عن سلسلة إبداعات عالمية صدرت ترجمة
الراحل عبد الرحمن بدوي العربية لمسرحية
عذراء أورليان التي ألفها فريدريش شيللر.
تعد شخصية
جان دارك من الشخصيات التاريخية ذات الجاذبية الخاصة، التي تشكل مادة
سخية أغرت كثيرا من الشعراء والأدباء
وكتّاب المسرح، وحتى الرسامين، بتناولها في معالجات
فنية، ولكننا في هذا العدد نختص بمعالجة
شيللر لهذه الشخصية.
فمن خلال مطالعات شيللر لتاريخ العصور
الوسطى لفتت انتباهه تلك الفتاة
الصغيرة، راعية الغنم الريفية، التي قادت الشعب الفرنسي الى
النصر والثورة على الاحتلال
الأجنبي، والتي تمسكت بالعدالة وتشبثت بالكرامة واختارت الموت حرقا،
بعد أن حكم عليها بالكفر والإلحاد، نتيجة
لجهل الجاهلين وخيانة الخونة ذلك لأنها شكلت
خطورة على النظام الحاكم وأصحاب السلطة المدنية
والعسكرية والدينية ببساطة
شديدة وعرتهم من أردية الزيف والشعارات الرنانة الجوفاء، وعندما
اكتسبت شعبية كبيرة بين أبناء الوطن
بدأت الأحقاد والغيرة تتحرك ضدها.
هذه المسرحية
مملوءة بالحكمة والعظة للأمم المفككة، إذ عليها أن تصلح ما بينها
أولا، قبل أن تواجه القوى والأطماع
الخارجية، فالاتحاد في تلك المحن هو الذي يصنع إرادة
الأمم ويحقق مجدها ويسطر تاريخها.
ومسرحية
عذراء أورليان نجدها مؤسسة على مادة
تاريخية، لكنها في النهاية تجربة جمالية فحسب، وقد طبق
شيللر نظريته في هذه المسرحية وهي أن بطل
التراجيديا يجمع في ذاته البراعة العقلية
والصرامة من ناحية، والتعرض للمعوقات الحسية من ناحية أخرى،
ويجب أن يسعى لهدف يوشك أن يكون الكمال المطلق أو الفساد
المطبق، ثم يموت ميتة تراجيدية تجمع بين
العظمة الإنسانية والعدالة الإلهية.