التواتر.
ومنها : أن يكون موافقاً لما أجمعت عليه الفرقة المحقّة.
ثم قال : فهذه القرائن كلها تدل على صحة متضمن أخبار الاحاد ، ولا تدلّ على صحتها انفسها ، لإمكان كونها مصنوعة وان وافقت الأدلة ، فمتى تجرَّد الخبر من واحد من هذه القرائن كان خبر واحد محضاً (1).
وهذا نصّ من الشيخ على أن الخبر في ظلّ هذه القرائن يوصف بالصحة من حيث المضمون ، كما يتّصف بها ببعض القرائن الاُخر من حيث الصدور ، فالقرائن تارة تدعم المضمون واُخرى الصدور ، وعلى كل تقدير يتّصف بالصحَّة (2).
__________________
1 ـ عدة الاصول : الطبعة المحققة المحشاة بحاشية الشيخ خليل بن الغازي القزويني : 1 / 267.
2 ـ والعجب ان العلامة المحقق الكلباسي لم يستشهد بهذا النص الوارد في كلام الشيخ.
3 ـ وكذلك القول فيما يرويه المضعَّفون ، فان كان هنا ما يعضد روايتهم ويدلّ على صحّتها ، وجب العمل بها ، وان لم يكن ما يشهد لروايتهم بالصحة وجب التوقف في أخبارهم (1).
إلى غير ذلك من العبائر الموجودة في « العدّة » ، الحاكية عن كون الصحيح عبارة عمّا دلت القرائن على صدق مضمونه أو صدوره ، لا خصوص ما روته الثقات.
ثمَّ إن المحدث النوري أورد اشكالاً آخر وقال : « إن العلم باقتران أحاديث هؤلاء بالقرائن مع كثرتها أمر محال عادة ، فكيف يحصل العلم بها؟ ».
هذا وسنبيّن ما يمكن الاجابة به عليه عند التعرّض للاحتمال الثالث الذي هو مختار المحدث النوري نفسه.
الاحتمال الثاني والثالث : الحكم بصحة رواياتهم استناداً إلى وثاقتهم ووثاقة مشايخهم (2).
إن هذين الاحتمالين كما مرَّ يتشعبان من المعنى الثاني وهو القول بأن المراد من الموصول « ما يصحّ » هو نفس الحديث ومتنه لكن الحكم بصحَّة الحديث ليس لاقترانه بالقرائن الخارجية الدالة على صدق نفس الحديث ، بل لوثاقة هذه الجماعة ومن بعدهم إلى أن ينتهي إلى المعصوم.
وهذا الاحتمال يفترق عن المعنى الأول ، لأنه يهدف إلى تصديقهم بالدلالة المطابقية ، وإلى وثاقتهم بالدلالة الالتزامية ، كما يفترق عن الاحتمال الأول للمعنى الثاني لأنه يهدف إلى صحّة أحاديثهم ( وإن اشتمل السند على
__________________
1 ـ العدة : 1 / 383.
2 ـ وفي هذا المقام بحثنا عن الاحتمالين الثاني والثالث من المعنى الثاني بصفقة واحدة كما مرّ.
ضعف من بعدهم ) لأجل القرائن ولا تترتب عليهما ثمرة رجالية حتى على المعنى الأول لأن وثاقة هؤلاء التي دلت العبارة عليها بالدلالة الالتزامية ، ثابتة من غير طريق اتفاق العصابة ، وأما على هذا الاحتمال ( الاحتمال الثاني للمعنى الثاني ) فيترتب على ثبوته ثمرة رجالية وهو التعديل الخاص لمشايخ هؤلاء ، إلى أن ينتهي إلى الإمام ، فتدخل في عداد الثقات مجموعة كبيرة من المجاهيل والضعاف ، فان الستة الأولى وان كانوا يروون عن الصادقين 8 بلا واسطة غالباً ، لكنهم يروون عن غيرهما معها بكثير أيضاً ، كما ان الطبقتين ترويان عنهما مع الواسطة بكثير ، فلاحظ طبقات المشايخ تجد لهم مشايخ كثيرة.
وهذا الاحتمال هو مختار المحدث النوري الذي بسط الكلام في تقريره وتوضيحه ، بعد تسليم ان المراد من الموصول هو الحديث والمروي لا الحكاية والرواية ، وان الصحة وصف لمتن الحديث لا لسنده.
واستدل على مختاره بوجوه ثلاثة :
الوجه الأول : ان احراز صحة الأحاديث عن طريق القرائن الخارجية ، أمر محال عادة ، فلا بدّ ان يستند ذلك الاحراز إلى القرائن الداخلية ، وليست هي إلا وثاقة هؤلاء ووثاقة من يروون عنه ، هذاخلاصته واليك تفصيله :
ان القرائن التي تشهد على صدق الخبر اما داخلية كوثاقة الرواة ، واما خارجية كوجود الخبر في كتاب عرض على الإمام ، أو أصل معتبر ولكن التصحيح في المقام يجب ان يكون مستنداً إلى الجهة الأولى لا الثانية ، لأن العلم بوثاقة هؤلاء وانهم لا يروون إلا عن ثقة أمر سهل ، واما الحكم بصحة رواياتهم من جهة القرائن الخارجية فامر قريب من المحال حسب العادة لأن العصابة حكموا بصحة كل ما صح عن هؤلاء ، من غير تخصيص بكتاب أو اصل أو احاديث معينة ، وبالجملة حكموا بتصحيح الكل ، وما صح عنهم غير
محصور لعدم انحصار رواياتهم بما في كتبهم ، والعلم باقتران هذه الروايات بها أمر مشكل جدّاً.
والحاصل أن الحكم بصحة روايات هؤلاء ، لو كان مستنداً إلى القرائن الداخلية كوثاقة من يروون عنه ، لكان لهذه الدعوى الكلية وجه ، لامكان احراز ديدنهم على أنهم لا يروون إلا عن ثقة ، كما هو المشهور في حق ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي ، وأما لو كان الحكم بالصحة مستنداً إلى القرائن الخارجية التي تفيد الاطمئنان بصدق الخبر ، فاحراز تلك القرائن في عامة ما يروونه من الاخبار ، إنما يصحّ إذا كانت أحاديثهم محصورة في كتاب أو عند راو سمعها منهم ، يمكن معه الاطلاع على الاقتران بالقرائن أو عدمه ، وأما إذا لم يكن كذلك ، فالحكم بصحة كل ما صح عن هؤلاء من غير تخصيص بكتاب أو اصل أو احاديث معيَّنة ، يعدّ من المحالات العادية ، ولأجله يكون ذلك الاحتمال ساقطاً عن الاعتبار.
وبعبارة ثالثة ؛ إنه يمكن احراز ديدن جماعة خاصة والتزامهم بعدم الرواية إلا عن ثقة ، فاذا صحَّ الخبر إلى هؤلاء ، يمكن الحكم بالصحة لوثاقة من يروون عنه ، لاجل الالتزام المحرز ، وأما احراز كون عامة اخبارهم مقرونة بالقرائن حتى يصحّ الحكم بصحة أخبارهم من هذه الجهة ، فاحراز تلك القرائن مع كثرة رواياتهم ، وتشّتتها في مختلف الابواب والكتب ، محال عادة.
ولا يخفى ما فيه ، أما أولاً : فلأن معناه أن هؤلاء كانوا ملتزمين بنقل الروايات التي روتها الثقات لهم ، وكانوا يحترزون عن نقل الروايات إذا روتها الضعاف ، وعلى هذا يجب أن يتحرزوا عن نقل الروايات المتواترة أو المستفيضة إذا كان رواتها ضعافاً ، وهذا مّما لا يمكن المساعدة معه ، إذ لا وجه لترك الرواية المتواترة أو المستفيضة وان كان رواتها ضعافاً أو مجاهيل ، إذ لا تشترط الوثاقة فيهما ، فبطل القول بأنهم كانوا ملتزمين بنقل الروايات التي ترويها الثقات فقط ، وعندئذ كيف يمكن الحكم بوثاقة عامة مشايخهم بمجرد
الرواية عنهم ، من أنهم رووا عن الضعاف فيما إذا كانت الرواية متواترة أو مستفيضة ، ولا يمكن تفكيك المتواتر والمستفيض في أيامنا هذه حتى يقال : أن الكلام في أخبار الآحاد التي نقلوها لا غير ، فان الكلّ غالباً يتجلى بشكل واحد.
وثانياً : كما إن حصر وجه الصحة بالقرائن الخارجية بعيد ، كذلك حصر وجهها بالقرائن الداخلية التي منها وثاقة الراوي بعيد مثله ، والقول المتوسط هو الأدق ، وهو أنهم كانوا ملتزمين بنقل الروايات الصحيحة الثابت صدورها عن الإمام ، إما من جهة القرائن الخارجية أو من جهة القرائن الداخلية ، وعندئذ لا يمكن الحكم بوثاقة مشايخهم ، أعني الذين رووا عنهم إلى أن ينتهي إلى الإمام ، لعدم التزامهم بخصوص وثاقة الراوي ، بل كانوا يستندون إلى الأعمّ منها ومن القرائن المورثة للاطمئنان بالصدور.
والاستبعاد الذي بسط المحدث النوري الكلام فيه ، إنما يتّجه لو قلنا باقتصارهم بما دلَّت القرائن الخارجية على صحتها كما لا يخفى.
وثالثاً : لو كان المراد هو توثيقهم وتوثيق من بعدهم لكان عليه أن يقول ، « أجمعت العصابة على وثاقة من نقل عنه واحد من هؤلاء » أو نحو ذلك من العبارات حتى لا يشتبه المراد ، وما الدّاعي إلى ذكر تلك العبارة التي هي ظاهرة في خلاف المقصود (1).
ورابعاً : فان اطلاع العصابة على جميع الافراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة ومعها بعيد في الغاية لعدم تدوين كتب الحديث والرجال في تلك الاعصار بنحو يصل الكلّ إلى الكلّ.
الوجه الثاني : إنَّ الشيخ قال في « العدّة » : « وإذا كان أحد الراويين مسنداً والآخر مرسلا ، نظر في حال المرسل ، فان كان ممِّن يعلم أنه لا يرسل
__________________
1 ـ الطهارة لسيدنا الاستاذ : 1 / 188.
إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمَّد بن أبي عمير (1) وصفوان بن يحيى (2) وأحمد بن محمد بن ابي نصر (3) وغيرهم من الثّقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم » (4).
قال المحدِّث النوري بعد نقل هذا الكلام : « إن المنصف المتأمل في هذا الكلام ، لا يرتاب في أن المراد من قوله « من الثِّقات الذين ... الخ » أصحاب الاجماع المعهودون ، إذ ليس في جميع ثقات الرواة جماعة معروفون بصفة خاصة مشتركون فيها ، ممتازون بها عن غيرهم ، غير هؤلاء ، فان صريح كلامه أن فيهم جماعة معروفين عند الاصحاب بهذه الفضيلة ، ولا تجد في كتب هذا الفنّ من طبقة الثقات عصابة مشتركين في فضيلة غير هؤلاء ، ومنه يظهر أن ما اشتهر من أن الشيخ ادّعى الاجماع على أن ابن ابي عمير وصفوان والبزنطي خاصة لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، وشاع في الكتب حتى صار من مناقب الثلاثة وعُدّ من فضائلهم ، خطأ محض منشأه عدم المراجعة إلى « العدّة » الصريحة في أن هذا من فضائل جماعة ، وذكر الثلاثة من باب المثال ».
أقول : إن الاستدلال بعبارة « العدّة » على أن المراد من عبارة الكشّي هو توثيق رجال السند بعد اصحاب الاجماع غير تامّ. إذ الظاهر أن مراد الشيخ من
__________________
1 ـ محمد بن ابي عمير زياد بن عيسى ابو أحمد الازدي ، بغدادي الاصل والمقام ، لقي أبا الحسن موسى بن جعفر 8 وسمع منه احاديث ، وروى عن الرضا 7 توفّي عام 217 هـ.
2 ـ صفوان بن يحيى ، كوفي ثقة ثقة عين روى عن الرضا 7 وقد توكل للرضا وابي جعفر 8 ، مات سنة 210 هـ.
3 ـ أحمد بن محمد بن عمرو بن ابي نصر لقي الرضا وابا جعفر 8 ، مات سنة 221 هـ.
4 ـ العدة ، الطبعة الحديثة : 386.
قوله « وغيرهم » هو الجماعة المعروفة بين الاصحاب بأنهم لا يروون إلا عن ثقة وهم عبارة عن : 1 ـ أحمد بن محمد بن عيسى. 2 ـ جعفر بن بشير البجلي. 3 ـ محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني. 4 ـ علي بن الحسن الطاطري. 5 ـ بنو فضّال كلهم ( على قول ) وسيوافيك الكلام عن هؤلاء ، ولا نظر لها إلى الفقهاء المعروفين من أصحاب الائمة الاربعة ، وقد عرفت أن كلام الكشي خال عن هذا العنوان وأنه عرفهم بعنوان : « تسمية الفقهاء من أصحاب الائمة » في مواضع ثلاثة ، وإنما اُفيض عليهم هذا العنوان في كلمات المتأخرين وجعل موضوعاً للبحث ، وأما تخصيص الكشي هؤلاء الجماعة بالبحث ، فلأجل فقاهتهم وتبحّرهم في الفقه ، لما مرَّ أن اكثر الروايات تنتهي اليهم ، وأما عدم ذكره أبا حمزة الثمالي ، وعليّ بن يقطين ، وزكريا بن آدم ، وعلي بن مهزيار فلقلّة رواية الثلاثة الأول ـ مع جلالتهم ـ بالنسبة إلى أصحاب الاجماع.
فظهر من هذا البحث أيضاً أن الحق هو المعنى الأول ، وأن المراد هو تصديقهم فيما يروون بلا واسطة ، وتصديق حكاياتهم ونقولهم فيما يروون ، فهم فقهاء وعلماء مصدَّقون في نقولهم ، وأن لفظ « التصحيح » مرادف للفظ « التصديق » سواء اجتمعا كما في الطبقتين الثانية والثالثة ، أم افترقا كما في الطبقة الأُولى.
وإن أبيت إلا عن تغايرهما وأن « التصحيح » يفيد غير ما يفيده « التصديق » ، فالاحتمال الأول من المعنى الثاني ، من تصحيح رواياتهم وحجّيتها هو المتعين ، والمراد أن العصابة في ظل التفحّص والتتبّع وقفت على ان رواياتهم صحيحة إما لوثاقة رجال السند بعد أصحاب الاجماع ، أو لقرائن خارجية كما مرت ، وأما كون صحتها لخصوص وثاقة رجال السند إلى أن ينتهي إلى الإمام ـ كما هو المقصود في الاحتمال الثاني والثالث للمعنى الثاني ـ فلا ، وعلى هذا فليست العبارة مفيدة لقاعدة رجالية ، هي أن مشايخ هؤلاء إلى الإمام ثقات.
وبعبارة اخرى ؛ لا يستفاد منها انهم لا يروون إلا عن ثقة حتى ينتهي السند إلى الإمام. وعلى ذلك فلا يكون رواية اصحاب الاجماع عن شيخ دليلاً على وثاقتة ، فاذا وقع ذلك الشيخ في سند ، وكان الراوي عنه غيرهم لا يحكم بوثاقته ، وصحة السند ، فما اشتهر بين المتأخّرين من تصحيح الاسناد إذا كان الراوي مهملاً بحجة انه من مشايخ اصحاب الاجماع مما لا دليل عليه.
تفصيل من العلامة الشفتي (1) : قد عرفت أن الكشي ذكر اتفاق العصابة على هؤلاء في مواطن ثلاثة ، وعرفت المحتملات المختلفة حول عبارته المردّدة بين كون المراد : 1 ـ تصديق هؤلاء فيما ينقلون. 2 ـ أو تصحيح صدور رواياتهم من المعصوم لأجل القرائن الداخلية أو الخارجية. 3 ـ أو توثيق مشايخهم إلى أن ينتهي السند ، وعلى كل تقدير المراد من العبارة في المواضع الثلاثة واحد.
لكن يظهر من المحقّق الشفتي ، التفصيل بين العبارة الأُولى والثانية والثالثة ، بأن المراد من الأُولى هو تصحيح الحديث ومن الأخيرتين توثيقهم وتوثيق مشايخهم إلى آخر السند ، ولاجل ذلك اكتفي في أُولى العبارات بذكر التصديق من دون اضافة قول « تصحيح ما يصحّ » ، دون الاخيرتين. وانما فعل ذلك لأن الطبقة الأُولى يروون من الإمام بلا واسطة ، وهذا بخلاف الواقعين في الثانية والثالثة ، فهم يروون بلا واسطة ومعها.
وقال في هذا الصدد : « إن نشر الاحاديث لما كان في زمن الصَّادقين 8 ، وكانت روايات الطبقة الأُولى من اصحابهما غالباً عنهما من غير واسطة ، فيكفي للحكم بصحة الحديث تصديقهم ، واما المذكورون في الطبقة الثانية والثالثة ، فقد كانوا من أصحاب الصادق والكاظم والرضا : ، وكانت رواية الطبقة الثانية عن مولانا الباقر 7 مع
__________________
1 ـ البحث عن هذا التفصيل ، كلام معترض واقع بين الوجه الثاني والوجه الثالث للمحدث النوري ، وسيوافيك ثالث الوجوه من أدلّته بعد هذا التفصيل.
الواسطة ، وكانت الطبقة الثالثة كذلك بالنسبة إلى الصادق 7 ، ولم يكن الحكم بتصديقهم كافياً في الحكم بالصحة فما اكتفي بالتصديق وأضاف : « اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم » ولما روى كل من في الطبقة الثانية ، عن الصادق 7 ، والطبقة الثالثة عن الكاظم والرضا 8 ، أتى بتصديقهم أيضاً.
والحاصل ؛ ان التصديق فيما إذا كانت الرواية عن الائمة : من غير واسطة والتصحيح إذا كانت معها » (1).
ولا يخفى أنه تفسير ذوقي لا يعتمد على دليل ، بل الدليل على خلافه ، ففيه :
أوّلاً : ان ما ذكره من أن رواية الطبقة الأُولى كانت عن الإمام بلا واسطة غالباً ، غير تام ، يعرف بعد الوقوف على مشايخهم في الحديث من أصحاب الائمة المتقدمين كالسجاد ومن قبله :
وهذا زرارة يروي عن ما يقرب من أربعة عشر شيخاً وهم :
1 ـ ابو الخطاب 2 ـ بكر 3 ـ الحسن البزاز 4 ـ الحسن بن السري 5 ـ حمران بن أعين 6 ـ سالم بن ابي حفصة 7 ـ عبد الكريم بن عتبة الهاشمي 8 ـ عبدالله بن عجلان 9 ـ عبد الملك 10 ـ عبد الواحد بن المختار الانصاري 11 ـ عمر بن حنظلة 12 ـ الفضيل 13 ـ محمد بن مسلم 14 ـ اليسع (2).
وهذا محمد بن مسلم يروي عن ستّة مشايخ وهم :
1 ـ أبوحمزة الثمالي 2 ـ ابوالصباح 3 ـ حمدان 4 ـ زرارة 5 ـ كامل 6 ـ
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 769 ـ بتصرّف يسير.
2 ـ معجم رجال الحديث : 7 / 218 ـ 260 ، الرقم 4663.
محمد بن مسعود الطائي (1).
وبريد بن معاوية يروي عن شيخ واحد وهو مالك بن اعين (2).
وهذا الفضيل بن يسار يروي عن شيخين وهما : 1 ـ زكريا النقاض 2 ـ عبد الواحد بن المختار الانصاري (3).
وهذا معروف بن خرّبوذ يروي عن شيخين وهما : 1 ـ أبو الطفيل 2 ـ الحكم بن المستور (4).
وهذا ابو بصير الاسدي ( يحيى بن القاسم أو ابي القاسم ) يروي عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم (5).
ومع ذلك كيف يمكن أن يقال إن مروياتهم عن الائمة بلا واسطة غالباً.
وثانياً : لو كان المراد ما ذكره لوجب عليه التصريح بذلك ، فان ما ذكره ليس أمراً ظاهراً متبادراً من العبارة ، والظاهر في الجميع تصديقهم فيما يقولون ويحكون.
الوجه الثالث : إن جماعة من الرواة وصفوا في كتب الرجال بصحة الحديث ، كما نجده في حق الافراد التالية :
1 ـ إبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي ، روى عن أبي عبدالله وأبي
__________________
1 ـ معجم رجال الحديث : 17 / 262 ـ 286 ، الرقم 11780 و 11783.
2 ـ معجم رجال الحديث : 3 / 277 و 278 و 280 ، و 287 ، الرقم 1166 و 1174.
3 ـ معجم رجال الحديث : 13 / 362 ـ 368 ، الرقم 9437.
4 ـ معجم رجال الحديث : 18 / 231.
5 ـ معجم رجال الحديث : 18 / 262 ـ 265 ، الرقم 12483 ـ وجامع الرواة : ج 2 ، باب حدود الزنا ، وأيضاً في معجم رجال الحديث : 13 / 166 ـ 167 في ترجمة عمران بن ميثم : روى محمد بن يعقوب بسنده عن ابي بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم.
الحسن 8 ، ثقة ، صحيح الحديث.
2 ـ ابو عبدالله أحمد بن الحسن بن اسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار الكوفي ، ثقة ، صحيح الحديث.
3 ـ ابو حمزة انس بن عياض الليثي ، ثقة ، صحيح الحديث.
4 ـ ابو سعيد جعفر بن أحمد بن ايوب السمرقندي ، صحيح الحديث.
5 ـ الحسن بن علي بن بقاح الكوفي ، ثقة مشهور ، صحيح الحديث.
6 ـ الحسن بن علي بن النعمان الأعلم ، ثقة ، ثبت ، له كتاب نوادر ، صحيح الحديث.
7 ـ سعد بن طريف ، صحيح الحديث.
8 ـ ابو سهل صدقة بن بندار القمّي ، ثقة ، صحيح الحديث.
9 ـ ابو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح ، روى عن الرضا 7 ، ثقة ، صحيح الحديث.
10 ـ ابو الحسن علي إبراهيم بن محمد الجواني ثقة ، صحيح الحديث.
11 ـ النضر بن سويد الكوفي ، ثقة ، صحيح الحديث.
12 ـ يحيى بن عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي ثقة ثقة ، صحيح الحديث.
13 ـ ابو الحسين محمد بن جعفر الاسدي الرازي ، كان ثقة ، صحيح الحديث.
هؤلاء الجماعة عرّفوا في كتب الرجال بصحة الحديث ، ولا يمكن الحكم بصحة حديث راو على الاطلاق ، إلا من جهة وثاقته ووثاقة من بعده إلى
المعصوم ، واحتمال كونه من جهة القرائن فاسد كما مرّ ، ولا فرق بينهم وبين اصحاب الاجماع إلا من جهة الاجماع في هؤلاء دونهم ، وهم جماعة أيضاً كما عرفت (1).
أقول : أما دلالة لفظة « صحيح الحديث » على وثاقة نفس هؤلاء فممّا لا يخفى على أحد ، وقد عدَّه الشهيد الثاني من الالفاظ الدالة على الوثاقة. قال في بداية الدراية وشرحها : « قوله : وهو صحيح الحديث ، يقتضي كونه ثقة ضابطاً ففيه زيادة تزكية ». أضف اليه انه غير محتاج اليه ، لوجود لفظ « ثقة » في ترجمة هؤلاء إلا في مورد السمرقندي وابن طريف. انما الكلام في دلالته على وثاقة مشايخهم سواء كانت بلا واسطة أو معها. فقد اختار المحدث النوري دلالتها على وثاقة المشايخ عامة.
ولكن إنما يتمّ ما استظهره من قولهم « صحيح الحديث » إذا لم تكن قرينة على كون المراد صحّة أحاديث كتبه ، لا وثاقة مشايخه ، كما ورد في حق الحسين بن عبيدالله السعدي « له كتب صحيحة الحديث » فلا بدّ من الحمل على الموجود في الكتاب ، ومثله إذا قال : « كان ثقة في الحديث إلا انه يروي عن الضعفاء » كما ورد في حقّ ابي الحسين الاسدي (2).
ولا يخفى انه لو ثبت ما يدَّعيه ذلك المحدث ، لزم تعديل كثير من المهملين والمجهولين ، فتبلغ عدد المعدَّلين بهذه الطريقة إلى مبلغ كبير والاعتماد على ذلك مشكل جدّاً.
أما أولاً : فلأن صحة الحديث كما تحرز عن طريق وثاقة الراوي ، تحرز عن طريق القرائن الخارجية ، فالقول بأن احراز صحة احاديث هؤلاء كانت مستندة إلى وثاقة مشايخهم فقط ، ليس له وجه ، كالقول بأن احرازها كان
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 1 / 769 بتصرّف يسير.
2 ـ لاحظ مستدرك الوسائل : 3 / 770.
مستنداً إلى القرائن ، بل الحق ان الاحراز كان مستنداً إلى الوثاقة تارة وإلى القرائن أخرى ، ومع هذا العلم الاجمالي كيف يمكن احراز وثاقة المشايخ. بصحة الاحاديث مع أنها أعم منها.
وثانياً : إن اقصى ما يمكن ان يقال ما افاده بعض الاجلة من التفصيل بين الاكثار عن شيخ وعدمه ، فاذا كثر نقل الثقة عن رجل ، ووصف احاديث ذلك الثقة بالصحة ، يستكشف كون الاحراز مستنداً إلى وثاقة الشيخ ، إذ من البعيد احراز القرينة في واحد واحد من المجموعة الكبيرة من الاحاديث ، وهذا بخلاف ما إذا قلّ النقل عنه ووصف احاديثه بالصحة ، فمن الممكن جدّاً احراز القرينة في العدد القليل من الاحاديث.
هذا كله لو قلنا بأن الصحة من اوصاف المتن والمضمون ، وإلا فمن الممكن القول بانها من أوصاف نفس النقل والتحدث والحكاية ، وان المقصود منها كونه صدوقاً في النقل وصادقاً في الحكاية في كل ما يحكيه ، كما ذكرناه في أصحاب الاجماع فلاحظ.
ثم ان الذي يدفع الاحتمال الثاني للمعنى الثاني رواية اصحاب الاجماع عن الضعفاء والمطعونين ، ومعها كيف يمكن القول بأنهم لا يروون إلا عن الثقة واليك بعض ما يدل على المقصود.
1 ـ روى الكليني في « باب من أوصى وعليه دين » وكذا في « باب اقرار بعض الورثة بدين في كتاب الميراث » عن جميل بن دراج ، عن زكريا بن يحيى الشعيري ، عن الحكم بن عتيبة (1) وقد ورد عدّة روايات في ذمّه (2).
2 ـ حكى الشيخ في الفهرست أن يونس بن عبد الرحمن روى كتاب
__________________
1 ـ جامع الرواة : 1 / 266.
2 ـ لاحظ رجال الكشي : 137.
« عمرو بن جميع الازدي البصري قاضي الري » (1) وقد ضعفه الشيخ والنجاشي (2).
وسيوافيك بعض القول في ذلك عند الكلام في أن ابن ابي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، فانتظر.
__________________
1 ـ الفهرست للشيخ : 111.
2 ـ رجال الشيخ : 249 ، رجال النجاشي : 205.
2 ـ مشايخ الثقات
* محمد بن أبي عمير.
* صفوان بن يحيى.
* أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.
قد عرفت التوثيق ينقسم إلى توثيق خاص ، وتوثيق عام. فلو كان التوثيق راجعاً إلى شخص معين ، فهو توثيق خاص ، ولو كان راجعاً إلى توثيق عدة تحت ضابطة فهو توثيق عام / وقد عد من الثاني ما ذكر الكشي حول جماعة اشتهرت بأصحاب الإجماع ، وقد عرفت مدى صحته وأن العبارة لا تهدف إلا إلى وثاقتهم ، لا إلى صحة أخبارهم ، ولا إلى وثاقة مشايخهم.
ومن هذا القبيل ما اشتهر بين الاصحاب من ان محمد بن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، فيترتب على ذلك أمران :
1 ـ ان كلّ من روى عنه هؤلاء فهو محكوم بالوثاقة ، وهذهِ نتيجة رجاليّة تترتب على هذهِ القاعدة.
2 ـ إنّه يؤخذ بمراسيلهم كما يؤخذ بمسانيدهم وان كانت الواسطة مجهولة ، أو مهملة ، أو محذوفة ، وهذه نتيجة اصولية تترتب عليها ، وهي غير النتيجة الأُولى.
ثم ان جمعاً من المحقّقين القدامى والمعاصرين ، قد طرحوا هذه القاعدة على بساط البحث فكشفوا عن حقائق قيمة. لاحظ مستدرك الوسائل ( ج 3 ،
ص 648 ـ 655 ) ومعجم رجال الحديث ( ج 1 ، ص 63 ـ 69 ) ومشايخ الثقات ( هو كتاب قيم اُلف حول القاعدة وطبع في 306 صفحات والكتاب كله حول القاعدة وفروعها ) ومعجم الثقات ( ص 153 ـ 197 ).
وفيما أفاده بعض الاجلة في دروسه الشريفة غنى وكفاية فشكر الله مساعيهم الجميلة. ونحن في هذا نستضيء من أنوار علومهم. رحم الله الماضين من علمائنا وحفظ الباقين منهم.
فنقول : الأصل في ذلك ما ذكره الشيخ في « العدة » حيث قال : « وإذا كان أحد الراويين مسنداً والاخر مرسلاً ، نظر في حال المرسل ، فان كان ممن يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ، بين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم ، فأما إذا لم يكن كذلك ويكون ممن يرسل عن ثقة وعن غير ثقة فأنه يقدم خبر غيره عليه ، وإذا انفرد وجب التوقف في خبره إلى أن يدل دليل على وجوب العمل به » (1). غير ان تحقيق الحال يتوقف على البحث عن هذه الشخصيات الثلاث واحداً بعد واحد واليك البيان.
1 ـ ابن أبي عمير ( المتوفّى عام 217 هـ )
قد يعبر عنه بابن عمير تارة ، وبمحمد بن زياد البزاز أو الأزدي اخرى ، وبمحمد بن أبي عمير ثالثة.
وقد عرفت انه يترتب على تلك الدعوى نتيجتان مهمتان ، فلاجل ذلك
__________________
1 ـ عدة الأُصول : 1 / 386 من الطبعة الحديثة.
نقدم لتحقيقها اموراً :
الأول : ان ابن أبي عمير كما قال النجاشي : « هو محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى ، أبو أحمد الأزدي من موالي المهلب بن أبي صفرة ، بغدادي الاصل والمقام ، لقي أبا الحسن موسى 7 وسمع منه أحاديث ، كناه في بعضها فقال : يا أبا أحمد ، وروي عن الرضا 7 ، جليل القدر ، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين ، الجاحظ يكحي عنه في كتبه. وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية ، وقال في « البيان والتبيين » : حدثني إبراهيم بن داحة عن ابن أبي عمير ، وكان وجهاً من وجوه الرافضة ، وكان حبس في أيام الرشيد فقيل ليلي القضاء وقيل انه ولي بعد ذلك ، وقيل بل ليدل على مواضع الشيعة ، وأصحاب موسى بن جعفر 7 ، وروي انه ضرب أسواطاً بلغت منه إلى حد كاد ان يقر لعظيم الالم. فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول : اتق الله يا محمد بن أبي عمير ، فصبر ، ففرج الله عنه ، وروي أنه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد ، وقيل : ان اخته دفنت كتبه في حال استتاره وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكتب ، وقيل : بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدث من حفظه ، ومما كان سلف له في أيدي الناس ، ولهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله وقد صنف كتباً كثيرة. ثمَّ نقل النجاشي عن أحمد بن محمّد بن خالد أنّ ابن أبي عمير صنّف أربعة وتسعين كتاباً منها المغازي ـ إلى ان قال : مات سنة سبع عشرة ومائتين » (1).
وقال الشيخ في الفهرست : « كان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة وأنسكهم نسكاً ، وأورعهم وأعبدهم ، وقد ذكره الجاحظ في كتابه « فخر قحطان على عدنان » ... انه كان أوحد أهل زمانه في الأشياء كلها وأدرك من
__________________
1 ـ رجال النجاشي : 326 ، رقم الترجمة 887.
الأئمة ثلاثة : أبا إبراهيم موسى 7 ولم يرو عنه. وأدرك الرضا 7 وروى عنه. والجواد 7. وروى عنه أحمد بن محمد بن عيسى كتب مائة رجل من رجال الصادق 7 » (1).
الثاني : ان شهادة الشيخ على التسوية ، لا تقصر عن شهادة الكشي على إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة ، فلو كانت الشهادة الثانية مأخوذاً بها ، فالأُولى مثلها في الحجية.
