قبل 5 سنوات كان الأطباء يعتقدون أن لديهم صورة واضحة عن أسباب النوبة القلبية . ويرون أن النوبة القلبية مسألة تتعلق بمشكلة في التصريف : تراكم الشحوم الموجودة في الطعام في الأوعية الدموية التي تغذي القلب بالدم فتحرمه من الأوكسجين . وكانت تلك فكرة منمقة ومن النوع الذي يفهمها المرضى، بيد أن الأمر ليس بهذا البساطة مطلقاً ، فقد تبين أن الكوليسترول ليس سوى بداية مجموعة من الأحداث المتداخلة .
وقد انطوت الدراسة الجديدة التي نوقشت خلال اجتماع الجمعية الأمريكية للقلب قبل فترة وجيزة ، على رسالة واضحة هي : إن المسألة لم تعد تشبه مرض القلب الذي عانى منه آباؤنا أبداً .
ويعمل الأطباء منذ سنوات عديدة على دفع مرضاهم إلى تناول أغذية تحتوي على مستويات منخفضة من الشحوم في الوقت الذي تبين فيه أن نصف عدد النوبات القلبية في الولايات المتحدة حدثت لأشخاص يمتلكون مستويات طبيعية من الكوليسترول . ويدرك أخصائيو أمراض القلب من أن شيئاً ما غير الكوليسترول منخرط في أمراض القلب لم يعرفوا ما هو .
عوامل جديدة
وبدأ يبرز عل الساحة بعض العوامل المرشحة للعب دور في النوبات القلبية. ويتمثل أحد أهم تلك العوامل في الالتهاب . ويبدوا أن الحرب التي يشنها جهاز المناعة في الجسم ضد المفاصل لدى المرضى المصابين بالتهاب المفاصل، يمكن أن تشن في الأوعية الدموية للقلب . ولا أحد يعرف العامل الذي يحفز جهاز المناعة لدى مرضى القلب، فربما تكون الرواسب الدهنية أو البكتيريا أو السموم الموجودة في دخان السجائر أو حتى التوتر الجسدي الناجم عن ارتفاع ضغط الدم . ولكن عندما يحدد جهاز المناعة هدفه فإنه يهاجم بلا هوادة، حيث يستنفز كريات الدم البيضاء وعوامل التخثر ومجموعة أخرى من جنود النظام الدفاعي للجسم وتبدأ بالإحتشاء داخل جدار الوعاء الدموي فتشكل الصفائح الصلبة، وأخطر أنواع الصفائح تلك التي تكون قابلة للتفتت، فالانطلاق الانفجاري لعوامل التخثر هذه والخلايا الأخرى في الدم يمكن أن يسبب نوبة قلبية .
والواقع أن الأمر الذي آثار التشوش بين أخصائي القلب خلال اجتماع الجمعية الأمريكية للقلب يتلخص في أنه بات بحوزتهم طريقة جديدة موثوقة لتتبع وقياس عملية الالتهاب ، ومعروف أن مستوى بروتين " CRB " الذي يتم إنتاجه أينما وجد الالتهاب ، يكون مرتفعاً في دم الأشخاص المعرضين للإصابة بنوبة قلبية. وقد أشارت المعلومات الحديثة إلى أن معدل الإصابة بالنوبات القلبية بين الأشخاص الذين يمتلكون مستويات منخفضة من الكوليسترول الضار ( LDL) إضافة إلى مستويات مرتفعة من بروتين " CRB " يساوي معدل الإصابة بالنوبات لدى الذين يمتلكون مستويات عالية من الكوليسترول الضار إضافة إلى مستويات منخفضة من البروتين .
ويقول الدكتور بول ريدكر من مستشفى النساء في بريجهام " لا يجب بأي حال من الأحوال أن يتم إحلال اختبار " CRB " مكان اختبار الكوليسترول .
فالشحوم تعطينا فكرة عن كمية الصفائح الصلبة التي تراكمت في الشريان في حين يطلعنا البروتين على احتمالات تفتت الصفائح والإصابة بنوبة قلبية .
عقاقير الستاتن
والجانب الجيد في المسألة هو أن لدى الأطباء بعض الأدوية الفعالة التي تكبح الالتهابات . فالإسبرين على سبيل المثال، يمكن أن يقي من مرض القلب ليس فقط من خلال منع تشكل الخثرات بل أيضاً من خلال السيطرة على الالتهاب .
