أخذ يروح ويجىء أمام الباب المغلق لغرفة الولادة؛ فى قلق شديد على زوجته، التى لم تحمل إلا بعد عشرة أعوام من زواجهما...
وجوه المارين به تعلوها ابتسامة هى للسخرية أقرب؛ سمع إحداهن تهمس لزميلتها:
ـ سيبيض هو قبل أن تلد زوجته!
اكتسى وجهه بحمرة الخجل؛ فحاول أن يتماسك... أخرج علبة السجائر من جيبة، وقبل أن يشعل واحدة منها؛ كانت هناك يد تبصره بلافتة مكتوب عليها (ممنوع التدخين)...
رضخ مكرهاً لهذه التعليمات، وحاول أن يُصَبِر نفسه:
ـ ولد يا محمود... تماسك... كلها دقائق، ويتحقق حلمك؛ انتظرت عشرة أعوام؛ أفلا تصبر عشرة دقائق؛ تصبح بعدها (أبو وائل)...
ـ أبو وائل ... أبو وائل ... الله... أبو وائل... أبو وائل... الله
أخذ يردد كنيته تلك بتلذذ واستمتاع، ويدندنها؛ ويكاد يرقص على إيقاع حروفها..... ثم اعتدل فى وقفته، محافظاً على هيبته ووقاره المصطنع....
هذا الوقار لم يدم طويلاً؛ فقد فرح وصرخ كطفل صغير وهو يسمع بكاء طفله الوليد... أصبح الآن (أبو وائل) بصفة رسمية....
إلا أن تحقيق حلم زوجته بكنيتها الجديدة؛ لم يدم سوى لحظات؛ فارقت بعدها الحياة.
صفير
لم يمض كثير وقت على وصول المياه؛ حتى قُُطعت مرة أخرى...
ـ سأموت من العطش يا أمى
فتحت الثلاجة وناولته علبة عصير... شرب؛ فازداد عطشاً!
هتفت الأم بشدة خوفها على ولدها:
ـ حسبى الله ونعم الوكيل...
ثم لم تجد بداً من الالتجاء إلى جارتها... التى منحتها بسيف الحياء والخجل؛ قليلاً مما اختزنته لبيتها وعيالها...
أصرت ألا تحرج نفسها مرة أخرى؛ فعندما عادت المياه إلى مجاريها؛ ملأت كل شىء لديها، حتى خزانة ملابسها!
انتظرت لحظة الحسم التى تُخرج فيه مخزونها الاستراتيجى؛ إلا أن المياه اللئيمة ظلت فى سريانها، بل ازدادت فى تدفقها....
فأيقنت أن مرحلة الانقطاع قد ولت إلى غير رجعة؛ فالوصل هو الأصل.... واعتذرت عما بدر منها دون قصد وبحسن نية، وراحت تدندن كلمات قصيدة أم كلثوم:
ـ مِن أَيِّ عَهدٍ فـي القُـرى تَتَدَفَّـقُ وَبِأَيِّ كَـفٍّ فـي المَدائِـنِ تُغـدِقُ/ وَالماءُ تَسكُبُـهُ فَيُسبَـكُ عَسجَـداً وَالأَرضُ تُغرِقُها فَيَحيـا المُغـرَقُ / دانـوا بِبَحـرٍ بِالمَكـارِمِ زاخِـرٍ عَـذبِ المَشـارِعِ مَـدُّهُ لا يُلحَـقُ/ مُتَقَـيِّـدٌ بِعُـهـودِهِ وَوُعـــودِهِ يَجري عَلى سَنَنِ الوَفاءِ وَيَصـدُقُ.....
مضت شهور فتغير لون المياه المخزنة وطعمها ورائحتها، ورأت أن تتخلص منها؛ فهى لم تعد فى حاجة لها....
وما كادت تفعل؛ حتى عاد الصنبور اللعين بصفيره المنذر بالخطر... معلناً بداية حرب المياه؛ على شقتها السكنية المسالمة.
المراجع
diwanalarab.com
التصانيف
قصص روايات فنون كتب روايات وكتب ادبية الآداب