وليس التزام هؤلاء بالنقل عن الثقات أمراً غريباً ، إذ لهم نظراء بين الأصحاب ـ وسيوافيك بيانهم ـ أمثال : أحمد بن محمد بن عيسى القمي ، وجعفر بن بشير البجلي ، ومحمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني ، وعلي بن الحسن الطاطري ، والرجالي المعروف : النجاشي ، الذين اشتهروا بعدم النقل إلا عن الثقة.
واما اطلاع الشيخ على هذه التسوية ، فلأنه كان رجلاً بصيراً بأحوال الرواة وحالات المشايخ. ويعرب عن ذلك ما ذكره في العدة عند البحث عن حجية خبر الواحد حيث قال :
« انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذة الاخبار ، فوثقت الثقات منهم ، وضعفت الضعفاء ، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يعتمد على خبره ومدحوا الممدوح منهم ، وذموا المذموم. وقالوا وفلان متهم في حديثه ، وفلان كذاب ، وفلان مخلط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، فلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها » (2).
وهذه العبارة ونظائرها ، تعرب عن تبحر الشيخ في معرفة الرواة وسعة
__________________
1 ـ الفهرست : 168 ، رقم الترجمة 618.
2 ـ عدة الاصول : 1 / 366 ، من الطبعة الحديثة.
اطلاعه في ذلك المضمار ، فلا غرو في ان يتفرد بمثل هذه التسوية ، وان لم ينقلها أحد من معاصريه ، ولا المتأخرون عنه إلى القرن السابع إلا النجاشي ، فقد صرح بما ذكره في خصوص ابن أبي عمير من الرجال الثلاثة ، كما عرفت.
وعلى هذا فقد اطلع الشيخ على نظرية مجموعة كبيرة من علماء الطائفة وفقهائهم في مورد هؤلاء الثلاثة وانهم كانوا يسوُّون بين مسانيدهم ومراسيلهم ، وهذا يكفي في الحجية ، ومفادها توثيق جميع مشايخ هؤلاء ، قد عرفت انه لا يحتاج في التزكية إلى ازيد من واحد أو اثنين ، فالشيخ يحكي اطلاعه عن عدد كبير من العلماء ، يزكون عامة مشايخ ابن أبي عمير ، ولاجل ذلك يسوّون بين مراسيله ومسانيده.
والسابر في فهرست الشيخ ورجاله يذعن باحاطته بالفهارس وكتب الرجال ، وأحوال الرواة ، وانه كانت تحضره مجموعة كبيرة من كتب الرجال والفهارس وكان في نقضه وابرامه وتعديله وجرحه ، يصدر عن الكتب التي كانت تحضره ، أو الآراء والنظريات التي كان يسمعها من مشايخه واساتذته.
نعم نجد التصريح بالتسوية من علماء القرن السابع إلى هذه الاعصار فقد اتى المحدث المتتبع النوري باسماء وتصريحات عدة من هذه الثلة ممن صرحوا بالقاعدة ، ونحن نأتي بما نقله ذلك المتتبع ، بتصريف يسير ، مع تعيين مصادر النقل بقدر الامكان.
1 ـ قال السيد علي بن طاووس ( المتوفّى عام 664 هـ ، في فلاح السائل بعد نقل حديث عن امالي الصدوق ، بسند ينتهي إلى محمد بن أبي عمير ، عمن سمع أبا عبد الله 7 يقول : ما احب الله من عصاه ... ) : « رواة الحديث ثقات بالاتفاق ومراسيل محمد بن ابي عمير كالمسانيد عند اهل الوفاق » ويأتي خلاف ذلك من اخيه ، جمال الدين السيد أحمد بن طاووس
( المتوفّى عام 673 هـ ) فانتظر.
2 ـ قال المحقق في المعتبر في بحث الكر : « الثالثة : رواية محمد بن ابي عمير عن بعض اصحابنا ، عن ابي عبد الله 7 قال : الكر ألف ومائتا رطل ، وعلى هذه عمل الأصحاب ولا طعن في هذه بطريق الإرسال ، لعمل الأصحاب بمراسيل ابن أبي عمير»(1).
3 ـ وقال الفاضل الآبي في كشف الرموز الذي هو شرح للمختصر النافع في رواية مرسلة لابن أبي عمير : « وهذه وان كانت مرسلة ، لكن الأصحاب تعمل بمراسيل ابن ابي عمير ، قالوا : لانه لا ينقل إلا معتمداً » (2).
وممن صرح بصحة القاعدة من علماء القرن الثامن :
4 ـ العلاّمة في النهاية قال : « الوجه المنع إلا إذا عرف ان الراوي فيه لا يرسل إلا عن عدل كمراسيل محمد بن ابي عمير في الرواية ».
5 ـ وعميد الدين الحلي ابن اخت العلامة الحلي وتلميذه ( المتوفّى عام 754 هـ ) في كتابه « منية اللبيب في شرح التهذيب » المطبوع في بلاد الهند.
قال في بحث المرسل : « واختيار المصنف المنع من كونه حجة ما لم يعلم انه لا يرسل إلا عن عدل كمراسيل محمد بن أبي عمير من الامامية ».
6 ـ وقال الشهيد ( المتوفّى 786 هـ ) في الذكرى في احكام اقسام الخبر : « أو كان مرسله معلوم التحرز عن الرواية عن مجروح ، ولهذا قبلت الأصحاب
__________________
1 ـ المعتبر : 1 / 74 ، الطبعة الحديثة.
2 ـ والفاضل الآبي هو حسن بن ابي طالب المعروف بالآبي تارة ، وابن الزينب أُخرى من اجلاء تلاميذ المحقق ، وقد فرغ من شرح كتاب استاذه ( المختصر النافع ) عام 672 هـ ، وله آراء خاصة في الفقه ، منها :
الف ـ انه لا تجوز الزيادة في النكاح على الاربع دائماً كان العقد أو انقطاعاً.
ب ـ القول بالمضائقة في القضاء.
ج ـ انه لا يصح الاداء مع وجود القضاء في الذمة.
مراسيل ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن ابي نصر البزنطي لانهم لا يرسلون إلا عن ثقة » (1).
وممن صرح بها من علماء القرن التاسع :
7 ـ ابن فهد الحلي ( المتوفّى عام 841 هـ ) في « المهذب البارع » في مسألة وزن الكر بعد نقل رواية ابن أبي عمير قال : « ولا يضعفها الإرسال ، لعلمهم بمراسيل ابن أبي عمير ».
وممن صرح بها من علماء القرن العاشر :
8 ـ المحقق الثاني ، علي بن عبد العالي ( المتوفّى عام 940 هـ ) مؤلف كتاب « جامع المقاصد » قال : « والروايتان صحيحتان من مراسيل ابن ابي عمير الملحقة بالمسانيد ».
9 ـ الشهيد الثاني ( المتوفّى عام 965 هـ ) في الدراية وشرحها قال : « المرسل ، ليس بحجة مطلقاً على الاصح ، إلا ان يعلم تحرز مرسله عن الرواية عن غير الثقة ، كابن ابي عمير من اصحابنا ، على ما ذكره كثير ، وسعيد بن المسيب عند الشافعي ، فيقبل مرسله ويصير في قوة المسند ».
وممن صرح بها من علماء القرن الحادي عشر :
10 ـ الميرزا الاسترآبادي في كتابه « منهج المقال » قال ما هذا حاصله (2) : « إبراهيم بن عمر ثقة عند النجاشي وضعفه ابن الغضائري ويرجح الأول برواية ابن عمير عنه بواسطة حماد » (3).
__________________
1 ـ ذكرى الشيعة : 4.
2 ـ منهج المقال : 25 ، وقد طبع هذا الكتاب في مجلد كبير ، وهو حسب تجزئة المؤلف في ثلاثة اجزاء ، وفرغ المؤلف عنه عام 986 هـ ، وقد علق عليه الوحيد البهبهاني بعض التعاليق ، وطبعا معاً في مجلد كبير.
3 ـ منهج المقال : 25.
وقال في « ابن ابي الاغر النحّاس » : « تعتبر روايته ويعتد بها لأجل رواية ابن ابي عمير وصفوان ، عنه » (1).
11 ـ الشيخ البهائي ( المتوفّى عام 1030 هـ ) قال في شرح الفقيه : « وقد جعل أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ مراسيل ابن ابي عمير كمسانيده في الاعتماد عليها ، لما علموا من عادته انه لا يرسل إلا عن ثقة ».
12 ـ وممن نقل كلام الشيخ الطوسي ، المحدّث الحر العاملي في خاتمة الوسائل في الفائدة السابعة ( ج 20 ص 88 ).
13 ـ وقال الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال : « ومنها رواية صفوان بن يحيى وابن ابي عمير عنه فأنها امارة الوثاقة لقول الشيخ في « العدة » : انهما لا يرويان إلا عن ثقة ، والفاضل الخراساني في ذخيرته جرى على هذا المسلك » (2).
14 ـ وقال الشيخ عبد النبي بن علي بن أحمد بن الجواد في كتابه « تكملة نقد الرجال » الذي فرغ منه سنة 1240 هـ ، في حق « برد الإسكاف » : « قال المحقق السبزواري في الذخيرة : لم يوثقه علماء الرجال إلا ان له كتاباً يرويه ابن ابي عمير ويستفاد من ذلك توثيقه » (3).
ثم المتتبع النوري نقل عن مفاتيح السيد المجاهد ( المتوفّى عام 1242 هـ ) دعوى المحقق الأردبيلي ( وهو من علماء القرن العاشر ) اتفاق الأصحاب على العمل بمراسيله.
__________________
1 ـ منهج المقال : 28.
2 ـ تعليقة المحقق البهبهاني : 10.
3 ـ التكملة : 1 / 221.
وقد اكتفينا بهذا القدر من نصوص القوم وتجد التضافر عليها من المتأخرين. ولا نرى حاجة لذكر نصوصهم.
نعم هناك ثلة من المحققين استشكلوا في هذه التسوية وسيوافيك بعض كلماتهم.
والظاهر ان دعوى غير الشيخ والنجاشي من باب التبعية لهما ، وان الاشتهار في الاعصار المتأخرة من القرن السابع إلى العصر الحاضر ، كان من باب حسن الظن بدعوى شيخ الطائفة وزميله النجاشي ، لا من باب التتبع في أحوال مشايخه ، والوقوف على انه لا يروي إلا عن ثقة ، وعلى ذلك فما ذكره المحدّث النوري من بلوغ دعوى الاجماع إلى الاستفاضة وامكان علمهم بذلك بأخباره ( ابن ابي عمير ) المحفوفة بالقرائن أو بتتبعهم في حال مشايخه المحصورين أو بهما ، مما لا يمكن الركون اليه.
ومع ذلك فلا يضر ما ذكرنا بحجية دعوى الشيخ ، فانه وان كان لا يثبت به اتفاق علماء الامامية على التسوية ولكن يثبت به توثيق المشهور لمشايخ ابن ابي عمير ، وانه كانت هناك شخصيات يزكون جميع مشايخه ولاجله يتعاملون مع جميع مراسيله معاملة المسانيد.
هذا ، وهناك ثلة من العلماء لم يأخذوا بهذه التسوية ، ولم يقولوا بحجية مراسيله ، منهم :
1 ـ شيخ الطائفة ، في غير موضع من تهذيبه واستبصاره قال : « فاما ما رواه محمد بن ابي عمير ( قال : روى لي عن عبد الله ـ يعني ابن المغيرة ـ يرفعه إلى ابي عبد الله 7 ان الكرّ ستمائة رطل ) فأول ما فيه انه مرسل غير مسند ، مع ذلك مضاد للاحاديث التي رويناها » (1).
__________________
1 ـ التهذيب : 1 / 43.
وقال ( في باب بيع المضمون ) : « ان الخبر الأول ( خبر ابن ابي عمير عن ابان بن عثمان ، عن بعض اصحاب عن ابي عبد الله ) مرسل غير مسند » (1).
وقال ( في باب ميراث من علا من الآباء وهبط من الاولاد ) : « ان الخبر الأول مرسل مقطوع الاسناد » (2).
ولكن ما ذكره في « العدّة » هو الذي ركن اليه في اُخريات حياته ، وكأنه عدل عما ذكره في التهذيب والاستبصار ، وكيف لا ، وقد قام بتأليف التهذيب كالشرح لمُقنعة استاذه المفيد في زهرة شبابه وفي اواسط العقد الثالث من عمره ، حيث ولد الشيخ عام 385 هـ ، وتوفي استاذه المفيد عام 413 هـ ، وهو يدعو له في كتابي الطهارة والصلاة بعد نقل عبارته بقوله « ايده الله تعالى » ، وهذا يعرب عن انه شرع في تأليف « التهذيب » وهو في حوالي خمس وعشرين سنة أو ازيد بقليل ، بينما هو في زمان ألَّف فيه « العدة » قد صار فحلا في الفقه والرجال ، وعارفاً بكلمات الأصحاب وأنظارهم حول الشخصيات الحديثية.
2 ـ ما ذكره المحقق في « المعتبر » على ما نقله المحدث النوري قال : « والجواب ؛ الطعن في السند لمكان الإرسال ولو قال قائل : مراسيل ابن ابي عمير تعمل بها الأصحاب ، منعنا ذلك ، لأن في رجاله من طعن الأصحاب فيه ، فاذا ارسل احتمل ان يكون الراوي أحدهم » (3).
وأجاب عنه الشيخ البهائي في وجيزته بقوله : « وروايته أحياناً عن غير الثقة ، لا يقدح في ذلك كما يظن ، لانهم ذكروا انه لا يرسل إلا عن ثقة لا أنه لا يروي إلا عن ثقة » (4).
__________________
1 ـ التهذيب : 1 / 31.
2 ـ التهذيب : 9 / 313.
3 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 650.
4 ـ الوجيزة : 6 طبع المكتبة الاسلامية.
ولا يخفى ان ما ذكره الشيخ البهائي 1 لا ينطبق مع ما ذكره الشيخ في « العدة » حيث قال : « عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثق به » وعلى ذلك فهؤلاء كما لا يرسلون إلا عن ثقة ، فهكذا لا يروون إلا عن ثقة ، وعلى ذلك فلو وجد مورد أو موارد انهم نقلوا عن المطعونين لبطلت القاعدة المذكورة. وسيوافيك الكلام في روايته عن بعض المطعونين في بحث مستقل.
3 ـ السيد جمال الدين بن طاووس ( المتوفّى عام 673 هـ ) صاحب « البشرى » ونقل خلافه الشهيد الثاني في درايته.
4 ـ الشهيد الثاني في درايته حيث قال : « وفي تحقق هذا المعنى وهو العلم بكون المرسل لا يروي إلا عن الثقة ، نظر » ثم ذكر وجهه (1). وسيوافيك لب اشكاله عند البحث عن اشكالات « معجم رجال الحديث ».
5 ـ السيد محمد صاحب المدارك سبط الشهيد الثاني ( المتوفّى عام 1009 هـ ) في مداركه.
6 ـ ولد الشهيد الثاني ، الشيخ حسن صاحب « المعالم » ( المتوفّى عام 1011 هـ ) فقد استشكل في حجّية مراسيله (2). فمن أراد فليرجع إلى معالمه.
الثالث : ان المتتبع في أسانيد الكتب الاربعة وغيرها ، يقضي بكثرة مشايخه. فقد أنهاها بعض الأجلة إلى اربعمائة وعشرة مشايخ. وقد ذكر الشيخ في الفهرس أنه روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى القمّي كتب مائة رجل من رجال الصادق 7. ولعلّ المتتبع في الاسانيد يقف على هذه الكتب ومؤلفيها.
وعلى كل تقدير ; فلو ثبت ما ادّعاه الشيخ والنجاشي ، لثبت وثاقة جمع
__________________
1 ـ شرح البداية في علم الدراية : 142.
2 ـ المعالم ، طبعة عبد الرحيم : 214.
كثير من مشايخه ، وانما المهم هو الوقوف على مشايخه باسمائهم وخصوصياتهم.
فقد ذكر المتتبع النوري منهم مائة وثلاثة عشر شيخاً وقال : « هذا ما حضرني عاجلاً ولعل المتتبع في الطرق والأسانيد يقف على أزيد من هذا » (1). وأما المائة كتاب التي رواها عنه أحمد بن محمد بن عيسى ، فتعلم من مراجعة إلى فهرست الشيخ.
وأنهاهم صاحب « معجم الرجال » في ترجمة ابن أبي عمير ( ج 22 ص 101 ـ 139 ، رقم الترجمة 14997 ) إلى ما يقارب المائتين وسبعين شيخاً بعد حذف المكررات.
وقد جمع في « مجمع الثقات » ( ص 153 ) اسماء مشايخ الثقات الثلاث ( ابن ابي عمير وصفوان والبزنطي ) وحذف من ورد فيه توثيق بالخصوص ، فبلغ ثلاثمائة وواحداً وستين شيخاً.
ولقد احسن مؤلف « مشايخ الثقات » واتحف لمن بعده ، بوضع فهرس خاص لمشيخة كل واحد من هؤلاء الثلاثة ، مع تعيين مصادرها في المجامع الحديثية فبلغ ثلاثمائة وسبعة وتسعين شيخاً (2).
ولعل الباحث يقف على ازيد من ذلك. وقد عرفت ان بعض الأجلة انهى أساتذته إلى اربعمائة وعشرة مشايخ.
وهذا يعرب عن تضلع ابن أبي عمير في علم الحديث وبلوغه القمة في ذلك العلم ، حتى توفق للأخذ عن هذه المجموعة الكبيرة وقد عرفت ان أحمد بن محمد بن عيسى قد نقل بواسطته مائة كتاب لمشايخ الأصحاب.
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 649 الفائدة الخامسة.
2 ـ لاحظ مشايخ الثقات : 134 ـ 223 ، في خصوص ابن ابي عمير.
الرابع : ان مؤلف « مشايخ الثقات » قد عد في فهرسه الذي وضعه لبيان مشايخ ابن ابي عمير ، اُناساً من مشايخه وليسوا منهم. والمنشأ له ، اما سقم النسخة وعدم صحتها ، أو عدم التدبر الكافي في ألفاظ السند. وما ذكرناه هنا يعطي استعداداً للقارئ ، للاجابة عن بعض النقوض المتوجهة إلى الضابطة. واليك بيانها :
1 ـ محمد بن سنان : روى الشيخ الحرّ العاملي عن الصدوق في « علل الشرايع » عن محمد بن الحسن ، عن الصفار عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن ابي عمير ، عن محمد بن سنان ، عمَّن ذكره عن ابي عبد الله 7 في حديث : « ان نبيّاً من الانبياء بعثه الله إلى قومه فاخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه ، فاتاه ملك فقال له : ان الله بعثني اليك فمرني بما شئت فقال : لي اُسوة بما يصنع بالحسين 7 » (1).
فعدَّ محمد بن سنان من مشايخ ابن ابي عمير استناداً إلى هذه الرواية.
ولكن الاستظهار غير تامّ ، فان محمد بن سنان من معاصري ابن ابي عمير ، لا من مشايخه وقد توفّي ابن سنان 220 هـ وتوفي ابن ابي عمير سنة 217 هـ ، فطبع الحال يقتضي ان لا يروي عن مثله.
أضف اليه ان الموجود في « علل الشرايع » (2) « ومحمد بن سنان » مكان « عن محمد بن سنان » فاشتبه « الواو » بـ « عن ».
ويؤيد ذلك أن الشيخ ابن قولويه نقله في « كامل الزيارات » بسنده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، ويعقوب بن يزيد ، جميعاً عن محمد بن سنان ، عمَّن ذكره ، عن أبي عبدالله
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل ج 2 ، ابواب الجنائز ، الباب 77 الحديث 19.
2 ـ علل الشرايع : الباب 67 ، الحديث 2 ، الصفحة 77 من طبعة النجف.
7 (1).
ترى أن يعقوب بن يزيد في هذا السند يروي عن محمد بن سنان بلا واسطة ، ولو صحَّ ما في « الوسائل » لوجب أن يتوسط بينهما شخص ثالث ، كابن أبي عمير وغيره ، مع أنه ليس كذلك.
ان تبديل لفظة « الواو » بـ « عن » كثير في الاسانيد ، وقد نبَّه عليه المحقّق صاحب « المعالم » في مقدمات « منتقى الجمان » ، وبالتأمّل فيه ينحلّ كثير من العويصات الموجودة في الاسانيد ، كما ينحلّ كثير من النقوض التي اُوردت على القاعدة كما ستوافيك. ولأجل كونه أساساً لحلّ بعض العويصات وردّ النقوض ، نأتي بعبارة « المنتقى » بنصّها (2) :
قال : « حيث إن الغالب في الطرق هو الوحدة ووقوع كلمة « عن » في الكتابة بين أسماء الرجال ، فمع الاعجال يسبق إلى الذّهن ما هو الغالب ، فيوضع كلمة « عن » في الكتابة موضع واو العطف ، وقد رأيت في نسخة « التهذيب » التي عندي بخط الشيخ ; عدّة مواضع سبق فيها القلم إلى اثبات كلمة « عن » في موضع « الواو » ، ثمّ وصل بين طرفي العين وجعلها على صورتها واواً والتبس ذلك على بعض النسّاخ فكتبها بالصورة الاصلية في بعض مواضع الاصلاح. وفشا ذلك في النسخ المتجددة ، ولما راجعت خطّ الشيخ فيه تبينت الحال. وظاهر أن ابدال « الواو » بـ « عن » يقتضي الزيادة التي ذكرناها ( كثرة الواسطة وزيادتها ) فاذا كان الرجل ضعيفاً ، ضاع به الاسناد فلابدّ من استفراغ الوسع في ملاحظة أمثال هذا ، وعدم القناعة بظواهر الاُمور.
ومن المواضع التي اتفق فيها هذا الغلط مكرراً ، رواية الشيخ عن سعد
__________________
1 ـ كامل الزيارات : 46 ، الباب 19 ، الحديث 1.
2 ـ منتقى الجمان : 25 ـ 26 الفائدة الثالثة.
بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، وعلي بن حديد ، والحسين بن سعيد. فقد وقع بخط الشيخ ; في عدَّة مواضع منها ، ابدال احد واوي العطف بكلمة « عن » مع أن ذلك ليس بموضع شكّ او احتمال ، لكثرة تكرر هذا الاسناد في « كتب الرجال والحديث ». ثم ذكر نموذجاً فلاحظ.
2 ـ نجيَّة بن اسحاق الفزاري : روى الصدوق عن أبيه قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، قال : حدثنا محمد بن زياد مولى بني هاشم ، قال : حدثنا شيخ لنا ثقة يقال له نجية بن اسحاق الفزاري ، قال حدثنا عبدالله بن الحسن قال : قال لي ابو الحسن : « لمَ سميت فاطمة فاطمة ... » (1).
ولكن كون المراد من محمد بن زياد هو ابن ابي عمير ، لا دليل عليه ، لانه لا يعبر عنه في كتب الحديث بـ « محمد بن زياد » إلا مقيداً بـ « الازدي » أو « البزاز » وقد عنون في الرجال عدة من الرواة بهذا الاسم ، يبلغ عددهم إلى تسعة (2).
أضف اليه أن احداً من الرجاليين لم يصفه بـ « مولى بني هاشم ». بل النجاشي وغيره ، وصفوه بأنه من موالي المهلّب ، أو بني اُمية ، قال : والأول أصحّ.
وأما نجيّة بن اسحاق فلم يعنون في كتب الرجال وإنما المعنون « نجيَّة بن الحارث » فلاحظ.
3 ـ معاوية بن حفص : روى الصدوق عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ( المتوفّى عام 343 هـ ) قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال : حدثنا
__________________
1 ـ علل الشرايع : 1 / 178 ، الباب 142 ، الحديث 2.
2 ـ لاحظ تنقيح المقال للمامقاني : 2 / 117.
الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن ابي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، ومعاوية بن حفص ، عن منصور ، جميعاً عن ابي عبدالله 7 قال : « كان ابو عبدالله 7 في المسجد الحرام ... » (1).
فقد عدَّ المؤلف معاوية بن حفص ، من مشايخ ابن ابي عمير. وهو غير معنون في الكتب الرجالية ولكن الدقّة في طبقات الرواة وملاحظة لفظة « جميعاً » تدلّ على خلافه ، إذ لا معنى لارجاع « جميعاً » في قوله « عن منصور جميعاً » إلى منصور ، فانه شخص واحد ، فهذان الأمران ، أي ملاحظة طبقات الوسائط ، ولفظة « جميعاً » ، تقتضيان كون معاوية بن حفص ، معطوفاً على ابن ابي عمير ، لا على حماد بن عثمان ، ففي الحقيقة يروي الحسين بن سعيد عن الامام الصادق 7 بسندين :
أ ـ الحسين بن سعيد ، عن ابن ابي عمير ، عن حمّاد ، عن ابي عبدالله 7.
ب ـ الحسين بن سعيد ، عن معاوية بن حفص ، عن منصور ، عن ابي عبدالله 7.
وعلى ذلك فمعاوية بن حفص ، في نفس طبقة ابن ابي عمير ، لا من مشايخه.
4 ـ عبد الرحمن بن أبي نجران : روى الشيخ في « التهذيب » عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، ومحمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، عن جميل وعبد الرحمن بن ابي نجران ، عن محمد بن حمران قال : « سألت أبا عبدالله 7 عن النَّبت الذي في أرض الحرم ،
__________________
1 ـ علل الشرايع : 2 / 453 ، الباب 210 ، الحديث 4.
أينزع ... الخ » (1).
فزعم المؤلف أن عبد الرحمن بن أبي نجران من مشايخ ابن ابي عمير وهو ثقة أيضاً.
والاستظهار مبنيّ على أن عبد الرحمن عطف على جميل ، وهو غير صحيح. لأن عبد الرحمن ليس في طبقة « جميل بن درّاج » الذي هو من تلامذة الإمام الصادق 7. بل أبوه « أبو نجران » من افراد تلك الطبقة. قال النجاشي : « عبد الرحمن بن ابي نجران : كوفيّ روى عن الرضا ، وروى أبوه ، أبو نجران ، عن ابي عبدالله 7 » وعلى ذلك فعبد الرحمن من رواة طبقة ابن ابي عمير ، لا من مشايخه. ويؤيده رواية « عبدالله بن محمد بن خالد » الذي هو من رواة الطبقة المتأخرة عن ابن ابي عمير ، عن عبد الرحمن بن ابي نجران ، كما في « رجال النجاشي » وعلى ذلك فمفاد السند :
أن الحسين بن سعيد تارة يروي عن فضالة بن أيّوب ، ومحمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، عن جميل ، عن أبي عبدالله 7.
واُخرى يروي عن عبد الرحمن بن ابي نجران ، عن محمد بن حمران ، عن ابي عبدالله 7. وبالنتيجة ؛ إن عبد الرحمن عطف على فضالة ابن أيوب ، لا على جميل.
ويوضح ذلك ما رواه الشيخ في « التهذيب » عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن جميل بن درّاج. وابن ابي نجران ، عن محمد بن حمران ، جميعاً ، عن اسماعيل الجعفي (2).
__________________
1 ـ التهذيب : 5 / 380 ، الحديث 1328.
2 ـ التهذيب : 5 / 87 ، الحديث 290.
فالحسين تارة يروي عن صفوان ، عن جميل بن درّاج ، عن اسماعيل الجعفي ، عن ابي جعفر 7. واخرى عن ابن ابي نجران ، عن محمد بن حمران ، عن اسماعيل الجعفي ، عن الامام الباقر 7. وإنما توسط الجعفي بين محمد بن حمران والإمام ، لأجل كون الرواية السابقة عن الامام الصادق 7 ، فيصحّ لمحمد بن حمران الرواية عنه ، بخلاف هذه الرواية. فان المروي عنه هو ابو جعفر الباقر 7 ، فيحتاج إلى توسط راو آخر بينه وبين ابي جعفر الباقر 7.
5 ـ المعلّى بن خنيس : روى الشيخ باسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن محمد بن زياد يعني ابن ابي عمير ، عن معلّى بن خنيس ، قال : قلت لابي عبدالله 7 : « أشتري الزَّرع؟ قال : إذا كان على قدر شبر » (1).
ونقل صاحب « مشايخ الثَّقات » روايته عنه عن رجال الكشّي ( الرقم 460 ).
والظّاهر سقوط الواسطة بين ابن ابي عمير والمعلى ، لانه قتل في زمان الامام الصادق 7 ، قتله داود بن علي بأمر المنصور. ومن البعيد أن يروي عنه ابن ابي عمير ( المتوفّى عام 217 هـ ). لأن داود بن علي توفّي عام 133 هـ ، كما نقله الجزري في الكامل (2) ، فالمعلّى قتل قبل هذا العام ، وعليه لا يمكن لابن ابي عمير أن ينقل منه الحديث إلا إذا كان من مواليد 117 هـ ، وعند ذلك يكون من المعمّرين الذين عاشوا قرابة مائة سنة ، ولو كان كذلك ، لذكروه في حقه ، لأنّه من الشخصيات البارزة عند الشيعة ، ويؤيد ذلك أن صفوان بن يحيى ( المتوفّى عام 210 هـ ) يروي كتاب المعلّى ، عنه بواسطة معلّى بن زيد
__________________
1 ـ الوسائل : الجزء 13 ، الباب 11 من ابواب بيع الثمار ، الحديث 4.
2 ـ الكامل في التاريخ : 5 / 448.
الأحول. لاحظ رجال النجاشي ( الرقم : 1114 ).
فالنتيجة ؛ ان المعلي ليس من مشايخ ابن ابي عمير ، سواء كان ثقة كما هو الأصح بل الصحيح ، ام لا.
وهذا قليل من كثير ممن عُدوا من مشايخه ، وليسوا منهم وانما قدمنا ذلك لتكن كالمقدمة لحل بعض النقوض التي اوردت على الضابطة.
الخامس : هل المراد من قوله : « فان كان ممن يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره » هو الانسان الموثوق به ، سواء أكان إمامياً أم غيره أو خصوص العدل الإمامي؟
توضيحه ؛ انّه قد تطلق الثقة ويراد منها الصدوق لساناً وان كان عاصياً بالجوارح ، وهي في مقابل الكذوب الذي يعصي بلسانه ، كما يعصي بسائر اعضائه ، وهذا هو الظاهر عند التوصيف بانه ثقة في الحديث.
وقد تطلق ويراد منها المتحرز عن المعاصي كلها ، ومنها الكذب ، سواء كان إمامياً أم غيره ، والوثاقة بهذا المعنى في الراوي توجب كون خبره موثقاً لا صحيحاً. وقد تطلق ويراد ذاك المعنى باضافة كونه صحيح المذهب ، أي كونه امامياً.
ان بعض الأجلة استظهر ان المراد منها في عبارة الشيخ هو المعنى الثالث ، فقال ما هذا مفاده :
1 ـ ذكر الشيخ عند البحث عن ترجيح احد الخبرين على الآخر بأن رواية المخالف شيعياً كان أم غيره ، إنما يحتج بها إذا لم يكن في مقابلها خبر مخالف مروي من الفرقة المحقّة ، وإلا فلا يحتج بها ، واليك نصه : « فإما إذا كان مخالفاً في الإعتقاد لأصل المذهب ، وروى مع ذلك عن الائمة ( عليهم
السلام ) ، نظر فيما يرويه ، فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه ، وجب اطراح خبره. وان لم يكن هناك ما يوجب اطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به ، وان لم يكن هناك من الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ، ولا يعرف لهم قول فيه ، وجب ايضاً العمل به » (1).
وذكر نظير ذلك في حق سائر فرق الشيعة مثل الفطحية والواقفة والناووسية.
2 ـ ان الطائفة سوت بين مراسيل الثلاثة ومسانيد غيرهم ، وبما ان المراد من مسانيد الغير ، هو الاحاديث المروية عن طرق اصحابنا الإمامية ، فيجب ان يكون المراد من الثقة الذي يرسل عنه هؤلاء الثلاثة ، العدل الإمامي ، حتى تصحّ التسوية بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم ، وإلا فلو كان المراد منها هو الثقة بالمعنى الأعم ، بحيث يشمل الامامي وغيره من فرق الشيعة وغيرهم ، لكانت التسوية مخالفاً لما حقَّقه واختاره من التفصيل ، فلا تصحّ التسوية إلا إذا كان الثقة الذي يرسل عنه ابن ابي عمير وأضرابه ، عدلاً إمامياً.
