قالَ
|
قُلْتُ
|
جاءَ الْأَمْرُ كُلُّهُ اتِّفاقًا ؛ فَلا أَنَا أَرَدْتُ أَنْ
أَكْتُبَ عَنِ الشِّعْرِ الْجاهِليِّ ، أَوْ عَنْ مَنْهَجي في
دِراسَتِه ، وَلا أَنَا اخْتَرْتُ هذِهِ الْقَصيدَةَ ( إِنَّ
بِالشِّعْبِ الَّذي دونَ سَلْعٍ ) ، وَلا أَنَا أَثَرْتُ هذَا
اللَّجاجَ في تَرْتيبِ أَبْياتِها ، أَوْ في شَأْنِ افْتِقارِ
الْقَصيدَةِ الْعَرَبيَّةِ إِلى ما يُسَمّونَه الوِحْدَة ؛ بَلْ
كانَ أَمْري كُلُّه عَلى خِلافِ ذلِكَ .
|
هي " الوَحْدة " بالفتح ، إلا أن يضبطها بالكسر على السخرية من
شعارات بعض الناس !
|
(...) لكِنَّ هُناكَ ناحِيَةً أُخْرى أَنْظُرُ مِنْها ، لِكَيْ
أُنْصِفَ صَديقي وَخَليلي في هذَا الْمَتاعِ الطَّويلِ مِنْ مَتاعِ
الدُّنْيا حَتّى يُنادى عَلَيْنا بِالرَّحيلِ !
|
تقدم يحيى حقي أولا في أوائل تسعينيات القرن الميلادي العشرين ،
وتأخر محمود محمد شاكر - رحمهما الله ! - إلى أواخرها ؛ فتُرى متى
نلحقهما سالمين غانمين !
|
َقضيَّةُ اخْتِلالِ الْقَصائِدِ الْجاهِليَّةِ لَها عِنْدي مَعَ
ذَيْلِهَا الَّذي تُجَرِّرُه ، وَهُوَ وَحْدَةُ الْقَصيدَةِ
وَخُلوُّ الشِّعْرِ الْعَرَبيِّ جاهِليِّه وَإِسْلاميِّه مِنْها ؛
فَهِيَ كَما قُلْتُ آنِفًا ، قَضيَّةٌ حَديثَةُ الْميلادِ .
وَلَمّا كُنّا نَعْلَمُ كَما عَلِمَ الْقُدَماءُ مِنْ أَسْلافِنا ،
أَنَّ الرُّواةَ قَدِ اخْتَلَفوا في رِوايَةِ بَعْضِ الْقَصائِدِ
اخْتِلافًا ظاهِرًا في عَدَدِ أَبْياتِها ، وَفي تَرْتيبِ هذِه
الْأَبْياتِ ، وَفي بَعْضِ أَلْفاظِها أَيْضًا - كانَ مِنْ غَيْرِ
الْمَعْقولِ أَلّا تولَدَ هذِهِ الْقَضيَّةُ عَلى وَجْهٍ ما ،
إِمّا في زَمَنِ الرُّواةِ وَالْعُلَماءِ الْقُدَماءِ ، وَإِمّا في
زَمانِنا .
|
مثل هذا عجبي من ألا يكتب كاتب فيما كتب فيه نجيب محفوظ " أولاد
حارتنا " ؛ فهي مما كان ينبغي أن تكتب من قديم على نحو ما !
|
عَقَّبَ عَلى هذا بِعَمَلِ هؤُلاءِ الْعُلَماءِ بِالشِّعْرِ ،
فَذَكَرَ أَنَّ لِلشِّعْرِ صِناعَةً وَثَقافَةً يَعْرِفُها أَهْلُ
الْعِلْمِ ، كَسائِرِ أَصْنافِ الْعِلْمِ وَالصِّناعاتِ مِنْها ما
تَثْقَفُهُ الْعَيْنُ ( أَيْ تُمَيِّزُ صَحيحَه مِنْ زائِفِه ) ،
وَمِنْها ما تَثْقَفُهُ الْيَدُ ، وَمِنْها ما يَثْقَفُهُ
اللِّسانُ . ثُمَّ ضَرَبَ أَمْثالًا كَثيرَةً عَلى ذلِكَ ، فَقالَ
: " مِنْ ذلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَالْياقوتُ ، لا يُعْرَفُ بِصِفَةٍ
وَلا وَزْنٍ دونَ الْمُعايَنَةِ مِمَّنْ يُبْصِرُه ( أَيْ مَنْ
يُدْرِكُ كُنْهَه وَحَقيقَتَه بِالنَّظَرِ ) ... وَمِنْهَا
الْبَصَرُ بِأَنْواعِ الْمَتاعِ وَضُروبِه وَاخْتِلافِ بِلادِه ،
مَعَ تَشابُهِ لَوْنِه وَمَسِّه وَذَرْعِه ، حَتّى يُضافَ كُلُّ
صِنْفٍ إِلى بَلَدِهِ الَّذي خَرَجَ مِنْهُ (...) . فَدَلَّني هذا
عَلى أُمورٍ : مِنْها أَنَّ الْعِلْمَ بِالشِّعْرِ كَالْعِلْمِ
بِسائِرِ هذِهِ الْأَشْياءِ الَّتي ضَرَبَ بِهَا الْأَمْثالَ ،
مَرْدودٌ كُلُّه إِلى أَنْفُسِ الْأَشْياءِ ، لا إِلَى الْخَبَرِ
عَنْها ، وَلا إِلى صِفاتِها .
|
سبحان الذي له في خلقه شؤون أي شؤون !
عالجت من تجار السيارات في هذه الأشهر ، نقدها ، ومن سائقيها
سياقتها ، ومن مصلحيها إصلاحها ؛ فاطلعت على أطراف علوم جمة تفنى
دونها الأعمار ، وتجلى لي كيف ييسر كلٌّ منا لما خلق له !
|