د. محمد عبد الرحمن المرسي
عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين
أحسَّ الإمام الشهيد مبكرًا بمقدمات المشروع الصهيوني الذي يستهدف فلسطين ولم يتعامل مع احتلال الإنجليز لفلسطين كأي احتلالٍ لوطن إسلامي، وبدأ يكتب ويُنبِّه لهذا الخطر الشديد منذ عام 1929م، محذرًا من تصاعد الخطر اليهودي في فلسطين، ومشيرًا إلى "أن اليهود تنتبه مطامعهم أمام غفلة المسلمين.
وفي مقالٍ آخر كتبه عام 1930م أبدى فيه عدم رضائه عن ردود أفعال المسلمين في مواجهة هذا التحدي؛ لأنها لم تزد عن الاحتجاجات، وأن خطة اليهود تقوم على الاستحواذ عليها بالقوة وطرد أهلها.
وفي وقتٍ كان الكثير في غفلةٍ عما يُدبَّر حتى إن رئيس وزراء مصر عندما سُئل عن الاضطرابات الحادثة في فلسطين أجاب أنه رئيس وزراء لمصر وليس لفلسطين، في هذا الوقت المبكر استوعب الإمام الشهيد أبعاد المشروع الصهيوني والمعلومات المرتبطة به، وتواصل ميدانيًّا مع أهلها، وأرسل الرسل هناك لتكون الصورة أمامه كاملةً.
ولم يكتفِ الإمام بذلك، بل بدأ في وضع رؤية استراتيجية للحركة، والتصدي لهذا الخطر ضمن مشروعٍ متكاملٍ سنتحدث عنه لاحقًا.
حدد الإمام الشهيد الرؤية والمنطلق والثوابت بشأن هذه القضية؛ حيث ينطلق الإخوان المسلمون في تعاملهم مع القضية الفلسطينية من حقيقة أساسية جوهرها: أن أرض فلسطين هي أرض عربية إسلامية، وقف على المسلمين جميعًا حتى تقوم الساعة، يحرم التنازل عن شبر واحد من ثراها مهما كانت الضغوط، فهي بالتالي أمانة في أعناق أجيال المسلمين جيلاً بعد جيل حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومَن عليها.
وأن قضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي بأسره وليست قاصرةً على أهلها الفلسطينيين، وأن المقاومة بكل أبعادها ومحاورها هي الطريق لاسترداد أرض فلسطين؛ فاليهود لا يفهمون إلا لغة القوة" .
قبول التحدي والاستعداد للمواجهة:
ومع إدراك الإمام الشهيد لخطورة المشروع الصهيوني والقوى الكبرى التي تقف وراءه والإمكانيات الضخمة المسخرة له، إلا أنه قرر قبول المعركة متوكلاً على الله، كما كان له بفضل الله القدرة على تحويل الرؤية والأهداف إلى خطواتٍ عملية مثمرة وإلى تغيير الواقع وفق مراحل محددة لتعبئة الأمة وحشدها.
ويعلن الإمام الشهيد بذلك موقف الإخوان:"ولقد كان من حسن حظنا أن نشهد ذلك العصر الذي تقف فيه اليهودية العالمية متحديةً الأمم العربية والإسلامية،معتديةً على مقدساتنا بالحديد والنار، وإننا لنقبل هذا التحدي معتقدين أن الله تبارك وتعالى قد ادَّخر لنا فضل مقاومة هذا العدوان والقضاء عليه".
خطوات الإمام الشهيد وفعالياته:
رغم أن الجماعة كانت في بداية نشأتها وتواجه مناخًا صعبًا من الاحتلال الإنجليزي والقوى السياسية القديمة المتربصة بها، وكذلك كان الشعب في غفلةٍ وفي حالةٍ من الأزمات الاقتصادية، وتشغل الطبقة المثقفة والوسطى منه القضية الوطنية، إلا أن اهتمام الإمام الشهيد وإدراكه لأهمية الوقت وخطورة الإحداث جعلته يسارع بالعمل في هذا الميدان، ويبذل جهدًا كبيرًا في توعية الأمة وإيقاظها لتتبنى هذا الأمر، وتُدرك مدى الخطر.
