ورد في كثير من الحكايات الشعبية ذكر لتعاون الحيوانات بعد أن تتعرض لظلم واضطهاد من جهة قوية ويكون الحمار دائما في مقدمة قائمة المضطهدين ويأتي بعده الأسد والذئب والثعلب ...الخ , حتى أصبح مصطلح ( مزرعة الحيوان ) رمزا ذا دلالة عميقة في هذا المجال , فالكاتب الانكليزي ( جورج اورول ) بعد أن اطلع على الحكايات الشرقية ( وخصوصا العربية منها) كتب روايته ( مزرعة الحيوان ) وهي رواية شخوصها حيوانات مزرعة من المزارع , تثور بوجه الإنسان بعد ان تتعرض لظلمه وتؤسس مزرعة تديرها , وفضل( أخوان الصفا وخلان الوفا ) واضح وكبير على ( اورول ) في روايته هذه , فقد كتبوا قبله بألف عام ( الرسالة الثامنة من الجسمانيات الطبيعيات / الجزء الثاني / ص 178- 377 ) دفاعا عن الحيوان ضد الظلم الذي يتعرض له من الانسان , لهذا فإننا لا نتعجب حينما يتناول الراوي الشعبي هذا الموضوع ويصوغه بأسلوبه المبسط السهل القريب من أذهان الناس وتفهمهم .

 ان المدلولات الفلسفية والحكمية التي اختفت وراء رسالة ( أخوان الصفا ) في دفاعهم عن الحيوان ربما لا يتمكن الانسان العادي من ان يكتشف كذبها ويصل الى مضمونها بسهولة الا بعد دراسة وتعمق , ولقد وقع اختياري على نصين في هذا المجال :

 النص الأول :عراقي وتحديدا من منطقة الموصل .

 النص الثاني :سوري ومن منطقة اللاذقية .

 لاعتقادي ان هذين النصين هما بالأصل نص واحد أصله عراقي , وهذا الأصل ربما تعود جذوره الى عهود سحيقة سومرية او بابلية ومما يؤكد اعتقادي هذا ما وصل إلينا من ذلك التراث العراقي حكايات عن الانسان والحيوان مكتوبة على رقم طينية عمرها يمتد الى الألف الثالث قبل الميلاد , فهناك مناظرات بين الطير والسمك والشجر والقصبة والشعير والقمح والثور والحصان والنسر والحية والكلب والذئب , ومن المؤكد ان هذه الحكايات طورت فيما بعد وعدلت وأضيف إليها الشيء الكثير , لان الحكاية الشعبية وكما يعرف الجميع مسافر بلا جواز ولا تستطيع الحواجز ولا القيود ان تمنعها من السفر من مكان الى آخر, لكنها أينما ذهبت في النهاية تبقى محتفظة بخصائص الأصل وهذا ما سنعرفه من خلال مقارنتنا للنصين .

 في كتاب ( حكايات الموصل الشعبية ) التي جمعها ( احمد الصوفي) توجد حكاية اسمها( القطاه والغزالة والحمار), رويت على الصفحات 118- 121 , وفي كتاب ( الحكايات الشعبية من اللاذقية ) التي جمعها (احمد بسام ساعي) توجد حكاية اسمها ( جحيش ) رويت على الصفحات 69- 71 , والمعتقد ان اسم هذه الحكاية في الأصل ( حمير ) كما ذكر الجامع في هامش الحكاية , والحكايتان في حقيقتهما حكاية واحدة لوجود تشابه كبير بينهما, رغم وجود الإضافات والحذف , ومن خلال جدول المقارنة نعرف ذلك .

جدول المقارنة بين الحكايتين

( النص العراقي " حكاية القطاه ")                    ( النص السوري " حكاية جحيش ")

1

اسمها القطاه والغزالة والحمار وهذا يعني ان أبطالها ثلاثة وقد ذكروا في العنوان وإنهم يعيشون في مكان واحد .

1

أبطالها بطة إوزة حمامة عصفور جحش وهم يعيشون في مكان واحد , ويلاحظ التشابه في المكان في الحكايتين .

2

سبب تعارفهم وتآلفهم هو تعرضهم لظلم الانسان

2

لم تعط سببا لاجتماعهم وهو قصور في الحكاية وشكل ضعفا فيها

3

هناك تفصيل في العذابات التي يقوم بها الانسان ضد الحيوانات

3

لا توجد إشارة لهذا الموضوع في الحكاية إطلاقا , لهذا فإنها خلت من دافع الاجتماع والزراعة .

4

يتعاونون لزرع ارض بعيدة ليعيشوا عليها

4

يتعاونون لزرع ارض, دون ذكر للأسباب التي دفعتهم الى ذلك التعاون

5

القطاه تجلب الحنطة والشعير لتزرع الأرض لمقدرتها على الطيران

5

لا يوجد ذكر لتفاصيل العمل , وكل ما هناك ان الأرض قد زرعت .