وتشير أحدث الدراسات إلى أن بعض عقاقير " ستاتن " مثل برافاستاتن (برافاكول) ولوفاستاتن (ميفاكور) التي تعمل عل خفض مستوى الكوليسترول، مناسبة لخفض مستوى بروتين " CRB " أيضاً .
وتبين للخبراء أن عقاقير ستاتن ناجحة في منع النوبات القلبية التي كان يحقق فيها الباحثون إلى جانب كافة الأشياء التي تفعلها هذه العقاقير لصالح القلب غير مسألة خفض مستوى الكوليسترول .
واكتشف الباحثون أن التأثيرات غير الكوليسترولية مثل منع التخثر والالتهاب يمكن أن تكون بنفس أهمية التأثيرات الكوليسترولية .
ففي إحدى الدراسات ، تم إعطاء المرضى عقار اتروفاستاتن (ليبيتور) عندما وصلوا إلى المستشفى بعد أن اشتكوا من آلام في الصدر .
وتبين لاحقاً أن المرضى الذين تناولوا العقار على مدى الأسابيع الأربعة التي عقبت ظهور الآلام الصدرية ، كانوا أقل عرضة لدخول المستشفى مرة ثانية، أو ازدياد آلام الصدر من الذين لم يتناولوا العقاقير .
وفي الوقت ذاته كشفت دراسة أخرى أن تأثيرات عقار آخر من عقاقير ستاتن أخذ من قبل مرضى بعد الإصابة بنوبة قلبية، لم تكن ذات فائدة كعلاج مبكر ، وعليه فمن الواضح أن تأثيرات عقاقير ستاتن مختلفة على الأقل على صعيد حماية المرضى في الحالات الطارئة .
حمض الفوليك
وفي السياق ذاته، بدأ حمض الفوليك المعروف بأنه يقي من حدوث بعض التشوهات الولادية، يبرز كأحد الفيتامينات الرئيسية على صعيد الوقاية من أمراض القلب . ويستطيع حمض الفوليك الذي ينتمي إلى عائلة فيتامينB ، خفض مستوى الهوموسيستين وهو حمض أميني طالما ارتبط بارتفاع احتمالات الإصابة بالأمراض القلبية . بالرغم من أن العلماء لا يزالون يبحثون عن تفسير لذلك، إلا أن هناك احتمالاً بأنه يلعب دوراً في مسألة نزوع الهوموسيستين إلى تحفيز عملية تشكل الخثرات الدموية وتآكل بطانة جدران الأوعية الدموية .
وتشير الدراسات إلى أن زيادة جرعة حمض الفوليك يمكن أن تخفف مستوى الهوموسيستين وبالتالي خفض مخاطر الإصابة بأمراض الشرايين بنسبة 50 % .
صور القلب ورواسب الكالسيوم
وحتى وقت غير بعيد، كان معظم أخصائيي الأمراض القلبية يولون صور القلب أهمية ضئيلة على اعتبار أن من المستحيل الحصول على صورة دقيقة لعضو دائم الحركة، ولكن مع التطورات التكنولوجية التي جرت في الفترة الماضية ، ازداد اعتماد الأطباء على الصور ليس لمجرد إلقاء نظرة على منطقة المشاكل بل أيضاً لوضع تصورات عن احتمالات حدوث مشاكل قلبية في المستقبل .
ولعل أحدث تلك التقنيات تتمثل في شكل سريع جداً من أشكال المسح الحاسوبي يسمى التصوير الحاسوبي بحزمات الالكترونات " ABCT" .
ويستطيع هذا الجهاز رصد الكميات الضئيلة جداً من رواسب الكالسيوم في القلب . وقد كشفت إحدى الدراسات المرتكزة على صور المسح أن المرضى الذين تزداد عندهم رواسب الكالسيوم بنسبة 20 % وما فوق سنوياً هم أكثر عرضة للإصابة بنوبة قلبية بمعدل 18 ضعفاً من أولئك الذين تتواجد في قلوبهم كميات من الكالسيوم أقل من ذلك .
وعلى الرغم من أنه لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت رواسب الكالسيوم التي يتم رصدها بتقنية " ABCT " قادرة على تقديم صور واضحة عن الأشخاص المعرضين للنوبات القلبية ، إلا أنها تمثل على الأقل اختباراً إضافياً يستخدمه الأطباء لتحديد كيفية علاج المريض المعرض للخطر .
المراجع
مجلة طرطوس الطبية
التصانيف
ثقافة صحة العلوم التطبيقية