الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
 
إن مسألة اختلاف المطالع من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم على عدة أقوال لكن سنذكر أشهرها:
 
الرأي الأول: أنه إذا رؤي في بلد لزم كل الناس في كل قطر من أقطار الأرض أن يصوموا فإذا رؤي في المشرق لزم أهل المغرب أن يصوموا وإذا رؤي في المغرب لزم أهل المشرق أن يصوموا وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة وهو قول أكثر الحنفية.
 
الرأي الثاني : أنه تعتبر المطالع فيلزم الصوم أهل بلد الرؤية وكل من يوافقهم في مطلع الهلال وبه قال الشافعي رحمه الله  وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
 
الرأي الثالث : أن المعتبر هو رؤية أهل مكة إذا رؤي في مكة يلزم كل الناس في كل الدنيا أن يصوموا وهذا قال به الشيخ أحمد شاكر رحمه الله .
 
الرأي الرابع : أن العبرة برؤية الهلال إذا ثبت عند الإمام الأعظم فإنه يصار إلى ذلك وهذا قال به بعض الحنفية .
 
وهناك أقوال أخرى لكن هذه هي أشهر الأقوال .
 

الأدلة:

الرأي الأول: استدلوا بعموم حديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته....) وهذا خطاب لعموم المسلمين فمتى رؤي فإنه يجب الصيام .
 
وأيضا قوله تعالى { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }.
 
الرأي الثاني : الذين قالوا إن المعتبر هو اختلاف المطالع وأنه يلزم أهل بلد الرؤية استدلوا :-
 
أولاً : بحديث كُرَيْب رحمه الله: أن أم الفضل بعثته إلى معاوية في الشام لحاجة لها فَقَدِم كريب الشام وأهَلَّ عليه هلال رمضان ثم بعد ذلك رجع إلى المدينة فلما رجع إلى المدينة سأله ابن عباس رضي الله عنهما متى رأيتم الهلال فقال كريب : رأيناه ليلة الجمعة فصام معاوية وصمنا , فقال ابن عباس رضي الله عنهما : (لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه) فقال كريب لابن عباس رضي الله عنهما (أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه) فقال : (لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فيدل هذا على اختلاف المطالع فابن عباس رضي الله عنهما لم يعتبر رؤية معاوية رضي الله عنه .
 
ثانياً : المسلمون كانوا متفرقين في البلدان فهؤلاء يصومون بعد هؤلاء ولم يرد أن من تأخر يؤمر بالقضاء يعني يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء بل كل بلد له رؤيته .
 
ثالثاً : قياساً على أوقات الصلاة فكما أن أوقات الصلاة تختلف من بلد إلى بلد آخر فكذلك أوقات الصيام تختلف .
 
الرأي الثالث: من اعتبر مكة فيستدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون ) وفي رواية: ( فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وكل عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وكل جمع موقف ) فهذا تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يخاطب الناس في ذلك المكان .
 
وأيضاً قالوا : ذكر أماكن الحج مع الصيام دل على أن المعتبر هو رؤية مكة وهذا الاستدلال فيه نظر والأصوليون عندهم قاعدة وهي « أن دلالة الالتزام ضعيفة »  فلا تلازم بينهما كونه يقرن بين حكمين في نص فلا تلازم أن يأخذ أحدهما حكم الآخر . 
 
الرأي الرابع: من اعتبر الإمام الأعظم فقال بأن البلاد تحت سلطة الإمام الأعظم كالبلد الواحد .
 
فالأقرب إلى الدليل ما ذهب إليه الشافعية رحمهم الله وأن المعتبر هو اختلاف المطالع، فيلزم الصوم أهل بلد الرؤية وكل من يوافقهم في مطلع الهلال.
 
والشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله له رسالة في هذا جيدة اسمها : (تبيان الأدلة في إثبات الأهلة) رد فيه الشيخ على ما ذهب إليه الحنابلة والحنفية رحمهم الله ورد فيها على المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي قالوا إذا رؤي في بلد تلزم الرؤية لكل الناس في كل أقطار الدنيا.
 
 فأفرد الشيخ هذه الرسالة رداً على ذلك وهي رسالة جيدة، والجيد فيها أن الشيخ رحمه الله استعان بأقوال أهل الهيئة (الفلكيين) وذكر أمثلة لاتفاق البلدان في المطالع وما هي البلدان التي تتفق في المطالع وما هي البلدان التي لا تتفق في المطالع......إلخ، وذكر أمثلة متى يمكن أن يُرى وما هي المسافة التي يمكن أن يرى فيها الهلال، فنحث على الرجوع إلى هذه الرسالة.
 
وصلى الله على نبينا محمد و على آله وصحبه وسلم

المراجع

شبكة نور الاسلام

التصانيف

عقيدة إسلامية   العلوم الاجتماعية