وعلى ذلك فهؤلاء الاقطاب الثلاثة كانوا ملتزمين بأن لا يروون إلا عن الثقة بالمعنى الاخص ، فلو وجدنا مورداً من مسانيد هؤلاء رووا فيه عن ضعيف في الحديث ، او صدوق ولكن مخالف في المذهب ، تكون القاعدة منقوضة ، فليست نقوض القاعدة منحصرة بالنَّقل عن الضّعاف ، بل تعمّ ما كان النقل عن موثق في الحديث مخالف للمذهب الحق.
ولا يخفى أن ما استنبطه من كلام الشيخ مبنيّ على ثبوت احد امرين :
الأول : أن يكون الثقة في مصطلح القدماء من يكون صدوقاً إمامياً ، او عدلاً إمامياً ، بحيث يكون للاعتقاد بالمذهب الحقّ دخالة في مفهومها حتى يحمل عليه قوله « لا يروون ولا يرسلون إلا عمّن يوثق به ».
__________________
1 ـ عدة الاصول : 1 / 379 ، الطبعة الحديثة.
الثاني : أن يكون مذهبه في حجّية خبر الواحد هو نفس مذهب القدماء ، بأن يكون المقتضي في خبر المخالف ناقصاً غير تامّ ، ولاجل ذلك لا يعارض خبر الموافق ، بخلاف الموافق فان الاقتضاء فيه تامّ ، فيقدم على خبر المخالف ، ولكن يعارض خبر الموافق الآخر. وفي ثبوت كلا الامرين نظر.
أما الأول ، فلا ريب في افادتها المدح التامّ وكون المتصف بها معتمداً ضابطاً ، وأما دلالتها على كونه امامياً فغير ظاهر ، إلا إذا اقترنت بالقرائن ، كما إذا كان بناء المؤلف على ترجمة اهل الحق من الرواة وذكر غيره على وجه الاستطراد ، ففي مثل ذلك يستظهر كونها بمعنى الامامي ، كما هو الحال في رجال النجاشي وغيره. وأما دلالتها على كون الراوي إمامياً على وجه الاطلاق فهي غير ثابتة ، إذ ليس للثقة إلا معنى واحد ، وهو من يوثق به في العمل الذي نريده منه ، فالوثاقة المطلوبة من الاطباء غير ما تطلب من نقلة الحديث. فيراد منها الامين في الموضوع الذي تصدى له. وعلى ذلك يصير معنى الثقة في مورد الرواة من يوثق بروايته ، وتطمئن النفس بها لاجل وجود مبادئ فيه تمسكه عن الكذب ، وأوضح المبادئ الممسكة هو الاعتقاد بالله ورسله وأنبيائه ومعاده ، سواء كان مصيباً في سائر ما يدين ، أو لا.
نعم نقل العلاّمة المامقاني في « مقباس الهداية » عن بعض من عاصره بأنه جزم باستفادة كون الراوي اماميا من اطلاق لفظ الثقة عليه ، ما لم يصرّح بالخلاف ، كما نقل عن المحقق البهبهاني دلالته على عدالته (1).
ولكن كلامهما منزّل على وجود قرائن في كلام المستعمل تفيد كلاًّ من هذين القيدين ، وإلا فهو في مظانّ الاطلاق لا يفيد سوى ما يتبادر منه عند أهل اللغة والعرف.
هذا ولم يعلم كون الثقة في كلام القدماء الذين يحكي عنهم الشيخ
__________________
1 ـ مقباس الهداية : 112.
قوله : « سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمَّن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم » غير معناه المتبادر عند العرف ، فان تفسير « عمَّن يوثق به » بالإمامي الصدوق او الإمامي العادل ، يحتاج إلى قرينة دالّة عليه.
وأما الثاني ، فان ما أفاده الشيخ من التفصيل في أخبار غير الإمامي إنما هو مختار نفسه ، لا خيرة الاصحاب جميعاً ، ولأجل ذلك قال عند الاستدلال على التفصيل : « فأما ما اخترته من المذهب ، فهو أن خبر الواحد إذا كان واردا من طريق اصحابنا القائلين بالامامة ... » (1).
ثم أخذ في الاستدلال على التفصيل المختار على وجه مبسوط ، ويظهر من ثنايا كلامه أن الاصحاب يعملون بأخبار الخاطئين في الاعتقاد مطلقاً ، حيث قال : « إذا علم من اعتقادهم تمسكهم بالدين وتحرّجهم من الكذب ووضع الاحاديث ، وهذه كانت طريقة جماعة عاصروا الائمة : ، نحو عبدالله بن بكير ، وسماعة بن مهران ، ونحو بني فضّال من المتأخرين عنهم ، وبني سماعة ومن شاكلهم ، فاذا علمنا أن هؤلاء الذين أشرنا اليهم وان كانوا مخطئين في الاعتقاد من القول بالوقف وغير ذلك ، كانوا ثقاتاً في النقل ، فما يكون طريقه هؤلاء ، جاز العمل به » (2).
نعم يظهر من بعض عبائره أن ما اختاره من التفصيل هو خيرة الاصحاب أيضاً (3).
ومع ذلك كلّه فلا تطمئن النفس بأن ما اختاره هو نفس مختار قدماء
__________________
1 ـ عدة الاصول : 1 / 336 ، الطبعة الحديثة.
2 ـ عدة الاصول : 1 / 350.
3 ـ لاحظ ما ذكره في عمل الاصحاب بما رواه حفص بن غياث ونوح بن دراج والسكوني في عدة الأُصول : 1 / 380.
الاصحاب ، وعلى ذلك فلا يكون مختار ، في حجّية خبر الواحد ، قرينة على أن المراد من الثقة في قولهم « لأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة » هو الثقة بالمعنى الاخص ، إلا إذا ثبت أن خيرته وخيرة الاصحاب في حجّية خبر الواحد سواسية.
وعلى ذلك فينحصر النقض بما إذا ثبت رواية هؤلاء عن الضعيف في الرواية ، لا في المذهب والاعتقاد ولا أقل يكون ذلك هو المتيقن في التسوية الواردة في كلام الاصحاب.
وبذلك يسقط النقض بكثير ممَّن روى عنه ابن ابي عمير وقد رموا بالناووسيَّة ، او الوقف ، أو الفطحية والعامية ، واليك أسامي هؤلاء سواء كانوا ثقات من غير ذلك الوجه أم لا.
أما الواقفة فيقرب من ثلاثة عشر شيخاً أعني بهم :
1 ـ إبراهيم بن عبد الحميد الاسدي 2 ـ الحسين بن مختار 3 ـ حنان بن سدير 4 ـ داود بن الحصين 5 ـ درست بن ابي منصور 6 ـ زكريا المؤمن 7 ـ زياد بن مروان القندي 8 ـ سماعة بن مهران 9 ـ سيف بن عميرة 10 ـ عثمان بن عيسى 11 ـ محمد بن اسحاق بن عمار 12 ـ منصور بن يونس بزرج 13 ـ موسى بن بكر.
وأما الفطحية من مشايخه فنذكر منهم :
14 ـ اسحاق بن عمار الساباطي 15 ـ اسماعيل بن عمار 16 ـ يونس بن يعقوب 17 ـ عبدالله بن بكير 18 ـ خالد بن نجيح جوّان (1).
وقد روى عن جماعة من العامة منهم :
__________________
1 ـ لاحظ في الوقوف على روايته عنهم « مشايخ الثقات » القائمة المخصوصة لمشايخه.
19 ـ مالك بن انس على ما في فهرست الشيخ في ترجمة مالك 20 ـ محمد بن عبدالرحمن بن ابي ليلى القاضي المعروف ، كما في كمال الدين ص 411 ـ 21 ـ محمد بن يحيى الخثعمي على ما في فهرست الشيخ في ترجمته. 22 ـ أبو حنيفة على ما في الاختصاص ص 109.
وقد روى عن بعض الزيدية نظير 23 ـ زياد بن المنذر على ما في فهرست الشيخ.
وقد روى عن بعض الناووسية مثل أبان بن عثمان المرميّ بالناووسية ، وان كان الحقّ براءته منها. وعلى الجملة فروايته عن هؤلاء من أجل كونهم من الواقفة والفطحية ، او العامة ، لا تعدّ نقضاً إذا كانوا ثقات في الرواية ، وانما تعدّ نقضاً إذا كانوا ضعافاً في نقل الحديث.
السادس : ان القدر المتيقن من التزامه بكون المروي عنه ثقة ، إذا كان روى عنه بلا واسطة ، واما النقل بواسطة فلم يظهر من العبارة التزامه به أيضاً ، ولأجل ذلك لو ثبت نقله عن غير ثقة بواسطة الثقة فلا يعدّ نقضاً.
وبذلك يظهر أن حجّية مراسيله مختصة بما إذا أرسل عن واسطة واحدة ، كما إذا قال : عن رجل ، عن أبي عبدالله 7. واما إذا علم أن الارسال بواسطتين ، فيشكل الأخذ به إلا ببعض المحاولات التي سنشير اليها في خاتمة البحث.
السابع : قد عرفت الايعاز على ان الشهيد الثاني استشكل على هذه التسوية ـ كما نقله المحدث النوري في مستدركه ـ وتبعه سبطه صاحب المدارك وولده في المعالم ، وقد كان الوالد المغفور له ، ينقل عن شيخه « شيخ الشريعة الاصفهاني » أنه كان معترضا على هذه التسوية وغير مؤمن بصحتها ، وقد صبَّ صاحب معجم الرجال (1) ما ذكره الشهيد ، وما اضاف اليه ، في قوالب
__________________
1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 64 ـ 68.
خاصة. ونحن نذكر الجميع مع ما يمكن أن يقال في دفعه فقال ـ دام ظله ـ : إن هذه التسوية لا تتمّ بوجوه :
أولا : لو كانت التسوية صحيحة لذكرت في كلام احد من القدماء فمن المطمأنّ به أن منشأ هذه الدعوى هو دعوى الكشي الاجماع على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء ، وقد مرّ أن مفاده ليس توثيق مشايخهم ، ويؤكد ما ذكرناه أن الشيخ لم يخصّ ما ذكره بالثلاثة المذكورين ، بل عمَّمه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمن يوثق به ، وفي الظاهر أنه لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي الاجماع على التصحيح ، وممّا يكشف عن أن نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الاصحاب مبتنية على اجتهاده ، أن الشيخ بنفسه ردَّ في مواضع رواية ابن ابي عمير للارسال. وقد عرفت بعض موارد الردّ.
وفيه : أن قوله « لو كانت أمراً متسالماً عليه لذكرت في كلام أحد من القدماء » وان كان صحيحاً ، إلا أن ما رتب عليه من قوله « وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر » غير ثابت ، لانه إنما تصحّ تلك الدعوى لو وصل الينا شيء من كتبهم الرجالية ، فان مظانّ ذكر هذا هو مثل هذه الكتب ، والمفروض أنه لم يصل الينا منها سوى كتاب الكشي الذي هو أيضاً ليس اصل الكتاب ، بل ما اختاره الشيخ منه ، وسوى « رجال البرقي » الذي عبَّر عنه الشيخ في الفهرست بـ « طبقات الرجال » وعندئذ كيف يصحّ لنا أن نقول « وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر »؟
أضف إلى ذلك أنه من الممكن أن الشيخ استنبطها من الكتب الفقهية غير الواصلة الينا ، حيث رأى أنهم يعاملون مراسيلهم عند عدم التعارض معاملة المسانيد ، أو يعاملونها معاملة المعارض إذا كان في مقابلها خبر مخالف.
وما ذكره من « أن الشيخ لم يخصّه بالثلاثة المذكورين بل عمَّمه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمَّن يوثق به ومن المعلوم أنه لم
يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي الإجماع على التصحيح » غير تامّ أيضاً ، فإن الظاهر أن مراده من « وغيرهم من الثقات » هم المعروفون بأنهم لا يروون إلا عنهم ، وقد ذكرنا اسماء بعضهم ، والمتتبع في معاجم الرجال وفهارسها يقف على عدّة كان ديدنهم عدم النقل إلا عن الثقات ، ولاجل ذلك كانوا يعدّون النقل عن الضعفاء ضعفاً في الراوي ويقولون : « أحمد بن محمد بن خالد البرقي ثقة إلا انه يروي عن الضعفاء » وهذا يكشف عن تجنب عدة من الاعاظم عن هذا ، ومعه كيف يصح أن يدعي « ولم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي ».
ثم إنه أيُ فرق بين دعوى الكشي في حق اصحاب الاجماع فتقبل ثم يناقش في مدلولها ، ودعوى الشيخ في حق هؤلاء الثلاثة فلا تقبل من رأس وترمى بأنها مستنبطة من كلام الكشي؟!
وأما مخالفة الشيخ نفسه في موارد من التهذيب والاستبصار فقد عرفت وجهه ، وانه ألّف جامعيه في أوائل شبابه ، ولم يكن عند ذاك واقفاً على سيرة الاصحاب في مراسيل هؤلاء ، فلأجل ذلك ردَّ مراسيلهم بحجة الارسال. ولكنه وقف عليها بعد الممارسة الكثيرة بكتب الاصحاب الرجالية والفقهية ، وكتب وألف كتاب « العدَّة » في أيام الشريف المرتضى ( المتوفّى عام 436 هـ ) وهو في تلك الايام يتجاوز عمره الخمسين سنة ، وقد خالط الفقه والرجال لحمه ودمه ، ووقف على الاُصول المؤلفة في عصر الأئمة : وبعده.
وثانياً : فرضنا أن التسوية ثابتة ، لكن من المظنون قويّاً أن منشأ ذلك هو بناء العامل على حجية خبر كل إمامي لم يظهر منه فسق ، وعدم اعتبار الوثاقة فيه ، كما نسب إلى القدماء ، واختاره جمع من المتأخرين منهم العلاّمة على ما سيجيء في ترجمة أحمد بن اسماعيل بن عبدالله (1) وعليه لا أثر لهذه التسوية
__________________
1 ـ معجم رجال الحديث : 2 / 51.
بالنسبة إلى من يعتبر الوثاقة (1).
وفيه : أن نسبة العمل بخبر كل إمامي لم يظهر منه فسق إلى قدماء الامامية ، تخالف ما ذكره عنهم الشيخ في « العدة » ، وهو أبصر بآرائهم حيث قال في ضمن استدلاله على حجية الاخبار التي رواها الاصحاب في تصانيفهم : « ان واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فاذا أحالهم على كتاب معروف ، او اصل مشهور ، وكان راويه ثقة لا يُنكر حديثه ، سكتوا وسلَّموا الأمر في ذلك ، وقبلوا قوله ، وهذه عادتهم وسجيّتهم من عهد النبي 6 ومن بعده من الائمة : » (2).
ترى أنه يقيد عملهم وقبولهم الرواية بكون راويه ثقة ، والقول بحجية كل خبر يرويه إمامي لم يظهر فسقه ، اشبه بقول الحشوية ، وقريب من رأيهم في الاخبار ، ولو كان ذلك مذهب القدامى من الامامية لما صح للسيد المرتضى ادّعاء الاتفاق على عدم حجية خبر الواحد ، فإن ذلك الإدعاء مع هذه النسبة في طرفي النقيض.
ولو كان بناء القدماء على اصالة العدالة في كل من لم يعلم حاله ، فلا معنى لتقسيم الرواة إلى الثقة ، والضعيف ، والمجهول ، بل كان عليهم ان يوثقوا كل من لم يثبت ضعفه ، ومن المعلوم ثبوت خلافه.
واما ما نقل عن العلاّمة في حق أحمد بن اسماعيل من قوله « لم ينصّ علماؤنا عليه بتعديل ولم يرو فيه جرح ، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها من المعارض » (3) فمن الممكن أن يكون اعتماده عليه لأجل ما قاله النجاشي في ترجمته من أن « له عدة كتب لم يصنف مثلها ، وأن أباه كان من غلمان أحمد بن
__________________
1 ـ معجم رجال الحديث : ج 1 ص 65.
2 ـ عدّة الأُصول : 1 / 338 ، الطبعة الحديثة.
3 ـ الخلاصة : 16.
ابي عبد الله البرقي وممن تأدب عليه وممّن كتَّبه » (1) وما قاله الشيخ في الفهرست : « كان من اهل الفضل والادب والعلم وله كتب عدة لم يصنف مثلها فمن كتبه كتاب العباسي ، وهو كتاب عظيم نحو عشرة آلاف ورقة في اخبار الخلفاء والدولة العباسية مستوفى ، لم يصنف مثله » (2) ، وما قاله في رجاله : « أديب أستاذ ابن العميد » (3).
وهذه الجمل تعرب عن انه كان من مشاهير علماء الشيعة الإمامية وأكابرهم وفي القمة من الأدب والكتابة.
ومثل ذلك لا يحتاج إلى التوثيق ، بل إذا لم يرد فيه جرح يحكم بوثاقته ، فان موقفه بين العلماء غير موقف مطلق الراوي الذي لا يحكم في حقه بشيء إلا بما ورد فيه ، فيحكم بالجهل او الاهمال ، ولاجل ذلك كله كان ديدن العلماء في حق الأعاظم والأكابر هو الحكم بالوثاقة ، وان لم يرد في حقهم التصريح بها ، فلأجل ذلك نحكم بوثاقة نظراء إبراهيم بن هاشم والصدوق وغيرهما ، وان لم يرد في حقهم تصريح بالوثاقة.
وثالثاً : ان اثبات ان هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، دونه خرط القتاد ، فإن الطريق إليه إمّا تصريح نفس الراوي بأنّه لا يروي ولا يرسل إلا عنه ، أو التتبع في مسانيدهم ومشايخهم وعدم العثور على رواية هؤلاء عن ضعيف.
اما الأول ؛ فلم ينسب إلى احد من هؤلاء اخباره وتصريحه بذلك ، واما الثاني ؛ فغايته عدم الوجدان ، وهو لا يدل على عدم الوجود ، على انه لو تم ، فانما يتم في المسانيد دون المراسيل ، فان ابن أبي عمير قد غاب عنه اسماء من
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 240.
2 ـ فهرست الشيخ : 23.
3 ـ رجال الشيخ : 455 ، الرقم 103.
روى عنهم ، فكيف يمكن للغير ان يطلع عليهم ويعرف وثاقتهم.
وفيه : أنا نختار الشق الأول وانهم صرحوا ، بذلك ، ووقف عليه تلاميذهم والرواة عنهم ، ووقف الشيخ والنجاشي عن طريقهم عليه ، وعدم وقوفنا عليه بعد ضياع كثير من كتب القدماء من الاصحاب ، اشبه بالاستدلال بعدم الوجدان على عدم الوجود ، كما ان من الممكن ان يقف عليه الشيخ من خلال الكتب الفتوائية من تعامل الأصحاب مع مراسيلهم معاملة المسانيد ، وعدم التفريق بينهما قيد شعرة.
ولنا ان نختار الشق الثاني ، وهو التتبع في المسانيد ، وما ذكره من ان غايته عدم الوجدان وهو لا يدل على عدم الوجود ، غير تام ، لأنه لو تتبعنا مسانيد هؤلاء ولم نجد لهم شيخاً ضعيفاً في الحديث ، نطمئن بأن ذلك ليس إلا من جهة التزامهم بعدم الرواية إلا عن ثقة ، ولم يكن ذلك من باب الصدفة ، ولو ثبت ذلك لما كان هناك فرق بين المسانيد والمراسيل ، واحتمال وجود الضعاف في الثانية دون الأولى ، احتمال ضعيف لا يعبأ به.
إلى هنا ثبت عدم تمامية الاشكالات الثلاثة ، والمهم هو الاشكال الرابع ، وهو ثبوت رواية هؤلاء عن الضعاف ، وذلك بالتتبع في مسانيدهم ومعه كيف يمكن ادعاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.
نقض القاعدة بالنقل عن الضعاف
ذكر صاحب معجم الرجال من مشايخه الضعاف اربعة شيوخ يعني بهم :
1 ـ علي بن ابي حمزة البطائني.
2 ـ يونس بن ظبيان.
3 ـ علي بن حديد.
4 ـ الحسين بن أحمد المنقري.
ولو صح نقله عنهم مع ثبوت كونهم ضعافاً بطلت القاعدة ، وإليك تفصيل ذلك :
1 ـ علي بن ابي حمزة البطائني : روى الكليني عن ابن أبي عمير ، عن علي بن ابي حمزة ، عن ابي بصير ، قال : شكوت إلى ابي عبد الله 7 الوسواس ... (1).
روى الكشي عن ابي مسعود العياشي قال : سمعت علي بن الحسن
__________________
1 ـ الكافي : 3 / 355 كتاب الجنائز ، باب النوادر ، الحديث 20.
ابن فضال يقول : ابن ابي حمزة كذّاب ملعون ، قد رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت تفسير القرآن من أوله إلى آخره ، إلا أني لا أستحل ان أروي عنه حديثاً واحداً (1).
أقول : ان علي بن ابي حمزة البطائني من الواقفة ، وهو ضعيف المذهب ، وليس ضعيفاً في الحديث على الأقوى (2). وهو مطعون لأجل وقفه في موسى بن جعفر 7 وعدم اعتقاده بإمامة الرضا 7 ، وليس مطعوناً من جانب النقل والرواية ، وقد عرفت ان المراد من « عمن يوثق به » في عبارة الكشي هو الموثوق في الحديث ، فيكفي في ذلك ان يكون مسلماً متحرزاً عن الكذب في الرواية ، وأما كونه إمامياً فلا يظهر من عبارة « العدة » وعلى ذلك فالنقض غير تام.
وأما ما نقل من العياشي في حق ابن أبي حمزة من انه كذاب ملعون ، فهو راجع إلى ابنه ، أي الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، لا إلى نفسه ، كما استظهره صاحب المعالم في هامش « التحرير الطاووسي » (3) ، وابن ابي حمزة مشترك في الاطلاق بين الوالد والولد. والشاهد على ذلك أمران :
الأول : ان الكشي نقله أيضاً في ترجمة الحسن بن ابي حمزة البطائني. قال ( العياشي ) : سألت علي بن الحسن بن فضال ، عن الحسن بن علي بن ابي حمزة البطائني ، فقال : « كذاب ملعون رويت عنه أحاديث كثيرة » فلا يصحّ القول جزماً ، لأنّه راجع إلى الوالد ، والظاهر من النجاشي أنّه راجع إلى الولد ، حيث نقل طعن ابن فضّال في ترجمة الحسن.
__________________
1 ـ رجال الكشي : 345.
2 ـ لاحظ دلائل الطرفين في تنقيح المقال : 2 / 262 ، وقد بسط المحقق الكلباسي الكلام فيه في سماء المقال : 1 / 134 ـ 154.
3 ـ تنقيح المقال : 2 / 262.
الثاني : ان علي بن ابي حمزة توفي قبل ان يتولد علي بن الحسن بن فضال بأعوام ، فكيف يمكن ان يكتب عنه أحاديث ، وتفسير القرآن من أوله إلى آخره ، وانما حصل الاشتباه من نقله ـ الكشي ـ في ترجمة الوالد تارة ، وترجمة الولد اخرى (1) ، وذلك لأن علي بن ابي حمزة مات في زمن الرضا 7 حتى أخبر 7 انه اُقعد في قبره فسئل عن الائمة فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف ، فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً (2) ، فإذا توفي الرضا 7 عام 203 هـ ، فقد توفّي ابن أبي حمزة قبل ذلك العام. ومن جانب آخر مات ( الحسن بن فضّال ) سنة أربع وعشرين ومائتين كما أرَّخه النجاشي في ترجمته.
وكان ولده ( علي ) يتجنّب الرواية عنه وهو ابن ثمان عشرة سنة كما كان يقول : « كنت اُقابله ( الوالد ) ـ وسنّي ثمان عشرة سنة ـ بكتبه ولا أفهم إذ ذاك الروايات ولا أستحلّ أن أرويها عنه » ولأجل ذلك روى عن أخويه عن أبيهما. فاذا كان سنّه عند موت الوالد ثماني عشرة فعليه يكون من مواليد عام 206 هـ ، فمعه كيف يمكن أن يروي عن علي بن أبي حمزة الذي توفي في حياة الامام الرضا 7؟
وعلى كلّ تقدير فقد روى ابن ابي عمير كتاب علي بن أبي حمزة عنه ، كما نصَّ به النجاشي في ترجمته (3).
أقول : إن من المحتمل في هذا المورد وسائر الموارد ، أن ابن أبي عمير نقل عنه الحديث في حال استقامته ، لأن الاستاذ والتلميذ أدركا عصر الامام أبي
__________________
1 ـ رجال الكشي : 462 ، رقم الترجمة 425.
2 ـ رجال الكشي : 345.
3 ـ رجال النجاشي : الرقم 676.
الحسن الكاظم 7 ، فقد كان ابن أبي حمزة موضع ثقة منه ، وقد أخذ عنه الحديث عندما كان مستقيم المذهب ، صحيح العقيدة فحدَّثه بعد انحرافه أيضاً ، نعم لو لم يكن ابن ابي عمير مدركاً لعصر الامام الكاظم 7 وانحصر نقله في عصر الرضا 7 يكون النقل عنه ناقضاً للقاعدة ، ولكن عرفت أنه أدرك كلا العصرين.
أضف إلى ذلك أنه لم يثبت كون عليّ بن أبي حمزة من الواقفة ، وما اُقيم من الادلة فهي معارضة بمثلها او بأحسن منها ، وسيجيء الكلام فيه إجمالاً عند البحث عن رواية صفوان عنه فارتقب.
2 ـ يونس بن ظبيان : روى الشيخ عن موسى بن القاسم ، عن صفوان ، وابن ابي عمير ، عن بريد او يزيد ويونس بن ظبيان قالا : سألنا أبا عبدالله 7 عن رجل يحرم في رجب او في شهر رمضان ، حتى إذا كان أوان الحجّ أتى متمتعاً ، فقال : لا بأس بذلك (1).
ويونس بن ظبيان ضعيف ، قال النجاشي : « ضعيف جدّاً لا يلتفت إلى ما رواه ، كل كتبه تخليط » (2).
وقال الكاظمي في التكملة : « علماء الرجال بالغوا في ذمّه ونسبوه إلى الكذب ، والضعف ، والتّهمة ، والغلوّ ، ووضع الحديث ، ونقلوا عن الرضا 7 لعنه » (3).
والاجابة بوجوه :
الأول : الظاهر أن محمد بن أبي عمير لا يروي عن غير الثقة إذا انفرد هو
__________________
1 ـ التهذيب : 5 / 32 ، رقم الحديث 95 ، كتاب الحج باب ضروب الحج ، وكتاب الاستبصار : ج 2 ، رقم الحديث 513.
2 ـ رجال النجاشي : 448 ، رقم الترجمة 1210 ، من طبعة جماعة المدرسين بقم.
3 ـ التكملة : 2 / 630.
بالنقل ، ولأجله لم يرو عن يونس بن ظبيان ، إلا هذا الحديث فقط ، كما هو الظاهر من معجم الرجال عند البحث عن تفصيل طبقات الرواة ( ج 22 ص 320 ) ؛ واما إذا كم يتفرد ، كما إذا نقله الثقة وغيره فيروي عنهما تأييداً للخبر. وبعبارة اخرى لا يروي عن الضعيف إذا كان في طول الثقة لا في عرضه. وأما المقام فقد روى عن بريد ويونس بن ظبيان معاً. ويونس وإن كان ضعيفاً ، لكنه كما رواه عنه رواه عن بريد أيضاً كما في نسخة التهذيب والوافي والوسائل ، أو عن يزيد كما في نسخة الاستبصار (1). والأول بعيد ، لأن رواية ابن أبي عمير عن بريد بن معاوية المتوفّى في حياة الإمام الصادق 7 ، قبل ( 148 هـ ) بعيده ، فالثاني هو المتعين.
ويحتمل أن يكون المراد من « يزيد » أبا خالد القماط وهو ثقة يروي عن أبي عبدالله 7 ويروي عنه صفوان ، كما في رجال النجاشي ، فيصح نقل ابن أبي عمير عنه ، كما يحتمل أن يكون المراد منه يزيد بن خليفة الذي هو من أصحاب الصادق 7 ، ويروي عنه صفوان أيضاً كما في الاستبصار ( ج 3 ، الحديث 372 ).
الثاني : احتمال وجود الارسال في الرواية بمعنى وجود الواسطة بين ابن أبي عمير ويونس ، وقد سقطت عند النقل وذلك لأن يونس قد توفي في حياة الإمام الصادق 7 ، كما يظهر من الدعاء الآتي. وقد توفي الإمام 7 عام 148 هـ ، ومن البعيد أن يروي ابن أبي عمير ( المتوفّى عام 217 هـ ) عن مثله ، الاّ أن يكون معمراً قابلاً لأخذ الحديث عن تلاميذ الإمام الذين توفوا في حياته ، وهو غير ثابت.
الثالث : إنه لم يثبت ضعف يونس ، لا لما رواه الكشي عن هشام بن سالم ، قال : « سألت أبا عبدالله 7 عن يونس بن ظبيان فقال ; وبنى له بيتاً في الجنة ، كان والله مأموناً في الحديث » وذلك لأن في
__________________
1 ـ لا حظ معجم رجال الحديث : 22 / 114.
سنده ضعفاً ، وهو وجود ابن الهروي المجهول ، وقد نص به الكشي ، بل لرواية البزنطي ذلك الخبر في جامعه بسند صحيح ، وقد نقله ابن إدريس في مستطرفاته. وما في معجم رجال الحديث من أن طريق ابن إدريس إلى جامع البزنطي مجهول ، فالرواية بكلا طريقيها ضعيفة ، غير تام ، لأن جامعه كسائر الجوامع كان من الكتب المشهورة التي كان انتسابها إلى مؤلفيها أمراً قطعياً ، ولم يكن من الكتب المجهولة ، كيف وقد كان مرجع الشيعة قبل تأليف الجوامع الثانوية كالكافي وغيره.
ولأجل هذه الوجوه الثلاثة لا تصلح الرواية لنقض القاعدة.
3 ـ علي بن حديد : روى الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابه ، عن احدهما 8 في رجل كانت له جارية فوطئها ثمّ اشترى اُمّها أو ابنتها ، قال : لا تحل له (1).
ذكر الشيخ علي بن حديد في رجاله (2) في أصحاب الرضا 7 ، وفي الإمام الجواد 7 (3) ، وفي فهرسته قائلاً بأن له كتاباً. وقال الكشي في رجاله : « فطحي من أهل الكوفة ، وكان أدرك الّرضا 7 » (4) ، وقال العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة : « علي بن حديد بن الحكيم ، ضعّفه شيخنا في كتاب الاستبصار والتهذيب ، لا يعول
__________________
1 ـ التهذيب : 7 / 276 ، الحديث 1171 من كتاب النكاح الباب 25 ، والاستبصار : ج 3 الحديث 575 ، وليس لابن ابي عمير رواية عن علي بن حديد ، ـ حسب الظاهر ـ إلا هذه الرواية ، وهذه قرينة على ان علي بن حديد معاصره ، لا المروي عنه فقد روى الحسين عنهما جميعاً. لاحظ تفصيل طبقات الرواة لمعجم رجال الحديث : 22 / 293 ، كما سيوافيك بيانه.
2 ـ رجال الشيخ : 282.
3 ـ رجال الشيخ : 402.
4 ـ الفهرس : 115.
على ما ينفرد بنقله » (1).
أقول : ان الشيخ ضعفه في موضعين من الاستبصار ، أحدهما باب البئر تقع فيها الفأرة وغيرها ، فروى فيه عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن حديد ، عن بعض أصحابنا قال : « كنت مع أبي عبدالله 7 في طريق مكة ، فصرنا إلى بئر ، فاستقى غلام أبي عبدالله 7 دلواً ، فخرج فيه فأرتان ... » فقال الشيخ : « فأوّل ما في هذا الخبر أنّه مرسل ، وراويه ضعيف ، وهذا يضعف الاحتجاج بخبره » (2).
وقال في باب النهي عن بيع الذهب بالفضة نسيئة ، في ذيل حديث عباد : « وأما خبر زرارة فالطريق اليه علي بن حديد ، وهو ضعيف جداً لا يعول على ما ينفرد بنقله » (3).
والجواب بوجهين ، الأول : لم يثبت ضعف علي بن حديد ، بل الظاهر عما رواه الكشي وثاقته ، قال في ترجمة هشام بن الحكم : « علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن راشد ، عن أبي جعفر الثاني قال : جعلت فداك ، قد اختلف أصحابنا ، فاُصلّي خلف أصحاب هشام بن الحكم؟ قال : عليك بعلي بن حديد ، قلت : فآخذ بقوله؟ قال : نعم ، فلقيت علي بن حديد فقلت : نصلي خلف أصحاب هشام بن الحكم؟ قال : لا » (4).
