تعول ريح الشتاء العاتية حول مخدعك وأنت تنكبين علي البساط ليل نهار .. تكابدين

مرارة لقهر، تخادعين الزمن الغادر الذي نبذك وحيدة مذ غيبه الموج في متاهات جزر غريبة،تنسلين بالليل ما أتممت نسجه في النهار، تغالبين سني الوحدة وأنظارك مشدودة نحو أفق بعيد تتقصي أخباره.. تتابع ليال مدججة برائحة الرعب والوحشة وتنطفيء أيام تقصر من عمرك وتمد في جسد صبيك الذي خلفه في أحشاءك رجلٌ استحوذ علي قلبك، ماكث في ثنايا روحك مهما تباعدت به الخطي ويئس من عودته الآخرون. تتري أعوام وتطوي مواسم تعبر ضفافك العطشي، تدخرين بها الدفء الذي ما عدت تأبهين إلا لما يمنحه لك من حكمة ترفدين بها مكامن الصبر وتجابهين مواسم الجفاف. وكل ليلة يسطع فيها نور القمر الفضي ويضيء سحنة البحر المستعصي حيال بصرك، ترقبين قدومه الوشيك وترهفين لوقع خطواته العجلي ... المتأخرة، مختزلة المسافات، مطلقة لحواسك عنان اليقين، فيما يتكاثر الطامعون بكبريائك ويتطفلون علي حزنك الرخيم الذي تذودين به عن خفوت ساحر اعتري بريقك، فتبدين اشد فتنة وإثارة.

آثرت الليل والوحدة وفاء لكينونتك ولانتظارك اليقظ، قد يأتي به شروق يوم جديد أو غروب يوم آفل يحيلك لتقلبات يوم أخر يقوي إحساسك المترسخ وينميه ، لكنهم ما تركوك لوحدتك المترقبة ، فأنت جميلة دافئة تنهل جوانحك المجرحة حنينا وشجنا أرهقهم وحال دونما يبغون من علو مقام - هم غير جديرين به -.

أخبرتهم انك تنتظرين رجلك الغائب خلف قضبان المسافات والمجهول، فزادوا من تهافتهم حول سورك المنيع مدنسين قدسية حزنك الرهيف، مطالبينك بتكذيب إحساسك فيما تأملين، وبنضو أثواب الحزن الذي فتنهم وقهر رغباته الفجة في الاستحواذ علي قلبك المكلوم. مزقوا بساط الانتظار الذي بادلك اليقين في عودة - اوديسيوس - . أريتهم ندف الثلج التي خلفها تعاقب الفصول علي فوديك وأوقفك علي بوابات شتاء مستوحش قاس، فظنوها فتنة تبدينها لتوقعيهم أسري فيها وما عرفوا أنها نذر الوفاء وقرابين المحبين، وقناديل أمل تكافئين بها عتمة الاغتراب .. تمدين بنورها معابر لقادمك الذي يغرس في أفئدة الليالي المدلهمة أساطير تقهر المستحيل، تأتيك بعد حين خلل دخان الزمن والأحلام المتراكمة، واليأس الذي أحاق بنفوس الآخرين ولم يعرف طريقا إليك .

لقد اصدق حدسك اليقين يا - بنلوب - وحجر الخونة في زنزانات العار الدائم، حيث الازدراء واللعنة، وبقيت أنت مؤسطرة في ذاكرة الأجيال والأزمان، حلما يتأجج بالوفاء، يتجدد علي الدوام ويستكين حيث لما تزالين خريفا شامخا في - المابين - لا نواحس الأنواء تدهمه ولا زوابع شتاء مجلجلة تطاله... خريفا لا يدركه التحول أو الذبول ، تجهد إليه كل الفصول. وكل ما لقيتِ كان محض دوامة خريف مضت، وأنت لما تزالين في خريفك العذب ترتعين.

               

 

 


المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع   الآداب   قصة   العلوم الاجتماعية