واستطاع بفضل الله من سنة 1932م وحتى سنة 1942م أن يُحدث تحولاً كبيرًا في الشارع المصري.
ثم يحول هذا التحول إلى وسائل ضغط، وإلى مسارات عملية للدعم والمساندة توجِّت بتفاعل قوي حاشد للأمة في عام 47-1948م تحت توجيه وقيادة الإخوان.
واضطرت القوى السياسية العلمانية أن تجاري الأمر، وتلحق بهذا الزخم الشعبي، واضطرت الحكومات أن تستجيب لبعض المطالب، وأن تزايد ببعض الشعارات.
ونشير في إيجاز إلى بعض هذه الخطوات:
التوعية العميقة لأفراد الجماعة، وكذلك توعية الأمة بالقضية وبالأحداث المتتالية بشتى الوسائل والسبل، وعلى سبيل المثال :
انتشار الإخوان في المساجد وفي القرى والنجوع؛ يشرحون للأمة ويوجهونها، وكان لهم دعاء يقنتون به في المساجد، ويردده آلاف الجماهير من ورائهم، ومن كلماته "اللهم غياث المستغيثين وظهير اللاجئين ونصير المستضعفين انصر إخواننا أهل فلسطين.....".
توظيف المناسبات للتذكير بالقضية والتركيز عليها فأصبح يوم 27 من رجب منذ عام 1933م يشهد احتفالات الإخوان بالإسراء والمعراج لخدمة القضية وإحياء ذلك في كل عام.
طباعة الكتب وكتابة المقالات والبيانات وتوزيعها على نطاقٍ واسع، وكمثال فقط "كتاب النار والدمار في فلسطين" عام 1938م، وقد قُبض على الإمام الشهيد بسببه ثم أُفرج عنه.، كتاب "كفاح الذبيحين فلسطين والمغرب" عام 1946م، ثم توالت الكتب من علماء الإخوان ودعاتهم حتى يومنا هذا.
كما توالت عشرات المقالات في مجلات وصحف الإخوان، وفي كلماتهم للأمة عام 1933، من هذه العناوين "فلسطين الدامية- فلسطين المجاهدة...إلخ".
ومن كلمات الإمام الشهيد في هذا الشأن: "إن الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغة واحدة هي لغة الثورة والقوة والدم"([1]) .
"أيها المسلمون في أقطار الأرض إن فلسطين هي خط الدفاع الأول والضربة الأولى نصف المعركة، فالمجاهدون فيها إنما يدافعون عن مستقبل بلادكم وأنفسكم وذراريكم كما يدافعون عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم".
"ليست قضية فلسطين قضية قطر شرقي، ولا قضية الأمة العربية وحدها، ولكن قضية الإسلام وأهل الإسلام جميعًا".
"احتجوا بكل مناسبة وبكل طريق.. قاطعوا خصوم القضية الإسلامية مهما كانت جنسياتهم أو نحلهم تبرعوا بالأموال للأسر الفقيرة والبيوت المنكوبة والمجاهدين البواسل.. تطوعوا إن استطعتم لا عذر لمعتذرٍ فليس هناك ما يمنع من العمل إلا ضعف الإيمان"([2]).
"إن الصهيونية ليست حركةً سياسيةً قاصرةً على الوطن القومي لليهود أو الدولة المزعومة بالتقسيم الموهون، ولكنها ثمرة تدابير وجهود اليهودية العالمية التي تهدف إلى تسخير العالم كله لحكم اليهود ومصلحة اليهود وزعامة مسيح صهيون، وليست دولتهم الخيالية التي يعبرون عنها بجملتهم المأثورة من الفرات إلى النيل في عرفهم إلا نقطة ارتكاز تنقضُّ منها اليهودية العالمية على الأمة العربية دولة فدولة ثم على المجموعة الإسلامية أمة بعد أمة"([3]) .
