خرجت طالبات الاعدادية من بناية المدرسة، توزعن في كل الاتجاهات, و بعضهن وقفن على الرصيف لانتظار سيارة احد اقاربها، او لانتظار الباص ( الكيه )، ليس بعيدا عن المدرسة، وقفت سيارة فيها اربعة ذئاب، تبحث عن فريسة, شاة سمينة، فاجالوا النظر في الطالبات، وجوههن واجسامهن، تمعنوا في رشاقتهن , فيما كان احدهم يصور بكاميرا اخفاها جيدا , حتى التقت نظراتهم على فتاة غاية في الجمال، وجه حسن، جسم معتدل القوام، رشيقة الخطوات , تنظر في اتجاه واحد, الى الامام, لو نظرت الى البحر لجف ماءه خجلا، تكاد الجدران تنحني عند مرورها، وكادت قطع الرصيف تتسابق لتكون تحت اقدامها.

 

قرروا ملاحقتها، دار محرك السيارة، وانطلقت تسير ببطئ، تتبع خطواتها، التي لم تسر طويلا، حتى وقفت امام بيت قريب من المدرسة، فتحت باب بيت ابيض اللون، واغلقت الباب لتتوارى عن الانظار، تفحصوا الكامرا جيدا، وصوروا الشارع من كل الاتجاهات، وانطلقوا مسرعين الى جهة مجهولة.
عرضوا الصور على رئيسهم الذي يسوق هذا النوع من البضائع، فسلبت عقله، وخفق قلبه، فاخبرهم ان التجار سيدفعون فيها ثمنا كبيرا مقابل خطفها واحضارها اليهم.

 

شرعت الذئاب الاربع بجمع المعلومات , ووضع الخطط، وتبادل الاراء، لكنهم وجدوا الامر عسيرا جدا، فبيت الضحية يقع قريبا من المدرسة، وطرف الشارع ضيق جدا، ومزدحم دائما، ولا يمكنهم التحرك فيه بسلاسة، اما الطرف الاخر للشارع، كان كبيرا، ويوفر لسيارتهم سرعة انطلاق هائلة، لكن، هناك نقطة تفتيش طوال اليوم، بالاضافة الى ذلك، هناك العديد من المحلات في الشارع، منها واحدا لاخو الضحية واخر لاباها.
راقبوا المكان جيدا، باحثين عن ثغرات، تمكنهم من خطف الضحية والهروب بسلاسة تامة، فيما كانوا يتجولون في الشارع، اتصل فيهم الرئيس، يريد ان يستعلم عن الضحية، هل هي باكر ام لا؟ كم طولها ؟ ووزنها ؟ واخبرهم ان الثمن سيزداد لو كانت المواصفات مطابقة لرغبات التجار في الخارج.

 

انتحل ثلاثة من الذئاب شخصيات اطباء مدرسيين , بهويات مزورة , فدخلوا المدرسة , قابلوا المديرة , وشرحوا لها اهمية الفحص الدوري للطالبات خشية من انتشار الامراض المعدية , ومتابعة الحالة الصحية لهن , اقتنعت المديرة , فتمثيلهم كانت جيدا , وسمحت لهم بالتنقل بين الصفوف , ويتفحصوا الطالبات , حتى وصل دور الضحية , فقاسوا طولها , ووزنها, وركزوا كثيرا على بعض اجزاء جسدها , وسألها احدهم ان كانت متزوجة ام لا ؟ , فأجابت بأنها غير متزوجة , وتفحص الاخر عينها واخبرها انها تعاني من نوع من انواع فقر الدم , ربما بسبب كثرة القراءة , او القلق مما ينتظرها في المستقبل القريب ! , ونصحها بأنها يجب عليها مراجعته في المستشفى العام , لعلهم يستطيعون صيدها بالطريق.

 

اتصلوا بالرئيس , واخبروه بما حصلوا عليه من معلومات , فهش وبش , واخبرهم ان التجار في الخارج سيدفعون مبلغ اكبر مما يظنون , فزادهم حماسا ورغبة في انجاز الامر .
تسائل الذئاب الاربع , ان كانت الضحية تخرج من البيت لغير المدرسة , لعلهم يصطادوها في مكان اخر , فراقبوا الشارع بأستمرار , واكتشفوا بأنها تخرج الى جلب الخبز من المخبز , الذي يقع في نفس الشارع , قريبا من محل ابيها , نظرات الاب تلاحقها حتى تدخل عائدة الى البيت.

 

لابد من خطة محكمة , تمكن الذئاب من اقتناص الفريسة , فوضعوا الكثير من الخطط , لكن امام كل خطة عائق , يمنع تنفيذها , واخيرا وبعد جهد جهيد , توصلوا الى خطة جيدة , وقرروا تنفيذها في الصباح .
قبيل خروج الطالبات من المدرسة , اقترب مجنونا ( من الذئاب مدعيا الجنون) من نقطة التفتيش , يرتدي ثياب قذرة , تفوح منه روائح كريهة , وتحرش بأحد الشرطة , وقذفه بكلمات نابية , مما اضطر الشرطي ان يدفعه.
 