6

الغزالة تبذر الحبوب لمقدرتها على الجري

6

لا يوجد ذكر او تفصيل للأحداث

7

الحمار يحرث الأرض لقوته وتحمله

7

لا يوجد ذكر او تفصيل للأحداث

8

تم الزرع ونزل المطر وكبر السنبل

8

لا توجد إشارة الى ذلك وخلت من التسلسل الزمني للفعل الخاص بالزرع

9

الحمار يتحايل على صديقيه , طمعا في أكل الزرع , فيتمارض ويأكل الزرع لوحده , ويغادر المكان كي لا يعرف احد انه فعل ذلك

9

الجميع يقررون ان يستحموا في الماء ,فحاروا فيمن يحرس الزرع , فيتطوع الجحش للحراسة وبعد ان يستحم الجميع يأكل الجحش الزرع كله ويتظاهر بالنوم حتى يبعد تهمة الأكل عنه

 ( هنا تشابه في الغاية واختلاف الحدث )

10

حدوث اتهام بين القطاه والغزالة والحمار في الفاعل الذي أكل الزرع , فيقررون ان يؤدوا يمينا على عدم أكل الزرع أمام بئر زمزم

 

 

 

10

حدوث الاتهام نفسه فيقررون ان يذهبوا الى بحيرة الله لأداء القسم وان يكون القسم بان يقفوا على مئذنة عالية قرب البحيرة ويقسمون بعد ذلك ويرمون أنفسهم في البحيرة

11

القطاه تقسم :

-   قط... قط أنا القطيط , قط... قط اكلي الخيط , قط... قط يا بير زمزم , قط ...قط ان كان اكلته , ما اطلع

 ( وترمي نفسها في البئر وتخرج منه سالمة لقدرتها على الطيران )

11

البطة تقسم :

-       بط... بط أنا بطة , بط... بط زرعي حنطة , بط ... بط ان كان اكلته , بط... بط ان كان شربته , بط... بط يرميني الله ,بط... بط ببحيرة الله

( وترمي نفسها في البئر وتخرج سالمة )

12

الغزالة تقسم أمام البئر أيضا :

- غز... غز... انا الغزيل , غز... غز... اكلي الزرير , غز... غز... يا بير زم زم , غز ...غز , ان كان اكلته , اطمس ما اطلع

 ( وترمي نفسها في البئر وتخرج منه بسهولة لقدرتها على القفز )

12

 الحمامة تقسم :

- حم... حم انا حمامة , حم ... حم زرعي قضامة , حم... حم ان كان اكلته , حم... حم ان كان شربته , حم... حم يرميني الله , حم ... حم ببحيرة الله

 ( وترمي نفسها وتخرج سالمة

13

الحمار يقسم :

- حم... حم انا الحمير , حم... حم اكلي الشعير , حم... حم يا بير زمزم , حم ...حم ان كان اكلته , حم ...حم اطمس ما اطلع

 ( ويرمي نفسه بالبئر ويموت غرقا)

 ( وتنتهي الحكاية )

13

 الإوزة تقسم :

- وز... وز... انا وزة , وز... وز ... زرعي ارزة , وز... وز, ان كان اكلته , ... الخ

 

 ( وترمي نفسها وتخرج سالمة )

 

 

14

العصفور يقسم :

- زء... زي انا عصفور , زء ... زي زرعي منثور , زء... زي ... الخ ( ويرمي نفسه ويخرج سالما )

 

 

15

الجحش يقسم :

 حاء... حاء ...انا الجحيش , حاء... حاء زرعي الشعير , حاء... حاء ...ان كان أكلته ...الخ

( ويرمي نفسه في البحيرة ويبقى بها ولا يستطيع ان يخرج منها, فتعرف الطيور انه الأكل فيتركنه ويذهبن )

 

 

 

 

16

الجحش يطلب النجدة وهو في الماء وهو يقول

- يا مين أيشيلني... بياكل نصي

 فتسمع الضبع صراخه فتاتي لنجدته طمعا في أكل نصفه

 

 

17

بعد ان تنتشله الضبع من الماء يبدأ حوار بينهما حول أي عضو في الجحش تبتدئ الضبع في أكله , الرأس ... لا , البطن ... لا , وبقية الأعضاء ... لا , وأخيرا يقبل الجحش ان يقدم رجله للأكل أولا, فتحاول الضبع ان تأكل رجله, فيرفسها الجحش رفسة قوية توقعها في البحيرة وتغرق

 

 

18

الجحش يعود الى زملائه تائبا فيقبلون توبته بعد ان يعاهدهم على الأمانة والإخلاص والوفاء

 ( وتنتهي الحكاية )


المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع   الآداب   قصة   العلوم الاجتماعية