"إنه لن تقوم في أية دولة صناعة ناجحة ولا تجارة رابحة، وستقضي المنافسة الصناعية والتجارية على كل أمل لهذه الأمم العربية والإسلامية في التقدم والنهوض، هذا فضلاً عن الفساد الاجتماعي الذي تحمل جراثيمه هذه الرءوس اليهودية الطريدة من كل دولة".
"إن الدماء التي خضبت أرض فلسطين، وإن آلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل المثل الإسلامي الأعلى.. وإن المسجد الأقصى الذي انتهكت حرمته.. كل أولئك يهيب بك أيها الأخ المسلم أن تبذل في سبيل الله ما وهبك من روح ومال؛ لتكون جديرًا بالاسم الذي تحمل، وباللواء الذي ترفع، وبالزعيم الذي أنت به مؤمن" (حسن البنا 1939م).
عشرات الندوات والمؤتمرات والمظاهرات الحاشدة في جميع أنحاء القطر المصري رغم الأحكام العرفية التي فُرضت إبَّان الحرب العالمية، ومنها سلسلة المظاهرات العارمة في 36، وعام 1938م وما بعده، وقد قبض في هذه المظاهرات على أعداد من الإخوان منهم الشهيد يوسف طلعت في الإسماعيلية والحاج عباس السيسي في الإسكندرية.
ومن أهم هذه المظاهرات المظاهرة الكبرى في ميدان الأوبرا بعد صدور قرار التقسيم، وكانت في 15/12/47؛ حيث جمعت فيها زعماء وقيادات مصرية وعربية، ومن الشخصيات التي تكلمت فيها: رياض الصلح (لبنان)، الأمير فيصل بن عبد العزيز (السعودية)، جميل مراد (سوريا)، إسماعيل الأزهري (السودان)، القمص متياس الأنطوني.
إجراءات عملية للدعم والمساندة على المستوى الشعبي، وتشمل :
التبرعات وجمع الأموال لدعم المجاهدين والشعب الفلسطيني في محنته؛ وذلك من جيوب الإخوان ثم من عموم الأمة التي تفاعلت مع حملات التوعية.
في مارس 1935م تقدَّم الإخوان بمشروع جمع التبرعات والأموال لمساندة قضية فلسطين إلى كل الهيئات الشعبية.
حملة قرش فلسطين التي بدأت مع عام 1939م وتبناها الإخوان ونجحوا فيها.
حملة المقاطعة للمؤسسات اليهودية الموجودة في مصر، وقد بدأت من عام 1936م، وأصدر الإخوان بذلك قائمة بهذه المؤسسات، ودعت المصريين إلى عدم التعامل معها؛حيث كانت تمول عملية الاستيطان اليهودي:"إن القرش الذي تدفعه لمحل من هذه المحلات إنما تضعه في جيب يهود فلسطين ليشتروا به سلاحًا يقتلون به إخوانك المسلمين في فلسطين".
تحريك القوى السياسية والشخصيات الوطنية المصرية والعربية في مؤتمرات وفعاليات للخروج بإجراءات عملية لمساندة ودعم القضية، وتقديم المقترحات العملية في هذا الشأن، ومن أمثلة ذلك :
في عام 1936م دعا الإمام البنا إلى عقد اجتماع للقوى الوطنية والعلماء والمفكرين في مصر خاص بهذه القضية، وانبثق عن الاجتماع لجنة عليا لمساندة فلسطين برئاسة الإمام البنا وأعضاء من كبار العلماء والمفكرين، وأرسلوا برقيات المساندة للشيخ أمين الحسيني.
