: في ليلة من ليالي الخريف المقمرة ، الراكدة الهواء ، المحتبسة الأنفاس ،
وفي صحراء جبل المقطم الموحشة ، وبين هذا الفقر الصامت الأبيد –
كانت تتراءى نخلات ساكنات في وجوم كئيب ومن بينها نخلتان :
إحداهما طويلة سامقة ، والأخرى صغيرة قميئة
.
بين هاتين النخلتين دار حديث ، وكانت بينهما همسات ومناجـاة
،
الصغيـرة :
.
ما لنا في ذلك القفرُ هنا
ما برحنـا منذ حين شاخصات ؟
كل شيء صامت من حولنا
وأرانـا نحن أيضاً صامتات |
،
تطلع الشمس علينا وتغيب
ويطل الليل كالشيخ الكئيب
والنجوم الزهر تغدو وتثوب
،
وهجيرٌ وأصيل وطلوعٌ وأفول ثم نبقى في ذهول ساهمات |
أفلا تدرين يا أختي الكبيرة
ما الذي أطْلَعنا بين اليباب ؟
أيمّا إثم جنينا أو جريرة
سلكتنا في تجاويف العذاب ؟
،
قد سئمتُ اللبث في هذا المكان
لبثة المصلوب في صلب الزماان
أفما آن لتبديلٍ أوان ؟
،
حدثيني لمَ نشقى ؟ حدثيني كم سنلقى ؟ حدثيني كم سنبقى / واقفات ؟
الكبيـرة :
أنا يا أختاهُ : لا أدري الجـواب
ودفينُ السر لم يُكشف لنا
منذ ما أطلعتُ في هذا الخراب
وأنا أسألُ : ما شأني هنا ؟
،
فيجيب الصمت حولي بالسكون
وأنا أخبط في وادي الظنون
لستُ أدري حكمة الدهر الضنين
،
غيرَ أنّا حائرات والليالي العابثات تتجنّى ساخرات / لا هيات |
ربما كنّا أسيرات القدر
تسخر الأيام منا والليالي |
تضرب الأمثال فينا والعبر
وإذا نشكو أذاها لا تبالي |
،
ربما كنا مساحير الزمن |
قد مسخنا هكذا بين القنن
في ارتقاب الساحر المحيي الفطن |
،
فإذا كان يعود فك هاتيك القيود فرجعنا للوجود / طافرات |
أو ترانا نسل أرباب قدامى
قد جفاها وتولى العابدون |
جفت الكأس لديها ، والندامى
غادروا ندوتها تنعى القرون
،
أو ترانا مسخ شيطان رجيم
صاغنا في ذلك القفر الغشوم |
وتولى هاربا خوف الرجوم |
،
فبقينـا في العراء يجتوينا كل راء وسنبقى في جفاء / شاردات |
لستُ أدري : كل شيء قد يكون
فتلقى كل شيء في سكون
وإذا ما غالنا غول المنون
فهنا يعمرنا فيض اليقين |
،
ثم ساد الصمـت كالطيف الحزين
وتسمعت لأقدام السنين
وهو تخطو خطوة الشيخ الرزين
هامسات في الرمال منشدات في جلال كل شيء للزوال / والشتات |
بقلم سيد قطب
المراجع
diwandb.com
التصانيف
شعراء الآداب
|
|