الشارقة:محمد أبو عرب

 

تستعيد ذاكرة المشهد الثقافي الإماراتي، الشخصية الدرامية أشحفان، وهي تروي سيرة واحد من أبرز رموزها الفنية والإبداعية الفاعلة في تاريخ المنجز الثقافي المحلي، الممثل والشاعر والكاتب سلطان بن سليمان الشامسي، المعروف ب«سلطان الشاعر»، فشخصية «أشحفان»، تربى على صوتها جيل الستينات والسبعينات من الإماراتيين، وكانوا يترقبون بطل مسلسل «أشحفان القطو»، وهو يرسم جانباً من سيرتهم المعاشة وتاريخهم الطويل.

هكذا يستعيد الإماراتيون تجربة الفنان والشاعر الراحل سلطان الشاعر، فالعلامات البارزة التي ترسم ملامح حياته كثيرة، وشخصية «أشحفان»، تكاد تكون أكثرها رسوخاً، إذ فيها تجلت معالم تجربته التمثيلية، وكشف عن طاقة عالية في التمثيل، جسد فيها قدرة في الأداء، خاض من بعدها تجاربه العديدة في التلفزيون، والمسرح، إلى جانب صورة الشاعر الذي ظلت لصيقة به، منذ كان فتى في الحي حتى اليوم.

حياة عملية

إنه الشاعر والممثل والكاتب سلطان الشاعر، أحد أشهر الفنانين الإماراتيين، وواحد من الشعراء اللافتين في تاريخ المنجز الشعري المحلي، ولد في عجمان عام 1939، وتتلمذ على يد الشيخ المطوع ناصر بن أحمد، ومنها انطلق إلى الحياة العملية، فخاض كغيره الكثير من أبناء جيله تجربة العمل في البحر، فكان البحر رفيق يومه، ومعلّمه الثاني الذي علمه معنى الهدير، والحياة، والقسوة، والعطف، والتعب، والراحة.

كان البحر في سيرة الشاعر الحثيثة، باباً دخل منه إلى سيرة حياته، إذ سافر إلى السعودية، والبحرين، والكويت، ومارس مهناً عديدة منها صيد الأسماك، والبناء، إضافة إلى عمله في شركة أمريكية في صحراء الربع الخالي، وتحوّل بعدها إلى بحّار في الموانئ الكويتية، ثم تحوّل إلى نوخذة بعد أن بنى سفينته الخاصة، وتزوج سيدة كويتية أكمل معها مشوار تعبه وعمله.

رغم تلك الأسفار والتجارب الكبيرة في حياته، إلا أنه عاد إلى مسقط رأسه عجمان، حيث أنشأ محلاً تجارياً سرعان ما تحوّل عنه للعمل في لجان الإعانات الاجتماعية، حيث ترأس قسم الإعانات، ومكث في ذلك العمل حتى التحق بشغفه الحقيقي، حين عيّن في وزارة الإعلام.

بدأت مسيرة سلطان الشاعر الإبداعية على خشبة المسرح، إذ يؤكد المؤرخون للحركة المسرحية في الإمارات أن أول تجربة كانت له بمسرحية تحمل عنوان «الأم»، ومن ثم تشكلت تجربته في أعمال متلاحقة كان أبرزها: مسلسل «الشقيقان شعبان ورمضان»، ومسلسل «طريق الندم»، و«العقل زين»، و«أمثال شعبية»، و«الغوص»، و«جحا»، و«قوم عنتر»، و«أشحفان»، وغيرها من الأعمال التلفزيونية والمسرحية.

شكّل مسلسل «أشحفان»، علامة فارقة في تاريخ سلطان الشاعر الفنية، وفي تاريخ الدراما الإماراتية، إذ يعتبره المؤرخون للدراما الإماراتية بمثابة الخطوة الواثقة في تأسيس الدراما المحلية، حيث أنتج المسلسل في العام 1978، وأخرجه أحمد منقوش، فحقق نجاحاً كبيراً، وكان الشاعر على رأس أبطاله، إلى جانب محمد الجناحي، والبحريني محمد ياسين، ومريم القبيسي، ونخبة من فناني الإمارات في تلك المرحلة.

ظل «أشحفان» راسخاً في ذاكرة الإماراتيين، فيما ترك سلطان الشاعر بصمته، وراح يكمل مشروعه الإبداعي متنقلاً بين التلفزيون، والمسرح، والشعر، فلم يكن مغايراً على الخشبة، أو على الشاشة الصغيرة وحسب، وإنما ظل كذلك حتى وهو يكتب قصيدته الشعرية، التي صارت هويته، واسمه، فعرف عن قصيدته أنه يتناول شتى أنواع الشعر، وأنه كان يهوى كتابة القصائد على شكل حوار، وخطاب بينه وبين الحيوانات، وكأنه بذلك يلجأ إلى الأرواح البرية لتسمع ما يقول.