عقد مؤتمر عربي حاشد من أجل فلسطين في مصر بالمركز العام عام 1938م شارك فيه زعماء العالم العربي، وكان من بين المشاركين فارس الخوري رئيس وزراء سوريا.
وفي أكتوبر عام 1938م عقب نجاح المؤتمر العربي السابق تم عقد مؤتمر شعبي برلماني على مستوى العالم الإسلامي؛ حيث عقد في سراي آل لطف الله بالقاهرة وحضره وفود شعبية وبرلمانية من المغرب العربي والهند والصين والبوشناق المسلمين وبرلمانيون من مصر وسوريا ولبنان والعراق.. إلخ، بخصوص التحرك في هذه القضية.
إرسال الدعـاة إلـى بلـدان جنـوب شرق آسيا (أ- صالح عشماوي- أ- سعيد رمضان...إلخ) لشرح القضية والتواصل مع القوى السياسية بخلاف دعاتهم المنتشرين في جميع الأقطار العربية.
مخاطبة القوى الوطنية والمسيحية لمساندة هذه القضية ومنهم الأنبا يؤنس بطريرك الأقباط الأرثوذكس، وفي أكثر من بيان كان يذكرهم ويخاطبهم وكمثال كان عنوان أحد بياناته: "نداء إلى شعب الإخوان المسلمين بالقطر المصري وإلى مواطنينا المسيحيين الأعزاء من أجل فلسطين المجاهدة".
في عام 1947م استجابةً لنداء الإخوان تم تشكيل هيئة وادي النيل لإنقاذ القدس وأعضاؤها يمثلون مختلف القوى السياسية في مصر، بالإضافة للإخوان، وقد نظمت أسبوعًا من أجل فلسطين لشرح أبعاد القضية وجمع التبرعات.
وفي عام 1947م نظَّم الإخوان المؤتمر الشعبي لنصرة فلسطين بالجامع الأزهر، وتكلَّم فيه اللواء صالح حرب وأحمد حسين (مصر الفتاة)، بالإضافة للإمام الشهيد، والذي تلا فيه بيان الإخوان بإعلان الجهاد المقدس لتحرير فلسطين، ومما جاء فيه: "لقد كان عندنا بقية أمل في الضمير العالمي، أما الآن فقد فجعنا في كل هذه الآمال، وكفرنا بهذا الإيمان، وبهذه الحكومات الجاحدة المضللة حكومات الغرب ودوله...".
ومن المشاريع العملية التي تقدَّم بها الإخوان لتلك القوى على مستوى العالم العربي والإسلامي:
إنشاء صندوق عالمي إسلامي أو شركة لشراء أرض فلسطين المستغنى عنها من أصحابها حتى لا تتسرب لليهود، وقد أرسله للمؤتمر الإسلامي المنعقد بالقدس عام 1931م عقب ثورة البراق، كما أعاد تفعيله في مؤتمر 1938م المنعقد بالقاهرة مع توضيح أساليب اليهود لطرد أهل فلسطين من أراضيهم.
أن تتكون لجنة عامة لإنقاذ فلسطين بوادي النيل تعلن النفير العام وتنظم جهود المقاومة.
إنشاء لجان للدفاع عن المقدسات الإسلامية يكون مركزها الرئيسي في القدس أو مكة المكرمة وفروعها في العالم الإسلامي كله.
إنشاء جامعة فلسطين.
إصدار صحيفة إسلامية خاصة بالقضية تُوزَّع على مستوى العالم الإسلامي، وتعمل على التوعية بالقضية والتوجيه والإرشاد.
تنظيم المؤتمرات والفعاليات الشعبية على مستوى العالم الإسلامي والتواصل بين هيئاتها لصالح القضية.
أرسل مقترحًا لوزير الشئون الاجتماعية فـي مصر وقتها جلال فهيم باشا بتوظيف وتشغيل الشباب الفلسطيني الذي لا يجد مجالاً للعمل ثم تدريبهم وتسليحهم وإرسالهم لفلسطين.