وقال في ترجمة يونس بن عبد الرحمن : « آدم بن محمد القلانسي البلخي قال : علي بن محمد القمي قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى القمي ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أبيه يزيد بن حماد عن أبي الحسن قال :
__________________
1 ـ الخلاصة : 234 ، ونحوه في القسم الثاني المختص بالضعفاء.
2 ـ الاستبصار : 1 / 40 ابواب المياه ، باب البئر تقع فيه الفأرة ، الحديث 70.
3 ـ الاستبصار : 3 / 95 باب النهي عن بيع الذهب بالفضة نسيئة ، الحديث 325.
4 ـ رجال الكشي : 237 ، وفي السند المروي في رجال الكشي ضعف.
قلت اُصلي خلف من لا أعرف؟ فقال : لا تصل إلا خلف من تثق بدينه ، فقلت له : اُصلي خلف يونس وأصحابه؟ فقال : يأبى ذلك عليكم علي بن حديد ، قلت : آخذ بقوله في ذلك؟ قال : نعم ، قال : فسألت علي بن حديد عن ذلك ، فقال : لا تصلّ خلفه ولا خلف أصحابه » (1).
وربما يؤيد وثاقته كونه من رجال « كامل الزيارات » (2). التي نص ابن قولويه في أوله بأنه يروي عن الثقات في كتابه هذا (3). كما يؤيد وثاقته أيضاً كونه من رجال تفسير القمي (4) الذي نصّ في أول تفسيره بأن رجال تفسيره هذا من الثقات. وسوف يوافيك الكلام في هذين التوثيقين ، غير ان تضعيف الشيخ مقدم على ما نقله الكشي ، لأن في سند روايته ضعفاً ، فلم يبق إلا كونه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمي. والظاهر تقديم جرح الشيخ على التوثيق العمومي الذي مبناه كونه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمي ، وسيوافيك الكلام بأن التوثيق العمومي المستفاد من مقدمة الكتابين ، على فرض صحته ، حجة ما لم يعارض بحجة صريحة اخرى ، مضافاً إلى ما في نفس هذا التوثيق العمومي الّذي نسب إلى الكتابين من الضعف.
الثاني : وجود التصحيف في سند الرواية. والظاهر أن لفظة « عن علي بن حديد » مصحف « وعلي بن حديد » ويدلّ عليه اُمور :
الف ـ كثرة رواية ابن أبي عمير عن جميل بلا واسطة. قال في معجم رجال الحديث : « ورواياته عنه تبلغ 298 مورداً » (5). وعلى ذلك فمن البعيد
__________________
1 ـ رجال الكشي : 418 ، ترجمة يونس بن عبد الرحمن.
2 ـ كامل الزيارات : 4 ، الباب 8 في فضل الصلاة في مسجد الكوفة ومسجد السهلة.
3 ـ كامل الزيارات : 4 ، وسيوافيك ان مضمون كلام صاحب كامل الزيارات لا يفيد إلا وثاقة مشايخه الذين يروي عنهم بلا واسطة ، فلا دلالة لوقوعه في اسناد كامل الزيارات على وثاقة من لا يروي عنه بلا واسطة.
4 ـ راجع تفسير القمي في تفسير قوله تعالى ( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ).
5 ـ معجم رجال الحديث : 22 / 102.
جداً ، ان ابن ابي عمير الذي يروي عن جميل هذه الكمية الهائلة من الأحاديث بلا واسطة ، يروي عنه رواية واحدة مع الواسطة ، ولأجل ذلك لا تجد له نظيراً في كتب الأحاديث.
ب ـ وحدة الطبقة ، لأن الرجلين في طبقة واحدة من أصحاب الكاظم والرضا 8. ونصّ النجاشي على رواية عليّ بن حديد عن أبي الحسن موسى بن جعفر 8 (1).
ج ـ لم يوجد لا بن ابي عمير أي رواية عن علي بن حديد في الكتب الاربعة غير هذا المورد ، كما يظهر من قسم تفاصيل طبقات الرواة لمعجم الرجال (2) وهذا يؤكّد كون علي بن حديد ، معطوفاً على ابن أبي عمير وأنه لم يكن شيخاً له ، وإلا لما اقتصر في النقل عنه على رواية واحدة.
4 ـ الحسين بن أحمد المنقري : فقد روى عن ابن ابي عمير ، عدداً من الروايات جاء في بعضها لفظ المنقري دون الآخر ، والقرائن تشهد على وحدتهما. واليك مجموع ما ورد عنه في الكتب الأربعة :
1 ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن أحمد المنقري قال : سمعت أبا إبراهيم يقول : من استكفى بآية من القرآن ... (3).
2 ـ روى عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن أحمد المنقري عن خاله قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : من أكل طعاماً لم يدع اليه فأنّه أكل قصعة من النار (4).
__________________
1 ـ رجال النجاشي : رقم الترجمة 717.
2 ـ معجم الرجال الحديث : 22 / 292.
3 ـ الكافي : ج 2 كتاب فضل القرآن ، الباب 13 ، الحديث 18.
4 ـ الكافي : ج 5 ، كتاب المعيشة ، الباب 5 ، الحديث 5 ورواه الشيخ في التهذيب : ج 9 ، الحديث 398.
3 ـ روي في الروضة عن علي بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن ابن ابي عمير ، عن الحسين بن أحمد المنقري ، عن يونس بن ظبيان قال : قلت لابي عبد الله 7 : ألا تنهى هذين الرجلين عن هذا الرجل ... (1).
4 ـ روى ( الكليني ) ايضاً بسند صحيح عن ابن ابي عمير ، عن الحسين بن أحمد ، عن شهاب بن عبد ربه قال : قال لي ابو عبدالله 7 : ان ظننت ان هذا الأمر كائن في غد ، فلا تدعنَّ طلب الرزق (2).
5 ـ روي عن علي بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن ابن ابي عمير ، عن حسين بن أحمد المنقري ، عن عيسى الضرير قال : قلت لابي عبد الله 7 : رجل قتل رجلاً متعمداً ما توبته؟ ... (3).
وهذا الحديث لم يذكره في معجم الرجال في هذا المقام ، لكنه ذكره في ترجمة الحسين بن أحمد المنقري ، وربما يتخيل ان « الحسين » في الأخير هو المحسن بن أحمد كما في الفقيه (4). لكنه ضعيف ، لأن المحسن من اقران ابن ابي عمير ، ومن اصحاب الرضا 7 ، ومن مشايخ أحمد بن محمد بن خالد ، الذي يروي عن ابن ابي عمير بلا واسطة ، وعندئذ كيف يصح نقل ابن ابي عمير عن « المحسن »؟
والجواب عن النقض يظهر بالاحاطة بكلمات النجاشي وابن الغضائري في حقه.
قال النجاشي : « الحسين بن أحمد المنقري التميمي ابو عبدالله ، روى عن ابي عبدالله 7 رواية شاذة لم تثبت ، وكان ضعيفاً ، ذكر ذلك
__________________
1 ـ الروضة : الحديث 561.
2 ـ الكافي : ج 5 ، كتاب المعيشة ، الباب 5 الحديث 9.
3 ـ الكافي : ج 7 ، كتاب الديات ، الباب 4 ، الحديث 4.
4 ـ الفقيه : الجزء 4 باب تحريم الدماء والاموال ، الحديث 206.
أصحابنا 4. روى عن داود الرقي وأكثر ، له كتب ».
وقال الشيخ في الفهرست : « الحسين بن أحمد المنقري له كتاب رويناه » ( الفهرست : الرقم 216 ).
وعده في رجاله من أصحاب الباقر 7 ( الرقم 25 ) ، ومن أصحاب الكاظم 7 قائلاً : « إنه ضعيف » ( الرقم 8 ).
ان كون الرجل من أصحاب الباقر 7 مع إكثاره النقل عن داود الرقي ، محل تأمل وقد توفي داود الرقي بعد المائتين بقليل بعد وفاة الرضا 7 ( سنة 203 ).
وعلى أي تقدير ، فالظاهر ان ضعفه راجع إلى العقيدة لا الرواية وذلك لأمرين :
الأول : ان النجاشي وصفه بقوله : « روى عن داود الرقي وأكثر » وقد قال في حق داود : « ضعيف جداً والغلاة تروي عنه » ، فيمكن أن يكون هو أحد الغلاة الذين رووا عن داود.
الثاني : ان الشيخ ذكر داود الرقي في أصحاب الكاظم 7 ، وقال : « داود الرقي مولى بني أسد وهو ثقة ، من أصحاب ابي عبدالله 7 » ، ومع ذلك نرى ابن الغضائري يقول في حقه : « داود بن كثير بن أبي خالد الرقي مولى بني أسد روى عن ابي عبدالله 7 ، كان فاسد المذهب ، ضعيف الرواية لا يلتفت اليه ».
فاتضح ان الطعن فيه لم يكن لاجل كونه غير ثقة في نقل الحديث ، بل الطعن لاجل وجود الارتفاع في العقيدة بقرينة اكثار النقل عن داود الرقي ، المتهم بالارتفاع في العقيدة ، ونقل الغلاة عنه ، والكل غير مناف للوثاقة في مقام النقل الذي كان ابن ابي عمير ملتزماً فيه بعدم النقل إلا عن الثقة.
هذه النقوض هي التي ذكرها صاحب معجم رجال الحديث ، وقد عرفت مدى صحتها.
ثم ان صاحب مشايخ الثقات جعل ثابتي الضعف منهم خمسة وهم :
1 ـ الحسين بن أحمد المنقري.
2 ـ علي بن حديد.
3 ـ يونس بن ظبيان.
4 ـ ابو البختري وهب بن وهب.
5 ـ عمرو بن جميع.
وبعد ان عرفت حقيقة الحال في الثلاثة الاُول ، فهلمَّ معي نبحث في الاخيرين منهم :
ألف ـ ابو البختري وهب بن وهب العامي : قال النجاشي : « وهب بن وهب ابو البختري ، روى عن ابي عبدالله 7 وكان كذاباً ، وله أحاديث مع الرشيد في الكذب. قال سعد : تزوج أبو عبدالله 7 باُمّه ، له كتاب يرويه جماعة » ثم ذكر سنده اليه (1).
وليس لا بن ابي عمير في الكتب الأربعة رواية عنه إلا ما ورد في صلاة الاستسقاء ، ورواها الشيخ بسنده عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن ابن ابي عمير ، عن ابي البختري ، عن ابي عبدالله 7 ، عن ابيه ، عن علي 7 أنه قال : مضت السنة انه لا يستسقى إلا بالبراري ، حيث ينظر الناس إلى السماء ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة (2).
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 1155.
2 ـ التهذيب : ج 3 ، الحديث 325.
أقول : يمكن التخلص من النقض بوجهين :
الأول : كون الرجل ثقة عند ابن ابي عمير وقت تحمل الحديث ، وهذا كاف في العمل بالالتزام.
الثاني : ان أبا البختري كان عامياً ، ومن المحتمل أن يكون التزام المشايخ راجعاً إلى ابواب العقائد والأحكام الشرعية ، وأما ما يرجع إلى أدب المصلّي في صلاة الاستسقاء ، فلم يكن من موارد الالتزام ، ولم يكن في نقل مثل ذلك أي خطر واشكال فتأمل.
ب ـ عمرو بن جميع الزيدي البتري : قال النجاشي : « عمرو بن جميع الازدي البصري ، ابو عثمان ، قاضي الري ، ضعيف ، له نسخة يرويها عنه سهل بن عامر » ثم ذكر سنده إلى الكتاب (1).
اقول : وليس لابن ابي عمير رواية عنه في الكتب الأربعة ، بل روى عنه الصدوق في معاني الأخبار ، ولا يتجاوز الروايتين :
1 ـ روى الصدوق في معاني الاخبار عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن محمد بن ابي عمير ، عن عمرو بن جميع قال : قال ابو عبدالله 7 : لابأس بالاقعاء في الصلاة بين السجدتين (2).
2 ـ وبهذا الإسناد أيضاً قال : قال ابو عبدالله 7 : حدثني ابي ، عن ابيه ، عن جده قال رسول الله 6 : إذا مشت اُمتي المطيطا ، وخدمتهم فارس والروم ، كان بأسهم بينهم. المطيطا :
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 769.
2 ـ وسائل الشيعة : ج 4 ، الباب 8 من ابواب السجود ، الحديث 6 ، نقلاً عن معاني الاخبار للصدوق.
التبختر ، ومد اليدين في المشي (1).
ان عمرو بن جميع مع ضعفه كان زيدياً بترياً ، وقد صرح بكونه بترياً ابو عمرو في رجاله ، في ترجمة محمد بن اسحاق صاحب المغازي (2).
ومن استظهر من عبارة « العدة » بأن المشايخ التزموا أن لا يروون إلا عن إمامي ثقة يكون النقض هنا وفيما تقدم ، من جهتين : من جهة المذهب حيث ان ابا البختري كان عامياً ، وعمرو بن جميع كان بترياً ، ومن جهة الوثاقة ، لكون الرجلين ضعيفين ، وعلى المختار يكون النقض من جهة واحدة ، وعلى كل تقدير فإحدى الروايتين لا صلة لها بالأحكام الشرعية ، وانما هي نقل تنبؤ عن مستقبل الامة إذا ساد فيهم الكبر والتبختر. نعم الرواية الاُخرى تتضمن حكماً شرعياً. ولعل ابن ابي عمير كان يعتقد بوثاقته عند التحمل والنقل.
ثم ان سيدنا الاستاذ ـ دام ظله ـ أورد على القاعدة نقضاً بعدة أشخاص :
1 ـ يونس بن ظبيان.
2 ـ علي بن ابي حمزة.
3 ـ علي بن حديد.
4 ـ ابي جميلة.
5 ـ عبدالله بن قاسم الحضري (3).
وقد عرفت الحال في الثلاثة الاُول وسيوافيك الكلام في ابي جميلة عند البحث عن مشايخ صفوان الذي عدت روايته عن ابي جميلة نقضاً على القاعدة
__________________
1 ـ وسائل الشيعة : ج 8 ، الباب 63 من ابواب آداب السفر ، الحديث 3 نقلاً عن معاني الاخبار.
2 ـ رجال الكشي : 332.
3 ـ كتاب الطهارة : ج 1 ، ص 191.
واليك الكلام في الخامس أعني عبدالله بن قاسم الحضرمي.
قال النجاشي : عبدالله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل : كذاب غال يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يُعتدّ بروايته ، له كتاب يرويه عنه جماعة (1).
وذكره الشيخ في « الفهرست » وقال : له كتاب ، وذكر سنده اليه ، (2) وعنونه في رجاله في اصحاب الكاظم 7 قائلاً : عبد الله بن القاسم الحضرمي واقفي (3).
وقال ابن الغضائري : عبدالله بن قاسم الحضرمي كوفي ضعيف أيضاً غال متهافت ولا يرتفع به (4).
روى محمد بن ابي عمير عنه عن الصادق جعفر بن محمد 8 عن ابيه ، عن جده عن علي 7 قال : « كن لما لا ترجو ارجى منك لما ترجو ، فان موسى بن عمران 7 خرج يقتبس لأهله ناراً فكلمه الله عز وجل فرجع نبياً ، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان 7 وخرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون فرجعوا مؤمنين » (5).
يلاحظ عليه :
أوّلاً : من المحتمل ، اعتماد النجاشي في تضعيفه إلى تضعيف ابن الغضائري ، يُعرب عنه تقارب العبارتين ، وقد عرفت قيمة تضعيفاته.
وثانياً : ان ابن ابي عمير لم يرو عنه إلا رواية واحدة ولا صلة لمضمونها
__________________
1 ـ رجال النجاشي رقم الترجمة 594.
2 ـ فهرست الشيخ رقم الترجمة 465.
3 ـ رجال الشيخ رقم الترجمة 50.
4 ـ الخلاصة القسم الثاني باب « عبد الله » رقم الترجمة 9.
5 ـ الفقية ج 4 في النوادر ، الحديث رقم 850.
بالاحكام ولعله كان ملتزماً بأن لا يروي إلا عن ثقة فيما يمت إلى بالحكم الشرعي بصلة لا في الموضوعات الأخلاقية او التربوية كما هو مورد الحديث.
ثالثاً : انه لم يرد في الفقيه توصيفه بالحضرمي فيحتمل كونه « عبدالله بن القاسم الحارثي وهو وان كان ضعيفاً حيث يصفه النجاشي بالضعف والغلو ويقول : ضعيف غال (1) لكنه اين هو من قوله في الحضرمي « كذاب » ، عندئذ يقوى ان يكون ضعفه لأجل غلوه في العقيدة لا لضعفه في لسانه ، وقد عرفت أن التضعيف بين القدماء لأجل العقيدة لا يوجب سلب الوثوق عن الراوي ، لأن أكثر ما رآهُ القدماء غلواً أصبح في زماننا من الضروريات في دين الامامية فلاحظ.
هذا كله حول أسانيد ابن أبي عمير وحال النقوض التي جاءت في « معجم رجال الحديث » و « مشايخ الثقات » وغيرهما. غير ان النقوض لا تنحصر فيما ذكر بل هناك موارد اُخر ، ربما يستظهر منها ان ابن أبي عمير نقل فيها عن الضعفاء ، وستجيء الاشارة الكلية إلى ما يمكن الجواب به عن هذه الموارد المذكورة وغير المذكورة.
وقد حان وقت البحث عن مشايخ عديله وقرينه وهو صفوان بن يحيى.
2 ـ صفوان بن يحيى بيّاع السابُري ( المتوفّى عام 210 هـ )
قد تعرفت من الشيخ ان صفوان ، احد الثلاثة الذين التزموا بعدم الرواية والإرسال إلا عن ثقة ، وقبل دراسة هذه الضابطة عن طريق أسانيده نأتي بما ذكره النجاشي في حقه.
قال : « صفوان بن يحيى البجلي بياع السابري ، كوفي ثقة ، ثقة ، عين ، روى أبوه عن أبي عبدالله 7 وروى هو عن الرضا 7 ، وكانت له عنده منزلة شريفة ، ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسى 7. وقد توكل للرضا وأبي جعفر 8 ، وسلم
__________________
1 ـ رجال النجاشي : برقم 591.
مذهبه من الوقف ، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة ، وكانت جماعة الواقفة بذلوا له أموالاً كثيرة ـ إلى ان قال : ـ وكان من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه أحد من طبقته ; ، وصنف ثلاثين كتاباً كما ذكر أصحابنا » ، ثم ذكر كتبه (1).
وقال الشيخ في الفهرست : « أوثق أهل زمانه عند أهل الحديث ، وأعبدهم ، وكان يصلي كل يوم وليلة خمسين ومائة ركعة ، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ، ويخرج زكاة ماله كل سنة ثلاثة مرات ».
مشايخه
فقد أنهى في « معجم رجال الحديث » مشايخه في الكتب الأربعة إلى 140 شيخاً ، وقد أحصاها مؤلف « مشايخ الثقات » فبلغ مشايخه في كتب الأبعة وغيرها 213 شيخاً ، والثقات منهم 109 مشايخ ، والباقون اما مهمل او مجهول ، وقليل منهم مضعف ، وهذا ان دل على شئ فانما يدل على جلالة الرجل وعظمته وإحاطته بأحاديث العترة الطاهرة. ومع ذلك فقد ادعي وجود ضعاف في مشايخه نأتي بما جاء في « معجم الرجال » أوّلاً ، ثم بما جاء في كتاب « مشايخ الثقات » ثانياً.
1 ـ يونس بن ظبيان : روى الشيخ عن موسى بن قاسم ، عن صفوان وابن ابي عمير ، عن بريد ( يزيد ) ويونس بن ظبيان قالا : سألنا أبا عبدالله 7 عن رجل يحرم في رجب أو في شهر رمضان حتى إذا كان أوان الحج ... (2).
أقول : مر الجواب عنه بوجوه ثلاثة في البحث السابق فلا نعيد.
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 254 ، ورجال الكشي : 433 ، طبعة الاعلمي.
2 ـ التهذيب : 5 / 32 ، الحديث 95 من ابواب ضروب الحج.
2 ـ علي بن ابي حمزة البطائني : روى الكليني عن أحمد بن ادريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن علي بن ابي حمزة قال : قلت لابي عبد الله 7 سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم ان الله جسم صمدي نوري ، معرفته ضرورة يمنّ بها على ما يشاء من خلقه. فقال 7 : سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا يحدّ ، ولا يحسّ ، ولا يجسّ ولا تدركه الابصار ولا الحواسّ ، ولا يحيط به شيء ، ولا جسم ولا صورة ، ولا تخطيط ولا تحديد (1).
وليس لصفوان بن يحيى رواية عن علي بن ابي حمزة في الكتب الأربعة غير ما ذكر.
والجواب من وجهين : الأول : ما عرفت ان وزان علي بن أبي حمزة ، وزان زياد بن مروان القندي ، فالرجلان قد ابتليا بالطعن واللعن ، وليس وجهه إلا الانتماء إلى غير مذهب الحق ، وهو لا يمنع من قبول روايتهما إذا كانا ثقتين في الرواية ، والنجاشي والشيخ وان صرحا بوقف الرجل وانه من عُمده ، ولكنه لا يضر باعتبار قوله إذا كان متجنّباً عن الكذب.
الثاني : ان ابا عمرو الكشي روى مسنداً ومرسلاً يناهز خمس روايات (2). تدل على انحراف عقيدته ، كما روى الشيخ في غيبته ما يدل على انه تعمد الكذب (3) إلا ان هنا روايات تدل على كونه باقياً على مذهب الإمامية ، او انه رجع عن الوقف وصار مستبصراً. وهذه الروايات مبثوثة في غيبة النعماني ، وكمال الدين للصدوق ، وعيون أخبار الرضا 7 ، بل
__________________
1 ـ الكافي : 1 / 104 باب النهي عن الجسم والصورة ، الحديث 1.
2 ـ رجال الكشي : رقم الترجمة 310 و 332.
3 ـ غيبة الشيخ الطوسي : 46 ، طبعة النجف.
في رجال الكشي ما يدل على رجوعه عن الوقف ، ولأجل هذه المعارضة لا يمكن رمي الرجل بالبقاء على الوقف بقول قاطع.
ولأجل إيقاف القارئ الكريم على هذه النصوص نأتي بها :
الف : ما رواه أبو زينب في غيبته عن علي بن أبي حمزة ، قال : كنت مع ابي بصير ومعنا مولى لأبي جعفر الباقر 7 فقال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : منا اثنا عشر محدَّثاً ، السابع من ولدي القائم فقام اليه ابو بصير فقال : أشهد اني سمعت ابا جعفر 7 يقوله منذ أربعين سنة (1).
ب : روى الصدرق في كمال الدين بسنده عن الحسن بن علي بن ابي حمزة ، عن ابيه ، عن يحيى بن ابي القاسم ، عن الصادق جعفر بن محمد 7 عن ابيه عن جده قال : قال رسول الله 6 : الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن ابي طالب وآخرهم القائم ، هم خلفائي ، وأوصيائي ، وأوليائي ، وحجج الله على امتي بعدي ، المقر بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر (2).
ج : روى الصدوق في عيون أخبار الرضا عن الحسن بن علي الخزّاز قال : خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن ابي حمزة ، ومعه مال ومتاع ، فقلنا : ما هذا؟ قال : هذا للعبد الصالح 7 أمرني ان أحمله إلى علي ابنه 7 وقد أوصى اليه (3).
كل ذلك يدل على خلاف ما نسب اليه الكشي من القول بالوقف وقد نقل
__________________
1 ـ الغيبة للنعماني : 61 ، طبعة الاعلمي بيروت.
2 ـ كمال الدين وتمام النعمة : 1 / 259 الحديث 4 طبعة الغفاري.
3 ـ عيون اخبار الرضا : 1 / 19 الحديث 4 ، من الطبعة الحجرية القديمة.
الكشي نفسه ما يظهر منه عناية الإمام الرضا 7 (1) به ويصد الانسان عن التسرع في القضاء. خصوصاً إذا وقف الانسان على ما رواه الشيخ بسند صحيح في « التهذيب » عن الحسن بن علي بن ابي حمزة ، الذي رمي بالوقف مثل أبيه ، روى انه قال لأبي الحسن ( الرضا ) 7 : ان ابي هلك وترك جاريتين قد دبَّرهما ، وأنا ممن أشهد لهما وعليه دين كثير ، فما رأيك؟ فقال : رضي الله عن ابيك ، ورفعه مع محمد 6 قضاء دينه خير له ان شاء الله (2).
ولو صحت هذه الروايات لما صح ما ذكره ابن الغضائري في حق ابن أبي حمزة ، انه اصل الوقف ، واشد الخلق عداوة للولي من بعد ابي إبراهيم.
وقد قام الفاضل المعاصر الشيخ غلام رضا عرفانيان ، بتأليف رسالة في شأن الاعتبار الروائي لعلي بن ابي حمزة ، ونجله الحسن ـ شكر الله مساعيه ـ.
والقضاء الصحيح في حق الرواة خصوصاً المشايخ منهم ، لا يتم بصرف المراجعة إلى كلمات الرجاليين ، خصوصاً رجال الكشي الذي فيه ما فيه من اللحن والخلط ، فلا بد من بذل السعي في الروايات الواردة في المجاميع الحديثية.
هذا كله حول « علي بن ابي حمزة » ومن تتَّبع الكتب الفقهية يرى ان الاصحاب يأخذون برواياته ويعملون بها إذا لم يكن هناك معارض.
واليك الكلام في باقي النقوض :
3 ـ ابو جميلة المفضل بن صالح الأسدي : روى الكليني عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن ابي عبد الله ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابي
__________________
1 ـ رجال الكشي : رقم الترجمة 310.
2 ـ التهذيب : 8 / 262 الحديث 953 ، ولا يخفى ان سؤال الحكم الشرعي عن أبي الحسن 7 يعرب عن اعتقاده بإمامته وكونه كأبيه إماماً وقدوة.
جميلة ، عن حميد الصيرفي ، عن ابي عبدالله 7 قال : كل بناء ليس بكفاف فهو وبال على صاحبه يوم القيامة (1).
والمراد منه المفضل بن صالح الأسدي والّذي عده الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق 7 قائلاً : « المفضل بن صالح ابو علي مولى بني اسد ، يكنى بأبي جميلة ، مات في حياة الرضا 7 » (2).
ولكن النجاشي ضعفه عندما ذكر جابر بن يزيد الجعفي ( المتوفّى عام 128 هـ ) وقال : « روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا ، منهم : عمرو بن شمر ، ومفضل بن صالح ، ومنخل بن جميل ، ويوسف بن يعقوب » (3).
وقال العلاّمة في الخلاصة : « مفضل بن صالح ابو جميلة الأسدي النحاس مولاهم ، ضعيف كذاب ، كذاب ، يضع الحديث ، روى عن ابي عبد الله وعن ابي الحسن 8 ». (4)
أقول : ليس لصفوان أية رواية عن المفضل في الكتب الأربعة إلا هذه الرواية (5) ومع ذلك كله فلم يثبت ضعفه ، اما ما ذكره العلاّمة فهو مأخوذ عن ابن الغضائري ، واليك نص عبارته : « المفضل بن صالح ابو جميلة الأسدي النحاس مولاهم ، ضعيف كذاب يضع الحديث ». وقد ذكرنا انه لا اعتبار بتضعيفاته وتعديلاته ، لعدم استناده فيهما إلى السماع بل إلى قراءة المتون كما مر غير مرة.
واما ما ذكره النجاشي فمن القريب جداً ان تضعيفه لأجل الاعتقاد فيه
__________________
1 ـ الكافي : 6 / 531 كتاب الزي والتجمل ، باب النوادر ، الحديث 7.
2 ـ رجال الشيخ : 315.
3 ـ رجال النجاشي : الرقم 332.
4 ـ الخلاصة : 258.
5 ـ معجم رجال الحديث : 11 / 431.
بالغلو ، فصار ذلك الاعتقاد مبدأً للتضعيف ، ومن تتبع رجاله يقف على ان النجاشي متأثر جداً بطريقة ابن الغضائري ، وان بعض تضعيفاته أو كثيراً منها إذا لم يذكر لها وجهاً ، كان لاعتقاد الغلو في الراوي ، وقد عرفت عند البحث عن كتاب ابن الغضائري ان مفهوم الغلو لم يكن محدوداً آنذاك ، حتى يعرف به الغالي من المقصر.
وهذا الاحتمال وان لم يكن له دليل ، إلا انه مظنون لمن راجع رجال النجاشي. وعلى ذلك فلا يعد تضعيفه نقضاً للقاعدة التي استنبطها الأصحاب من طريقة هؤلاء الثقات ، والتزامهم بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.
4 ـ عبد الله بن خداش المنقري : روى الكليني عن ابي علي الأشعري ؛ عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الله بن خداش المنقري انه سأل ابا الحسن 7 عن رجل مات وترك ابنته وأخاه ، قال : المال للابنة (1).
قال النجاشي : « عبد الله بن خداش ، ابو خداش المهري ضعيف جداً ، وفي مذهبه ارتفاع ، له كتاب أخبرناه ابن شاذان ، عن أحمد بن محمد بن يحيى قال حدثنا ابي ، قال حدثنا سلمة بن الخطاب عنه بكتابه » (2).
اقول : ان النجاشي وان ضعفه ، لكن تضعيفه بقرينة قوله « وفي مذهبه ارتفاع » لأجل اعتقاده بأنه غال ، لا لانه ليس بصدوق. والظاهر كما عرفت ان النجاشي كان متأثراً بابن الغضائري في تضعيف الراوي في بعض الأحيان لأجل كونه راوياً لبعض ما يتراءى منه الغلوّ ، حسب عقيدة النجاشي وزميله ابن الغضائري ، مثل ذلك لا يمكن الاعتماد عليه.
__________________
1 ـ الكافي : ج 7 كتاب المواريث باب ميراث الولد ، الحديث 4 ، ومستدرك الوسائل الجزء 17 ، الباب 5 من ابواب ميراث الابوين ، الحديث 2.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 604.
أضف إلى ذلك أن الكشي نقل وثاقته عن عبدالله بن أبي عبدالله ، محمد بن خالد الطيالسي ، فتوثيقه ممّا يعتنى به. قال الكشي : « محمد بن مسعود ، قال أبو محمد عبدالله بن محمد بن خالد : (1) أبو خداش ، عبدالله بن خداش المهري. ومهرة : محلَّة بالبصرة وهو ثقة » ثم نقل عنه أنه كان يقول : « ما صافحت ذمّياً قطّ ، ولا دخلت بيت ذمّي ، ولا شربت دوءً قط ، ولا افتصدت ولا تركت غسل يوم الجمعة قطّ ، ولا دخلت على وال قطّ ، ولا دخلت على قاض قطّ ».
وقد اختلف ضبط اسم والده ، والمشهور هو بالدال كما في مواضع من رجال الشيخ في اصحاب الكاظم وأصحاب الجواد 8 ، فضبطه بأبي خداش المهري البصري ، ولكن ابن داود ذكر أنه رأى في كتاب الرجال للشيخ بخطّه في رجال الصادق 7 عبدالله بن خداش البصري.
ثم الظاهر أن المنقري هو تصحيف المهري. وقد قال الفيض 1 في هامش الوافي : « الصحيح المهري ـ بفتح الميم والهاء الساكنة قبل الراء ـ مكان المنقري ».
5 ـ معلّى بن خنيس : وقد روى عنه صفوان على ما في فهرست الشيخ في ترجمة معلّى. قال : « معلّى بن خنيس يكنّى أبا عثمان الأحول له كتاب ، أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر ابن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه عن صفوان ، عنه » (2). والاجابة عن هذا النقض واضحة.
أما أولاً : فقد مرَّ أن المعلى بن خنيس ثقة ، وما اُثير حوله من الشبهات ليست بتامَّة ، وكفى بذلك ما نقله الشيخ في « الغيبة » في حقّه ، يقول :
__________________
1 ـ المراد منه ابو العباس الطيالسي وقد يكنى بابي محمد فلا تغفل.
2 ـ الفهرس : الرقم 721.
« وكان معلّى من قوّام ابي عبدالله 7 وإنما قتله داود بن علي بسببه ، وكان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه ، وأمره مشهور ، فروي عن ابي بصير قال : لمّا قتل داود بن علي « المعلى بن خنيس » ، فصلبه ، عظم ذلك على ابي عبدالله 7 واشتدّ عليه وقال له : يا داود ، على ما قتلت مولاي وقيّمي في مالي وعلى عيالي؟ والله إنه لأوجه عند الله منك ... في حديث طويل. وفي خبر آخر أنه قال : أما والله لقد دخل الجنة » (1).