الفتى الشاعر

ليست تلك المفارقة الوحيدة في علاقة سلطان مع الشعر، إذ تروي الحكاية أنه منذ كان فتياً عُرف بكتابة الشعر.

رغم تلك الهوية العميقة التي تجذّرت فيه بوصفه شاعراً، إلا أنه لم يصدر سوى ديوانيين للشعر، الأول كان في السبعينات حمل عنوان «الجيب والبعير»، والثاني صدر في التسعينات من القرن الماضي، وجاء بعنوان «ديوان القصائد الدينية».

كان سلطان الشاعر من جيل الشعراء الرواد في برنامج مجالس الشعر التلفزيوني، فعرف بأسلوبه الشعري الساخر، المعتمد على الفكاهيات، وإدارة الحوارات الساخرة على لسان الحيوانات، فكان شاعراً راصداً للتحولات الاجتماعية، والثقافية التي مرت بها بلاده، فكانت قصائده على لسان الحيوانات تعليقاً ساخراً لاذعاً، على الكثير من القضايا، منها تعليقه على دخول السيارات في حياة الناس، بدلاً من التنقل بواسطة الإبل.

فتح ذلك المخيال والمعايشة للتحولات المعاصرة على مجتمعه باباً ليكون واحداً من المعاصرين لتفاصيل تاريخية غائبة عن التدوين، فصار راوياً يحفظ روايات الشعر، ويسرد حكايات الزمن الماضي للباحثين والمؤرشفين، الذين تنامى دورهم منذ أواخر الثمانينات حتى اليوم، فروي عنه الكثير من القصائد، ووثق للكثير من سير الشعراء من الذين عايشهم، وكان شاهداً على تجاربهم وحافظاً لقصائدهم.

ضحك وكوميديا

رغم تلك التجربة الطويلة التي خاضها إبداعاً وعملاً، ورغم الضحك والكوميديا التي عرف فيه بعض شعره، إلا أنه كما غيره من المبدعين عاني الكثير في حياته، ففي العام 1980 تعرض لحادث مروري أفقده بصره، وتوقف على اثره عن التمثيل، وغاب عن الإعلام والساحة الثقافية والفنية، فشكل ذلك أثراً بالغاً فيه، كشف عنه في حوارات كثيرة معه.

كرّم الشاعر على الدور الذي لعبه، والجهد الذي تحمّله في سنوات عطائه، فنال تكريماً في مناسبات اجتماعية وفنية، عدة، وكان الفنانون الإماراتيون حريصين على أن يأتوا على ذكره دائماً، حينما يتحدثون عن علاقتهم مع الفن وتاريخه، لكن الشاعر وجد أنه خسر الكثير من الصداقات التي كانت له خلال سنوات عطائه، ولم يعد أحد يزوره أو يتفقده، ممن كانوا يداومون على صلته، فيقول في إحدى حواراته: «كان بيتي يعج بالأصدقاء والمسرحيين من كل مكان، أيام زمان لأنهم كانوا يريدون دوراً ما، وحينما انتهيت من التمثيل لم يعد هناك حاجة، إنما صداقة مصلحة، وهذه الصداقة ليس من ورائها استمرارية، كان يجب أن أتوقع هذا، لقد تأقلمت مع الوضع الجديد الذي صار قديماً بالنسبة لي مع مرور السنين، والآن لا يزورني أحد، الباب مفتوح ولكن لم يطرقه أحد».

توفي سلطان الشاعر بعد صراع طويل مع المرض، حيث كان يرقد في حالة حرجة في قسم العناية الفائقة في مستشفى راشد، إثر تعرضه لمشكلات صحية بعد عودته من رحلة علاج في لندن، وتوفي في صباح 31 مارس 2009، جواً أثناء اتجاهه إلى لندن لتلقي العلاج، مما اضطر الطائرة للهبوط اضطرارياً في ألمانيا. ترك الشاعر حياته خلفه وأسلم روحه في الجو، وهو يحلّق عالياً، وكأنه يروي سيرته العالية بخاتمة محلّقة تليق بما قدمه من منجز، ويقول للإماراتيين: مات سلطان وظل «أشحفان» يضحك بينكم.

 
 

المراجع

alkhaleej.ae

التصانيف

ممثلون إماراتيون  شعراء إماراتيون  مواليد 1939  وفيات 2009   الفنون