تقدم الإمام في سنة 1939م بمذكرة إلى علي ماهر رئيس الحكومة المصرية آنذاك طالب فيها بالعمل على إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين إيقافًا تامًّا، واقتراح عليه إجراءات عملية.
برقية الإمام عام 1936م إلى رئيس وزراء مصر آنذاك يوضح فيها خطر اليهود، وأن علينا أن نستعد ونتهيأ لمواجهة هذا الخطر، وأن الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغة القوة.
التعاون مع جامعة الدول العربية، ودفعها إلى التحرك لأداء الدور المطلوب، وكان كثير الصلة بعبد الرحمن عزام الأمين العام للجامعة، وأرسل له عدة مذكرات يطالب بأن تتحرك بقوة لتضغط على الحكومات العربية لكي تأخذ الأمور بحزم وتعلن الجهاد.
وفي برقيته إليه في 8 أكتوبر 1948م نصحه ألا ينخدع بهذه الحلول السياسية التي تعرضها القوى الكبرى مع سرعة الإعداد العملي لإنقاذ فلسطين.
ومما جاء فيها: "إن الإخوان لا يرون سبيلاً لإنقاذ فلسطين إلا القوة، ولهذا يضعون تحت تصرف الجامعة العربية عشرة آلاف من خيرة شبابهم المجاهدين ككتيبة أولى في جيش الإنقاذ".
التواصل مع أهل فلسطين، ومع قادتها وزعمائها للمساندة والتنسيق ودعم الجهاد هناك: كان الإمام حريصاً على إرسال رسائل التأييد والتشجيع لأهل فلسطين، ففى أحداث ثورة 1936 كتب يقول: " إن القضية الفلسطينية أعادت الجهاد مرة أخرى إلى الواقع، عندما قام الفلسطينيون يحسنون من جديد صناعة الموت.."ثم خاطب أهل فلسطين يشدّ من أزرهم بعد نهاية أحداث ثورة 1936: " أيها الفلسطينيون لو لم يكن من نتائج ثورتكم إلا أن كشفتم غشاوات الذلّ وحجب الاستسلام عن النفوس الإسلامية، وأرشدتم شعوب الإسلام إلى ما فى صناعة الموت من لذة وجمال وروعة وربح، لكنتم الفائزين " أ. هـ
بدأ الإمام هذا التواصل مع مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني منذ عام 1929م، وكذلك تقدَّم له بمذكرة إجراءات عملية للمؤتمر الإسلامي المنعقد في القدس عام 1931م، وقد تليت في المؤتمر وأُحيلت المقترحات إلى اللجنة التنفيذية المنبثقة عنه.
وكان الحاج أمين الحسيني يضع ثقته في الإخوان، وقد قال عنهم "إني أؤمن بالإخوان المسلمين؛ لأنهم جند الله الذين يهزمون جنود الشيطان".
الاتصال بالشهيد عز الدين القسام منذ عام 1933م وما بعدها، وتقديم الدعم والمساندة.
زيارة من وفد الإخوان في أغسطس 1935م لفلسطين إبَّان الثورة الكبرى للتنسيق والتواصل الميداني.
التواصل والتنسيق مع اللجنة العربية العليا بفلسطين، والتي تشكلت في نهاية عام 1936 بعد الثورة الكبرى بدعم ومساندة من الإخوان.
أرسل الصاغ محمود لبيب للتدريب الميداني والصلح بين قادة منظمتي "النجادة" و"الفتوة" اللتان تجاهدان في فلسطين عام 1948م؛ وذلك لتحقيق الوحدة والتئام الصفوف.
من الوفود التي أرسلها الإمام الشهيد نذكر الأساتذة: عبد المعز عبد الستار- محمد أسعد الحكيم- عبد العزيز أحمد- عبد الرحمن الساعاتي- بخلاف الصاغ محمود لبيب والشيخ محمد فرغلي وآخرين غيرهم.