وثانياً : إن المعلى قتل قبل ثلاث وثلاثين ومائة ، كما مرَّ في بحث مشايخ ابن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى ممَّن توفي عام 210 ، فكيف يمكن له أن ينقل عنه ، مع ان بين الوفاتين 77 سنة فما زاد ، ولم يكن صفوان من المعمرين الذين عاشوا إلى مائة وأزيد ، ولذلك ان من القريب سقوط الواسطة بين صفوان ومعلى بن خنيس. ويشهد على ذلك قول النجاشي في ترجمة معلى بن خنيس : « له كتاب .... أخبرنا أبو عبدالله بن شاذان ، قال : حدثنا علي بن حاتم ، قال : حدثنا محمد بن عبدالله بن جعفر ، عن أبيه ، عن أيوب ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي عثمان معلى بن زيد الاحول ، عن معلى بن خنيس بكتابه » (2).
فيظهر من ذلك أن ما نقلناه آنفاً من الفهرست هو ترجمة معلى بن عثمان ( او ابن زيد ) الاحول ، لا معلى بن خنيس والنسخة محرّفة لما عرفت من بُعد رواية صفوان عن معلى بن خنيس أولاً ، ولأن « أبا عثمان » كنية معلى بن عثمان ( أو ابن زيد ) كما ذكر النجاشي والشيخ نفسه في رجاله ثانياً.
إلى هنا وقفت على حال النقوض المتوجهة إلى الضابطة التي نقلها الشيخ
__________________
1 ـ الغيبة : 210 ( طبعة النجف ) ، ولاحظ ما ورد حول قتله من الروايات في تنقيح المقال الجزء الثالث ، الصفحة 230.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 1115.
في حقّ الفقهاء الثلاثة وليس النقض منحصراً بما ذكره صاحب « معجم رجال الحديث » أو مؤلف « مشايخ الثقات » بل هناك نقوض اُخر يعرف الجواب عنها بالاحاطة بما ذكرناه. وإليك الكلام في أحوال البزنطي الشيخ الثالث ، الذي لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة.
3 ـ أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر البزنطي ( المتوفّى عام 221 هـ )
قال النجاشي : « أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر زيد ، مولى السكون ، أبو جعفر ، المعروف بالبزنطي ، كوفي لقي الرضا وأبا جعفر 8 ، وكان عظيم المنزلة عندهما وله كتب منها : الجامع قرأناه على أبي عبدالله الحسين بن عبيدالله ، قال : قرأته على أبي غالب أحمد بن محمد الزراري ، قال حدثني به خال أبي محمد بن جعفر ، وعمّ أبي علي بن سليمان قالا : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عنه به. وكتاب النوادر ـ إلى أن قال : ـ ومات أحمد بن محمد سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد وفاة الحسن بن علي بن فضال بثمانية أشهر. ذكر محمد بن عيسى بن عبيد أنه سمع منه سنة عشرة ومائتين » (1) والبزنطي أحد الفقهاء الثلاثة الذين ادّعى الشيخ أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة. وقد جاء في الكتب الاربعة في أسناد روايات تبلغ زهاء 788 مورداً ، وقد أنهى صاحب « معجم رجال الحديث » مشايخه في الكتب الاربعة وغيرها فبلغ 115 شيخاً ، والثقات منهم 53 شيخاً ، والباقي إما مهمل أو مجهول ، وقليل منهم مضعف نظراء.
1 ـ المفضَّل بن صالح : روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن أبي نصر وابن محبوب ، جميعاً عن المفضل بن صالح ، عن
__________________
1 ـ فهرس النجاشي : الرقم 180.
محمد بن مروان قال : سمعت أبا عبدالله 7 يقول : كنت مع أبي في الحجر فبينما هو قائم يصلي إذا أتاه رجل فجلس اليه فلمّا انصرف ، سلّم عليه ثم قال : إني أسألك عن ثلاثة أشياء لا يعلمها إلا أنت ورجل آخر ، قال : ما هي ... (1).
وقد تعرَّفت على حال هذا النقض عند البحث عن مشايخ صفوان فلا نعيد.
2 ـ حسن بن علي بن أبي حمزة : روى الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن 7 قال : قلت له : إن أبي هلك وترك جاريتين ... (2).
وفيه أولاً : إن علي بن أبي حمزة ونجله الحسن ومعاصرهما زياد بن مروان القندي ، ابتلوا بالشَّتم والطعن واللعن ، لذهابهم إلى الوقف ، ولكنه كان راجعاً إلى اعتقادهم الفاسد ، ولا ينافي وثاقتهم الروائية.
وثانياً : إن هناك روايات تدلّ على رجوع الوالد والولد عن الوقف وصيرورتهما مستبصرين ، وقد نقلا النصّ على إمامة الإمام الرضا 7 ومنها هذه الرواية ؛ فترى انّ النَّجل يذهبالى الإمام الرضا 7 يسأله عن مسألة شرعية راجعة إلى تركة أبيه ، ولولا اعتقاده لما كان لسؤاله معنى ، وقد عرفت بعض هذه الروايات عند البحث عن النّقوض المتوجّهة إلى مشايخ ابن أبي عمير ، فلا نعيد.
3 ـ عبدالله بن محمد الشامي : روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبدالله بن محمد الشامي ، عن
__________________
1 ـ الكافي : ج 4 ، كتاب الحج ، باب بدء البيت والطواف ، الحديث 2.
2 ـ التهذيب : 8 / 262 باب التدبير ، الحديث 953.
حسين بن حنظلة ، عن أحدهما 8 قال : أكل الكباب يذهب بالحمى (1).
وروى أيضاً عن عدة من اصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد اللَّه بن محمد الشامي ، عن الحسين بن حنظلة قال : الدباء يزيد في الدماغ (2).
وروى البرقي في المحاسن بسنده عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد اللَّه بن محمد الشامي ، عن الحسين بن حنظلة ، عن احدهما8 قال : السمك يذيب الجسد(3).
اما وجه النقض فان عبداللَّه بن محمد ، من رجال كتاب « نوادر الحكمة » وقد ضعف عدة من رجالها ، وذكرها النجاشي في ترجمة مؤلفها ، منهم عبد اللَّه بن محمد الشامي ، واليك نص النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي : « كان ثقة في الحديث إلا ان اصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمن أخذ ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثنى من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ، ما رواه عن موسى بن محمد الهمداني ـ إلى ان قال : او عبد الله بن محمد الشامي ، او عبد الله بن أحمد الرازي ... » (4).
اقول : ان عبد اللَّه بن محمد الشامي ، الذي يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى صاحب « نوادر الحكمة » غير عبد اللَّه بن محمد الشامي الذي يروي عنه البزنطي ، فان الأول شيخ صاحب النوادر وتلميذ أحمد بن محمد بن
__________________
1 ـ الكافي : ج 6 كتاب الاطعمة باب الشواء والكباب ، الحديث 4.
2 ـ الكافي : 6 / 371 كتاب الاطعمة باب القرع ، الحديث 4.
3 ـ المحاسن : 476 ، الحديث 483.
4 ـ رجال النجاشي : الرقم 939.
عيسى قال الشيخ : « عبد الله بن محمد يكنى ابا محمد الشامي الدمشقي يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى وغيره من اصحاب العسكري 7 » وقال في فصل من لم يرو عنهم : : « عبد الله بن محمد الشامي روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى » وهذا هو الذي استثناه ابن الوليد من روايات كتاب « نوادر الحكمة ».
واما عبد الله بن محمد الشامي الذي يروي عنه أحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي ، فهو متقدم على سميّه بواسطتين : 1 ـ أحمد بن محمد بن عيسى 2 ـ أحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي ، وذلك لأن ابن عيسى يروي كثيراً عن البزنطي ، وهو يروي عن عبد الله بن محمد الشامي ، فلا يمكن ان يكونا شخصاً واحداً.
وبعبارة اخرى ؛ توفي مؤلف النوادر حوالي 290 ، وتوفي أحمد بن محمد بن عيسى بعد 274 ، أو بعد 280 ، وتوفي البزنطي 221 ، فكيف يمكن ان يروي صاحب « نوادر الحكمة » عن شيخ البزنطي وهو عبد الله بن محمد الشامي. ومنشأ الاشتباه اتحاد الراويين في الاسم والنسبة.
ولأجل ان يقف القارئ على تعددهما ذاتاً وطبقة ، فليلاحظ ما رواه الصدوق في عيون اخبار الرضا باب النص على الرضا 7 قال : حدثنا ابي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار ، ومحمد بن علي ماجيلويه ـ رضي اللَّه عنهم ـ قالوا حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ( مؤلف نوادر الحكمة ) عن عبد الله بن محمد الشامي ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن أسباط ، عن الحسين مولى ابي عبدالله 7 ... (1). ترى فيه ان عبد الله بن محمد الشامي يروي عن علي
__________________
1 ـ عيون اخبار الرضا : 16 ، الطبعة الحجرية.
بن اسباط بواسطة ، وكان علي بن اسباط معاصراً لعلي بن مهزيار ، وقد دارت بينهما رسائل ، وعلي بن مهزيار متأخر عن البزنطي (1). وليسا في طبقة واحدة ، فكيف يمكن ان يكون الشامي الذي هو شيخ صاحب النوادر ، شيخاً للبزنطي؟ ولأجل ذلك يحكم بتعدد الراويين.
4 ـ عبد الرحمن بن سالم : روى الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن اسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبدالله 7 : أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر ... (2).
وروى ايضاً بهذا السند عن عبد الرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله 7 جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم ... (3).
وروى أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله 7 : من غسل فاطمة 3؟...(4).
اقول : ويروي عنه ابن ابي عمير أيضاً. روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن ابيه ، عن ابن ابي عمير ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن ابيه ،
__________________
1 ـ توفي ابن مهزيار في ايام إمامة الإمام الحسن العسكري 7 ، روى الكليني مكاتبته عنه في الحج لاحظ ج 4 ، الصفحة 30 باب بلا عنوان بعد باب الحج عن المخالف ، وقد تقلد الإمام العسكري 7 الإمامة بعد وفاة ابيه عام 254 هـ ، وعلى ذلك يكون موت ابن مهزيار حوالي تلك السنة.
2 ـ الوسائل : ج 1 باب 4 من ابواب الوضوء ، الحديث 4.
3 ـ الوسائل : ج 2 باب 22 من ابواب غسل الميت ، الحديث 1.
4 ـ الوسائل : ج 2 باب 24 من ابواب غسل الميت الحديث 6 والظاهر سقوط الواسطة بين أحمد بن محمد بن عيسى ، وعبد الرحمن بن سالم وهو أحمد بن محمد بن ابي نصر ، كما في الاستبصار الرقم ( 730 ) ويشهد بذلك السندان السابقان.
عن ابي جعفر 7 قال : قلت له : هل يكره الجماع في وقت من الأوقات وان كان حلالاً؟ ... (1).
وقع بعنوان « عبد الرحمن بن سالم » في اسناد ثلاث وعشرين رواية ، فهو يروي عن ابي بصير وابيه ، واسحاق بن عمار ، والمفضل بن عمر ، وروى عنه ابن ابي عمير ، وابن ابي نصر ، والحسن بن ظريف ، وسهل بن زياد ، ومحمد بن أسلم وغيرهم.
قال النجاشي : « عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن الكوفي العطار ـ وكان سالم بياع المصاحف ـ وعبد الرحمن اخو عبد الحميد بن سالم ، له كتاب » ثم ذكر سنده اليه (2). وعده الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق 7 كما عده البرقي من اصحابه (3).
ولم يضعفه إلا ابن الغضائري وقال : « روى عن ابي بصير ، ضعيف » ومن المعلوم ان تضعيفاته غير موثوق بها ، لما أوضحنا حالها.
حصيلة البحث : قد تعرفت على النقوض المتوجهة إلى الضابطة من جانب المحقق مؤلف « معجم رجال الحديث » والفاضل المعاصر مؤلف « مشايخ الثقات » وان شيئاً منها لا يصلح لأن يكون نقضاً للقاعدة ، وذلك لجهات شتى نشير اليها :
1 ـ ان كثيراً من هؤلاء الضعاف لم يكونوا مشايخ للثقات ، بل كانوا أعدالهم وأقرانهم ، وانما توهمت الرواية عنهم بسبب وجود « عن » مكان « الواو » ، فتصحيف العاطف بحرف الجر ، صار سبباً لأوهام كثيرة. وقد نبه
__________________
1 ـ الكافي : 5 / 497 ، كتاب النكاح باب الاوقات التي يكره فيها الباه.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 629.
3 ـ رجال الشيخ : الرقم 711.
على هذه القاعدة صاحب « منتقى الجمان » كما أوضحناه فتصور العديل استاذاً لهم.
2 ـ ان كثيراً ممن اتهم بالضعف ، مضعفون من حيث المذهب والعقيدة ، لا من حيث الرواية ، وهذا لا يخالف وثاقتهم وصدقهم في الحديث. وقد وقفت في كلام الشيخ على ان المراد من الثقات هم الموثوق بهم من حيث الرواية والحديث لا المذهب ، وبعبارة اخرى كانوا ملتزمين بالنقل عن الثقات سواء كانوا إماميين أم غيرهم.
3 ـ ان منشأ بعض النقوض هو الاشتراك في الاسم بين المضعف وغيره ، كما مر نظيره في عبد الله بن محمد الشامي.
4 ـ ان بعض من اتهم بالضعف لم يثبت ضعفهم أوّلاً ، ومعارض بتعديل الآخرين ثانياً. وعلى ضوء ما تقدم ، تقدر على الاجابة عن كثير من النقوض المتوجهة إلى الضابطة ، التي ربما تبلغ خمسة واربعين نقضاً. وأغلبها مستند إلى سقم النسخ وعدم إتقانها.
نعم من كان له إلمام بطبقات الرواة ، وميز الشيخ عن التلميذ ، يقف على كثير من الاشتباهات الواردة في الاسناد التي لم تقابل على النسخ الصحيحة.
فابتلاؤنا بكثير من هذهالاشتباهات وليد التقصير في دراسة الحديث ، وعدم معرفتنا بأحوال الرواة ، وطبقاتهم ومشايخهم وتلاميذهم ، وفقدان النسخ الصحيحة.
محاولة للاجابة عن النقوض
ان هنا محاولة للاجابة عن هذه النقوض لا بأس بطرحها ، وهي :
ان شهادة الشيخ في المقام لا تقصر عن شهادة ابن قولويه وعلي بن
إبراهيم في أول كتابيهما بأنهما لا يرويان فيهما إلا عن ثقة. فكما انه يجب الاخذ بشهادتهما مطلقاً ، إلا إذا عارضها تنصيص آخر ، وعند التعارض اما ان يتوقف ، او يؤخذ بالثاني لو ثبت رجحانه ، فهكذا المقام يؤخذ بهذه الشهادة إلا إذا ثبت خلافها ، او تعارضت مع نصّ اخر ، فكما ان ثبوت الخلاف في مورد شهادة ابن قولويه وعلي بن إبراهيم ، لا يضر بالاخذ بقولهما في غير مورده فهكذا المقام.
وجه ذلك ان الشهادة الاجمالية في هذه المقامات تنحل إلى شهادات حسب عدد الرواة ، فالتعارض او ثبوت الخلاف في موارد خاصة يوجب عدم الأخذ بها في الموارد التي ثبت خلافها دون ما لم يثبت ، وقد اورد على هذه المحاولة بوجهين :
الوجه الأول : ان هذا الجواب انما يتم لو كانت الشهادة منتهية إلى نفس هؤلاء الثلاثة ، بأن كانوا مصرحين بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة فعند ذلك تؤخذ بشهادتهم إلا في صورة التعارض او ثبوت الخلاف ، اما إذا كانت الشهادة مستندة إلى نفس الشيخ ، بأن يشهد هو 1 بأن هؤلاء المشايخ لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، فعندئذ يكون الوقوف على مشايخ لهم مضعفين بنفس الشيخ ، موجباً لسقوط هذه الشهادة عن الاعتبار فلا يبقى لها وثوق.
والفرق بين كون الشهادة منتهية إلى نفس الأقطاب الثلاثة ، وكونها منتهية إلى نفس الشيخ واضح ، إذ لو كانت الشهادة منتهية إلى نفس المشايخ ، يكون معناه انهم شهدوا على انهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة عندهم. فاذا تبين الخلاف ، او تعارض مع تنصيص اخر ، يحمل على انه صدر اشتباهاً من هؤلاء في هذه الموارد المتبينة ، فحسبوا غير الثقة ثقة فرووا عنه. وهذا لا يضر بالاخذ بها في غير تلك الموارد وكم له من نظائر في عالم الشهادات.
واما إذا كانت الشهادة منتهية إلى نفس الشيخ ، وكانت شهادته على انهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، مبنية على استقرائه في مشايخهم ، فلا تعتدّ بها إذا تبين الخلاف ، واعلم انهم يروون عن غير الثقة أيضاً ، إذ عندئذ يتبين ان استقراء الشيخ كان استقراء ناقصاً غير مفيد لامكان انتزاع الضابطة الكلية ، فلا يصح الأخذ بها لبطلان اساسها.
هذا ما يرومه معجم رجال الحديث. وان كانت العبارة غير وافية بهذا التقرير ، ولكن الإجابة عن هذا الاشكال ممكنة بعد الدقة في عبارة « العدة ». لأن الظاهر من عبارة الشيخ هو استكشاف الطائفة التزامهم بأنهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، على وجه كانت القضية مشهورة في الأوساط العلمية قبل زمن الشيخ إلى ان انتهت اليه ، فعند ذاك يكون الشيخ حاكياً لهذا الاستكشاف ، لا انه هو الذي كشف ذلك ، وادعى الإجماع عليه. ألا ترى انه يقول : « سوت الطائفة بين ما يرويه هؤلاء وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ».
فالطائفة التي سوت بين ما يرويه هؤلاء هي التي كشفت هذا الالتزام عنها وعرفها الشيخ ، وبذلك يسقط الاشكال عن الصلاحية ، لانه كان مبنياً على ان الشيخ هو الذي كشف الضابطة عن طريق الاستقراء ، وبالعثور على مشايخ ضعفهم الشيخ نفسه في كتبه ، يكون ذلك دليلاً على نقصان الاستقراء.
ولكنك عرفت ان احتمال كون الشيخ هو المستكشف ، فضلاً عن كون استكشافه مبنياً على الاستقراء ، أمر لا توافقه عبارة « العدة ». وعلى ذلك يؤخذ بهذه الشهادة ، ويحكم بوثاقة مشايخهم عامة ، وان لم يذكروا في الكتب الرجالية بشيء من الوثاقة والمدح.
الوجه الثاني : ربما يقال ان هذه المحاولة انما تنتج في المسانيد ، فيحكم بوثاقة كل من جاء فيها إلا من ثبت ضعفه. وأما المراسيل فلا تجري
فيها ، إذ من المحتمل أن تكون الواسطة هي من ثبت ضعفه فعندئذ لا يمكن الأخذ بها ، لأنه يكون من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية (1).
وأجاب عنه السيد الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ على أساس حساب الاحتمالات ، وحاصله : أن الوسيط المجهول إذا افترضنا أنه مردّد بين جميع مشايخ ابن أبي عمير ، وكان مجموع من روى عنه أربعمائة شخص ، وكان ثابت الضعف منهم بشهادة أخرى ، لا يزيدون على خمسة أو حوالي ذلك ، فعندئذ يكون احتمال كون الوسيط المحذوف أحد الخمسة المضعفة 80/1 ، وإذا افترضنا أن ثابت الضعف من الاربعمائة هم عشرة ، يكون احتمال كون الوسيط المحذوف منهم 40/1 ومثل هذا الاحتمال لا يضرّ بالاطمئنان الشخصي ، وليس العقلاء ملتزمين على العمل والاتباع ، إذا صاروا مطمئنين مائة بالمائة.
ثمَّ إنه 1 أورد على ما أجاب به إشكالاً هذا حاصله : إن هذا الجواب إنما يتم إذا كانت الاحتمالات الاربعمائة في الوسيط المجهول ، متساوية في قيمتها الاحتمالية ، إذ حينئذ يصحّ أن يقال احتمال كونه أحد الخمسة المضعفين قيمة 80/1 ، وإذا فرضنا أن ثابت الضعف عشرة في أربعمائة ، كان احتمال كون الوسيط أحدهم 40/1 ، وأما إذا لم تكن الاحتمالات متساوية ، وكانت هناك أمارة احتمالية تزيد من قيمة احتمال أن يكون الوسيط المجهول أحد الخمسة ، فسوف يختلّ الحساب المذكور ، ويمكن أن ندّعي وجود عامل احتمالي ، يزيد من قيمة هذا الاحتمال ، وهو نفس كون ابن أبي عمير يروي الرواية عن رجل او بعض اصحابه ، ونحو ذلك من التعبيرات التي تعرب عن كون الراوي بدرجة من عدم الاعتناء ، وعدم الوثوق بالرواية ، يناسب أن يكون المرويّ عنه أحد أولئك الخمسة ، وإلا لما
__________________
1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 80 ، ومشايخ الثقات : 41.
كان وجه لترك اسمه والتكنية عنه برجل ونحوه وعندئذ يختلّ الحساب المذكور ويكون المظنون كون المرويّ هو أحد الخمسة ، لا أحد الباقين ، فتنقلب المحاسبة المذكورة (1).
ولا يخفى أن الجواب المذكور غير واف لدفع الاشكال ، وعلى فرض صحّته فالذي اُورد عليه غير تامّ.
أما الأول ، فلأن العقلاء في الاُمور المهمّة ، يحتاطون بأكثر من ذلك ، فلا يأخذون بخبر يحتمل كذبه بنسبة 80/1 فلو علم العقلاء أن قنبلة تصيب بناية من ثمانين بناية ، لا يقدمون على السكنى في أحدها ، كما أنه لو وقفوا على أن السيل سيجرف إحدى السيارات التي تبلغ العدد المذكور لا يجرأون على ركوب أي منها ، وهكذا غير ذلك من الامور الخطيرة.
نعم الاُمور الحقيرة التي لا يهتمّ العقلاء باضرارها ، ربّما يأخذون بخبر يحتمل صدقه حتى بأقل من النسبة المذكورة. والشريعة الالهية من الامور المهمة ، فلا يصحّ التساهل فيها ، مثل ما يتساهل في الاُمور غير المهّمة.
ولأجل ذلك قلنا إن أصل الجواب غير تامّ. اللّهم إلا أن يقال : إنَّ تسويغ الشارع العمل بمطلق قول الثقة ، يكشف عن أنه اكتفى في العمل بالشريعة ، بالمراتب النازلة من الاطمئنان ، وإلا لما سوَّغ العمل بقول الثقة على وجه الاطلاق ، وليس قول كل ثقة مفيداً للدرجة العليا من الاطمئنان.
وأما الثاني ، وهو أن الاشكال غير وارد على فرض صحَّة الجواب ، فلأن النجاشي يصرّح بأن وجه إرساله الروايات ، هو أن اُخته دفنت كتبه في حال استتاره ، وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب وقيل : بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدَّث من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي
__________________
1 ـ مشايخ الثقات : 44 ـ 45.
الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله (1).
وعلى هذا فقوله « عن رجل » وما شاكله ، لأجل أنه نسي المرويّ عنه ، وإلا لصرّح باسمه ، لا كأنه بلغ من الضعف إلى درجة يأنف عن التصريح باسمه ، حتى يستقرب بأنه من أحد الخمسة الضعاف.
نعم هاهنا محاولة لحجيّة مراسيله لو صحت لاطمأنّ الإنسان بأنّ الواسطة المحذوفة كانت من الثقات لا من الخمسة الضعاف.
وحاصلها أن التتبع يقضي بأن عدد رواياته عن الضعاف قليل جدّاً بالنسبة إلى عدد رواياته عن الثقات ، مثلاً إنه يروي عن أبي أيوب في ثمانية وخمسين مورداً ، كما يروي عن ابن اذينة في مائة واثنين وخمسين مورداً ، ويروي عن حمّاد في تسعمائة وخمسة وستّين مورداً ، ويروي عن عبد الرحمن بن الحجّاج في مائة وخمسة وثلاثين مورداً ، كما يروي عن معاوية بن عمّار في أربعمائة وثمانية وأربعين مورداً ، إلى غير ذلك من المشايخ التي يقف عليها المتتبّع بالسبر في رواياته.
وفي الوقت نفسه لا يروي عن بعض الضعاف إلا رواية او روايتين او ثلاثة ، وقد عرفت عدد رواياته في الكتب الاربعة عن هذه الضعاف.
فاذا كانت رواياته من الثقات أكثر بكثير من رواياته عن الضعاف ، يطمئن الانسان بأن الواسطة المحذوفة في المراسيل هي من الثقات ، لا من الضعاف. ولعلّ هذا القدر من الاطمئنان كاف في رفع الاشكال.
نعم لمّا كانت مراسيله كثيرة مبسوطة في أبواب الفقه ، فلا جرم إن الانسان يذعن بأن بعض الوسائط المحذوفة فيها من الضعفاء.
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 887.
ولكن مثل هذا العلم الاجمالي أشبه بالشبه غير المحصورة ، لا يترتب عليها أثر ، كالعلم بأن بعض الاخبار الصحيحة غير مطابق للواقع ، ولا صادر عن المعصوم.
3 ـ العصابة المشهورة بأنهم لا يروون إلا عن الثقات
* أحمد بن محمد بن عيسى.
* بنو فضال كلهم.
* جعفر بن بشير البجلي.
* محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني.
* علي بن الحسن الطاطري.
* أحمد بن علي النجاشي صاحب الرجال.
قد عرفت حقيقة الحال في ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي. هلمّ معي ندرس حال الباقين ممَّن قيل في حقّهم إنهم لا يروون إلا عن ثقة ، وهم عبارة عن عدّة من أجلاء الاصحاب منهم :
ألف ـ أحمد بن محمد بن عيسى القمي
لا شكّ أن أحمد بن محمد بن عيسى ثقة جليل وثَّقه النجاشي والشيخ ، ونقل العلاّمة في خلاصته (1) أنه أخرج أحمد بن محمد بن خالد البرقي القمي من قم لانه كان يروي عن الضعاف ، لكنه أعاده اليها ، معتذراً اليه ، ولمّا توفي مشى أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً ليبرء نفسه ممّا قذفه به وهذا يدلّ على أن أحمد بن محمد بن عيسى ما كان يروي عن الضِّعاف وإلا لما أخرج سميّه ومعاصره من قم ، فيعدّ هذا دليلاً على أنه لا يروي إلا عن ثقة.
والظاهر بطلان هذا الاستنتاج ، لأنه لم يخرج البرقي من قم لأجل روايته عن ضعيف او ضعيفين او ضعاف معدودين ، بل لأجل أنه كان يكثر الرواية عن
__________________
1 ـ الخلاصة : 14 ، طبعة النجف. ونقل النجاشي في فهرسه ( الرقم : 490 ) قريباً منه في حق سهل بن زياد الآدمي ، وان ابن عيسى اخرجه من قم وكان يشهد عليه بالغلو والكذب.
الضعاف ويعتمد عليهم. قال الشيخ في ترجمته : « وكان ثقة في نفسه غير أنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل » (1) وقال العلاّمة في « الخلاصة » : « أصله كوفي ثقة غير أنه اكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل ، قال ابن الغضائري : طعن عليه القميون وليس الطعن فيه ، إنما الطعن فيمن يروي عنه فانه كان لا يبالي عمَّن أخذ على طريقة أهل الاخبار ».
والمتحصل من ذلك أن أحمد بن محمد بن عيسى أخذ على البرقي إكثار الرواية من الضعاف ، وهو يدل على عدم اكثاره منها لا أنه لا يروي عن ضعيف قطّ.
أضف إلى ذلك أن أحمد بن محمد بن عيسى بنفسه روى عن عدَّة من الضعفاء نظراء :
1 ـ محمد بن سنان : روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن اسماعيل بن جابر ، عن أبي عبدالله 7 قال : العلماء أمناء ، والاتقياء حصون (2).
ومحمد بن سنان هذا ممَّن ضعفه النجاشي وقال : « قال أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد : إنه روى عن الرضا 7 قال : وله مسائل عنه معروفة ، وهو رجل ضعيف جدّاً لا يعوَّل عليه ولا يلتفت إلى ما تفرّد به ، وقد ذكره ابو عمرو في رجاله ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري قال : قال أبو محمد الفضل بن شاذان : لا اُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان » (3).
2 ـ علي بن حديد : روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن
__________________
1 ـ فهرست الشيخ : الرقم 55.
2 ـ الكافي : 1 / 33 ، كتاب فضل العلم ، الباب الثاني ، الحديث 5.
3 ـ رجال النجاشي : الرقم 888 ، ورجال الكشي : 428.
محمد بن عيسى ، عن علي بن حديد ، عن مرازم ، عن أبي عبدالله 7 قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء (1).
وقد مضى أن علي بن حديد في الضعاف.
3 ـ اسماعيل بن سهل : روى الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن اسماعيل بن سهل ، عن حماد ، عن ربعي ، عن ابي عبدالله 7 قال : قال امير المؤمنين 7 : ان الندم على الشر يدعو إلى تركه (2).
واسماعيل بن سهل هذا ضعفه النجاشي. قال : « اسماعيل بن سهل الدهقان ضعفه اصحابنا ، له كتاب » (3) وقال العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة وابن داود مثله (4).
4 ـ بكر بن صالح : روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن علي ، عن عبدالله بن إبراهيم ، عن علي بن أبي علي اللهبي ، عن أبي عبدالله 7 قال : إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح (5).
وبكر بن صالح هذا ممَّن ضعفه النجاشي. قال : « مولى بني ضبَّة روى عن أبي الحسن موسى 7 ، ضعيف له كتاب نوادر » (6).
__________________
1 ـ الكافي : 1 / 59 ، كتاب فضل العلم ، باب الرد إلى الكتاب والسنة ، الحديث 21.
2 ـ الكافي : 2 / 427 ، كتاب الايمان والكفر ، باب الاعتراف بالذنوب ، الحديث 7.
3 ـ رجال النجاشي : الرقم 56.
4 ـ الخلاصة : 200 ، ورجال ابن داود : 231 ، وذكراه في القسم الثاني.
5 ـ الكافي : 2 / 101 باب حسن الخلق ، الحديث 12.
6 ـ رجال النجاشي : الرقم 276.
وقال العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة : « بكر بن صالح الرازي مولى بني ضبَّة ، وروى عن أبي الحسن الكاظم 7 ، ضعيف جدّاً كثير التفرّد بالغرائب » (1).
ب ـ بنو فضّال
قد استدلّ على وثاقة كل من روى عنه بنو فضال بالحديث التالي : روى الشيخ في كتاب « الغيبة » عن أبي محمد المحمدي قال : وقال أبو الحسين بن تمام : حدثني عبدالله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح ( رضي الله عنه ) قال : سئل الشيخ ـ يعني أبا القاسم ( رضي الله عنه ) ـ عن كتب ابن ابي العزاقر (2) بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملآى؟ فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي 7 وقد سئل عن كتب بني فضال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملآى؟ فقال ـ صلوات الله عليه ـ : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا (3).
وهذه الرواية ممّا استند اليه الشيخ الانصاري ; في كتاب صلاته عند ما تعرض لرواية داود بن فرقد وقال : « روى الشيخ عن داود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله 7 قال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي بمقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات ، فاذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر ... ـ ثم قال : وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أن سندها إلى الحسن بن فضّال صحيح وبنو فضّال ممّن أُمروا بالأخذ بكتبهم ورواياتهم » (4).
__________________
1 ـ الخلاصة : 207 ـ 208.
2 ـ هو محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن ابي العزاقر وقد خرج التوقيع بلعنه على يد الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح في ذي الحجة من شهور سنة 312 هـ ، وله كتاب « التكليف ».
3 ـ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : 239 ، طبعة النجف.
4 ـ صلاة الشيخ الانصاري : 1.
غير أن الاستدلال بهذا الحديث على فرض صحة سنده قاصر ، لأن المقصود من الجملة الواردة في حقّ بني فضال هو أن فساد العقيدة بعد الاستقامة لا يضرّ بحجية الرواية المتقدمة على الفساد ، لا انه يؤخذ بكل رواياتهم ومراسيلهم ومسانيدهم من غير أن يتفحص عمَّن يروون عنه ، بل المراد أنه يجري على بني فضال الحكم الذي كان يجري على سائر الرواة ، فكما أنه يجب التفتيش عنهم حتى تتبيّن الثقة منهم عن غيرها فهكذا بنو فضال.
