بدأت تلاحظ تغيراً في تصرفات الخادمة ،
إنها تعتني بمظهرها أكثر مما يلزم أي خادمة مثلها ، إنها تضع المساحيق وتسرح
شعرها وتهتم بملابسها بشكل مبالغ فيه ، ثم إنها تتكسر في مشيتها وتتغنج في
حركاتها ، الأدهى أنها أحياناً ترد عليها وتراجعها في بعض الأمور ما لم تكن
تفعله أول قدومها لبيتهم ، كل هذه الأشياء أثارت ريبتها ، لا شك أن في الأمر
سراً ، ولكن ما هو هذا السر يا ترى ؟ أخذت تفكر وتفكر ، وراحت تراقب تصرفات
الخادمة أكثر و أكثر ، زاد قلقها وكأنما أحست الخادمة بقلق سيدة البيت فوجدت في
ذلك متعة جديدة .
لابد أن هذه الخادمة قد تعرفت إلى رجل
واتخذته خليلاً لها ، لكن كيف ؟ عادت تقول ما أسهل الأمر على مثلها ! إن غرفة
الخادمة في فناء البيت وما هو إلا أن تترك الباب مفتوحاً فيدخل صاحبها إليها ليلاً
دون أن يشعر بذلك أهل البيت ، ولكن من صاحبها ؟ وكيف تعرفت إليه ؟ هي لا تخرج من
البيت إلا معهم ، فكيف لها أن تتعرف بأحد ، عادت تفكر ، من ذلك الرجل ؟ ومضت في
رأسها فكرة مريبة ، لا بد أنه رجل البيت ، زوجها ، نعم يأتي إلى غرفتها في وقت
متأخر ويمكث معها ما شاء ثم يدخل على زوجه وكأنه تأخر خارج البيت مع بعض الأصدقاء
، ولا يلاحظ ذلك أحد ، وأخذت تربط مشاهداتها ببعضها ، نعم لقد وجدت رائحة عطر شبيه
بعطرها صباح أمس من الخادمة ، لابد أنه هو من أهدى العطر لها هي تعرف ذوقه جيداً ،
بل لقد شمت رائحة دخانه كذلك في ملابسها ، نعم إنه يتأخر أياما في الأسبوع وإذا
سألته قال : مع الأصدقاء في الاستراحة ، يبدو أن استراحته هي فناء بيته وأن هذه
الخادمة هي كل أصحابه الذين يزعم أنه يسهر معهم .
كلفت الخادمة بترتيب ملابس الأطفال
وذهبت هي إلى غرفتها وأخذت تنقل نظراتها في الموجودات خزانة صغيرة فقيرة ، فتحت
الخزانة ، يا للهول هذا عطرها وذاك دخان زوجها ، يا للمصيبة وهذا ثوبها .....
تأكدت لها شكوكها ، ولكن ماذا تفعل ؟ هل تسفّر الخادمة ؟ هذا ليس بحل ، وإن كان
إجراءً معقولاً تبدأ به .
عاد أبو حازم من عمله بعد الظهر ،
لتتلقاه زوجته مكفهرة الوجه ، قال : ما بك ؟ خيراً , قالت : هذه الخادمة قد مللت
من تصرفاتها ، أريدها أن تسافر إلى بلدها حالاً , قال في ضيق : أما كان ممكناً
تأجيل هذا الحديث إلى وقت آخر ؟ لقد عدت الآن من العمل لأجد في استقبالي مشكلة
الخادمة ، نظرت في ريبة وقالت : لا يهمك إلا مصلحتك ، أما مصلحتي أنا فليس لها وزن
عندك . قال وقد ظهرت الدهشة في وجهه : وما علاقة مصلحتي أنا بالأمر ؟؟ أحرجها
سؤاله ، فهي لم تعد العدة للمكاشفة ، ربما اختبار صغير فقط ، ولذلك استدركت قائلة
: أنت لا تريد أن تدفع مصاريف سفرها واستقدام خادمة أخرى بدلا عنها . قال : حسناً
هذا أمر آخر , ألسنا في غنى عن إهدار هذا المال ؟ قالت أمر آخر؟ فما الأمر الأول
إذاً ؟ قال : إنها بنت مسكينة تعمل لدينا منذ شهور ولم نر منها ما نكره ، فماذا
أنكرت منها ؟ قالت لنفسها : الآن دوره ، إنه يختبرني ليرى إن كنت قد كشفت أمرهما
أم لا ، لكني سأكون أذكى منه ولن أكشف أوراقي ، ردت : أشياء كثيرة لا تتقنها ،
قال: أعطها فرصة لم تمكث معنا طويلا ثم لماذا لا تعلمينها ما تريدين ؟ لا يبدو
أنها غبية ، قالت : بالتأكيد هي ليست غبية ، ثم قالت لنفسها : يبدو أنني الغبية
الوحيدة في هذا البيت ، عادت تقول : إنها لا تطيعني ، قلت لها أن تسقي الحديقة كل
يوم ، وهي تسقيها كل يومين أو ثلاثة ، بل هي تراجعني وتقول مازالت الأرض رطبة ولا
تحتاج إلى سقيا ، قال: أتعلمين ؟ ربما كانت على حق . هنا صرخت الزوجة مستنكرة :هي
على حق ؟ وتنصرها علي ؟ أأنت في صفها ؟ وضع أبو حازم يده على رأسه وقال : لست في
صف أحد أرجوك إني متعب وجائع ، دعي هذا الموضوع لوقت آخر ، أتوسل إليك .