وذلك للمساندة وتنظيم أعمال المقاومة والتمهيد لدخول الإخوان ميدان الجهاد في فلسطين، كما زار الإمام الشهيد نفسه أرض فلسطين انطلاقًا من غزة عند زيارته لمواقع المجاهدين.
الضغط على الحكومات الأجنبية، واتخاذ المواقف القوية تجاه الأحداث، والتحرك على المستوى العالمي، ومن أمثلة ذلك:
توجيه خطابات التحذير للحكومات الغربية، خاصةً إنجلترا وأمريكا إزاء ما يقدمونه من دعمٍ للمشروع الصهيوني.
مذكرة احتجاج واستنكار أرسلها الإمام الشهيد في 12 أغسطس 1944م إلى وزير أمريكا المفوض للتنديد بالموقف الأمريكي المشئوم؛ حيث وقتها طالبت أمريكا بهجرة مائة ألف يهودي دفعةً واحدة.
وكذلك أرسل خطابًا مفتوحًا للحكومة والشعب الأمريكي بهذا الشأن؛ ومما جاء فيه: "إننا نحن- الإخوان المسلمين- باسم الشعب المصري والشعوب الإسلامية لنرفع عقائرنا محتجين على هذا التصريح المشئوم الذي تنادي به أمريكا اليوم متحديةً به شعور أربعمائة مليون مسلم" ".. ونحن باسم الإخوان المسلمين ومن ورائهم كافة العرب والمسلمين في مختلف أقطارهم نحذر حكومتكم من الاسترسال في هذه السياسة الصهيونية الجائرة فإنها وحدها هي التي تضمن لكم أن تخسروا معركة السلم في العالم العربي والإسلامي كله، وإذا خسرتم صداقة العرب والمسلمين فلن تجدوا عوضًا عنها عند اليهود والصهيونيين..".
وعند اعتراف أمريكا بإسرائيل بعث الإمام البنا برقية إلى الرئيس ترومان قال فيها: "اعترافكم بالدولة الصهيونية إعلان حرب على العرب والعالم الإسلامي، وإن اتباعكم لهذه السياسة الخادعة الملتوية لهو انتهاك لميثاق هيئة الأمم والحقوق الطبيعية للإنسان وحق تقرير المصير، وستؤدي حتمًا إلى إثارة عداء دائم نحو الشعب الأمريكي، كما ستعرض مصالحه الاقتصادية للخطر وتودي بمكانتكم السياسية فنحملكم المسئولية أمام العالم والتاريخ والشعب الأمريكي".
كما أرسل رسالة مشابهه إلى السفير البريطاني بالقاهرة يستنكر دورهم ويذكر فيها "إن الإخوان سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الله الأرض ومن عليها".
وعندما صدر قرار التقسيم من الأمم المتحدة وجَّه الإمام البنا نداءً قويًّا ناشد فيه الحكومات العربية والإسلامية بأن تنسحب فورًا من الأمم المتحدة.
وأن تتهيأ الشعوب الإسلامية للدفاع عن فلسطين؛ وذلك بعد وضوح ضعف حكوماتها.
وفي بيانه القوي الذي أعلنه في اجتماع رؤساء المناطق والشعب عام 1942م أشار إلى "إن مصر والعالم العربي والإسلامي كله يفتدي فلسطين، وهذه الحقيقة يجب أن تضعها الدول المتحدة نصب عينها فصداقة المسلمين والعرب في كفة ومطامع اليهود في فلسطين في الكفة الأخرى".
رفض المشاريع والحلول الجزئية التي تعطي لليهود أي حق في فلسطين والضغط الشعبي والعملي على الحكومات لرفض ذلك.