ج ـ جعفر بن بشير
قد استدل المحدث النوري في مستدركه (1) على وثاقة كل من روى جعفر بن بشير عنهم ومن رووا عنه بما ذكره النجاشي في رجاله حيث قال : « جعفر بن بشير البجلي الوشاء من زهاد اصحابنا وعبّادهم ونسّاكهم وكان ثقة وله مسجد بالكوفة ـ إلى أن قال : مات جعفر ; بالأبواء سنة 208 هـ. كان أبو العباس بن نوح يقول : كان يلقّب فقحة العلم (2) روى عن الثقات ورووا عنه ، له كتاب المشيخة » (3).
ولكن الظاهر أن العبارة غير ظاهرة في الحصر ، بل المراد أن جعفر بن بشير يروي عن الثقات كما تروي الثقات عنه ، وأما إنه لا يروي عنه إلا الثقات وهو لا يروي إلا عنهم ، فلا تفيده العبارة ، كيف ومن المستبعد عادة أن لا يروي عنه إلا ثقة وهو خارج عن اختياره ، وأقصى ما تفيده العبارة أن القضية غالبية.
كيف وقد روى جعفر بن بشير عن الضعيف أيضاً.
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 777 ، الفائدة العاشرة.
2 ـ هكذا ضبطه في الايضاح على ما نقله قاموس الرجال والفقحة من النبت الزهرة ، كما ضبطه في الخلاصة : 32 ، ورجال ابن داود بـ « قفة العلم ».
3 ـ رجال النجاشي : الرقم 304.
روى الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن صالح بن الحكم قال : سألت أبا عبدالله 7 عن الصلاة في السفينة ... إلى آخره (1).
وصالح بن الحكم ممن ضعفه النجاشي وقال : « صالح بن الحكم النيلي الاحول ، ضعيف » (2).
د ـ محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني
وقد قيل (3) في حقه ما قيل في حقّ جعفر بن بشير مستدلاً بما ذكره النجاشي في حقه أيضاً حيث قال : « محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني أبو عبدالله ثقة عين روى عن الثقات ورووا عنه ولقي أصحاب أبي عبدالله 7 » (4).
والمراد من هذه العبارة ما ذكرناه في حقّ المتقّدم عليه.
هـ ـ علي بن الحسن الطاطري
قال الشيخ في ترجمة الرجل : « كان واقفياً شديد العناد في مذهبه ، صعب العصبية على ما خالفه من الإمامية ، وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم فلأجل ذلك ذكرناها » (5).
استدل بذيل كلام الشيخ من أن كل من روى علي بن الحسن الطاطري عنه فهو ثقة ، لأن الشيخ شهد على أنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم
__________________
1 ـ التهذيب : 3 / 296 ، باب الصلاة في السفينة ، الحديث 897.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 533.
3 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 777 ، الفائدة العاشرة.
4 ـ رجال النجاشي : الرقم 933.
5 ـ فهرست الشيخ : 118 ، الرقم 392.
وبروايتهم ، ولكن غاية ما يستفاد من هذه العبارة ان الطاطري لا يروي في كتبه إلا عن ثقة ، واما انه لا يروي مطلقاً إلا عن ثقة فلا يدل عليه.
وعلى ذلك كلما بدأ الشيخ سند الحديث باسم الطاطري فهو دليل على ان الرواية مأخوذة من كتبه الفقهية فعندئذ فالسند صحيح إلى اخره ، وهذا غير القول بأنه لا يروي إلا عن ثقة ، حتى يحكم بصحة كل سند وقع فيه الطاطري إلى ان ينتهي إلى المعصوم ، على ان من المحتمل ان يكون كلام الشيخ محمولاً على الغالب ، فلاحظ كتابه واطمأن بوثاقة كثير من رواة كتابه ، فقال في حقه ما قال ، والله العالم.
نعم هذه التوثيقات في حق هؤلاء الرجال ، قرائن ظنية على وثاقة كل من يروون عنه ولو انضمت اليه القرائن الاخر ربما حصل الاطمئنان على وثاقة المروي عنه ، فلاحظ.
و ـ أحمد بن علي النجاشي صاحب الرجال
ان للشيخ ابي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله النجاشي مشايخ معروفين سنشير اليهم ، وجده النجاشي هو الذي ولي على الأهواز وكتب إلى ابي عبدالله 7 يسأله فكتب الإمام اليه رسالة معروفة بالرسالة الأهوازية التي نقلها السيد محيي الدين في أربعينه والشهيد الثاني في كشف الريبة مسنداً اليه (1).
وقد تقدمت ترجمة النجاشي عند البحث عن الاصول الرجالية.
ويظهر من الشيخ النجاشي ان كل مشايخه ثقات ، بل يظهر جلالة قدرهم وعلوّ رتبتهم فضلاً عن دخولهم في زمرة الثقات ، وهذا ظاهر لمن لاحظ كلماته
__________________
1 ـ رواها الشيخ الانصاري عند البحث عن الولاية ، لاحظ : الصفحة 60 من المكاسب طبعة تبريز.
في احوال بعض مشايخه ، واليك بعض ما قال في حق مشايخه :
1 ـ قال في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور :
« كوفي كان ضعيفاً في الحديث. قال أحمد بن الحسين : كان يضع الحديث وضعاً ، ويروي عن المجاهيل ، وسمعت من قال : كان ايضاً فاسد المذهب والرواية ، ولا ادري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة ابو علي ابن همام وشيخنا الجليل الثقة ابو غالب الزراري ـ رحمهما الله ـ وليس هذا موضع ذكره » (1).
وتعجبه من روايات شيخيه عن هذا الرجل قرينة على انه لم يكن يجوز لنفسه الرواية عن غير الثقة في الحديث ، والاعتماد في النقل على المنحرف الضعيف ، ولكن التعجب من النقل عن واضع الحديث لا يدلّ إلا على التحرز عن مثله لا عن كل ضعيف كما هو المطلوب ، وغاية ما يمكن ان يقال انه كان محترزاً عن مثله لا عمن دونه من الضعفاء.
2 ـ وقال في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيدالله بن الحسن بن عياش الجوهري : « كان سمع الحديث فأكثر واضطرب في اخر عمره ... ، وذكر مصنفاته ثم قال : رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي وسمعت عنه شيئاً كثيراً ورأيت شيوخنا يضعفونه ، فلم ارو عنه شيئاً وتجنبته وكان من اهل العلم والادب القوي وطيب الشعر وحسن الخط ـ ; وسامحه ـ ومات سنة 401 هـ » (2).
3 ـ وقال في ترجمة اسحاق بن الحسن بن بكران : « ابو الحسين العقرائي التمّار كثير السماع ضعيف في مذهبه ، رأيته بالكوفة وهو مجاور ، وكان يروي كتاب الكليني عنه ، وكان في هذا الوقت علواً فلم اسمع منه شيئاً ، له كتاب الرد على الغلاة ، وكتاب نفي السهو عن النبي ، وكتاب عدد
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 313 ـ ابو علي محمد بن همام البغدادي ( المتوفّى عام 333 هـ ) وابو غالب الزراري هو مؤلف رسالة ابي غالب ( المتوفّى عام 368 هـ ) ويروي النجاشي عنهما مع الواسطة ، كيف وقد تولد النجاشي عام 372 هـ ، كما تقدم.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 207.
الائمة » (1).
4 ـ وقال في ترجمة ابي المفضل محمد بن عبدالله بن محمد بن عبيدالله بن البهلول : « كان سافر في طلب الحديث عمره ، اصله كوفي وكان في أول امره ثبتاً ، ثم خلط ، ورأيت جل اصحابنا يغمزونه ، له كتب ـ إلى ان قال : رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه » (2).
ولعل استثناء ما ترويه الواسطة لاجل انها كانت تروي عنه حال الاستقامة والثبت ، والاعتماد على الواسطة بناء على ان عدالته تمنع عن روايته عنه ما ليس كذلك ، كذا وجّهه السيد العلاّمة الطباطبائي ، ووجهه المحدّث النوري ، بأن نقله بالواسطة كان مجرد تورع واحتياط عن اتهامه بالرواية عن المتهمين ووقوعه فيه كما وقعوا فيه (3).
5 ـ وقال في ترجمة هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب ابو نصر المعروف بابن برنية : « كان يذكر أنّ أُمّه ام كلثوم بنت ابي جعفر محمد بن عثمان العمري سمع حديثاً كثيراً وكان يتعاطى الكلام ويحضر مجلس ابي الحسين ابن الشبيه العلوي الزيدي المذهب ، فعمل له كتاباً وذكر ان الائمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين ، واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي ان الائمة اثنا عشر من ولد اميرالمؤمنين 7. له كتاب في الإمامة ، وكتاب في اخبار ابي عمرو وأبي جعفر العمريين ، ورأيت ابا العباس ابن نوح قد عول عليه في الحكاية في كتابه اخبار الوكلاء. وكان هذا الرجل كثير الزيارات وآخر زيارة حضرها معنا يوم الغدير سنة اربعمائة بمشهد امير المؤمنين
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 178.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 1059. 3 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 504.
7 » (1).
قال المحدث النوري : « ولم يعتمد عليه في كتابه ، ولا ادخله في طرقه إلى الاصول والكتب لمجرد تأليفه الكتاب المذكور. قال السيد العلاّمة الطباطبائي بعدما نقل ما ذكرناه : ويستفاد من ذلك كله غاية احتراز النجاشي وتجنبه عن الضعفاء والمتهمين ، ومنه يظهر اعتماده على جميع من روى عنه من المشايخ ، ووثوقه بهم ، وسلامة مذاهبهم ورواياتهم عن الضعف والغمز ، وان ما قيل في ابي العباس ابن نوح (2) من المذاهب الفاسدة في الاصول لا أصل له ، وهذا أصل نافع في الباب يجب ان يحفظ ويلحظ » (3).
6 ـ ونقل في ترجمة عبيدالله بن ابي زيد أحمد المعروف بأبي طالب الأنباري ، عن شيخه الحسين بن عبيدالله قال : « قدم ابو طالب بغداد واجتهدت ان يمكنني اصحابنا من لقائه فاسمع منه فلم يفعلوا ذلك » (4). وقال المتتبع المحدث النوري : « ان ذلك يدل على امتناع علماء ذلك الوقت عن الرواية عن الضعفاء وعدم تمكينهم الناس من الاخذ عنهم ، وإلا لم يكن في رواية الثقتين الجليلين عن ابن سابور (5) غرابة ولا للمنع من لقاء الانباري وجه ، ويشهد لذلك قولهم (6) في مقام التضعيف : « يعتمد المراسيل ويروي عن الضعفاء والمجاهيل » فان هذا الكلام من قائله في قوة التوثيق لكل من يروي عنه وينبه عليه ايضاً قولهم (7) ضعفه اصحابنا او غمز عليه اصحابنا او بعض
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 1185.
2 ـ ابو العباس ابن نوح من مشايخ النجاشي.
3 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 504.
4 ـ رجال النجاشي : الرقم 617.
5 ـ نقل ذلك في ترجمة جعفر بن مالك حيث تعجب النجاشي من نقل ابي علي ابن همام وابي غالب الزراري عنه.
6 و 7 ـ والظاهر افراد الضمير في الكل ، لأن البحث في النجاشي لا في كل عالم رجالي ، اللهم إلا ان يريد المحدث النوري بهذه العبارة ان هذا المسلك لا يختص بالنجاشي ، بل يعم كل من يعبر بهذه الالفاظ.
اصحابنا من دون تعيين ، إذ لولا الوثوق بالكل لما حسن هذا الاطلاق ، بل وجب تعيين المضعف والغامز او التنبيه على انه من الثقات.
ويدل على ذلك اعتذارهم عن الرواية عن الطاطريين وبني فضال وامثالهم من الفطحية والواقفة وغيرهم ، بعمل الاصحاب برواياتهم ، لكونهم ثقات في النقل ، وعن ذكر ابن عقدة ( مع انه من الزيدية ) باختلاطه بأصحابنا وعظم محله وثقته وأمانته ، وكذا اعتذار النجاشي عن ذكره لمن لا يعتمد عليه ، بالتزامه لذكر من صنف من اصحابنا او المنتمين اليهم ، ذكر ذلك في ترجمة محمد بن عبد الملك والمفضل بن عمر » (1).
وهذه الكلمات من الشيخ النجاشي تعرفنا بطريقته وانه كان ملتزماً بأن لا يروي إلا عن ثقة ، ولأجل ذلك يمكن أن يقال ، بل يجب ان يقال : إن عامّة مشايخه ثقات إلا من صرح بضعفه.
وقد استخرج المحدّث النوري مشايخه في المستدرك فبلغ اثنين وثلاثين ونقله العلاّمة المامقاني في خاتمة التنقيح (2). ونحن نذكر مشايخه على ما جمعه واستخراجه المحدث النوري ـ شكرالله سعيه ـ.
مشايخ النجاشي كما استخرجهم النوري
1 ـ الشيخ المفيد وهو المراد بقوله : شيخنا ابو عبدالله.
2 ـ ابو الفرج الكاتب محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن ابي قرة القنائي ، الذي وثقه في الكتاب واثنى عليه.
3 ـ ابو عبدالله محمد بن علي بن شاذان القزويني ، الذي اكثر رواياته عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار.
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 504.
2 ـ تنقيح المقال : 2 / 90.
4 ـ ابو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان الفامي القمّي.
5 ـ القاضي ابو الحسين محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي.
6 ـ محمد بن جعفر الأديب وقد يعبّر عنه بـ « المؤدب » و « القمي » و « التميمي » و « النحوي ».
7 ـ ابو العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي الذي صرح بأنه شيخه ومستنده ومن استفاد منه.
8 ـ ابو الحسن أحمد بن محمد بن عمران بن موسى بن الجراح المعروف بابن الجندي.
9 ـ ابو عبدالله أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز.
10 ـ ابو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري المعروف.
11 ـ أحمد بن محمد بن عبدالله الجعفي ، الذي يروي غالباً عن أحمد بن محمد بن عقدة الحافظ.
12 ـ ابو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الاهوازي المعروف بابن الصلت الذي هو من مشايخ الشيخ.
13 ـ والده علي بن أحمد بن علي بن العباس النجاشي.
14 ـ ابو الحسين علي بن أحمد بن ابي جيد القمي.
15 ـ ابو القاسم علي بن شبل بن اسد الملقب بالوكيل وهو من مشايخ الشيخ.
16 ـ القاضي ابو الحسن علي بن محمد بن يوسف.
17 ـ الحسن بن أحمد بن إبراهيم.
18 ـ ابو محمد الحسن بن أحمد بن الهيثم العجلي الذي قال فيه « انه من وجوه اصحابنا ».
19 ـ ابو عبدالله الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري ، الذي هو من اجلاء شيوخ الشيخ.
20 ـ ابو عبدالله الحسين بن جعفر بن محمد المخزومي الخزاز المعروف بابن الخمري.
21 ـ ابو عبدالله الحسين بن أحمد بن موسى بن هدية.
22 ـ القاضي ابو اسحاق إبراهيم بن مخلّد بن جعفر.
23 ـ ابو الحسن اسد بن إبراهيم بن كليب السلمي الحرّاني.
24 ـ ابو الخير الموصلي سلامة بن ذكا وهو من رجال التلعكبري.
25 ـ ابو الحسن العباس بن عمر بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن ابي مروان الكلوذاني المعروف بابن المروان ، الذي اكثر رواياته عن علي ابن بابويه.
26 ـ ابو أحمد عبد السلام بن الحسين بن محمد بن عبدالله البصري.
27 ـ ابو محمد عبدالله بن محمد بن محمد بن عبدالله الدعجلي.
28 ـ عثمان بن حاتم بن منتاب التغلبي.
29 ـ ابو محمد هارون بن موسى التلعكبري.
30 ـ ابو جعفر او ابو الحسين محمد هارون التلعكبري.
31 ـ ابو الحسين أحمد بن محمد بن علي الكوفي الكاتب الذي روى
عنه السيد الأجل المرتضى.
32 ـ ابو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحّام (1).
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 502 ـ 503 ـ وسقط فيه كـ : « ابو محمد الحسن بن محمد بن يحيى ».
4 ـ كل من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى بلا
واسطة في « نوادر الحكمة »
ولتوضيح هذا النوع من التوثيق نقدم مقدمة وهي : أن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمي الذي يعد من اجلاء الأصحاب ، قد ألَّف كتاباً اسماه « نوادر الحكمة » وهو يشتمل على كتب اولها كتاب التوحيد واخرها كتاب القضايا والأحكام كما ذكره الشيخ في الفهرست (1).
والنجاشي يصف الكتاب بقوله : « لمحمد بن أحمد بن يحيى كتب منها كتاب « نوادر الحكمة » وهو كتاب حسن كبير يعرفه القميون بـ « دبّة شبيب » قال : وشبيب فامي كان بقم له دبة ذات بيوت ، يعطي منها ما يطلب منه من دهن فشبهوا هذا الكتاب بذلك ».
ويعرف شخصية بقوله : « محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي كان ثقة في الحديث ، إلا ان اصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمن اخذ ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء وكان محمد بن الحسن بن الوليد (2) يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما
__________________
1 ـ فهرست الشيخ : 170 ـ 171.
2 ـ محمد بن الحسن بن الوليد القمي ، جليل القدر ، عارف بالرجال ، موثوق به ، له كتب راجع فهرس الشيخ : 148 ـ وقال النجاشي في رجاله : « محمد بن الحسن بن أحمد بن وليد ابو جعفر شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ووجههم ويقال انه نزيل قم وما كان
رواه عن 1 ـ محمد بن موسى الهمداني ، 2 ـ او ما رواه عن رجل. 3 ـ او يقول بعض اصحابنا 4 ـ او عن محمد بن يحيى المعاذي 5 ـ او عن ابي عبدالله الرازي الجاموراني 6 ـ او عن ابي عبدالله السياري 7 ـ او عن يوسف بن السخت 8 ـ او عن وهب بن منبه 9 ـ او عن ابي علي النيشابوري 10 ـ او عن ابي يحيى الواسطي 11 ـ او عن محمد بن علي ابي سمينة 12 ـ او يقول في حديث او كتاب ولم أروه 13 ـ او عن سهل بن زياد الآدمي 14 ـ او عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع 15 ـ او عن أحمد بن هلال 16 ـ او محمد بن علي الهمداني 17 ـ او عبدالله بن محمد الشامي 18 ـ او عبدالله بن أحمد الرازي 19 ـ او أحمد بن الحسين بن سعيد 20 ـ او أحمد بن بشير الرقي 21 ـ او عن محمد بن هارون 22 ـ او عن مموية بن معروف 23 ـ او عن محمد بن عبدالله بن مهران 24 ـ او ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي 25 ـ وما يرويه عن جعفر بن محمد بن مالك 26 ـ او يوسف بن الحارث 27 ـ او عبدالله بن محمد الدمشقي (1).
طبقته في الحديث
يروي هو عن مشايخ كثيرة ، منهم ابن ابي عمير ( المتوفّى عام 217 هـ ) وأحمد بن ابي نصر البزنطي ( المتوفّى عام 221 هـ ) وأحمد بن خالد البرقي ( المتوفّى عام 274 هـ أو 280 هـ ).
ويروي عنه أحمد بن ادريس الأشعري ( المتوفّى عام 306 هـ ) وسعد بن عبدالله القمي ( المتوفّى عام 299 هـ أو 301 هـ ).
__________________
اصله منها ، ثقة ثقة عين مسكون اليه مات سنة 343 هـ » اقول : وهو شيخ الصدوق الذي قال في حقه انه يسكن اليه في تصحيحاته وتضعيفاته ، فكل ما صححه ابن الوليد فهو صحيح وما ضعفه فهو ضعيف. لاحظ الفقيه ج 2 باب صوم التطوع وثوابه من الايام المتفرقة ، ذيل الحديث 241.
1 ـ استثنى ابن الوليد هؤلاء الجماعة من مشايخ مؤلف نوادرالحكمة ومعناه ان غير هؤلاء الواردين في ذلك الكتاب ممن روى عنهم بلا واسطة محكوم بالصحة « رجال النجاشي : الرقم 939 ».
والرجل من اساتذة الحديث في النصف الثاني من القرن الثالث.
وزاد الشيخ في الفهرس : 28 ـ جعفر بن محمد الكوفي 29 ـ والهيثم بن عدي.
غير ان ابا العباس بن نوح قال : « وقد اصاب شيخنا ابو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله وتبعه ابو جعفر بن بابويه ; على ذلك إلا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا ادري ما رابه فيه (1) ، لانه كان على ظاهر العدالة والثقة » (2).
فاستدلوا بأن في استثناء المذكورين وبالاخص بالنظر إلى ما ذكره ابن نوح في حق محمد بن عيسى بن عبيد الذي يدل على التزامهم باحراز العدالة في الراوي ، شهادة على عدالة كل من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ولم تستثن روايته (3).
وباختصار قالوا باعتبار كل من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى إذا لم يكن ممن استثناه ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد عنه ، فان اقتصار ابن الوليد على ما ذكره من موارد الاستثناء يكشف عن اعتماده على جميع روايات محمد بن أحمد غير الموارد المذكورة. والتصحيح والاستثناء راجعان إلى مشايخه بلا واسطة لا كل من جاء اسمه في اسناد ذلك الكتاب منتهياً إلى الإمام.
نظرنا في الموضوع
يستفاد من هذه الكلمات ان مشايخه في الحديث المذكورين في رجال
__________________
1 ـ في بعض النسخ « رايه » والظاهر ما اثبتناه من الريب بمعنى الشك ، أي ما الذي اوجد الشك في حقه.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 939.
3 ـ لاحظ تكملة الوحيد البهبهاني وغيره.
نوادر الحكمة غير من استثنى ، محكوم بالوثاقة والعدالة عند هؤلاء الثلاثة ( أعني ابن الوليد وابن نوح والصدوق لأجل اعتماد الاخير على تعديل ابن الوليد وجرحه في عامة الموارد ) وتوثيقاتهم حجَّة ما لم تعارض بتضعيف آخر.
وربما يورد عليه بأن اعتماد ابن الوليد أو غيره من الاعلام المتقدمين ، فضلا عن المتأخرين ، على رواية شخص والحكم بصحتها لا يكشف عن وثاقة الراوي او حسنه ، وذلك لاحتمال أن الحاكم بالصحة يعتمد على أصالة العدالة ، ويرى حجيَّة كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق ، وهذا لا يفيد من يعتبر وثاقة الراوي أو حسنه في حجية خبره (1).
ولا يخفى أن ما ذكره من الاحتمال لا يوافق ما نقله النجاشي في رجاله عن ابن نوح ، فانه قد اعترض على ابن الوليد في استثناء محمد بن عيسى بن عبيد حيث قال : « لا أدري ما رابه فيه ـ أي ما هو السبب الذي أوقعه في الشك فيه ـ لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة » والمتبادر من العبارة أن الباقين ممَّن قد اُحرزت عدالتهم ووثاقتهم ، لا أن عدالتهم كانت محرزة بأصالة العدالة.
وأضعف من ذلك ما ذكره « لعله كان يرى حجية كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق » فان هذا الاحتمال لا يناسب العبارة.
ويوضح هذا النظر ما ذكره الصدوق في مورد من الفقيه حيث قال : « كان شيخنا محمد بن الحسن لا يصحح خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه لمن صامه ، ويقول إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان كذّاباً غير ثقة ، وكل ما لم يصحّحه ذلك الشيخ 1 ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح ».
وقال أيضا : « كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي
__________________
1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 86 ، طبعة النجف ، والصفحة 74 ، طبعة بيروت.
الله عنه ) سيّئ الرأي في محمد بن عبدالله المسمعي ، راوي هذا الحديث ، وإني قد أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب ، لانه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي » (1).
فان هذه التعابير تشعر بأن توصيف الباقين بالوثاقة ، والمستثنين بالضعف كان بالاحراز لا بالاعتماد على أصالة العدالة في كل راو أو على القول بحجية قول كل من لم يظهر منه فسق.
أضف اليه أنه لو كان المناط في صحة الرواية هذين الاصلين ، لما احتاج الصدوق في إحراز حال الراوي إلى توثيق او تضعيف شيخه ابن الوليد ، لأن نسبة الاصل إلى الاستاذ والتلميذ سواسية.
هذا وإن العلاّمة المامقاني نقل عن الحاوي : أن استثناء اولئك الجمع لا يقتضي الطعن فيهم ، لأن رد الرواية أعمّ من الطعن لا سيما محمد بن عيسى حيث قبل روايته باسناد غير منقطع (2).
والظاهر خلافه ، ولاجل كون الاستثناء دليلا على الطعن تعجب ابن نوح استثناء محمد بن عيسى بن عبيد ، مع كونه ظاهر العدالة والوثاقة. نعم لم يرد رواية محمد بن عيسى مطلقاً إلا فيما إذا كانت اسنادها منقطعة.
هذا وان صاحب « قاموس الرجال » فسر « انقطاع الاسناد » بما إذا كان متفرداً بالرواية ولم يشاركه فيها غيره ، واستشهد على ذلك بقول ابن الوليد في موضع اخر ، قال في كتب يونس : « ما لم يتفرد محمد بن عيسى بروايتها عنه ، صحيحة وليس محمد بن عيسى متفرداً بهذا الشرط بل روايات الحسن
__________________
1 ـ عيون أخبار الرضا : ج 2 ، باب في ما جاء عن الرضا 7 من الاخبار المنثورة ، ذيل الحديث 45 ، طبع طهران.
2 ـ تنقيح المقال : 2 / 76 ، في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الاشعري القمي.
اللؤلؤي ومحمد بن أورمة كذلك » (1).
وهذا التوجيه مما يأباه ظاهر العبارة أعني قوله : « منقطع الاسناد » والظاهر هو انقطاع الاسناد بين محمد بن أحمد بن يحيى ومحمد بن عيسى ولاجل ذلك يروي النجاشي كتب محمد بن عيسى بن عبيد عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن الحميري ، عن محمد بن عيسى بن عبيد (2).
وقد اضاف الشيخ إلى « منقطع الاسناد » قوله « يتفرد به » وهذا يدل على تغايرهما. وعلى كل تقدير فبعض اولئك المستثنين كالحسن اللؤلؤي ممن وثقه النجاشي ، ولابد من اعمال قواعد التعارض في التوثيق والتضعيف.
وعلى كل تقدير فكون الرجل من مشايخ مؤلف كتاب « نوادر الحكمة » يورث الظن او الاطمئنان بوثاقته إذا لم يكن أحد هؤلاء المستثنين ، فلاحظ.
__________________
1 ـ قاموس الرجال : 8 / 41.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 896.
5 ـ ما وقع في اسناد كتاب « كامل الزيارات »
لا شك ان مؤلف كامل الزيارات ( وهو الشيخ الاقدم والفقيه المقدم الشيخ ابو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه المتوفي سنة 367 او 369 على احتمال ، والمدفون بالكاظمية في الرواق الشريف ، وفي محاذاة تلميذه الشيخ المفيد ) احد اجلاء الاصحاب في الحديث والفقه ، ووصفه النجاشي (1) في رجاله بانه من ثقات اصحابنا واجلائهم في الفقه والحديث ، وتوارد عليه النص بالوثاقة في فهرس الشيخ (2) والوجيزة ، والبحار ، وبلغة الرجال للشيخ سليمان الماحوزي ، والمشتركات للشيخ فخر الدين الطريحي ، والمشتركات للكاظمي ، والوسائل ، ومنتهى المقال للشيخ أبي علي ، في ترجمة أخيه ، والسيد رضي الدين ابن طاوس وغيرهم من الاعلام (3).
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 318 ، وقال : كل ما يوصف به الناس من جميل وفقه فهو فوقه ، وله كتب حسان.
2 ـ الفهرست : الرقم 141 ، وذكر الشيخ في رجاله انه مات سنة 368 هـ ، وقال العلاّمة في الخلاصة : انه مات سنة 369 هـ ويحتمل كون التسع مصحف « السبع ».
3 ـ لاحظ مقدمة كامل الزيارات بقلم العلاّمة محمد علي الغروي الاردوبادي ، فقد حقق احوال المترجم ونقل عبائر العلماء في حقه ، وقال النجاشي : « روى عن ابيه واخيه عن سعد » ومراده سعد بن عبدالله الاشعري القمي ( المتوفّى 301 هـ وقيل 299 هـ ) ولم يرو هو عن سعد إلا حديثين كما في رجال النجاشي في ترجمة سعد الرقم 467 ، او اربعة احاديث كما في ترجمة نفسه ، الرقم 318.
وكتابه هذا من أهم كتب الطائفة وأصولها المعتمد عليها في الحديث ، أخذ منه الشيخ في التهذيب وغيره من المحدّثين ، وهو من مصادر الشيخ الحر العاملي في وسائله ، وعدَّه فيه من الكتب المعتمدة التي شهد بصحتها مؤلفوها وقامت القرائن على ثبوتها ، وعلم بصحة نسبتها اليه ، وذكره النجاشي في رجاله بعنوان كتاب « الزيارات » كما ذكره الشيخ في الفهرس بعنوان « جامع الزيارات » وعبَّر عنه في بقية الكتب باسم « كامل الزيارة ».
وهو 1 ذكر في مقدّمة كتابه ما دعاه إلى تصنيف كتابه في هذا الموضوع ، ثم قال : « ولم اُخرج فيه حديثا روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم ـ صلوات الله عليهم ـ كفاية عن حديث غيرهم ، وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره ، ولكن ما وقع لنا من جهة الثّقات من أصحابنا ـ 4 برحمته ـ ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين ، غير المعروفين بالرواية ، المشهورين بالحديث والعلم ، وسمَّيته كتاب « كامل الزيارات » وفضلها وثواب ذلك » (1).
وربما يستظهر من هذه العبارة أن جميع الرواة المذكورين في أسناد أحاديث ذلك الكتاب ممَّن روي عنهم إلى أن يصل إلى الإمام من الثقات عند المؤلف ، فلو اكتفينا بشهادة الواحد في الموضوعات يعدّ كل من جاء في أسناد هذا الكتاب من الثقات بشهادة الثقة العدل ابن قولويه.
وقد وضع الشيخ الفاضل محمّد رضا عرفانيان فهرساً في هذا الموضوع فاستخرج أسامي كل من ورد فيها فبلغت 388 شخصاً.
وقد أشار بما ذكرنا الشيخ الحرّ العاملي في الفائدة السادسة من خاتمة الكتاب وقال : « وقد شهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره ، وأنها
__________________
1 ـ مقدمة كامل الزيارات : 4.
مروية عن الثقات عن الائمة وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه فانه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره » (1).
وذهب صاحب معجم رجال الحديث إلى ان هذه العبارة واضحة الدلالة على انه لا يروي في كتابه رواية عن المعصوم إلا وقد وصلت اليه من جهة الثقات من اصحابنا ، ثم أيَّد كلامه بما نقلناه عن صاحب الوسائل ، ثم قال : « ما ذكره صاحب الوسائل متين فيحكم بوثاقة من شهد علي بن إبراهيم أو جعفر بن محمد بن قولويه بوثاقته ، اللّهم إلا أن يبتلى بمعارض » (2).
اقول : اما رواة تفسير القمي فسيوافيك الكلام في نفس الكتاب ، وانه لم يثبت ان مجموع التفسير من تأليفه ، واما ادعاء دلالة العبارة المذكورة في مقدمة « كامل الزيارات » على انه لا يروي في كتابه رواية عن المعصوم إلا وقد وصلت اليه من جهة الثقات من اصحابنا 4 فيغر تام.
والحق ما استظهره المحدّث المتتبع النوري ، فقد استظهر منه انه نصّ على توثيق كل من صدر بهم سند احاديث كتابه ، لا كل من ورد في اسناد الروايات ، وبالجملة يدل على توثيق كل مشايخه لا توثيق كل من ورد في اسناد هذا الكتاب وقد صرح بذلك في موردين :
الأول : في الفائدة الثالثة من خاتمة كتابه « المستدرك » ( ج 3 ، ص 522 ـ 523 ) قال : ان المهم في ترجمة هذا الشيخ العظيم استقصاء مشايخه في هذا الكتاب الشريف ، فان فيه فائدة عظيمة لم تكن في من قدمنا من مشايخ الأجلة ، فانه ; قال في أول الكتاب : ـ وقال بعد نقل عبارته في مقدمة الكتاب على النحو الذي نقلناه ـ : « فتراه نصّاً على توثيق كل من روي عنه فيه ، بل كونه من المشهورين في الحديث والعلم ، ولا فرق في
__________________
1 ـ الوسائل : 20 / 68.