ذهبت إلى المطبخ وقالت للخادمة : جهزي
المائدة فوراً ، ردت حاضر (مدام) وأخذت تتغنى بلحن أعجمي مما زاد في غيظها ،
فنهرتها قائلة صمتاً وحضري المائدة . سكتت الأخيرة وهي تنظر للسيدة بطرف عينها .
تناول الزوج غداءه وراح إلى غرفته
ليقيل ، أخذت أم حازم تنظر إليه في نومه وجعلت تحاوره ، هكذا إذن ، تدافع عنها ،
وأخذت تستعيد كلماته عنها : إنها بنت مسكينة ، أعطها فرصة , إنها ليست غبية ، ربما
كانت على حق ، نعم لا يريد تسفيرها ، ويبرر ذلك بالمصاريف ، كيف يسفرها وهو لا
يستغني عنها ؟ ماذا لو واجهته بأنها تعرف بأمر العلاقة المشينة بينهما ؟ لكن لا شك
بأنه سينكر ولن يقر بشيء وستخرج هي من الموقف خاسرة , وهي لا تريد أن تخسر الموقف
إذاً ماذا ستفعل ، ستنصب له كميناً ولسوف تمسك به متلبساً فيبهت ولا يسعه أن ينكر
سيضطر عند ذلك إلى الإقرار وإلى تسفير هذه الخادمة اللعينة .
في المساء قال لها زوجها بأنه مدعو
على العشاء وأنه سيتأخر الليلة مع بعض أصدقائه ، هزت رأسها وهي تقول: لا بأس ,
ولكنني متعبة وقد لا أستطيع السهر لانتظارك ، قال وهل كنت دائماً تنتظرين عودتي كم
من مرة عدت وأنت نائمة ، على أي حال أعفيك من انتظاري الليلة فاستريحي وطيبي نفساً
, سلم وخرج ، أما هي فقد اشتعلت نيران الغضب في قلبها ، أخذت تردد في سخرية
استريحي وطيبي نفساً ، بل هو يريد أن يستريح ويطيب نفساً بصاحبته ، لكني لن أترك
لهما المجال أبداً ، جاءت إليها الخادمة وهي تقول هل تريدين شيئاً يا سيدتي قبل أن
أنام ، قالت اذهبي للنوم لا أريد شيئاً . تركتها ساعة ثم نادتها ، تأخرت بالرد ثم
خرجت إليها وهي تحني رأسها في حرج ، نظرت أم حازم إليها وهي تزداد غيظاً ،
المساحيق الملونة تملأ وجهها ورائحة عطرها تملأ المكان حولها . ما شاء الله , قالت
بسخرية ، ثم أرسلتها إلى المطبخ حيث جهزت لها عملاً كثيراً ، واضطرت تلك للذهاب
إلى المطبخ على مضض .
راغت أم حازم إلى غرفة الخادمة وجلست
تنتظر زوجها ، ستكون بالنسبة له مفاجأة مذهلة ، تتخيله وهو يدخل الغرفة " ويراها
فجاءة فيبهت لا قول لديه ولا رد "، عادت تردد في استهزاء ( إنها بنت مسكينة ) أخذت
تعبث بأدوات الزينة ، وتنظر إلى المرآة منذ مدة طويلة لم تستخدم هي مثل هذه
الأدوات ، حتى عطرها لم تمسه منذ مدة طويلة أيضا ، نظرت إلى شعرها ربما لم تسرحه
اليوم بطوله . ولم تأخذ من أطرافه ، بل لم تغير تسريحتها التقليدية أبدا ، وهي
تشاهدهم في القنوات الفضائية يقرعون أذنيها صباح مساء يلغون بما يسمى ( النيولوك )
, بررت لنفسها أنها مشغولة , وأنها لا تجد وقتا لهذا الهراء أو هي لا تؤمن به ,
وعادت تقول لنفسها ، هذه الخادمة مشغولة أكثر منك ومع ذلك وجدت وقتا ًتهتم فيه
بزينتها ، ربما كان زوجها معذورا ، سمعت صوت الباب الخارجي يغلق بهدوء ، حانت ساعة
الصفر، تسمرت عيناها على الباب ، ودخل الرجل متسللاً ، ويا للمفاجأة التي عقدت
لسانيهما معاً ، فوجئت هي برجل غريب ربما كان سائق أحد جيرانهم وفوجئ هو بامرأة
غير صاحبته ، ولى الرجل هاربا قبل أن تفكر بأي شيء , أذهلتها المفاجأة ، وقامت تجر
قدميها عائدة إلى غرفتها ، جلست على كرسيها ، وأخذت تسترجع ما كان من شأنها ثم
امتدت يدها إلى أدواتها لابد أن تتصالح معها بعد هذه القطيعة ، أخذت تتزين وهي لا
تزال ذاهلة مما حدث ، سرحت شعرها بشكل مختلف ، أخذت تفكر ماذا لو دخل زوجها ورأى
الغريب معها في غرفة الخادمة ؟ أين كانت ستذهب به الظنون ؟ هل كان سيصدق مزاعمها ؟
ستكون ما أعدت ذلك الكمين الأبله إلا لنفسها ! يا الله كم كانت غبية وهي تنفذ هذه
الفكرة المجنونة ! لكنها كانت على يقين أن الرجل الذي سيدخل إلى تلك الغرفة لن
يكون غير زوجها ، لم تفكر بأي احتمال آخر .
قطع حبل أفكارها دخول زوجها إلى
الغرفة بهدوء قال : ظننتك نائمة ، قالت برقة : كنت أنتظرك ، قال : لو كنت أعلم أن
هذا الجمال بانتظاري ما تأخرت .