العلاقة بين السياسة والقانون على المستوى المعرفي والتدبيري علاقة ضاربة في التاريخ الوطني لأي مجتمع وأي دولة . فبوسع المتتبع لهذه العلاقة أن يتلمس جذورها في البحث والتنقيب والنقد خاصة فيما يخص تلك العلاقة الرابطة بين المجالين من حيث تأطير الأولى للثاني والعكس صحيح . ولذلك كان استحضار القانون لتأطير السياسة مسألة ضرورية وهذا يرتبط ارتباطا وثيقا بمنع أي تجاوز يذكر يقود إلى رقي المجتمع في مدراج التقدم والحضارة

لقد عرفت الجريمة الانتخابية ظواهر تجاوز عديدة أدت بطريقة أو بأخرى إلى فشل بناء نظام انتخابي سليم وبالتالي بناء مجتمع سياسي معافى وغير مريض . ولذلك قد وجدنا الانتخابات والعملية السياسية عموما نالت الكثير من الاهتمام سواء في المغرب أو في بلدان أخرى ، الفرق الوحيد أن في المغرب قد عرفت اهتماما على الصعيد الدستوري والإداري خلافا على الصعيد الجنائي ، هذا الأمر دفع الأستاذ والباحث والمحامي يوسف وهابي إلى أن يساهم في رفع هذا الحيف عن المجال الجنائي بكتابه القيم الذي وسمه بعنوان " الجرائم الانتخابية في التشريع المغربي " ، والذي بعد قراءتنا له وجدناه قد أضاف الكثير إلى المكتبة القانونية المغربية التي تفتقر إلى مثل هذه المؤلفات المفيدة والقيمة .

إن الجريمة الانتخابية كما عرفها فيصل عبد الله الكندري في كتابه " أحكام الجرائم الانتخابية " بأنها كل عمل أو امتناع يترتب عليه اعتداء على العمليات الانتخابية ويقرر القانون على ارتكابه عقابا " ( الجرائم الانتخابية في التشريع المغربي ص 6 ) . بل عرف البعض الجريمة الانتخابية بأنها جريمة سياسية تستهدف النيل من سلامة السير الطبيعي والسليم لعملية الانتخاب التي هي مصدر سلطة المنتخبين ( ناجي البكوش : مسألة الجرائم الانتخابية في تونس ص 51 ) . ونرى أن المؤلف خلص في النهاية إلى تعريف جامع للجريمة الانتخابية بحيث اعتبرها كل فعل إيجابي أو سلبي يعاقب عليه القانون ويرمي إلى الاعتداء على حق سياسي من خلال استهداف المس بحرية أو شرعية أو سلامة أو سرية أو نزاهة الاستفتاءات أو الانتخابات قبل أو أثناء أو بعد الاقتراع . ( الجرائم الانتخابية ... ص 6 ) .

يكشف المؤلف عن عدم وجود تمييز واضح بين الجرائم العادية والجرائم السياسية ليجتهد الفقه في ابتداع فوارق للتمييز بينهما ، بل كانهناك تمييز بين المجرم العادي والمجرم السياسي وذلك بتمتيع هذا الأخير بوضع امتيازي استنادا إلى اعتبارات من بينها أن المجرم السياسي متجرد من نوازع الإجرام التي تقود النوع الآخر إلى الجريمة ويكون مدفوعا بهدف نبيل سام يتوخى من ورائه خدمة الصالح العام .

ويستعرض الأستاذ يوسف وهابي لنا في مؤلفه أنواع الانتخابات ليستخلص في الأخير نطاق التجريم الانتخابي أين يبدأ واين ينتهي ؟ أين يظهر وأين يختفي وما هي المقاصد التشريعية الكامنة خلف منطق التجريم ومنطق عدم التجريم ؟ ليحصر هذه الأنواع في خمسة وهي :

* الاستفتاء : ويعتبر أسمى أنواع الانتخابات لأنها تشمل الكل دون استثناء بما فيهم رجال المن والجيش .

* الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب والمستشارين : وتكون بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات بالنسبة لمجلس النواب ، وبانتخاب أعضاء مجلس المستشارين بالاقتراع غير المباشر .

* الانتخابات الجماعية : وهي انتخابات الجماعات المحلية أي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية وتشمل انتخاب المستشارين الجهويين وأعضاء مجالس العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية والمقاطعات .

* انتخابات غرف الفلاحة والتجارة والصناعة والخدمات والصناعة التقليدية والصيد البحري .

*  الانتخابات المهنية : وتهم انتخابات القضاة والمحامين والمهندسين والأطباء والصيادلة ....

ويبين لنا المؤلف كذلك أطراف الجريمة الانتخابية الذين يأتون بالجريمة الانتخابية وهم الناخب والمرشح وموظف الإدارة وعضو مكتب التصويت . هؤلاء الأطراف الذين يفترض فيهم الحفاظ على السير العام للانتخابات حتى تمر في جو سليم .

1 _ القواعد الموضوعية والشكلية المتعلقة بالجرائم الانتخابية :

يتحدث المؤلف عن أركان الجريمة الانتخابية التي يقوم عليها بنيان الجريمة العادية ، أي الركن الشرعي والقانوني ثم الركن المادي والركن المعنوي . حيث يتوقف الركن الشرعي القانوني على وجود نص تشريعي يجرم السلوك الانتخابي الإيجابي أو السلبي ويقرر عقوبة أو تدبيرا وقائيا عليه . ويجسد الركن المادي ميلاد الجريمة من الناحية القانونية ويعطيها وصفا معينا . إنه الركن الذي تعلن من خلاله الجريمة عن وجودها فتخرج من غياهب الدواخل والتصورات إلى العالم الخارجي .