2 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 50.
التوثيق بين النص على احد بخصوصه او توثيق جمع محصورين بعنوان خاص ، وكفى بمثل هذا الشيخ مزكياً ومعدلاً ».
الثاني : في الفائدة العاشرة ( ج 3 ، ص 777 ) وقال : « من جملة الأمارات الكلية على الوثاقة كونها من مشايخ جعفر بن قولويه في كتابه كامل الزيارات ».
وعلى أي تقدير فيدل على المختار اُمور :
1 ـ انه استرحم لجميع مشايخه حيث قال : « من اصحابنا ـ رحمهم الله برحمته ـ » ومع ذلك نرى انه روى فيه عمن لا يستحق ذلك الاسترحام ، فقد روى في هذا الكتاب عن عشرات من الواقفة والفطحية وهل يصحّ لشيخ مثل ابن قولويه أن يسترحمهم؟
2 ـ روى في الباب الثامن في فضل الصلاة في مسجد الكوفة عن ليث بن أبي سليم وهو عامي بلا اشكال (1).
كما روى عن علي بن أبي حمزة البطائني المختلف فيه ، فقد روى عنه في هذا الكتاب في الصفحات التالية : 63 ـ 84 ـ 108 ـ 119 ـ 246 ـ 248 ـ 294.
كما روى عن حسن بن علي بن أبي حمزة البطائني في الصفحات التالية 49 ـ 100.
كما روى عن عمر بن سعد في الصفحات التالية 71 ـ 72 ـ 90 ـ 93 (2).
__________________
1 ـ كامل الزيارة : 31 ، الباب 8.
2 ـ وربما يتوهم ان المراد منه هو عمر بن سعد بن أبي وقاص وليس بصحيح. كيف وهو من مشايخ نصر بن مزاحم ( المتوفّى عام 212 هـ ) وفي بعض النسخ « عمرو بن سعد » وفي آخر « عمر بن سعيد »
كما روى فيه عن بعض اُمّهات المؤمنين التي لا يركن إلى حديثها ( الصفحة 31 ، الباب الثامن ، الحديث 16 ).
3 ـ القدماء من المشايخ كانوا ملتزمين بأن لا يأخذوا الحديث إلا ممّن صلحت حاله وثبتت وثاقته ، والعناية بحال الشيخ كانت أكثر من عنايتهم بمن يروي عنه الشيخ ، قد عرفت التزام النجاشي بأن لا يروي إلا عن شيخ ثقة ، لا أن يكون جميع من ورد في سند الرواية ثقات.
ولأجل ذلك كانت الرواية بلا واسطة عن المجاهيل والضعفاء عيباً ، وكانت من أسباب الجرح ، ولم يكن نقل الرواية المشتملة على المجهول والضعيف جرحاً.
كل ذلك يؤيد ما استظهره المتتبع النوري ;.
ثم إن أكثر أحاديث الكتاب يرويه المؤلف عن أبيه محمد بن جعفر. قال النجاشي : « كان أبوه من خيار أصحاب سعد (1) وأصحاب سعد أكثرهم ثقات كعلي بن الحسين بن بابويه ( والد الصدوق ) ومحمد بن الحسن بن الوليد ( شيخ الصدوق ) وحمزة بن القاسم ومحمد بن يحيى العطار القمي ».
والوالد هو المدفون بقم في مقبرة « شيخان » فلاحظ.
وأما اخو المؤلف فهو أبو الحسين علي بن محمد بن جعفر ، ونقل عنه في الكتاب كثيراً. قال النجاشي : « روى الحديث ومات حدث السنّ لم يسمع منه ، له كتاب فضل العلم وآدابه ، أخبرنا محمد والحسين بن هديَّة ، قالا : حدثنا جعفر بن محمد بن قولويه ، قال : حدثنا أخي به » (2).
__________________
واحتمل العلاّمة الاميني في تعاليقه ان الراوي هو عمرو بن سعيد المدائني الساباطي الثقة الراوي عن الإمام الرضا 7 والظاهر انه عمر بن سعد من مشايخ نصر.
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 318.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 685.
وإذا كان الحقّ ما استظهره المحدث النوري ، وأن العبارة لا تدل إلا على وثاقة مشايخه فعلينا بيان مشايخه التي لا تتجاوز 32 شيخاً حسب ما أنهاهم المحدّث النوري واليك اسماءهم :
1 ـ والده محمد بن قولويه الذي هو من خيار أصحاب سعد بن عبدالله ( المتوفّى عام 299 هـ ).
2 ـ أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسين الزعفراني نزيل بغداد.
3 ـ ابو الفضل محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان الجعفي الكوفي ، المعروف بالصابوني صاحب كتاب الفاخر في الفقه.
4 ـ ثقة الاسلام الكليني.
5 ـ محمد بن الحسن بن الوليد.
6 ـ محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار.
7 ـ أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن الحسن القرشي الرزاز ( 233 ـ 316 هـ ).
8 ـ محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري القمي.
9 ـ الحسن بن عبدالله بن محمد بن عيسى يروي عنه ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب.
10 ـ أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه.
11 ـ أخوه علي بن محمد بن قولويه.
12 ـ أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبدالله بن موسى بن جعفر الموسوي العلوي.
13 ـ أبو علي أحمد بن علي بن مهدي بن صدقة الرقّي بن هاشم بن
غالب بن محمد بن علي الرقي الانصاري.
14 ـ محمد بن عبد المؤمن المؤدب القمي الثقة صاحب النوادر.
15 ـ ابو الحسن علي بن حاتم بن أبي حاتم القزويني.
16 ـ علي بن محمد بن يعقوب بن اسحاق بن عمّار الصيرفي ( المتوفّى سنة 332 هـ ).
17 ـ أبو الحسن علي بن الحسين السعدآبادي القمّي الذي يروي عنه الكليني.
18 ـ أبو علي محمد بن همّام بن سهيل الكاتب البغدادي ، شيخ الطائفة ووجهها المولود بدعاء العسكري 7 ( المتوفّى سنة 332 هـ ).
19 ـ أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد بن سعد التلعكبري الشيباني ( المتوفّى سنة 385 هـ ).
20 ـ القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني وكيل الناحية المقدسة بهمدان.
21 ـ الحسن بن زبرقان الطبري.
22 ـ أبو عبدالله الحسين بن محمد بن عامر بن عمران بن أبي بكر الاشعري القمي ، الذي أكثر الكليني من الرواية عنه.
23 ـ أبو علي أحمد بن إدريس بن أحمد الاشعري القمي ( المتوفّى سنة 306 هـ ).
24 ـ أبو عيسى عبيدالله بن فضل بن محمد بن هلال الطائي البصري ، وفي بعض النسخ « عبدالله ».
25 ـ حكيم بن داود بن حكيم يروي عن سلمة بن خطاب.
26 ـ محمد بن الحسين وفي بعض المواضع ، الحسن بن مث الجوهري.
27 ـ محمد بن أحمد بن علي بن يعقوب.
28 ـ أبو عبدالله محمد بن أحمد بن يعقوب بن اسحاق بن عمار.
29 ـ ابو عبدالله محمد بن أحمد بن يعقوب.
واحتمل المحدث النوري اتحاده مع سابقه بل اتحاد الثلاثة الواردة في الارقام 27 ، 28 ، 29.
30 ـ ابو عبدالله الحسين بن علي الزعفراني.
31 ـ ابو الحسين أحمد بن عبدالله بن علي الناقد.
32 ـ ابو الحسن محمد بن عبدالله بن علي. (1)
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 523.
6 ـ ما ورد في اسناد تفسير القمي
ربما يستظهر ان كل من وقع فى اسناد روايات تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين : ثقة ، لأن علي بن إبراهيم شهد بوثاقته ، واليك عبارة القمي في ديباجة تفسيره قال : « نحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم ، وأوجب رعايتهم ، ولا يقبل العمل إلا بهم » (1).
وقال صاحب الوسائل : « قد شهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت احاديث تفسيره ، وأنها مروية عن الثقات عن الائمة » (2).
وقال صاحب معجم رجال الحديث معترفاً بصحة استفادة صاحب الوسائل : « ان علي بن إبراهيم يريد بما ذكره ، اثبات صحة تفسيره وان رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين : وأنها انتهت اليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة ، وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة ، كما زعمه بعضهم » (3).
__________________
1 ـ تفسير علي بن إبراهيم القمي : 1 / 4.
2 ـ الوسائل : 20 / 68 ، الفائدة السادسة.
3 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 49 ـ 50 ، المقدمة الثالثة.
وتحقيق الحق يستدعي بيان أمور :
1 ـ ترجمة القمي
إن علي بن إبراهيم بن هاشم احد مشايخ الشيعة في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع ، وكفى في عظمته أنه من مشايخ الكليني ، وقد أكثر في الكافي الرواية عنه ، حتى بلغ روايته عنه سبعة آلاف وثمانية وستين مورداً (1) وقد وقع في أسناد كثير من الروايات تبلغ سبعة آلاف ومائة واربعين مورداً (2).
وعرفه النجاشي بقوله : « علي بن إبراهيم ، ابو الحسن القمي ، ثقة في الحديث ، ثبت معتمد صحيح المذهب سمع فأكثر وصنف كتباً » (3).
وقال الشيخ الطوسي في الفهرست : « علي بن إبراهيم بن هاشم القمي ، له كتب : منها كتاب التفسير ، وكتاب الناسخ والمنسوخ » (4).
2 ـ مشايخه
1 ـ إبراهيم بن هاشم ورواياته عنه تبلغ ستّة آلاف ومائتين وأربعة عشر مورداً.
2 ـ صالح بن السندي ورواياته عنه تبلغ ثلاثة وستّين مورداً.
3 ـ محمد بن عيسى ورواياته عنه تبلغ اربعمائة وستّة وثمانين مورداً.
4 ـ محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ورواياته عنه تبلغ اثنين وثمانين مورداً.
5 ـ هارون بن مسلم ورواياته عنه تبلغ ثلاثة وثمانين مورداً.
__________________
1 ـ معجم رجال الحديث : 18 / 54 في ترجمة الكليني ، الرقم 12038.
2 ـ معجم رجال الحديث : 11 / 194 في ترجمته ، الرقم 7816.
3 ـ رجال النجاشي : 260 ، الرقم 680.
4 ـ الفهرست : 115 ، الرقم 382.
إلى غير ذلك من المشايخ التي ذكرها صاحب معجم رجال الحديث في الجزء 11 ، الصفحة 195.
3 ـ طبقته في الرجال
كان في عصر أبي محمد الحسن العسكري 7 وبقي إلى سنة 307 فانه روى الصدوق في عيون أخبار الرضا 7 عن حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر ، قال : أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم سنة 307 (1).
وحمزة بن محمد ترجمه الشيخ في باب من لم يرو عنهم ، بقوله : « حمزة بن محمد القزويني العلوي ، يروي عن علي بن إبراهيم ونظرائه وروى عنه محمد بن علي بن الحسين بن بابويه » (2).
وفي بعض أسانيد « الامالي » و « كمال الدين » هكذا : حدثنا حمزة بن محمد ـ إلى قوله : « بقم في رجب 339 قال : أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم فيما كتبه إليّ في سنة سبع وثلاثمائة ».
4 ـ تعريف للتفسير
التفسير المنسوب إلى القمي تفسير روائي ، وربما جاءت فيها أنظار عن نفس علي بن إبراهيم بقوله : قال علي بن إبراهيم ...
أورد في أول تفسيره مختصراً من الروايات المبسوطة المسندة المروية عن الامام الصادق 7 عن جدّه أمير المؤمنين 7 في بيان أنواع علوم القرآن.
ثم إن محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني ، تلميذ ثقة الاسلام
__________________
1 ـ عيون اخبار الرضا 7 : 161 ، الطبعة القديمة.
2 ـ رجال الشيخ الطوسي : 468 ـ 469 في باب من لم يرو عنهم.
الكليني ، مؤلف كتاب « الغيبة » رواها باسناده إلى الامام ، وجعلها مقدمة تفسيره ، وقد دوّنت تلك المقدمة مفردة مع خطبة مختصرة وسميت « المحكم والمتشابه » وطبع في ايران ، وربما ينسب إلى السيّد المرتضى ، وطبع تلك المقدمة مع تفسير القمي تارة ، ومستقلة اُخرى ، وأوردها بتمامها العلاّمة المجلسي في مجلد القرآن من « البحار » (1).
وقد ابتدأ القمي بنقل تلك الروايات مع حذف السند بقوله : « فأما الناسخ والمنسوخ فان عدة النساء كانت في الجاهلية ... » (2).
5 ـ الراوي للتفسير او من املي عليه
يروي التفسير عن علي بن إبراهيم ، تلميذه ابو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر 7.
ومع الأسف ، إنه لم يوجد لراوي التفسير ( العباس بن محمد ) ذكر في الاُصول الرجالية ، بل المذكور فيها ترجمة والده المعروف بـ « محمد الأعرابي » وجدّه « القاسم » فقط. فقد ترجم والده الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الهادي 7 بعنوان محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى العلوي (3).
قال شيخنا الطهراني : « وترجم أبو عمرو الكشّي جدّه بعنوان « القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر » وذكر أنه يروي عن أبي بصير ، ويروي عنه أبو عبدالله محمد بن خالد البرقي » (4).
__________________
1 ـ البحار : 90 / 1 ـ 97 ، طبعة بيروت ، والجزء 93 ، طبعة ايران.
2 ـ تفسير القمي : 1 / 26 ـ 27.
3 ـ رجال الطوسي : 424 في اصحاب الهادي حرف الميم ، الرقم 41.
4 ـ كذا في الذريعة ولم نجده في رجال الكشي المطبوع بالعراق مثل ما في المتن ، ولم يعنونه مستقلاً وانما جاء اسمه في ترجمة ابي عبدالله بن خالد هكذا : قال نصر بن الصباح : لم يلق البرقي ابا بصير بل بينهما قاسم بن حمزة.
وأما العباس فقد ترجم في كتب الانساب ، فهو مسلم عند النسّابين وهم ذاكرون له ولأعمامه ولاخوانه ولأحفاده عند تعرضهم لحمزة بن الامام موسى بن جعفر الكاظم 7.
فقد ذكر شيخنا المجيز الطهراني أنه رأى ترجمته في المجدي ، وعمدة الطالب ص 218 من طبع لكنهو ، وبحر الانساب ، والمشجّر الكشاف ، والنسب المسطر المؤلف في حدود 600 هـ ، فعندما ذكر عقب محمد الاعرابي بن القاسم بن حمزة بن موسى 7 ، ذكروا أن محمداً هذا أعقب من خمسة بنين موسى ، وأحمد المجدور ، وعبدالله ، والحسين أبي زبية ، والعباس ، وذكروا من ولد العباس ، ابنه جعفر بن العباس ، ثم ابن جعفر زيداً الملقّب بـ « زيد سياه » ...
وذكر مؤلف « النسب المسطر » ( المؤلف بين 593 ـ 600 هـ ) أعقاب العباس. قال : « وأما العباس بطبرستان ابن محمد الاعرابي فله أولاد بها منهم جعفر وزيد والحسن ولهم أعقاب ، ويظهر من « النسب المسطر » أنه نزل بطبرستان ولأولاده الثلاثة أعقاب بها وكانت طبرستان في ذلك الأوان مركز الزيدية » (1).
6 ـ التفسير ليس للقمي وحده
إن التفسير المتداول المطبوع كراراً (2) ليس لعلي بن إبراهيم وحده ، وإنما هو ملفّق مما أملاه علي بن إبراهيم على تلميذه أبي الفضل العباس ، وما رواه التلميذ بسنده الخاصّ عن أبي الجارود من الإمام الباقر 7.
__________________
1 ـ الذريعة : 4 / 308 ، بتصرف وتلخيص.
2 ـ طبع على الحجر تارة سنة 1313 واخرى مع تفسير الإمام العسكري ، وطبع اخيراً على الحروف في جزءين.
وإليك التعرف على أبي الجارود وتفسيره :
أما ابو الجارود ; فقد عرفه النجاشي بقوله : « زياد بن المنذر ، أبو الجارود الهمداني الخارفي الأعمى ، ... كوفي ، كان من أصحاب أبي جعفر 7. وروى عن أبي عبدالله 7 وتغيَّر لما خرج زيد ( رضي الله عنه ) وقال أبو العباس ابن نوح : هو ثقفي ، سمع عطية ، وروى عن ابي جعفر ، وروى عنه مروان بن معاوية وعلي بن هاشم بن البريد يتكلمون فيه ، قاله البخاري » (1).
وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر 7 : « زياد بن المنذر أبو الجارود الهمداني ، الحوفيّ الكوفيّ تابعي زيدي أعمى ، اليه تنسب الجارودية منهم ».
والظاهر أن الرجل كان إمامياً ، لكنه رجع عندما خرج زيد بن علي فمال اليه وصار زيدياً. ونقل الكشي روايات في ذمّه (2) ، غير أن الظاهر من الروايات التي نقلها الصدوق ، رجوعه إلى المذهب الحق (3).
وأما تفسيره فقد ذكره النجاشي والشيخ وذكرا سندهما اليه ، واليك نصّهما : فقال الأول : « له كتاب تفسير القرآن ، رواه عن أبي جعفر 7. أخبرنا عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن سعيد قال : حدثنا جعفر بن عبدالله المحمدي ، قال : حدثنا ابو سهل كثير بن عياش القطان ، قال : حدثنا أبو الجارود بالتفسير » (4).
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 448.
2 ـ رجال الطوسي : 122 في اصحاب الباقر 7 الرقم 4 ، وفي الصفحة 197 في اصحاب الصادق 7 الرقم 31.
3 ـ رجال الكشي : 199 ، الرقم 104.
4 ـ معجم رجال الحديث : 7 / 325 ـ 326 وقد نقل الروايات الدالة على رجوعه.
فالنجاشي يروي التفسير بواسطة عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة وهو أيضاً زيدي.
كما أن الشيخ يروي التفسير عن ابن عقدة بواسطتين. قال : « وأخبرنا بالتفسير أحمد بن عبدون ، عن ابي بكر الدوري ، عن ابن عقدة ، عن ابي عبدالله جعفر بن عبدالله المحمدي ، عن كثير بن عياش القطان وكان ضعيفاً وخرج أيام أبي السَّرايا معه فأصابته جراحة ، عن زياد بن المنذر أبي الجارود ، عن ابي جعفر الباقر 7 » (1).
إذا عرفت هذا فاعلم أن أبا الفضل الراوي لهذا التفسير قد روى في هذا التفسير روايات عن عدّة من مشايخه.
1 ـ علي بن إبراهيم ، فقد خصّ سورة الفاتحة والبقرة وشطراً قليلاً من سورة آل عمران بما رواها عن علي بن إبراهيم عن مشايخه.
قال قبل الشروع في تفسير الفاتحة : « حدثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر 7 ، قال : حدثنا ابو الحسن علي بن إبراهيم ، قال : حدثني ابي ; ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي عبدالله 7 ».
ثم ذكر عدة طرق لعلي بن إبراهيم (2).
وساق الكلام بهذا الوصف إلى الآية 45 من سورة آل عمران ، ولمّا وصل إلى تفسير تلك الآية ، أي قوله سبحانه : ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين ) أدخل في التفسير ما أملاه الإمام الباقر 7 لزياد بن
__________________
1 ـ الفهرست : الرقم 293.
2 ـ تفسير القمي : 1 / 27 ، الطبعة الاخيرة.
المنذر ابي الجارود في تفسير القرآن ، وقال بعد ذكر الآية : « حدثنا أحمد بن محمد الهمداني ( المراد به أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة وهو زيدي من قبيلة همدان اليمن ) قال : حدثنا جعفر بن عبدالله ( المراد المحمدي ) قال : حدثنا كثير بن عياش ، عن زياد بن المنذر ابي الجارود ، عن ابي جعفر محمد بن علي 7 » (1).
وهذا السند بنفسه السند الذي يروي به النجاشي والشيخ تفسير ابي الجارود ، ولما كان الشيخ والنجاشي متأخرين من جامع التفسير ، نقل النجاشي عن أحمد بن محمد الهمداني ( ابن عقدة ) بواسطة عدّة من أصحابنا ، ونقل الشيخ عنه أيضاً بواسطة شخصين وهما : أحمد بن عبدون وأبو بكر الدوري عن ابن عقدة.
وبهذا تبين ان التفسير ملفق من تفسير علي بن إبراهيم وتفسير ابي الجارود ، ولكل من التفسيرين سند خاص ، يعرفه كل من راجع هذا التفسير ، ثم انه بعد هذا ينقل عن علي بن إبراهيم كما ينقل عن مشايخه الأُخر إلى آخر التفسير.
وبعد هذا التلفيق ، كيف يمكن الاعتماد على ما ذكر في ديباجة الكتاب لو ثبت كون الديباجة لعلي بن إبراهيم نفسه؟
فعلى ذلك فلو اخذنا بهذا التوثيق الجماعي ، يجب ان يفرق بين ما روى الجامع عن نفس علي بن إبراهيم ، وما روى عن غيره من مشايخه ، فان شهادة القمي تكون حجة في ما يرويه نفسه ، لا ما يرويه تلميذه من مشايخه.
ثم ان الاعتماد على هذا التفسير بعد هذا الاختلاط مشكل جداً ، خصوصاً مع ما فيه من الشذوذ في المتون.
__________________
1 ـ تفسير القمي : 1 / 102 ، الطبعة الاخيرة.
وقد ذهب بعض اهل التحقيق إلى ان النسخة المطبوعة تختلف عما نقل عن ذلك التفسير في بعض الكتب ، وعند ذلك لايبقى اعتماد على هذا التوثيق الضمني ايضاً ، فلا يبقى اعتماد لا على السند ولا على المتن.
ثم ان في الهدف من التلفيق بين التفسيرين احتمالاً ذكره شيخنا المجيز الطهراني ، وهو أنّ طبرستان في ذلك الاوان كانت مركز الزيدية ، فينقدح في النفس احتمال ان نزول العباس ( جامع التفسير ) اليها ، انما كان لترويج الحق بها ، ورأى من الترويج ، السعي في جلب الرغبات إلى هذا التفسير ( الكتاب الديني المروي عن اهل البيت 8 ) الموقوف ترويجه عند جميع اهلها على ادخال بعض ما يرويه ابو الجارود عن الإمام الباقر 7 في تفسيره ، المرغوب عند الفرقة العظيمة من الزيدية الذين كانوا يسمون بالجارودية ، نسبة اليه » (1).
ثم ان مؤلف التفسير كما روى فيه عن علي بن إبراهيم ، روى عن عدّة مشايخ أُخر استخرجها المتتبع الطهراني في تعليقته على كتابه القيم « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » واليك بيان بعضها :
2 ـ محمد بن جعفر الرزاز : قال ( راوي التفسير ) : حدثنا محمد بن جعفر الرزاز ، عن يحيى بن زكريا ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن ابي عبدالله 7 في قوله تعالى ( ما اصاب من مصيبة ... ) (2).
ومحمد بن جعفر بن محمد بن الحسن الرزاز هو شيخ ابي غالب الزراري ( المتوفّى عام 368 هـ ) وشيخ ابن قولويه المعروف ( المتوفّى عام 367 هـ أو 369 هـ ) فلا يمكن ان يكون القائل بقوله : « حدثنا » هو علي بن إبراهيم.
__________________
1 ـ الذريعة : 4 / 308.
2 ـ تفسير القمي : 2 / 351 سورة الحديد.
والرزاز يروي عن مشايخ كثيرين.
منهم خاله محمد بن الحسين بن ابي الخطاب ( المتوفّى عام 262 هـ ).
ومنهم ابو جعفر محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري صاحب « نوادر الحكمة » فقد صرح النجاشي برواية الرزاز عنه.
3 ـ ابو عبدالله الحسين بن محمد بن عامر الأشعري : قال ( راوي التفسير ) : اخبرنا الحسين بن محمد بن عامر الأشعري ، عن المعلى بن محمد البصري عن ابن ابي عمير ، عن ابي جعفر الثاني 7 في قوله تعالى : ( يا أيّها الَّذين آمنوا أوفوا بالعقود ) (1).
والحسين بن محمد بن عامر يروي تفسير المعلى البصري عنه ، وقد اكثر الكليني من الرواية عنه في الكافي ، ويروي عنه علي بن بابويه ( المتوفّى عام 329 هـ ) وابن الوليد ( المتوفّى عام 343 هـ ) وابن قولويه المتوفي عام 369 هـ ).
4 ـ ابو علي محمد بن ابي بكر همام بن سهيل : قال ( راوي التفسير : حدثنا محمد بن همام ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك ، قال : حدثنا القاسم بن ربيع ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن ابي جعفر 7 في قوله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) (2).
وابو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب الاسكافي ( المتوفّى عام 336 ، كما ضبطه تلميذه التلعكبري ) يروي عنه ابن قولويه في كامل الزيارات وابو عبدالله محمد بن إبراهيم النعماني ، تلميذ الكليني في كتاب « الغيبة ».
__________________
1 ـ تفسير القمي : 1 / 160 سورة المائدة.
2 ـ تفسير القمي : 2 / 104 سورة النور.
وقد ذكر شيخنا المجيز الطهراني ثلّة ممَّن روى عنه جامع التفسير واليك اسماء بعضهم على وجه الاجمال.
1 ـ أبو الحسن علي بن الحسين السعدآبادي القمي الراوي عن أحمد بن ابي عبدالله البرقي.
2 ـ الشيخ ابو علي أحمد بن ادريس بن أحمد الأشعري القمي ( المتوفّى 306 هـ ).
3 ـ الشيخ ابو عبدالله محمد بن أحمد بن ثابت ، الراوي عن الحسن بن محمد بن سماعة ( المتوفّى عام 263 هـ ).
4 ـ ابو جعفر محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري القمي ، الراوي عن ابيه كتاب « قرب الاسناد ».
5 ـ محمد بن ابي عبدالله ، وهو ابو الحسين محمد بن عون الأسدي ( المتوفّى 312 هـ ) وهو من مشايخ الكليني.
6 ـ حميد بن زياد النينوائي ( المتوفّى 310 هـ ) وهو أيضاً من مشايخ الكليني.
7 ـ الحسن بن علي بن مهزيار ، عن ابيه علي.
8 ـ ابو القاسم الحسني الراوي لتفسير الفرات عن مؤلفه ، وفرات وعلي بن إبراهيم كانا متعاصرين.
إلى غير ذلك من المشايخ الذين يروي عنهم في هذا التفسير ، مع انه لم يوجد رواية علي بن إبراهيم عن احد من هؤلاء في جميع رواياته المروية عنه في الكافي وغيره (1).
__________________
1 ـ لاحظ الذريعة : 4 / 302 ـ 307.
عندئذ لا يصح القول بأن كل ما ورد في اسناد تفسير علي بن إبراهيم القمي ثقات بتوثيق المؤلف في ديباجة الكتاب ، لما عرفت ان التفسير ملفق مما رواه جامع التفسير عن علي بن إبراهيم ، عن مشايخه إلى المعصومين : ومما رواه عن عدة من مشايخه عن مشايخهم إلى المعصومين :.
اضف إلى ذلك انه لا يمكن القول بأن مراد القمي من عبارته : « رواه مشايخنا وثقاتنا » كل من وقع في سنده إلى ان ينتهي إلى الإمام ، بل الظاهر كون المراد خصوص مشايخه بلا واسطة ، ويعرف عنه عطف « وثقاتنا » على « مشايخنا » الظاهر في الأساتذة بلا واسطة ، ولما كان النقل عن الضعيف بلا واسطة من وجوه الضعف ، دون النقل عن الثقة إذا روى عن غيرها خص مشايخه بالوثاقة ليدفع عن نفسه سهم النقد والاعتراض ، كما ذكرنا في مشايخ ابن قولويه ، وإلا فقد ورد في اسناد القمي من لا يصح الاعتماد عليه من اُمّهات المؤمنين فلاحظ.
7 ـ اصحاب الصادق 7 في رجال الشيخ
قيل : ان جميع من ذكره الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق 7 ثقات ، وقد استدل عليه بما ذكره الشيخ المفيد في ارشاده ، وهذا لفظه : « نقل الناس عن الصادق 7 من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، ولم ينقل عن احد من اهل بيته العلماء ، ما نقل عنه ، ولا لقي احد منهم من اهل الآثار ، ونقلة الاخبار ، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن ابي عبدالله ، فان اصحاب الحديث قد جمعوا اسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل » (1).
وقال ابن شهر آشوب في مناقبه : « نقل عن الصادق 7 من العلوم ما لم ينقل عن احد ، وقد جمع اصحاب الحديث اسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا اربعة آلاف رجل (2).
وقال الشيخ محمد بن علي الفتال في « روضة الواعظين » : « قد جمع اصحاب الحديث اسماء الرواة عن الصادق 7 من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات وكانوا اربعة آلاف » (3).
__________________
1 ـ الارشاد : 289 طبعة ايران.
2 ـ المناقب : 4 / 247.
3 ـ روضة الواعظين : 177.
وهؤلاء الاثبات الثلاثة وصفوا تلك الصفوة بالثقات وان كان كلام الشيخ والنجاشي خالياً عن ذلك الوصف كما سيوافيك.
وقد ذكر اهل الرجال ان أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ المكنى بـ « ابي العباس » المعروف بـ « ابن عقدة » قد ضبط اصحاب الصادق 7 فى كتاب رجاله. قال النجاشي في ترجمته ; « له كتاب الرجال وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمد 7 » (1).
ومثله الشيخ في فهرسته ، حيث قال : « له كتاب الرجال وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمد 7 » (2).
وليس في كلام النجاشي والشيخ توصيف رجاله بالوثاقة.
وعلى كل تقدير ، فما ذكره الشيخ المفيد لو كان ناظراً إلى ما جمعه ابن عقدة من أصحاب الصادق 7 ، يكون ما ذكره نفسه ومن تبعه كابن شهر آشوب والفتال شهادة منهم على وثاقة اربعة آلاف رجل من اصحاب الصادق 7. هذا من جانب.
ومن جانب آخر ان الشيخ قد اخرج اسماء هؤلاء الرواة في رجاله مع غيرهم. قال في ديباجة رجاله : « ولم اجد لأصحابنا كتاباً جامعاً في هذا المعنى ( اسماء الرجال الذين رووا عن النبي 6 وعن الأئمة من بعده إلى زمن القائم ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ ومن تأخر عنهم ) إلا مختصرات ، قد ذكر كل انسان منهم طرفاً ، إلا ما ذكره ابن عقدة ، فانه قد بلغ الغاية في ذلك ، ولم يذكر رجاله باقي الأئمة : ، وانا اذكر ما ذكره ، واُورد ذلك من بعد من لم يذكره » (3).
__________________
1 ـ رجال النجاشي : 94 الرقم 233.
2 ـ الفهرست للشيخ : 53.
3 ـ رجال الشيخ الطوسي : 2.
فبملاحظة هذين الأمرين تصبح النتيجة هي ان ما ذكره الشيخ من اسماء الرواة من اصحاب الصادق 7 كلهم ثقات حسب توثيق الشيخ المفيد ومن تبعه.
ثم ان جماعة من المتأخرين تبعوا الشيخ المفيد واقتفوا اثره في ما ذكره واليك نقل بعض كلماتهم :
قال علم الدين المرتضى علي بن جلال الدين عبد الحميد النسابة ، الذي هو من علمائنا في اوائل القرن الثامن في كتابه « الانوار المضيئة » : ومما اشتهر بين العامة والخاصة ان اصحاب الحديث جمعوا اسماء الرواة عنه 7 من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا اربعة آلاف » (1).
وقال الشيخ الطبرسي في الباب الخامس كتابه « اعلام الورى باعلام الهدى » في ذكر مناقب الصادق 7 : « ولم عن ينقل عن احد من سائر العلوم ما نقل عنه ، فان اصحاب الحديث قد جمعوا اسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات ، فكانوا أربعة آلاف رجل » (2).
ثم ان بعض المتأخرين اكتفوا بذكر عدد الرواة عن الصادق 7 من دون توصيفهم بكونهم من الثقات.
1 ـ قال المحقق في « المعتبر » : « انتشر عنه من العلوم الجمَّة ما بهر به العقول ـ إلى ان قال : وروى عنه من الرجال ما يقارب اربعة آلاف رجل » (3).
2 ـ قال العلاّمة في « الخلاصة » في القسم الثاني ( في ترجمة ابن عقدة )
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 770 ، وكتاب ( الانوار المضيئة ) مخطوط يوجد في مكتبة السيد مير حامد حسين ، راجع الذريعة : 2 / 442.