رفض مشروع التقسيم الثلاثي الذي تقدَّمت به اللجنة الملكية البريطانية عام 1937م تحت ضغط حركة الجماهير وثورة أهل فلسطين الكبرى؛ حيث اقترحت تقسيم أرض فلسطين إلى ثلاثة أقسام قسم لليهود وآخر للعرب وثالث يبقى تحت سيطرة بريطانيا مباشرة.
وقد أكد الإمام الشهيد مع الرفض القاطع أن هذا المشروع يعني القضاء على حقوق العرب كلها "ولن يخطر ببال عربي واحد أن يفكر فيه فضلاً عن أن يقبله".
ورفض الإمام البنا الكتاب الأبيض الذي أصدرته بريطانية لمحاولة استيعاب الموقف عام 1939م وخداع الشعوب العربية.
رفض الإخوان مشروع اللجنة الأمريكية البريطانية الذي يقضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود؛ وذلك قبل عرضه على الأمم المتحدة.
وعندما أجازته في نوفمبر 1947م استنكر الإمام، وشنَّ عليه حملةً قوية، وطالب بانسحاب الدول العربية والإسلامية من الأمم المتحدة، وأرسل إلى السكرتير العام للأمم المتحدة ووزير خارجية أمريكا معلنًا هذا الرفض.
المشاركة العسكرية الميدانية داخل فلسطين وقتال العصابات الصهيونية:
وقد بدأ هذا الاستعداد مبكرًا بإنشاء النظام الخاص وتدريبه للجهاد في فلسطين وعلى ضفاف القناة ضد الإنجليز.
التواصل الجهادي منذ عام 1935م والمساعدة في جمع السلاح وإيصاله للمجاهدين داخل فلسطين، وكان الصاغ محمود لبيب على صلةٍ وثيقة بالشهيد عبد القادر الحسيني لهذا الأمر، وأصبح هو ضابط الاتصال بين الإخوان والهيئة العربية العليا في شئون التسليح المشكلة لفلسطين.
وكان هذا محورًا أساسيًّا في عام 1946م وما بعدها الدفع بالمئات من شباب الإخوان المجاهدين إلى أرض فلسطين رغم كل محاولات الإنجليز لمنع ذلك ومساعدة الحكومة المصرية فى هذا المنع إلا أنه وبصورة هادئة تمكَّن شباب الإخوان من التسلل إلى أرض فلسطين عقب نهاية الحرب العالمية الثانية . ثم تحت الضغط الشعبي الذي قاده الإخوان تمكَّنوا من إرسال كتائبهم المجاهدة تحت مظلة جامعة الدولة العربية، وأنشأوا لها معسكرات التدريب وجمع السلاح لها، وعندما تطورت الأحداث على أرض فلسطين أعدوا عشرة آلاف كان الإمام سيدخل معهم أرض فلسطين، لكن وقفت الحكومة ضد ذلك وأعلنت قبول الهدنة ثم اغتالت الإمام الشهيد وزجَّت في السجون بالمجاهدين داخل وخارج مصر بناءً على توجيهات وتعليمات القوى الكبرى المساندة لليهود.
كان لدخول الإخوان أرض فلسطين تأثير كبير، وشكَّلوا خطرًا شديدًا على اليهود الذين ضجَّوا بالشكوى، وطالبوا بسرعة التدخل لإيقاف ذلك، وكانت روح الجهاد والتضحية سمة بارزة عندهم .. فمثلاً عُرض على كتيبة الإخوان التابعة للجامعة العربية بقيادة أحمد عبد العزيز، رواتب من الجامعة العربية ، فردّوا جميعاً: لا نريد رواتب.. وهذا بخلاف كتيبة الإخوان المستقلة بقيادة الشيخ محمد فرغلى وقد بلغ عدد أفرادها217متطوعاً..يقول د.أحمد الملط رحمه الله (من قيادات الإخوان والذين تطوعوا للذهاب لفلسطين):"لقد أرسل وراءنا سليمان باشا مدير الهلال الأحمر المصرى، وقال اطلبوا ما شئتم من المرتبات لأننا أعلنا فى الصحف نطلب أطباء برواتب مغرية فلم يتقدم أحد "... ويستطرد د. أحمد قائلاً: " كنا ثلاثة أطباء من الإخوان : أنا ود. حسان ود. خطاب، فقلنا لا نريد إلا الطعام والمأوى... وهكذا كان الإخوان يتدافعون للدخول إلى أرض فلسطين بهذه الروح ولولا العقبات الشديدة التى وضعتها الحكومة وقتها والاحتلال الإنجليزى لدخلوها بعشرات الآلاف .
