زاهية عناب

 كانت تاتي   كنسمة رقيقة  في ليلة قائظة أو غيمة شفيفة في يوم مشمس فتحيل الأجواء المكفهرة إلى ربيعية تنعش الروح قبل الجسد، وكانت كحبة (عناب) باردة في فم عطش ظهر يوم صيفي، تزهو كوردة ارتوت من الندى فجرا. زاهية عناب ليست  فقط مجرد مذيعة كانت تقرأ الأخبار وتقدم البرامج بل باقة من الزهر والأناقة والرزانة التي تعطر ليل التلفزيون ومشاهديه الكثر الذين تتسمر عيونهم يرقبونه لتطل عليهم بين البرامج أو من خلال نشرة أخبار أو برنامج منوع .

عندما فتحنا عيوننا على التلفزيون الأردني مطلع السبيعينيات من القرن الماضي كان هنالك الكثير من النجوم الذين تعلقنا بهم وحفظنا أسمائهم وكل ما يتعلق بحياتهم وكنا ننتظر طلتهم علينا من خلال الشاشة فنشأت بيننا وبينهم علاقة افتراضية جميلة فإذا ابتسم أحدهم ظننا أنه يبتسم لنا وإذا أشار بطرف عينه إو إصبعة ظننا أنها إشارة لنا، حفظنا ألوان ملابسهم وربطات عنقهم وتتبعنا أخبارهم في الصحف والمجلات، وإذا تصادف والتقينا أحدهم في الشارع العام أو في مناسبة كنا نهرع إليه هاشين باشين ونغضب إذا لم يتعرف إلينا ، كيف ذلك فنحن أصدقاء   كما كنا نعتقد.

حيث تميزت “الزاهية” دوما كما أحب أن أناديها بوقارها وهدوئها وقربها من قلب كل من يتعامل معها فكانت الملاذ للجميع يلجؤون إليها كلما عصفت بهم مشكلة أو واجهتهم معضلة، فتمتص غضب الغاضب وتهدئ روع المرتاع وتتدخل بما لها من مكانة في قلوب الجميع لحل أي إشكال بين الزملاء أو بين زميل وبين الإدارة، خاصة وأنه كان هناك مدراء يتميزون بالخشونة والصلافة يظن بعضهم أنه الحاكم بأمر الله على الأرض.

الدراسة

تروي زاهية عناب أنها اتمت دراستها في مدرسة الخليل الثانوية عندما كان ابوها مديرا للصحة فيها، وتتذكر ذلك اليوم الذي أقيم فيه حفل كبير للاحتفال بتخريج طالبات المدرسة برعاية جلالة المغفور لها الملكة زين الشرف حيث حضرت لتسليم الخريجات شهاداتهن وتم اختيارها لتقديم هدية المدرسة للملكة و كانت عبارة عن نسخة مصدَّفة من القرآن الكريم بوجود الإذاعة الأردنية التي كانت تنقل الاحتفال بواسطة الزميل عصام علم، وكان ذلك عام ألف وتسعمئة وتسعة وخمسين، وتروي عناب كيف أنها تفوقت باللغة العربية بفضل جهود معلمتها خديجة عابدين التي بذلك الكثير في ذلك بسبب إيمانها بأهمية اللغة العربية. 

في سنة ألف وتسعمئة وستة وستين تخرجت من الجامعة الليبة في بنغازي من كلية الآداب قسم التاريخ والتربية، حيث كان للدكتور ناصر الدين الأسد رحمه الله بصمات واضحة في إنشاء الجامعة قبل أن يعود إلى الأردن ليسهم في إنشاء الجامعة الأردنية، والسبب في دراستها هناك كان هو أن والدها ذهب للعمل في ليبيا التي أنشئت فيها الجامعة الليببية وكان ذلك قبل الجامعة الأردنية .

ورغم أن زاهية عشقت الحضارة الإسلامية والفن الإسلامي وحضارة العرب في الأندلس وتعمقت بمواضيع التربية وعلم النفس كي تتمكن من أن تكون معلمة ممتازة فيما بعد إلا أنها تعتقد أن أفضل ثقافة حصلت عليها كانت من خلال تقديمها للبرامج الثقافية وبرامج الأطفال عبر الشاشة الصغيرة. وفي عام 1968 التحقت بالجامعة الأردنية للحصول على الدبلوم العالي في التربية إلا أنها توقفت بعد السنة الأولى .في عام ألف وتسعمئة واثنين وسبعين التحقت بدورة طويلة في كلية ثومبسون  في اسكتلندا لدراسة الإنتاج والإخراج التلفزيوني لبرامج الأطفال وحصلت على الدبلوم العالي.

