منذ تلك الحادثة المخزية، التى قرر عقبها الهروب بعيداً عن عيون أهله وأصدقائه وجيرانه، وهو يعيش فى بلاد الغربة...
ظل شيبوب لسنوات طويلة؛ يخشى العودة إليهم مرة أخرى؛ لإحساسه الرهيب، وخوفه الشديد من سهام غضبهم عليه، وخناجر احتقارهم له...
شريكته فى الإثم كانت تكبره بعشرين عاماً، استأجر زوجها غرفة فى منزلهم القديم المتهالك... فى الوقت الذى كان فيه شيبوب فى ريعان الشباب؛ فراودته عن نفسه؛ فلم يستعصم...
وهاهو الآن بعد عقدين من الزمان؛ يجلس فى الطائرة عائداً إلى القاهرة؛ تاركاً وراءه زوجه وأبناء يعيشون هناك فى منزل مشترك.
ضمير الحاج بيومى
لم يكن عواد الزفر يتوقع أن تطال مهنته الشريفة عدوى الغش التجارى... إلا عندما ابتاع كمية كبيرة من قنان العطور ذات الرائحة الزكية بأسعار متدنية؛ ثم اكتشف أن تلك الرائحة لا تدوم سوى دقائق معدودات؛ بعدها تنقلب إلى رائحة منفرة كريهة!!
لقد عارضه شريكه حينها معارضة شديدة؛ محاولاً إقناعه بأن مجهولية المصدر؛ تشكل خطراً على سمعتهم الطيبة فى السوق... غير أن سالم أقنعه بضرورة المنافسة السعرية؛ خصوصاً فى ظل غزو الباعة الجائلين لهذا المعترك التجارى بشكل لافت...
أثناء تبادلهما الحديث والمقترحات حول طريقة التخلص من تلك القنانى؛ دخل عليهم الحاج بيومى صاحب العمارة العتيقة التى تطل على شارع حشمت ثابت:
ـ سلام عليكم
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته... أهلاً وسهلاً حاج بيومى... أوامرك
ـ بصريح العبارة أنا قرفت من سكان العمارة؛ إيجار أربع شقق (يرمح فى الواحدة منهم الخيل) يدوب يجيب كيلو لحمه!!
نظر الشريكين إلى بعضهما البعض نظرات تعجب، ولسان حالهما يقول: ما شأننا بهذا الأمر؟!!... وقبل أن يتحول الكلام من العيون إلى اللسان؛ فاجأهما الحاج بيومى بقوله:
ـ أنتما أسياد العارفين؛ ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، ومحل القماش فيه الأبيض وفيه الاسود، والدنيا كلها فيها الزين وفيها الشين...
قاطعه أحدهما بانفعال رقيق؛ معبراً عن حالة ضيق بسبب تلك الألغاز التى أضافت إلى ما هم فيه من مشكلة آنية أو بالأحرى أوانية المزيد والمزيد:
ـ ماذا تقصد بكلامك يا حاج؟!
ـ محلكما يبيع العطور الزكية، وأنا أريد روائح كريهة منفرة
ـ سبحان الله... (نطقاها معاً باندهاش فى ذات اللحظة، وهما يضربان كفاً بكف)
ـ طلبك مـ مـ مـ موجود... موجود... موجود
أسرع عواد نحو المخزن ليحضر له المطلوب، وفى طريق عودته؛ انزلقت قدمه فسقطت القنينات على الأرض؛ تكسرت وانسكب منها العطر الفواح؛ الذى مالبث أن تحول إلى رائحة كريهة؛ عبأت الأجواء؛ فانطلق الحاج بيومى مهرولاً بعيداً عن المكان؛ دون أن ينتبه لتلك السيارة القادمة كالبرق...
حمله سكان عمارته إلى أقرب مشفى؛ تبرعوا له بدمائهم؛ وظلوا إلى جواره حتى عاد إلى سابق عهده؛ يبحث عن وسيلة جديدة للتخلص منهم!
غروب
تجلس كعادتها على شاطىء البحر؛ ترقب غروب الشمس، ثم ترفع كفها بحنو شديد فى إشارة وداع، تشاركها عيونها التى لا تكف عن البكاء، إلى أن يرخى الليل سدوله؛ فتمضى بخطى متثاقلة نحو بيتها، الذى غربت شمسه منذ شهور ولم تعد...
على مقربة منها هناك عيون تلاحظها، وتشفق عليها من الجنون... تقترب، تحاول أن تواسيها وتخفف عنها، تخبرها أن فلذة كبدها الشهيد؛ هو عند أرحم الراحمين، فى جنات النعيم...
فتهز رأسها موقنة بصدق قولها؛ ثم تعود لسلواها الوحيدة فى هذا المشهد الحبيب.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
ادب قصص مجتمع قصة