&
عالم الصحافة والإعلام قائم بحد ذاته ولا يعرف تفاصيله غير العاملين فيه وهو يشهد تغيرات كبيرة وحادة بسبب التقنيات الحديثة وربما كان أهم تغيير ما يتعلق بصحة الأنباء المتداولة ودقة الخبر.
شهدت وسائل الاتصال تطورات ضخمة خلال العقدين الأخيرين بفضل ما تحقق من تقدم تكنولوجي رافقه تنوع في تطبيقاته في مجال الاتصال والإعلام ونقل المعلومات وعرضها وتقديمها. وشمل التطور الشكل العام للخبر والتقرير وحتى وسائل الحصول على المعلومة وطريقة خزنها. ومن المؤكد أن كل هذه التحويرات جاءت بفضل الشبكة العنكبوتية التي غيرت العالم وغيرت معها مهنة الصحافة والعمل الإعلامي نفسه ومهامه وشكله وحتى أهدافه.
ورافق كل هذه التطورات ظهور تحديات جديدة أمام الصحافة المعاصرة منها تعددية مصادر المعلومات وسرعة نقلها واستخدامها والجمع بين الصوت والصورة والكلمة إضافة إلى توسع العرض الصحفي ووفرته بشكل غير مسبوق بالمرة.
&
استفهامات
كل هذه التغيرات السريعة طرحت العديد من نقاط الاستفهام عن عالم الصحافة وعن التوجهات الحديثة فيه فبعد أن كان الصحفي يسعى سعيا للحصول على المعلومة في عالم يتسم بالندرة والشحة أصبح الآن أمام حالة من الوفرة بل ومن التخمة المعلوماتية. ولكن؟ كيف السبيل إلى التمييز بين الصحيح والدقيق والكاذب والمصنوع وبين الأصيل والمعاد نشره وصياغته وتلفيقه.
ثم إن العمل الصحفي ما عاد مقتصرا على محترفيه بل تعممت القدرة على الكتابة والتصوير والتسجيل وتعددت منافذ النشر والبث على الإنترنيت في مواقع لا حصر لها ولا عد تسمي نفسها صحفية أو تدعي انتماءها لعالم الصحافة المهنية أو في مواقع التواصل الإجتماعي حتى أصبحت الصحافة والإعلام مهنة يتقنها الجميع دون تمييز وحتى أضحت عملية تناقل الأخبار مثل فتح صنبور ماء. أغلب المواقع على الإنترنيت وأغلب مواقع التواصل الإجتماعي هي أماكن يتم فيها تداول أخبار محلية وعالمية دون أي رقابة ولا إشراف حتى أصبح من السهل جدا تسريب أي خبر ونشر أي رأي وتعميم أي فكرة.
&
زائد
هذه النقطة بالذات هي التي استأثرت باهتمام الكاتب والصحفي المخضرم بوب شيفر في كتابه "زائد، إيجاد الحقيقة في طوفان الأخبار اليوم" ويشرح فيه مدى صعوبة العثور على أخبار صحيحة ودقيقة وغير مجزأة وغير مقتلعة من سياقها الأصلي ليقر بأن هذا الوضع الجديد يشكل خطرا حقيقيا وجديا على عالم الصحافة الحقة كمهنة تتوخى دقة المعلومة والحيادية وصدقية الخبر.
ويتوصل الكاتب إلى استنتاجات منها أن المستهلكين (ويعني هنا المستهلكين الأميركيين بالتحديد) لا يستطيعون استيعاب الأخبار والأحداث بشكل صحيح بسبب تعدد المصادر وسعة نطاقها ما يؤدي إلى إحساسهم بنوع من الحيرة والضياع. وينبه الكاتب إلى ما يدعى بالأخبار الكاذبة التي يستخدمها البعض لتحقيق مكاسب سياسية ومالية وبشكل متعمد وهو ما يشكل خطرا على الديمقراطية نفسها كما يلاحظ أن استطلاعات الرأي التي كانت تتميز بدقة كبيرة في السابق أصبحت غير موثوق بها تقريبا.
ينبه الكاتب أيضا إلى أن انتشار المواقع غير الصحفية أو الدخيلة على الصحافة على الانترنيت خلق نوعا من الفوضى في عالم الإعلام وأسفر عن ضياع الحقائق في أغلب الأحيان مع التركيز على جمالية الصورة والصوت بدلا من عرض معلومات موثوقة.
&
كنيدي وأحداث أيلول
يميز شيفر بين الحقبة التي شهدت اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كنيدي حيث تم نقل الحدث حيا على شاشات التلفزيون وهجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 والتي رافقها انتشار هائل لمختلف أنواع الأخبار والمعلومات على الإنترنيت. كان الحدث الأول حقيقيا وحيا وصادقا فيما شاب الحدث الثاني حالة من الفوضى الإعلامية الهائلة. ويتطرق الكاتب أيضا إلى الانتخابات الأميركية الأخيرة في عام 2016 محاولا تحديد الأسباب التي أدت إلى تصدر دونالد ترمب وهيلاري كلنتون السباق إلى البيت الأبيض وخسارة المرشحين الآخرين مؤيديهم.
ينبه الكاتب أيضا إلى اختلاف نمط الصحافة الحديثة حيث أخذت المؤسسات الصحفية تعتمد مبدأ البث الإعلامي على مدار الساعة وطوال اليوم ولسبعة أيام في الأسبوع مع اهتمام ملحوظ بالمواقع الألكترونية أكثر من النتاجات المطبوعة عكسا لما كانت عليه الأمور في السابق.
ويورد الكاتب عددا من الإحصائيات مشيرا إلى أن أكثر من 80 بالمائة من الجيل الجديد ومن مواليد بداية القرن الحالي يحصلون على المعلومات التي يحتاجونها ويتابعون الأحداث والأخبار عن طريق الانترنيت فيما يعتمد 62 بالمائة من جميع مستهلكي الأخبار على معلوماتهم من مواقع التواصل الاجتماعي التي يعتبرها الكاتب مصادر ضعيفة وقابلة لترويج الأخبار غير الدقيقة وغير الصحيحة.
&
سياسة
ينبه شيفر إلى أن غالبية التغييرات التي شهدها عالم الصحافة والإعلام انتهت إلى تحقيق أهداف سياسية أو ما يسميه "الصحافة السياسية". وقد اعتمد الكاتب في دعم رأيه على لقاءات أجراها مع أكثر من أربعين من كبار المختصين في عالم الصحافة والإعلام ليعطي فكرة حقيقية وعميقة عن هذا العالم مجهول التفاصيل على الأغلب بالنسبة للمواطنين الاعتياديين ولمستهلكي الأخبار بشكل عام.