كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، يا بنات ويا صبيان ولا يحلى الكلام إلا بالصلاة على النبي العدنان عليه الصلاة والسلام.

يحكى أنه في قرية بعيدة، وداخل كوخ صغير كانت تعيش أسرة سعيدة مكونة من أب عطوف وأم حنونة وأبناء مطيعين، كانوا يعيشون في نعيم ورخاء.

ومرت الأيام بهم وهم لنعم الله ذاكرين وله حامدين وشاكرين.

كان الأب يعمل حطابا؛ يحمل الحطب من الغابة ويبيعه للناس ليشتري بثمنه ما تحتاج إليه عائلته.

في يوم من الأيام والأب كعادته يقطع الأخشاب إذ به يسمع أنين حيوان، فأنصت محاولا معرفة مكانه، وأخذ يمشي نحو الصوت بهدوء وهو ينظر يمينا وشمالا حتى وجد أسدا يتلوى من شدة الألم ورآ جرحا برجله. اقترب الحطاب منه بحذر وحاول أن يرى الجرح؛ ولأن الألم شديد جدا استسلم له الأسد الجريح وهو يئن .

أسرع الحطاب الشجاع وأحضر الماء وغسل الجرح الدامي وداواه بشكل جيد، ثم ربطه بوشاح أحمر كان يضعه حول عنقه، واعتنى بالأسد أياما وليالي حتى شفي وصار قادرا على المشي والجري.

شكر الأسد الحطاب على صنيعه وأعاد له وشاحه الأحمر ومضى في طريقه.

 بقي الحطاب كعادته يقطع الأخشاب ويبيعها، وفي يوم من الأيام مرض الحطاب ولازم الفراش لمدة طويلة فلم تجد عائلته من ينفق عليها.

فكر رامي الابن الأكبر في الأمر طويلا ثم قرر أن يخرج بدلا عن أبيه إلى الغابة للاحتطاب من أجل توفير حاجيات أسرته من طعام ودواء لوالده المريض. وأخبر أباه بما قرر، فأعطاه الأب العطوف وشاحه الأحمر وقال له وهو يتنفس بصعوبة:

" خذ هذا الوشاح يا ولدي سيدفئك من البرد، واحذر الطريق."

وهكذا ودعه والده وهو يدعو الله له بالتوفيق.

 مضى رامي بكل حزم وثقة، وهو يحمل الفأس بيده ويرتدي وشاح والده.

وفي طريقه وسط الغابة ظهر أمامه من بين الأشجار الكثيفة أسدا قويا ذا نظرات مخيفة وزمجر سائلا

 إياه: " ماذا تفعل في مملكتي والفأس في يدك أيها الصغير؟"

خاف رامي خوفا شديدا وارتجفت مفاصله من الأسد القوي وكاد أن يهرب لكنه تذكر أمه وإخوته وأبوه المريض فتشجع وقال:" أيها الملك القوي ، أنا طفل صغير كما ترى ولي إخوة أصغر مني ، وأمي امرأة حنون وأبي مريض ولا معين لنا ، وأنا أقطع الحطب من الغابة لأبيعه وأشتري طعاما لأخوتي الضعفاء ودواء لأبي الحطاب المريض الذي أقعده المرض".

تذكر الأسد الحطاب الذي داواه حين وجده جريحا وتأكد أن هذا الطفل هو ابنه حين رأى الوشاح الأحمر حول عنقه فقال متسائلا:" هل هذا الوشاح لوالدك؟"

أجاب رامي:" نعم إنه له، وقد أعطاني إياه ليدفئني من برد الغابة ".

قرر الأسد أن يساعد الحطاب وعائلته، فحمل رامي وحزمة الحطب وأوصله إلى البيت.

 دخل رامي البيت وهو فرح وراح يقص ما حدث له مع ملك الغابة وكيف حمله على ظهره إلى أن أوصله إلى البيت.. تذكر الأب ما حدث منذ مدة وكيف أنه ساعد الأسد وعالجه حتى شفي فقال

 لابنه:" أرأيت يا ولدي أن الخير يجعل الحياة سهلة بين المخلوقات.

 إن الأسد حيوان قوي وطبعه قاسي إلا أن الخير جعل قلبه طيبا"، أجاب رامي:" نعم يا أبي إنه طيب وحنون، ولكن رائحة فمه مزعجة".

 كان الأسد أمام نافذة الكوخ فسمع ما قاله رامي وتألم كثيرا لقوله وانصرف متأسفا.

في صباح اليوم التالي ذهب رامي إلى الغابة وفي طريقه التقى مع الأسد الطيب فسلم عليه وشكره على فعله السابق، ثم اتجه نحو عمله، لكن الأسد ناداه قائلا:" انتظر يا رامي"

رجع رامي مسرعا نحوه وهو يسأله عما يريد، فقال الأسد:" خذ فأسك يا رامي واضرب به رأسي"

لم يفهم رامي لما طلب منه الأسد ذلك، لكن الأسد أصر على طلبه، فأخذ رامي الفأس وشج به رأس الأسد، ورجع بعد ذلك إلى بيته حائرا.

 مرت أيام وأسابيع على هذا الحادث وفي يوم من الأيام حمل رامي فأسه واتجه إلى الغابة كسالف الأيام ليحتطب، وفاجأه الأسد وهو يقف أمامه. تقدم منه رامي مسرعا وهو يسأله عن جرحه وعن سبب طلبه الغريب بشج رأسه؟؟.

تبسم الأسد وقال:" أترى رأسي.إن الجرح قد شفي تماما ولم يبق له أثر" فرح رامي وحمد الله على سلامته.لكن الأسد أضاف قائلا:" أتذكر حينما أوصلتك إلى الكوخ؟".فقال رامي:" إنه صنيع لن أنساه ، ما حييت". فقال الأسد:" لكنك قلت لأبيك عني كلاما آلمني كثيرا..أكثر مما آلمتني ضربة الفأس؛ ولا زال جرحه ينزف بقلبي لقد قلت له:" إنه طيب ولكن رائحة فمه مزعجة".

سكت رامي خجلا ، وأكمل الأسد يقول:" إن الكلام يجرح أكثر من أي شيء آخر؛لأن جراحه لا تشفى"

جراحات السنان لها التآم ولا يلتام ما جرح اللسان

              

 


المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع   الآداب   قصة