العمل التلفزيوني

واكبت زاهية عناب اللحظات الأولى لافتتاح التلفزيون الأردني بعد أن عملت قبل ذلك لمدة سنة أثناء التحضير لافتتاحه كإدارية.

افتتاح التلفزيون

كما تستذكر عناب يوم افتتاح التلفزيون الأردني في السابع والعشرين من شهر ابريل سنة ألف وتسعمئة وثمانية وستين فتقول أنه كان يوما جميلا يزينه الربيع بخضرته واعتدال أجوائه، وكان الجميع يشعرون بالإثارة والحماسة لهذا الحدث الفريد بتاريخ الأردن حيث تفضل جلالة الملك الحسين بقص الشريط إيذانا بانطلاق البث التلفزيوني في فضاء الأردن مما غرس بنفوس العاملين التحدي والإرادة القوية خاصة وأن هذا الحدث يأتي بعد فترة وجيزة من احتلال الضفة الغربية لنهر الأردن والذي شكل جرحا غائرا بالنفوس فكان على التلفزيون أن يقود الإعلام الأردني والعربي للتغلب على النكسة وأن يرتقي بتفكير الناس ونضالهم وأن يسعى لتحقيق أهدافهم وشرح وجهة نظرهم والدفاع عن حقوقهم نظرا للمكانة الكبيرة التي كان يحتلها التلفزيون في نفوس المشاهدين فهو المحطة الوحيدة في البلاد ويصل بثه إلى الضفة المحتلة ومحط اهتمام المسؤولين بكل فئاتهم، فكان العبء كبيرا  لكن النتائج كانت مذهلة، فقد أعاد التلفزيون للناس ثقتهم بانفسهم واستطاع أن يسد الفراغ الكبير الذي كان سائدا .

العمل كمذيعة

وحول بداية شغلها كمذيعة تقول زاهية عناب أنها كانت تشتغل بمكتب المدير العام عملا إداريا، وكان التلفزيون يعتمد طريقة الربط بين الفقرات من خلال ظهور مذيع أو مذيعة بين البرامج لتقديم الفقرة التالية أو الإعلان عن حدث ما أو حتى تقديم فقرة الإعلانات. وذات يوم فوجئت بمخرج البث يقف أمامها متوترا وهو يطلب منها أن تنقذ الموقف، فقد غابت المذيعة المكلفة بتقديم الربط بين الفقرات وكان البث على الهواء مباشرة فترددت ثم وافقت، فهي لم تظهر على الشاشة من قبل، لكن النتيجة كانت مذهلة للجميع وكان هذا الحدث وغياب تلك الزميلة سببا بتغيير مجرى حياتها. فبدأ المخرجون يطلبون منها تقديم فقرات لهم  ومن ثم طلب منها تقديم برنامج كامل لوحدها وهكذا كانت البداية .

أول البرامج

وحول أول برنامج قدمته زاهيه  تتحدث أنها قدمت برنامج كان يدعى (هذا بلدي) حيث كان يتم بكل حلقة تسليط الضوء على منطقة أردنية وعرض تاريخها وبماذا تشتهر وأبرز معالمها، وبعد ذلك بدأت بإعداد وتقديم البرامج واكتشفت أنه يشكل تحديا كبيرا فقد كان التلفزيون مشاهدا بشكل كبير في الأردن وسوريا وفلسطين مما يزيد من المسؤولية على من يقدم برنامجا ما أن يجتهد ويقدم أفضل ما عنده. وقد قدمت الكثير من البرامج الثقافية والاجتماعية والصحية والأسرية وبرامج المنوعات  والمسابقات وبرامج خاصة وأخرى للجيش العربي مما أغنى تجربتي الإعلامية فكنت أعد برامجي واقدمها بنفسي إلا أنني قدمت برامج من إعداد أساتذة كبار أمثال الدكتور محمود السمرة رحمه الله وفواز طوقان وأمين شنار وغيرهم .

تقديم الاخبار 

في سنة ألف وتسعمئة وثمانين عملت بدائرة الأخبار كمقدمة لنشرات الأخبار بمعية الزملاء إبراهيم شاهزاده ومنير جدعون وغيرهم وبقيت لمدة عام إلا أنها اكتشفت أنها تحب عالم البرامج أكثر فعادت إلى البرامج وبقيت فيها حتى إحيلت إلى التقاعد.

المواقع الإدارية والأنشطة الإعلامية

اثناء عملها التلفزيوني تولت زاهية عددا من المواقع الإدارية كان معظمها متخصصًا بشؤون الأسرة والطفل، قد ترأست لجنة انتقاء برامج الأطفال التي شكلت من عدد من المختصين في مجال التربية والطفولة لتقييم برامج ومسلسلات الأطفال واختيار ما يناسب الفئات العمرية ومراعاة قيم وعادات وثقافة المجتمع .