وأما الركن المعنوي فيكون مشتركا بين الجرائم بكافة أصنافها سواء كانت جنايات أو جنحا أو مخالفات . إذ أن هذه الجرائم لا تقوم لها قائمة من الناحية القانونية إلا إذا توفرت لمرتكبها الإرادة لخرق القانون الجنائي . وفي هذا الركن بالذات لا يوجد فرق في ضرورة توفرالركن المعنوي بين الجرائم العمدية والجرائم غير العمدية لأن كل هذه الجرائم لا ترتكب إلا بإرادة ما .

وبعد تمكن المؤلف من فحص الجريمة الانتخابية والحديث عنها بإسهاب تنقل إلى الحديث عن عقوباتها التي تختلف حسب جنس هذه الجريمة ومستوى تصنيفها حيث يبقى نظام العقوبات نظاما متميزا بتنوعه وتفرده ببعض القواعد الخاصة تبعا للمطالب الثلاثة التالية والتي حددها في :

* العقوبات الأصلية : كالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المحدد أو الإقامة الإجبارية أو التجريد من الحقوق الوطنية أو الحبس أو الغرامة .

* العقوبات الإضافية : وهي العقوبات التي يحكم بها القاضي إلى جانب العقوبات الأصلية .

* ظروف التشديد وظروف التخفيف ووقف التنفيذ في الجرائم الانتخابية إلى جانب خضوعها للقواعد العامة المشتركة بين جميع الجرائم الأخرى ....

2 _ قواعد المسطرة والإجراءات الجنائية :

لقد تعددت هذه القواعد المسطرية والإجراءات الجنائية المتعلقة بالجريمة الانتخابية ، ولم يفت الأستاذ وهابي أن يسلط عليها الضوء بطريقة الباحث المتمحص والناقد الباني والمضيف والمغني للمعرفة والمعلومة القانونية . ومن بين هذه القواعد تحدث المؤلف عن كل المراحل التي تهم الجريمة الانتخابية انطلاقا مما يقع قبل المحاكمة حيث يتم التثبت من وقوع الجريمة الانتخابية وذلك بالتقاط المكالمات الهاتفية كما حصل خلال إعادة انتخاب الثلث المتبقي من مجلس المستشارين في 9 شتنبر 2006 الماضي والتي عرفت محاكمات عديدة لكل من تورط في خرق القانون الانتخابي . وقد يكون التثبت أيضا من خلال حالة التلبس في الجريمة أثناء حصولها ، أو الضبط الذي يكون من اختصاص رئيس مكتب التصويت يوم الاقتراع .

وبعد التثبت من وقوع الجريمة تأتي مرحلة المتابعة التي يجب أن تحترم ضوابط وقواعد منها القيد العام تبعا لطلب من جهة رسمية أو عمومية ، أو القيد الشخصي تبعا لإذن من المجلس الذي ينتمي إليه البرلماني ، أو القيد الخاص ويتم بعدم جواز إثارة المتابعة قبل إعلان نتائج الاقتراع ، أو تحريك المتابعة من طرف المشتكي عن طريق الشكاية المباشرة .

ولمحاكم ةلامجرم الانتخابي يجب استحضار الشروط التالية وهي :

_ المطالبة بالحق المدني في الجرائم الانتخابية .

_ الاستقلال النسبي بين القضاء الجنائي والقضاء الانتخابي في مجال الجرائم الانتخابية .

_ تقادم الدعوى العمومية والدعوى المدنية في الجرائم الانتخابية .

3 _ دراسة مقارنة :

يكشف الكتاب في دراسته المقارنة لمختلف الجرائم الانتخابية في التشريع المغربي من خلال الجرائم المرتكبة قبل الاقتراع كالتقييد غير المشروع في اللائحة الانتخابية من تقييد انتحالي أو انتحال الاسم أو الصفة أو التقييد التدليسي أو باستعمال شهادات مزورة أو تصريحات مدلسة ، وكالتقييد المتعدد والشطب غير المشروع من لائحة انتخابية ...

ويمكن أن تكون الجرائم الانتخابية أيضا من خلال جرائم الترشيح الانتخابي كالدعاية لمرشح غير مسجل طبقا للقانون أو إساءة المرشح استعمال المساحة المخصصة للإعلانات الانتخابية ومن خلال جرائم الجملة الانتخابية كجرائم الاجتماعات الانتخابية وجرائم الدعاية الانتخابية تحت عنوان العديد من الأشكال المتعددة لهاته الجرائم الخطيرة التي تحد من السير العام لجو الانتخابات في المغرب .

هذه الدراسة المقارنة كانت من خلال استحضار العديد من الأنظمة الانتخابية الجنائية الغربية كفرنسا وإسبانيا وإنجلترا ، والعربية كالجزائر وتونس ومصر والأردن والكويت ، هذه الأنظمة الانتخابية الجنائية التي حاول المؤلف الأستاذ يوسف وهابي أن يستحضرها ويقارنها مع الأنظمة الانتخابية الجنائية المغربية والتي يعتبر الأستاذ وهابي من بين المتضلعين فيها والعارفين بها بحكم ترؤسه للجمعية المغربية للنقد القانوني وتخصصه في النقد القانوني .

من خلال هذا المؤلف الكبير حاولنا أن نقدم بعض المواضيع المهمة في الكتاب رغم عدم توغلنا في محتوياته كاملة بحكم عدم تخصصنا في المجال القانوني ، ولكننا ارتأينا أن نقدم الكتاب المفيد والقيم إلى القراء تقديما بسيطا علنا نقود القاريء إلى اقتناء الكتاب والاهتمام به واكتساب معرفة قانونية تفيده في الحياة وفي مستقبله السياسي إن كان من أهل السياسة .

               


المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع   الآداب   قصة