لقد تقدَّم الإمام البنا للحكومات والهيئات السياسية في مواجهة اغتصاب اليهود لفلسطين بمشروعين:
مشروع سياسي ومشروع عسكري جهادي متلازمين، وبلور المشروع السياسي في المذكرة التي أرسلها لجامعة الدول العربية عام 1947م بأن تتحرك الجامعة للضغط على الحكومات العربية باتخاذها موقفًا موحدًا، وإعلانها جميعًا الجهاد حتى تجلو الصهيونية عن البلاد أو يوافق اليهود على أن يعيشوا مع العرب في ظل الدولة الفلسطينية الحرة على أن يرد إلى وطنه الأصلي كل يهودي دخيل بعد الحرب العالمية.
وأن يكون الواقع الميداني على أرض فلسطين هو الحاسم في فرض هذا الأمر.
وأما المشروع العسكري فقد كان حول الاعتماد على المقاومة الفاعلة الميدانية وإعطاء الغطاء الشرعي لها والدعم اللوجستي من الحكومات العربية خاصةً المتاخمة لحدود فلسطين.
وأن تدع الحكومات فصائل المقاومة الفعالة من جميع الشعوب العربية والإسلامية وهي كثيرة أن تتحرك على ميدان فلسطين دون أن تلتزم هذه الحكومات بشيء أمام هيمنة الدول الكبرى عليها؛ وبذلك تستطيع أن تهرب من الضغط الذي تتعرض له.
وأن تكون هذه المقاومة مكافئة للواقع الذي تواجهه وتستطيع دحر وهزيمة العصابات الصهيونية، وأنها لن تقف عند أي حدود حتى تحقق الهدف وتغير الواقع الميداني على أرض فلسطين.
لكن هذه الحكومات العربية الهزيلة رفضت ذلك وانتهزتها فرصة للاستعراض وكسب البطولات وإطلاق الشعارات دون أن تدرك الواقع بعمق، وأن موازين القوى قد تغيَّرت بين جيوشها وبين تلك العصابات الصهيونية.
** ما أشرنا إليه هو أمثلة موجزة فقط لتوضيح أبعاد الرؤية وآليات التعامل من جانب الإخوان، أما تفعيل الأمور وجمع كل الحقائق فما زال يحتاج إلى بحث شامل ومجهود كبير، خاصةً أن الكثير لم يمط عنه اللثام ولم يُسجَّل حتى الآن.
ومع ما قدَّمه الإمام البنا إلا أنه اختطَّ لجماعته مشروعًا إستراتيجيًّا بعيد المدى بشأن هذه القضية يرسخ فيه مبدأ المقاومة، ويوظف طاقات الأمة، ويحافظ على الثوابت والأهداف.
وهو ما يحتاج أن نشير إليه في المقالة القادمة مع تناول ما قام به بالدراسة والتحليل إن شاء الله.
([1]) من مقالة عام 1936م .
([2]) عام 1938م مجلة النذير .
([3]) من بيانه للأمة عام 1947م .
مصدر المقالة: موقع رابطة ادباء الشام
المراجع
hebroo111.over-blog.com
التصانيف
شعر أدب قصائد شعراء العلوم الاجتماعية