كما شاركت بالعديد من المؤتمرات والمهرجانات المحلية والدولية ممثلة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون أو حتى بصفتها الشخصية، وتم تكليفها بإدارة القناة الأولى بالإضافة لمسؤوليتها كمساعدة لمدير التلفزيون للبرامج المحلية .شاركت باللجنة الوطنية لشؤون المرأة منذ تأسيسها عام ألف وتسعمئة واثنين وتسعين، وشاركت ضمن فريق العمل العربي المنبثق عن توصية اللجنة الدائمة للإعلام في جامعة الدول العربية والمتعلق بإقامة مشروعات لإنتاج أفلام الرسوم المتحركة للطفل العربي بين عامي ستة وتسعين وسبعة وتسعين . وشاركت باللجنة التحضيرية لمؤتمر الأطفال العرب منذ تأسيسه في الثمانينات من القرن الماضي لوضع الخطط والبرامج والأنشطة الخاصة بالمؤتمر وإنتاج برامج تلفزيونية وإذاعية ذات علاقة .

وفي مرحلة لاحقة تم اختيارها بصفتها الشخصية كعضو بالللجنة الوطنية الأردنية للتربية والثقافة والعلوم ويرأسها وزير التربية وتضم ممثلين عن العديد من المؤسسات الرسمية ذات العلاقة إضافة إلى عضوين بصفتهم الشخصية كانت هي أحدهما وفي مرحلة لاحقة تم انتخابها رئيسة للمكتب التنفيذي للجنة .ساهمت بتخطيط وتنفيذ العديد من الحملات الإعلامية التوعوية الخاصة بالطفولة والأسرة مثل تشجيع الرضاعة الطبيعية وأهمية التطعيم والكشف المبكر للإعاقات ومكافحة التدخين وغيرها الكثير وكانت معظمها مع منظمات دولية كاليونيسيف وجامعة جون هوبكنز وغيرها .

وشاركت باللجنة العليا لمسابقة الملكة علياء للعمل التطوعي لعدة دورات والتي ينفذها الصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية وتهدف إلى توعية طلبة المدارس في مجالات الصحة والبيئة وتنمية مفاهيم العمل التطوعي والمواطنة الفاعلة .التحقت عام ألف وتسعمئة وخمسة وسبعين بالاتحاد النسائي الأردني بعد عودته للحياة أثر إعلان الأمم المتحدة ذلك العام عاما للمرأة تحفيزا لها ودعما لدورها وانتخبت عضوا بالهيئة الإدارية وبقيت لعدة دورات وشاركت بمؤتمر المرأة ممثلة للأردن بالمؤتمر الذي عقد في كازاخستان وضم مندوبات من معظم دول العالم .

وانتخبت بالهيئة الإدارية لجمعية العناية بالإطفال الأردنية التي ترأسها سمو الاميرة بسمة بنت طلال وبقيت بها لعدة دورات كما تم اختيارها عضوا فخريا بالهيئة الإدارية لجمعية الحسين لرعاية ذوي التحديات الحركية حيث ساهمت في تقديم الكثير من قصص الدعم النفسي والصحي والتأهيلي للمعاقين حركيا من خلال الإعلام الأردني والعربي .وفي عام ألفين وواحد اختيرت للعمل ضمن الفريق الوطني الذي ترأسته الملكة رانيا العبدالله لإنجاز أول استراتيجية وطنية للطفولة المبكرة.

الجوائز والأوسمة

اثناء مسيرتها الطويلة نالت زاهية على العديد من الأوسمة والتكريمات من  مؤسسات عدة لكنها تفخردائما بما حصلت عليه من بلدها  فقد حصلت على :وسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الثانية عام ألفين وسبعة من يد جلالة الملك عبدالله الثاني .وحصلت على وسام الاستقلال من الدرجة الثالثة عام ألف وتسعمئة وثلاثة وتسعين من يد جلالة الراحل الكبير الملك الحسين بن طلال بمناسبة اليوبيل الفضي للتلفزيون الأردني.

ما تزال زاهية عناب –أطال الله بعمرها- تمضي أوقاتها بمتابعة محطات التلفزة والإعلام بشكل عام وتشارك بكل ما يسمح به الوقت من أنشطة إعلامية أو تدريبية للأجيال الجديدة متطلعة إلى مزيد من اهتمام المسؤولين بالإعلاميين المتقاعدين والاستفادة من خبراتهم ويشاركها بذلك كل زملائها ممن افنوا حياتهم بخدمة الاعلام الاردني.


المراجع

watananews.com

التصانيف

مذيعون أردنيون  إعلاميون أردنيون   الفنون   اذاعة وتلفزيون