(( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (50))). .
لقد كان المعاندون من قريش يطلبون أن يأتيهم رسول الله [ ص ] بآية من الخوارق يصدقونه بها – بالرغم من أنهم كانوا يعلمون صدقه ولا يشكون فيه - وتارة كانوا يطلبون أن تكون هذه الآية تحويل الصفا والمروة ذهبا ! وتارة تكون إبعادهما عن مكة ليصبح مكانهما خصبا مخضرا بالزروع والثمار ! وتارة تكون إنباءهم بما سيقع لهم من أحداث مغيبة ! وتارة تكون طلب إنزال ملك عليه ! وتارة تكون طلب كتاب مكتوب في قرطاس يرونه يتنزل عليه من السماء . . إلى آخر هذه المطالب التي يوارون وراءها تعنتهم وعنادهم !
وهذه المطالب كلها إنما كانوا يصوغون فكرتها من تلك الأوهام والأساطير التي أحاطت بصورة النبوة وصورة النبي في الجاهليات من حولهم , وأقربها إليهم أوهام أهل الكتاب وأساطيرهم حول النبوة , بعدما انحرفوا عما جاءتهم به رسلهم من الحق الواضح في هذه الأمور . .
ولقد شاعت في الجاهليات المتنوعة صور من "النبوءات" الزائفة , يدعيها "متنبئون" ويصدقها مخدوعون . . ومن بينها نبوءات السحر والكهانة والتنجيم والجنون ! حيث يدعي المتنبئون قدرتهم على العلم بالغيب , والاتصال بالجن والأرواح , وتسخير نواميس الطبيعة بالرقى والتعاويذ , أو بالدعوات والصلوات , أو بغيرها من الوسائل والأساليب . وتتفق كلها في الوهم والضلالة , وتختلف بعد ذلك في النوع والشكل والمراسم والأساليب  .
ولذلك فقد أمر الله نبيّه الكريم صلى الله عليه وسلّم أن يقدم نفسه للبشرية بشرا مجردا من كل الأوهام التي سادت الجاهليات عن طبيعة النبي والنبوة .
وأن يقدم لهم كذلك هذه العقيدة بذاتها مجردة من كل إغراء . . لا ثراء . ولا ادعاء . إنها عقيدة يحملها رسول , لا يملك إلا هداية الله , تنير له الطريق !
ولا يتبع إلا وحي الله يعلمه ما لم يكن يعلم . . إنه لا يقعد على خزائن الله , ليغدق منها على من يتبعه , ولا يملك مفاتح الغيب ليدل أتباعه على ما هو كائن ; ولا هو ملك كما يطلبون أن ينزل الله ملكا . . إنما هو بشر رسول ; وإنما هي هذه العقيدة وحدها , في صورتها الناصعة الواضحة البسيطة . .
إنّ هذه العقيدة هي هتاف هذه الفطرة , وقوام هذه الحياة ، ودليل الطريق إلى الآخرة , وإلى الله . فهي مستغنية بذاتها عن كل زخرف . .
من أرادها لذاتها فهو حقيق بها , وهي عنده قيمة أكبر من كل قيمة .
ومن أرادها سلعة في سوق المنافع , فهو لا يدرك طبيعتها , ولا يعرف قيمتها , وهي لا تمنحه زاداً , ولا غناءً . .
لذلك كله يؤمر رسول الله [ ص ] أن يقدمها للناس هكذا , عاطلة من كل زخرف , لأنها غنية عن كل زخرف ; وليعرف من يفيئون إلى ظلها أنهم لا يفيئون إلى خزائن مال , ولا إلى وجاهة دنيا , ولا إلى تميز على الناس بغير التقوى .
إنما يفيئون إلى هداية الله وهي أكرم وأغنى .
ثم ليعلموا أنهم حينئذ إنما يفيئون إلى النور والبصيرة , ويخرجون من الظلام والعماء:   ( قل:هل يستوي الأعمى والبصير ? أفلا تتفكرون ?). .
وأيما دعوة أو حركة إسلامية اليوم تنحرف عن هذا المسار ، وتحيد عن هذه الطريق ، وتتحول إلى حزب سياسي لا يدخله إلا طلاّب الجاه والسلطان ، أو إلى دكان تجاري لا يقصده إلا طلاب الغنى والمال ، أو إلى نادي اجتماعي لا يهتم إلا بمصالح أعضائه والمسجّلين فيه ... فهذه ليست على منهج الرسول صلى الله عليه وسلّم ، وليست على منهج العقيدة الإسلامية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلّم ، وإن حملت أسماء إسلاميّة ، أو تزيّت بزيّ الإسلام ...!!!
 

المراجع

odabasham.net

التصانيف

الآداب  قصص  أدب  مجتمع