فسقط على الارض , جلس المجنون على الارض , وسط الشارع , واستهل مرنما ( صدام اطلع هاي امريكا ) , بينما الشرطي يطلب منه النهوض والانصراف , فتجمع حوله تلاميذ المدارس , يهزجون , ( تسودن لا تلومونه , تسودن لا تلومونه ) , في اثناء ذلك , جاء رجلا ليتشاجر مع الشرطي , مدعيا ان المجنون اخاه , وهدد بمقاضاة الشرطي , فأحتدم الشجار بينهما , فتدخل ضابط النقطة , وبعض المارة , بينما نهض المجنون لينقض على الشرطي , شاتما اياه بأبشع الشتائم , لم يبق في النقطة سوى شرطيين , تركا النقطة وانشغلا بتنظيم سير المركبات , التي ازدحمت بشكل ملفت للنظر.

 

في غضون ذلك , وقفت سيارة فيها ثلاثة ذئاب , قرب المدرسة , اعد احدهم بخاخ مخدر , كان ينوي رش بعضا منه في انف الضحية , والاخر هيئ مسدسه , لاثارة الرعب بين الطالبات , وكل من يهب لنجدة الضحية , والثالث تمسك بمقود السيارة , مستعدا للانطلاق , في الوقت المناسب , بينما كانت كل الانظار موجهة نحو الشجار , فتح باب المدرسة , وبدأت الطالبات بالخروج , دفعات تتلو دفعات, تفحصت الذئاب الوجوه , باحثة عن الضحية  , حتى كان اخر من خرجت المديرة , فاوصدت الباب بالاقفال جيدا وانصرفت ,  لكن الضحية لم تكن موجودة , كانت في اجازة مرضية ! , فخابت امال الذئاب , وانصرفوا يجرون خلفهم اذيال الخيبة والضلال .
استمر هذا الحال عدة شهور , في حين ان التجار يلحون على ذئابهم بالتعجل في الامر , كانت كل خططهم تواجه الفشل , الى ان تدخل رئيس الذئاب هذه المرة , بعد ان عاين المخططات , ودرس اسباب الفشل في كل مرة , قرر ان يزور الموقع ميدانيا , ليضع خطة جديدة , تجول في الشارع كثيرا , بحث عن أي ثغرة ممكن ان تنفعهم , فوجدها اخيرا ! 

 

محول الكهرباء يقع في ركن الشارع , حيث وقفت سيارة الشرطة , قاطعة الطريق .
اتخذ الجميع مواقعهم , بعد ان استوعبوا الخطة الجديدة , وبعد ان تأكدوا ان الضحية قد دخلت المدرسة هذه المرة , قبيل انتهاء الدوام , اقترب شخص من محول الكهرباء , ورمى قنبلة صوتية , وتوارى بين المارة , فحدث صوت كبير , منبعث من المحول , وتساقط بعض المارة من صوت الانفجار , وهرع اليهم اخرون لتقديم المساعدة , فتحركت سيارة الشرطة خشية من تساقط اسلاك الكهرباء عليها ,  فأنفتح الشارع على مصراعيه , الان الفرصة سانحة لخطف الضحية والهروب.

 

اما سيارة الذئاب , فقد ركنت قريبا من باب المدرسة , فخرجن جميع الطالبات , واخر من خرجت المديرة , لكنها لم توصد الباب هذه المرة , بل تركته مفتوحا , وانصرفت , ولم تخرج الضحية , فقد كان لديها دروس اضافية ! ففشلت الخطة كسابقاتها.
استشاط الذئاب ورئيسهم غضبا , وامتلئت قلوبهم حنقا وغيضا , فهذه اول مرة يواجهون فيها مثل هذه المصاعب.

 

طال الامر كثيرا , والوقت يمضي بسرعة , بينما كان التجار يكيلون لهم الشتائم , فوضعوا هذه المرة خطة لخطفها اثناء ذهابها لجلب الخبز من المخبز , وذلك قبيل الغروب , فأتخذوا اماكنهم , وانتشروا في عدة مواقع , مستعينين بعدد اكبر من افراد العصابة , وانتظروا ساعة الصفر بفارغ الصبر , لكنهم لاحظوا ان محل ابيها كان مغلقا , وكذلك محل اخيها , الامر غريب !

 

لم تخرج الضحية لجلب الخبز كعادتها في كل يوم , اثناء ذلك , فتح رجال الشرطة الطريق , لكثير من السيارات , فيما يبدو زفة عرس , توقفت سيارات الزفة مقابل بيت الضحية , بينما تهزج النسوة ( عبود جبناله مره .... من غير حمره امحمره ) , وتصدح حناجر الاطفال ( عرس عبود خير وطش بالولايه ) , وبعض كبار السن في باص اخر ( طالعه من بيت ابوها جايه البيتك عبود.
 
حاطه الاحمر عالاخضر افرح افرح يا مكرود, ترجل عبود ببدلته المستأجره , وحذائه الذي اقترضه من صديق له , يتمايل مع نغمات الاهازيج , وينظر في ساعة يده, التي استعارها من صديق اخر , وكأنه على عجلة من امره, دخل البيت الابيض, وبعد قليل اخرج العرو , فكانت الصدمة المؤلمة للذئاب , فقد كانت الضحية نفسها , ضرب احد الذئاب رأسه بزجاج السيارة , والاخر لطم يده على جبينه, والثالث اغمي عليه, اما الرابع فترجل من السيارة, واتجه نحو ثلة من الشباب, فتوسطهم وهزج بصوت عال وهو ينظر ويشير الى سيارة الذئاب :
((   عبود جبناله مره         من غير حمره امحمره
    الحاسد ايظل ليوره         والذئاب تاكل خـ ....   ))
 

المراجع

almothaqaf.com

التصانيف

قصص   الآداب