2 ـ اعلام الورى : 165 ـ 166 من الفصل الرابع.
3 ـ المعتبر : 5 ـ 6 في ضمن الوجه الأول.
ما لفظه : « قال الشيخ الطوسي : سمعت جماعة يحكون عنه انه قال : أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها وأُذاكر بثلاثمائة ألف حديث وله كتب ذكرناها في كتابنا الكبير. منها اسماء الرجال الذين رووا عن الصادق 7 اربعة آلاف رجل ، واخرج فيه لكل رجل الحديث الذي رواه ، مات بالكوفة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة » (1).
وما ذكره الشيخ في رجاله يختلف مع ما نقله العلاّمة عنه حيث قال « سمعت جماعة يحكون انه قال : احفظ مائة وعشرين الف حديث بأسانيدها ، واُذاكر بثلاثمائة ألف حديث ، روى عنه التلعكبري من شيوخنا وغيره ، وسمعنا من ابن المهدي ومن أحمد بن محمد المعروف بابن الصلت ، رويا عنه وأجاز لنا ابن الصلت عنه بجميع رواياته ، ومولده سنة تسع واربعين ومائتين ، ومات سنة اثنين وثلاثين وثلاثمائة » (2) وقد وقفت على عبارة الشيخ في الفهرست فلاحظ ، وليس في عبارة الشيخ في رجاله وفهرسته مما ذكره العلاّمة من عدد الرواة عنه اثر.
3 ـ وقال الشهيد في « الذكرى » : « ان ابا عبدالله جعفر بن محمد 7 كتب من اجوبة مسائله اربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف ، ودون من رجاله المعروفين اربعة آلاف رجل من اهل العراق والحجاز والشام ـ إلى ان قال : ومن رام معرفة رجالهم ، والوقوف على مصنفاتهم ، فليطالع كتاب الحافظ بن عقدة وفهرس النجاشي و ... » (3).
4 ـ وقال الشيخ الكبير والد الشيخ البهائي مثل ما قاله المحقق في « المعتبر » واليك نصه : « ومنهم جعفر الصادق 7 الذي اشتهر عنه
__________________
1 ـ الخلاصة : 203 ـ 204.
2 ـ رجال الشيخ : 442 في « باب من لم يرو عن الأئمة ».
3 ـ الذكرى : 6 في ضمن الوجه التاسع.
من العلوم ما بهر العقول ـ إلى ان قال : ودون العامة والخاصة ممن برز ومهر بتعلمه من العلماء والفقهاء اربعة الاف رجل ، كزرارة بن اعين و ... » (1).
5 ـ وقال العلاّمة المجلسي في شرحه على الكافي بعد ما نقل ما ذكره العلاّمة في « الخلاصة » : « وذكر الأصحاب اخباراً من ابن عقدة في كتاب الرجال والمسموع من المشايخ انه كان كتاباً بترتيب كتب الحديث والفقه وذكر احوال كل واحد منهم ، وروى عن كتابه خبراً او خبرين او اكثر ، وكان ضعف الكافي » (2).
ولا يخفى ان ما ذكره المجلسي يتفاوت مع ما ذكره العلاّمة في مختلفه ، فان الظاهر من عبارة العلاّمة انه كان على حسب ترتيب الكتب الرجالية ، وانه اخرج لكل رجل كل الأحاديث التي رواها عن الصادق 7.
هذه هي الكلمات الواردة في المقام التي قد جمعها المتتبع الخبير العلاّمة النوري في الفائدة الثامنة من خاتمة كتاب « مستدرك الوسائل » وقد راجعنا نفس المصادر فنقلناها عنها.
نظرنا في الموضوع
1 ـ ان اقصى ما يمكن ان يقال : انه صدر توثيق من الشيخ المفيد في حق اربعة الاف رجل من اصحاب الصادق 7 ، واما ان مراده هو نفس ما ورد في رجال ابن عقدة ، فأمر مظنون او محتمل ، إذ لم يكن التأليف في الرجال في تلك العصور مختصاً بابن عقدة ، كيف والمؤلفون في علم الرجال من عصر الحسن بن محبوب إلى زمن الشيخ الطوسي أكثر من أن يذكر (3) فلا يصحّ أن يقال إنَّ الشيخ المفيد ناظر في عبارته هذه إلى ما كتبه ابن
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 770.
2 ـ مرآة العقول كما في مستدرك الوسائل : 3 / 770.
3 ـ لاحظ مصفّى المقال للعلامة الشيخ آغا بزرگ الطهراني.
عقدة مع وفور كتب الرجال ، بل هي ناظرة لما جاء في الكتب الرجالية المؤلفة في تلك العصور في أصحاب الصادقين ، بل الأئمة الطاهرين : ، ويؤيد ذلك أن الشيخ عبَّر بلفظ الجمع وقال : « إن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات » فتخصيص عبارة الشيخ المفيد بما جاء في رجال ابن عقدة ، أمر لا دليل عليه.
والدليل على أن المقصود من اصحاب الحديث ليس خصوص ابن عقدة ، أن الشيخ قد التزم في مقدمة رجاله أن يأتي بكلّ ما ذكره ابن عقدة في رجاله مع زيادات لم يذكرها ابن عقدة ، ومع ذلك لم يبلغ عدد أصحاب الصادق 7 في رجال الشيخ أربعة آلاف.
فلو كان مقصود المفيد من أصحاب الحديث هو خصوص ما ذكره ابن عقدة ، يجب أن يبلغ عدد أصحاب الصادق 7 في رجال الشيخ أيضاً إلى أربعة آلاف ، لما التزم به الشيخ في مقدمته ، مع أن المذكور في رجاله لا يتجاوز عن ثلاثة آلاف وخمسين رجلاً.
نعم اعتذر عنه المحدّث النوري بأن ما أسقطه الشيخ في باب أصحاب الصادق 7 أثبته في باب أصحاب أبي جعفر الباقر 7 وفي باب أصحاب أبي إبراهيم موسى بن جعفر 7 ، لأن بعض أصحاب الصادق 7 أدرك عصر الإمام الباقر 7 كما أدرك عصر الإمام الكاظم 7 ، فاكتفى الشيخ في رجاله في الباب المعقود لخصوص أصحاب الصادق 7 بذكر من اختصّ بالصادق ولم يدرك الإمام الباقر ، ولا الإمام الكاظم 8 ، ولكن « ابن عقدة » جعل المناط كل من روى عن الصادق 7 وإن كانت له رواية عن غيره. (1)
__________________
1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 773.
ولكن الاعتذار غير موجه ، لأن ابا العباس ابن عقدة قد أفرد لاصحاب كل إمام قبل الصادق 7 كتاباً خاصاً. قال الشيخ في فهرسته : « وله كتاب من روى عن أمير المؤمنين 7 وكتاب من روى عن الحسن والحسين ، وكتاب من روى عن علي بن الحسين 8 وأخباره ، كتاب من روى عن أبي جعفر محمد بن علي 7 وأخباره ، كتاب من روى عن زيد بن علي ومسنده ، كتاب الرجال وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمد 7 » (1).
ومع هذا التصريح لا يصحّ هذا الاعتذار ، نعم لو كان أبو العباس ابن عقدة مكتفياً في التأليف بذكر خصوص أصحاب الإمام الصادق 7 أمكن أن يقال إن ما أسقطه الشيخ من أصحابه ، أدرجه في أصحاب الإمامين الهمامين ، الباقر والكاظم 8 ، والمفروض أن ابن عقدة قد أفرد لاصحاب الإمام أبي جعفر 7 كتاباً خاصاً وإن لم يؤلف في أصحاب الإمام الكاظم 7 كتاباً.
3 ـ إن الظاهر من عبارة المتتبّع ، العلاّمة النوري ، أن ابن عقدة هو الذي وثَّقهم حيث قال : « الذين وثقهم ابن عقدة ، فانه صنَّف كتاباً في خصوص رجاله ، وأنهاهم إلى أربعة آلاف ، ووثَّق جميعهم » (2) مع أن العبارات الحاكية لعمل ابن عقدة ليست فيها أية اشارة إلى توثيق ابن عقدة ، وإنما الظاهر من عبائر النجاشي والشيخ في رجالهما وفهرسته هو أن ابن عقدة جمع أسماء الرواة عنه ، لا أنه وثقهم ، وبذلك يسقط البحث الذي عقده العلاّمة النوري في توثيق ابن عقدة ، فانه زيدي ، وهل يكون توثيقه حجَّة أو لا؟ وقد أطنب الكلام فيه.
4 ـ إن المراجع لما نقلناه من المشايخ يقف على أن المصدر الأساسي
__________________
1 ـ الفهرست : 52.
2 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 770.
لوثاقة هؤلاء الرواة من أصحاب الصادق 7 هو الشيخ المفيد ، وأما البواقي فقد اقتفوا أثره ، وتؤيد ذلك وحدة كثير من العبارات ، على أن عدة من المشايخ قد اقتفت الشيخ المفيد في عدد الرواة ، من غير تصريح بكونهم ثقات او لا ، كما أوعزنا اليه.
نعم قد أسند الشيخ الحرّ العاملي في ترجمة « خليد بن أوفى » التوثيق إلى المفيد وابن شهر آشوب والطبرسي ، من دون اسناده إلى ابن عقدة. قال : « ولو قيل بتوثيقه ( خليد ) وتوثيق أصحاب الصادق 7 إلا من ثبت ضعفه لم يكن بعيداً ، لأن المفيد في « الارشاد » ، وابن شهر آشوب في معالم العلماء » ، والطبرسي في « إعلام الورى » قد وثّقوا أربعة آلاف من أصحاب الصادق 7 والموجود منهم في جميع كتب الرجال والحديث ، لا يبلغون ثلاثة آلاف. وذكر العلاّمة وغيره أن ابن عقدة جمع الأربعة آلاف المذكورين في كتب الرجال » (1).
5 ـ الاعتماد على هذا التوثيق وان صدر من شيخ الاُمة ومفيدها وأيدته جماعة من الأصحاب ، مشكل جدّاً ، لأنه إن أراد بذلك أن أصحاب الصادق 7 كانوا أربعة آلاف وكلّهم كانوا ثقات ، فهذا أشبه بما عليه الجمهور من أن أصحاب النبي 6 كلهم كانوا عدولاً ، وإن أراد أن أصحاب الصادق 7 كانوا كثيرين ، إلا أن الثقات منهم كانوا أربعة آلاف ، فهذا أمر يمكن التسالم عليه لكنه غير مفيد ، إذ ليس لنا طريق إلى معرفة الثقات منهم ، وليس لنا دليل على أن ما ذكره الشيخ في رجاله كلهم من الثقات.
6 ـ أضف إلى ذلك أن الشيخ قد ضعف عدة من أصحاب الصادق 7 ، فقال في الباب المختصّ بهم : « إبراهيم بن أبي حيَّة ضعيف ،
__________________
1 ـ امل الآمل : 1 / 83 لاحظ ترجمة « خليد بن اوفى ».
الحارث بن عمر البصري أبو عمر ضعيف الحديث ، عبد الرحمن بن الهلقام ضعيف ، عمرو بن جميع البصري الأزدي ضعيف الحديث ، محمد بن حجّاج المدني منكر الحديث ، محمد بن عبد الملك الانصاري الكوفي ضعيف ، محمد بن مقلاص الاسدي الكوفي ملعون غال » (1) إلى غير ذلك من العبارات في حق بعض أصحابه ، فكيف يمكن أن يقال : إن كل ما جاء به رجال الشيخ نفس ما ذكره الشيخ المفيد.
7 ـ نعم قد أتعب المتتبع العلاّمة النوري نفسه الشريفة في توجيه هذه التصريحات بوجود الضعاف بين أصحاب الصادق 7 بما لا يمكن الاعتماد عليه ، فقال : « إن المراد من الضعف ما لا ينافي الوثاقة كالرواية عن الضعفاء ، او رواية الضعفاء عنه ، او الاعتماد على المراسيل ، أو الوجادة (2) أو رواية ما ظاهره الغلوّ والجبر والتشبيه » (3).
وأنت ترى أن ما ذكره من التوجيه خلاف الظاهر جدّاً ، والرواية عن الضعفاء والاعتماد على المراسيل وإن كانا من أسباب الضعف عند القدماء ، لكن الانصاف أنه إذا اُريد الضعف من هذه الناحية يجب أن يصرح به ، ولو اطلق ، فالظاهر أن الضعف راجع إلى نفسه.
أضف إلى ذلك أنه قال في حق بعضهم : « ملعون غال ».
فقد خرجنا بهذه النتيجة : أنه لم يثبت التوثيق العمومي لاصحاب الإمام الصادق 7 الموجودة في رجال الشيخ أو ما بأيدينا في كتب الرجال.
__________________
1 ـ لاحظ رجال الشيخ : 146 ، 178 ، 232 ، 249 ، 285 ، 294 ، 302.
2 ـ المراد من الوجادة نقل الحديث بمجرد وجوده في كتاب من دون أن يكون له طريق إلى نفس الكتاب.
3 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 773.
8 ـ هل شيخوخة الاجازة دليل الوثاقة عند المستجيز؟
إن قسماً من مشايخ الاجازة الذين يجيزون رواية أصل او كتاب لغيرهم ، غير موصوفين في كتب الرجال بالوثاقة ، فهل استجازة الثقة عن واحد منهم آية كونه ثقة أو لا؟ وهذا نظير ما روى الصدوق والشيخ كثيراً من الاصول والكتب بالاستجازة عن عدة من المشايخ الذين يعدّون من مشايخهما في الرواية ، فهل استجازة ذينك العلمين أو غيرهما من هؤلاء دليل على وثاقتهم مطلقاً او عند المستجيزين خاصة او لا يدلّ على شيء من ذلك؟
توضيحه مع تحقيقه
لو قلنا إن رواية الثقة عن شخص آية كون المروي عنه ثقة عند الراوي ، فلا كلام في كلام مشايخ الاجازة لأمثال الصدوق والشيخ وغيرهما ثقات ، لكن ذلك الاصل ممّا لا أصل له ، إلا إذا أكثر الرواية عنه ، كما سيوافيك ، وقد عقد المحقق الداماد فصلاً خاصاً في رواشحه ، فراجع الراشحة الثالثة والثلاثين ، الصفحة 104 ، والكلام في المقام على غير هذا الاصل. فنقول : إن الاجازة على أقسام :
1 ـ أن يجيز الشيخ كتاب نفسه ، فيشترط في الشيخ المجيز ما يشترط في سائر الرواة من الوثاقة والضبط ، وحكم شيخ الاجازة في هذا المجال حكم
سائر الرواة الواقعين في سند الحديث ، فيشترط فيه ما يشترط فيهم ، ولا يدل استجازة الثقة على كونه ثقة حتى عنده ، إذ لا تزيد الاستجازة على رواية الثقة عنه ، فكما انها لا تدل على وثاقة المروي عنه ، فهكذا الاستجازة فيجب احراز وثاقة المجيز من طريق آخر.
نعم لو كان جميع احاديث كتابه مطابقاً لأحاديث كتاب معتبر ، يكون احاديثه مقبولة سواء أكان في نفسه ثقة او ضعيفاً ، ولذا قال ابن الوليد استاذ الصدوق في « محمد بن اورمة » المطعون فيه بالغلوّ : « ان كل ما كان في كتبه مما وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره ، فانه يعتمد عليه ويفتي به ، وكل ما تفرد به لم يجز العمل عليه ولا يعتمد » (1).
غير ان تحصيل هذا الشرط مما لا يمكن في هذه العصور ، لاندراس المصنفات والاصول بعد الشيخ الطوسي ، فقد اصبحت تلك الكتب بعد الجوامع الثانوية ( الكتب الأربعة ) مرغوبة عنها ، لعدم احساس الحاجة إلى كتابتها واستنساخها مع وجود تلك الجوامع ، خصوصاً بعد كلام الشيخ في آخر الاستبصار حيث قال : « وارجو من الله تعالى ان تكون هذه الكتب الثلاثة ( التهذيب والاستبصار والنهاية ) التي سهل الله تعالى الفراغ منها ، لا يحتاج معها إلى شيء من الكتب والاصول ، لأن الكتاب الكبير الموسوم بـ « تهذيب الاحكام » يشتمل على جميع احاديث الفقه المتفق عليه والمختلف فيه ، وكتاب النهاية يشتمل على تجريد الفتاوى في جميع ابواب الفقه وذكر جميع ما روي فيه ، على وجه يصغر حجمه وتكثر فائدته ويصلح للحفظ ، وهذا الكتاب يشتمل على جميع ما روي من الأخبار المختلفة وبيان وجه التأويل فيها والجمع
__________________
1 ـ قال النجاشي : « وحكى جماعة من شيوخ القميين عن ابن الوليد انه قال : محمد بن اورمة طعن عليه بالغلو ، فكل ما كان في كتبه مما وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فقل به وما تفرد به فلا تعتمده » لاحظ رجال النجاشي : الرقم 891.
بينها » (1).
2 ـ إذا اجاز كتاب غيره وكان انتساب الكتاب إلى مصنفه مشهوراً فالاجازة لاجل مجرد اتصال السند ، لا لتحصيل العلم بالنسبة إلى مصنفه والاجازات الرائجة بالنسبة إلى الكتب الاربعة وغيرها من المؤلفات الحديثية المشهورة كلها من هذا القبيل ، فليست الاجازة إلا لاجل تحصيل اتصال السند وتصحيح الحكاية عند نقل الحديث عن شيخ الاجازة بلفظ « حدثنا » إلى ان يصل إلى ارباب الكتب الاربعة وينتهي السند إلى المعصوم 7 ، وفي هذه الصورة لا يحرز وثاقة الشيخ بالاستجازة أيضاً ، لأن نسبة الكتب إلى اربابها ثابتة ، انما الغاية من تحصيلها ، تصحيح الحكاية والتمكن من القول بـ « حدثنا » إلى ان ينتهي الأمر إلى الإمام ، ويكفي فيه نفس الاجازة سواء كان المجيز ثقة ام لا.
ثم ان الظاهر من الصدوق بالنسبة إلى الكتب التي اخذ منها الحديث في « الفقيه » انها كتب مشهورة ، عليها المعول واليها المرجع ، وان ما ذكره في المشيخة في آخر الكتب ، لاجل تحصيل اتصال السند ، لا لتصحيح نسبة الكتاب إلى مؤلفه ، فلا تدل استجازته على وثاقة من روي عنهم في هذه الكتب.
توضيحه ، ان الشيخ الكليني ذكر تمام السند في كتابه « الكافي » ، فبدأ الحديث باسم شيخ الاجازة عن شيخه إلى ان ينتهي إلى الشيخ الذي اخذ الحديث عن كتابه ، حتى يصل إلى الإمام ، وهذه سيرته في غالب الروايات إلا ما شذّ.
لكن الشيخ الصدوق وكذا الشيخ الطوسي قد بنيا على حذف اوائل السند والاكتفاء باسم من اُخذ الحديث من اصله ومصنفه ، حتى يصل السند إلى
__________________
1 ـ الاستبصار : 4 / 305.
الإمام ، ثم وضعا في آخر كتبهم « مشيخة » يعرف بها طريقتهما إلى من اخذا الحديث من كتابه ، فهي المرجع في اتصال السند في اخبار كتابهما ، وربما اخلا بذكر السند إلى بعض اصحاب الكتب فصار معلقاً. هذا هو دأب الشيخين الصدوق والطوسي.
والظاهر من مقدمة « الفقيه » ان الكتب التي اخذ الصدوق منها الأحاديث وبدأ السند بأسامي مؤلفيها ، كتب مشهورة معروفة غير محتاجة إلى اثبات النسبة ، فوجود السند إلى هذه الكتب وعدمه سواسية.
قال في مقدمة الفقيه : « وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبدالله السجستاني ، وكتاب عبيدالله بن علي الحلبي ، وكتب علي بن مهزيار الأهوازي ، وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، وكتاب الرحمة لسعد بن عبدالله ، وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد ، ونوادر محمد بن ابي عمير ، وكتب المحاسن لأحمد بن ابي عبدالله البرقي ، ورسالة ابي إليّ وغيرها ما الاُصول والمصنفات التي طرقي اليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي واسلافي ». (1)
وهذه العبارة من المحدث الاكبر نصّ على ثبوت نسبة هذه الكتب إلى مؤلفيها ، ولم يكن هناك اية حاجة إلى طريق يدل على النسبة ، وان ما اتى به في المشيخة من الاسماء لمجرد اتصال السند ، فلو اكتفينا بمثل هذا التنصيص من الصدوق ، لكان البحث عن صحة طريق الصدوق وعدمها بالنسبة إلى هذه الكتب ونظائرها بحثاً زائداً غير مفيد ، اللّهم إلا في الكتب غير المعروفة التي لم تثبت نسبتها إلى مؤلفيها ، لو نقل عنها فيه ، وإلى ذلك كان يميل السيّد
__________________
1 ـ الفقيه : 1 / 3 ـ 4.
المحقق البروجردي 1 في درسه الشريف عندما أفاض البحث في المشيخة ، وبذلك يعلم وجه ما افاده الشيخ الطوسي من تقديم رواية السامع على رواية المستجيز إلا فيما إذا روى المستجيز باجازته اصلاً معروفاً او مصنفاً مشهوراً فيسقط الترجيح. (1)
وبذلك يمكن ان يقال : ان البحث عن طرق الشيخ الطوسي ايضاً إلى اصحاب الكتب المعروفة الثابتة نسبتها إلى مؤلفيها ، بحث زائد غير مفيد ، فلا وجه لعد الحديث ضعيفاً او حسناً لاجل ضعف طريقه او عدم ثبوت وثاقة مشايخ اجازته إلى هذه الكتب.
نعم ، الكلام في تشخيص حال هذه الكتب من حيث ثبوت انتسابها إلى مؤلفيها وعدمه لولا الاحراز ، يدخل في القسم الثالث الذي سيوافيك الكلام فيه.
قال المحقق التستري : « لو كنا نعرف الاصول المشهورة والمصنفات المعروفة كالقدماء ، حكمنا بصحة كثير من احاديث الكافي التي حكموا بعدم صحتها بالاصطلاح الحادث المتأخر ، فان اكثر الوسائط ، مشايخ اجازة ، واكثر احاديثها مأخوذة من مصنفات اصحاب الائمة واُصولهم ، وذكر سائر المشايخ لمجرد اتصال السلسلة كما هو ديدن اصحاب الحديث ، كالمفيد في ارشاده عند الأخذ من الكافي ، والصدوق في غير فقيهه ، والشيخ في الجزءين الأولين من استبصاره ، لكن الأسف ضياع تلك الاصول والمصنفات » (2).
اما استثناء الفقيه ، فلما عرفت من ان الصدوق لا يذكر في بدء السند إلا اسم الشخص الذي أخذ الحديث عن كتابه ، ولا يذكر مشايخ الاجازة إلا في خاتمة الكتاب المسماة بالمشيخة ، وقد عرفت ان البحث عن طرق الصدوق
__________________
1 ـ عدة الاصول : 57 طبعة الهند.
2 ـ قاموس الرجال : 1 / 60.
غير مفيد ، لأن الكتب المنقولة عنها معروفة مشهورة.
واما استثناء الجزءين الاولين من الاستبصار ، فلأنه سلك فيهما على غير النحو الذي سلك في بقية الكتاب. قال في آخر « الاستبصار » : « وكنت سلكت في أول الكتاب ايراد الاحاديث باسانيدها وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الأول والثاني ، ثم اختصرت في الجزء الثالث وعوَّلت على الابتداء بذكر الرواي الذي اخذت الحديث من كتابه او اصله ، على ان اورد عند الفراغ من الكتب جملة من الأسانيد يتوصل بها إلى هذه الكتب والاصول ، حسب ما عملته في كتاب « تهذيب الأحكام » ـ إلى ان قال : فما ذكرته عن محمد بن يعقوب ... » (1).
والحاصل ، انه لو كانت نسبة الكتب التي اخذ منها الحديث إلى مؤلفيها ، مثل نسبة كتاب الكافي إلى مؤلفه او ادنى منها ، لما دلت الاستجازة على وثاقة مجيزها وأيضاً لما ضرّ عدم وثاقة شيخ الاجازة فضلاً عن كونه مشكوك الوثاقة بالنقل عن هذه الكتب ، لما عرفت ان نسبة الكتب التي اخذ الصدوق عنها الحديث إلى مؤلفيها ، كمثل نسبة الكافي إلى مؤلفه او اقل منها بقليل ، وقد عرفت ان البحث عن طرق الصدوق إلى الكتب غير مفيدة ووافقنا في ذلك المحقق التستري حيث قال : « بل يمكن ان يقال بعدم الاحتياج إلى ما فعل في طرق الصدوق ، حيث انه صرح في الفقيه بمعروفية طرقه إلى الكتب وان الكتب في نفسها مشهورة » (2) وقد عرفت منا ما ذكره السيد المحقق البروجردي في درسه.
واما « التهذيبان » فلو كنا متمكنين من تشخيص الكتب الثابتة نسبتها إلى مؤلفيها عن غيرها ، لاستغنينا عن كثير من المباحث التي تدور حول مشيخة
__________________
1 ـ الاستبصار : 4 / 304 ـ 305 طبعة النجف.
2 ـ قاموس الرجال : 1 / 59.
الشيخ الطوسي حتى صارت سبباً لتقسيم احاديثهما حسب اختلاف حال المشايخ إلى الصحيح والموثق والحسن والضعيف ، لأن جميع الوسائط بينه وبين صاحب الكتاب ، او صاحب الاصل ، في الحقيقة مشايخ اجازة لكتاب الغير وأصله ، ولكنه امنية لا تحصل إلا بالسعي الجماعي في ذاك المجال ، وقيام لجنة بالتحقيق في المكتبات.
3 ـ إذا اجاز رواية كتاب لم تثبت نسبته إلى مؤلفه إلا بواسطة الشيخ المجيز ـ ولا شك انه تشترط وثاقة الشيخ المجيز عند المستجيز ، إذ لولاه لما ثبت نسبته إلى المؤلف ، وبدونها لا يثبت الكتاب ولا ما احتواه من السند والمتن وعادت الاجازة امراً لغواً ـ فلو كان توثيق المستجيز او ثبوت وثاقة المجيز عند المستجيز كافياً لنا نأخذ بالرواية.
وباختصار ، ان الهدف الأسمى في هذا القسم من الاستجازة والاستمداد من ذكر الطريق إلى اصحاب هذه الكتب ، هو اثبات نسبة هذه الكتب إلى اصحابنا ومؤلفيها لا غير ، ولا يتحقق هذا الهدف إلا ان يكون الشيوخ المجيزون واحداً بعد واحد ثقات يعتمد على قولهم ، فلو لم يكن الشيخ ثقة عند المستجيز ، لما كان للاستناد اليه أية فائدة.
وبالجملة ، الفائدة العليا من ذكر الطريق في المشيخة ، هو اثبات نسبة هذه الكتب إلى مؤلفيها اثباتاً لا غبار عليه ، وهذا الهدف لا يتحقق عند المستجيز إلا بكون شيخ الاجازة ثقة عنده ، وإلا فلو كان مجهولاً او ضعيفاً او مطعوناً بإحدى الطرق ، لما كان لهذه الاستجازة فائدة. وهذا هو ما يعني به من ان شيخوخة الاجازة دليل على وثاقة الشيخ عند المستجيز.
وربما يقال بأن الحسن بن محمد بن يحيى المعروف بابن اخي طاهر ، عرفه النجاشي بقوله : « روى عن المجاهيل احاديث منكرة. رأيت
اصحابنا يضعفونه ومات في شهر ربيع الأول سنة 358 هـ » (1) ، مع انه من مشايخ الاجازة للتلعكبري ، قال الشيخ في رجاله : « روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة سبع وعشرين وثلاثمائة إلى سنة خمس وخمسين وله منه اجازة » (2).
ولكنه لا ينافي ما ذكرنا ، لامكان ثبوت وثاقته عند المستجيز كما لا يخفى فلو كان ثبوت وثاقته عند المستجيز كافياً لنا ـ ما لم يدلّ دليل على خلافه ـ نأخذ بالحديث إذا وقع في السند وإلا فلا.
__________________
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 149.
2 ـ رجال الشيخ : 465 ، الرقم 23 ، في باب من لم يرو عن الائمة.
9 ـ الوكالة عن الامام 7
ربما تعدّ الوكالة من الإمام ، طريقاً إلى وثاقة الراوي ، لكنه لا ملازمة بينها وبين وثاقته ، نعم لو كان وكيلاً في الامور المالية ، تكون امارة على كونه أميناً في الاُمور المالية ، واين هو من كونه عادلا ، ثقة ضابطاً؟ نعم إذا كان الرجل وكيلاً من جانب الإمام طيلة سنوات ، ولم يرد فيه ذم يمكن ان تكون قرينة على وثاقته وثبات قدمه إذ من البعيد ان يكون الكاذب وكيلاً من جانب الإمام عدة سنوات ولا يظهر كذبه للامام فيعزله.
وربما يستدل على وثاقة كل من كان وكيلاً من قبل المعصومين بما رواه الكليني عن علي بن محمد ، عن الحسن بن عبد الحميد ، قال : شككت في أمر « حاجز » فجمعت شيئاً ، ثم صرت إلى العسكر ، فخرج إلي ليس فينا شك ولا في من يقوم مقامنا ، بامرنا ، رد ما معك إلى حاجز بن يزيد » (1).
فلو لم تكن الوكالة ملازمة للعدالة ، لما كان لرد الإمام 7 معنى.
لكن الرواية اخص من المدعى ، فان الظاهر ان المراد الوكلاء المعروفون الذين قاموا مقام الائمة بامرهم ، وهذا غير كون الرجل وكيلاً للامام في أمر ضيعته أو أمر من الامور.
__________________
1 ـ الكافي : ج 1 ، باب مولد الصاحب 7 ، الحديث 14.
10 ـ كثرة تخريج الثقة عن شخص
ان نقل الثقة عن شخص لا يدل على كون المروي عنه ثقة ، لشيوع نقل الثقات من غيرهم ، نعم كانت كثرة النقل عن الضعاف أمراً مرغوباً عنه بين المشايخ وكانت معدودة من جهات الضعف ، ولاجل هذا اخرج أحمد بن محمد بن عيسى القمي ، زميله أحمد بن محمد بن خالد عن قم ، لكثرة النقل عن الضعفاء ، وقال العلاّمة في « الخلاصة » : « إنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل قال ابن الغضائري : طعن عليه القمّيون ، وليس الطعن فيه ، إنما الطعن فيمن يروى عنه ، فإنه كان لا يبالي عمَّن أخذ ، على طريقة أهل الاخبار ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده من قم ، ثمَّ أعاده اليها واعتذر اليه » (1).
وقال النجاشي في ترجمة سهل بن زياد : « كان ضعيفاً في الحديث ، غير معتمد فيه ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها » (2).
وعلى ضوء هذا يمكن أن يقال : إن كثرة تخريج الثقة عن شخص دليل
__________________
1 ـ الخلاصة : 14 ، القسم الأول.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 490.
على وثاقته لوجهين :
الأول : ما عرفت أن كثرة الرواية عن الضّعاف كانت تعدّ من أسباب الضعف حتى آل أمر أحمد بن محمد بن خالد ، وسهل بن زياد الآدمي إلى الاقصاء من قم.
الثاني : إن كثرة النقل عن شخص آية كون المرويّ عنه ثقة ، وإلا عاد النقل لغواً ومرغوباً عنه ، وهذا بخلاف قلة النقل ، فانه ـ مع كونه أمراً متعارفاً ـ يمكن أن يكون للنقل غايات اُخرى ، غير الاعتماد وهو تعضيد سائر الروايات والنُّقول ، وهذه منتفية فيما إذا كثر النقل عن شخص.
هذا ، وإن صاحب المستدرك قد أفرط في تكثير أسباب التوثيق وجعل نقل الثقة عن شخص آية كون المرويّ عنه ثقة ، وتمسك بوجوه غير نافعة يقف عليها السابر في كتابه.
هذه نهاية الدراسة حول التوثيقات العامة ، فقد عرفت الصحيح عن السقيم ، وأن المفيد منها قليل بالنسبة إلى غيره.
وبذلك نختم الحديث حول هذا الموضوع ونخوض في موضوع آخر ، وهو بيان مدى اعتبار الكتب الاربعة من حيث الصحة والاعتبار ، وهو بحث قيّم لا يستغني عنه الفقيه ، كما أنه لا يمكن أن يكتفي بما ورد في هذه الدراسة ، بل لا بدّ من مواصلة البحث والدراسة في هذا المجال ، بدقّة ومزيد إمعان.
المراجع
مكتبة كوفان
التصانيف
الآداب كُتب السيرة والتاريخ