حكايات عن القرآن الكريم
للفتيان والفتيات
- 5
-
"حكايات عن القرآن الكريم للفتيان والفتيات.
*
هي سلسلة من القصص الشائق تعمل على توضيح معاني القرآن الكريم بلغة مبسطة وصور
معبّرة تجتذب إليها القارئ.
*
وهي باب طريف في الأدب الإسلامي ولون جديد من التفسير العريق.
*
وهي ثمرة خيرة طويلة وتجارب سابقة في مخاطبة الجيل الناشئ والتجاوب مع ذوقه، جزى
الله مؤلفها أعظم الأجر.
*
يحتاج إليها الجدّ الكبير والطفل الصغير، فالكل يستطيعون قراءتها وفهمها.
*
تتناول تفسير سور القرآن بالترتيب ابتداء من نهاية الجزء الثلاثين".
بسم الله الرحمن الرحيم
تبت يدا أبي لهبٍ وتب
أبو لهبٍ يخطب ابنتي محمد
كان
مساءً حلواً. وقفت رقية بنت محمد صلى الله عليه وسلم مع أختها أم كلثوم تتطلعان من
خلف الباب إلى أبي لهبٍ وهو يدخل دارهم العامرة. كان وجهه يبرق كأنه الفضة الممزوجة
بالورد الأحمر وكان ابناه عتبة وعتيبة يمشيان عن يمينه وشماله كأنهما سيفان. كانت
خديجة تراقب محمداً وهو يرحب بعمه أبي لهبٍ، فلما جلسوا أسرعت لتقدم لهم شراب السكر
المعطر بماء الورد. شربوا.. ثم أكلوا.. وجلسوا يتسامرون ابتسمت الأختان بحياءٍ
عندما قال أبو لهب: جئت أطلب رقية وأختها زوجتين لولديّ هذين. فما رأيك يا ابن أخي؟
أطرق محمد صلى الله عليه وسلم قليلاً، ثم همس:
-
كما تحب يا عم..
استقبلت أم جميلٍ زوجة أبي لهبٍ العروسين بالترحاب.. وعاش الجميع حياةً كلها محبة
وسرور في بيت أبي لهبٍ.
أبو سفيانٍ وأم جميل
نفخت أم جميل في وجه أخيها أبي سفيان كالأفعى، وقالت له:
-
إن محمداً يدعو إلى دينٍ جديدٍ.. سيجعلكم أسفل الناس.. لا أعرف لماذا لا تقتلون
محمداً؟.. ماذا تنتظرون؟...
خفض
أبو سفيان رأسه. ثم تكلم وهو يشد على أسنانه وقال:
-
يجب أن نحاربه. يجب أن نقتله..
صاحت أم جميلٍ: سأكون أنا أكثركم له حرباً.. إنه جاري.. وأبو لهبٍ زوجي.. لن يعرف
محمد بعد اليوم طعم الراحة.
أول الإيذاء
فوجئت رقية بنت محمد عندما رأت أم جميلٍ تضرب الباب برجلها وتدخل.. أسرعت إليها
تستقبلها. صرخت أم جميلٍ: أين أختك؟!!
همست رقية مستغربةً: ها هي ذي قادمة.. إنها تعد الطعام..
أقبلت أم كلثومٍ ترحب بأم جميلٍ.. صفعت أم جميلٍ رقية، وضربت أم كلثوم برجلها..
وصرخت:
-
اخرجا من بيتي.. لا أريدكما عندي.. قولا لأبيكما أن يترك دينه. وإلا فسوف نحاربه
ونؤذيه.
استقبلت خديجة رقية وأم كلثومٍ وهمست وهي تضمهما: سيرجع عمكما أبو لهبٍ ويعيد كل
واحدةٍ منكما إلى زوجها.
دخل
محمد صلى الله عليه وسلم إلى بيته. سمع الجميع أم جميلٍ تصرخ: يا عتبة.. ابحث لك عن
زوجة جديدة.
صرخ
أبو لهبٍ: وكذلك أنت يا عتيبة.. يجب أن نؤذي محمداً حتى يترك دينه..
كظم
رسول الله صلى الله عليه وسلم غيظه، ودخل إلى غرفته، أسرعت خديجة زوجه إليه وهي
تقول: وهل يريد محمد إلا الخير للناس؟!!
همس
رسول الله لبنتيه: صبراً..
همستا؟ في سبيل الله ما لا قينا..
بكت
رقية.. فبكى الجميع لبكائها.. وهمست خديجة:
-
ما أسفه هؤلاء الأقارب؟!!
الشوك بالأحمال
كان
صباحاً غريباً.. لم يجد أبو لهب زوجه أم جميلٍ في البيت ولا ولديه.. تساءل: أين هي
أم جميلٍ؟!.. بعد لحظاتٍ دخلت أم جميلٍ تنزع الشوك من يديها.. وفي عنقها حبل من
ليفٍ.. عجب لها.. ابتسمت بخبثٍ وقالت: ألا تحب أن ترى محمداً غضبان؟.. افتح الباب
لترى.
فتح
الباب فوجد أحمال الشوك تملأ الطريق أمام بيت محمدٍ.. ضرب كفاً على كف وضحك وقال:
يالك من شيطانةٍ يا أم جميل.. إنك تعلمين إبليس الشر..
صاحت: أنت تدفع المال.. ونحن نؤذي لك محمداً.. اشتر لنا اليوم خروفاً لنرمي أوساخه
على باب محمدٍ..
قاطعها: مالنا كثير.. وكله بين يديك.. أنا أدفع المال.. وأنت تؤذين محمداً..
سمعا من بعيدٍ صوت محمدٍ يقول: أهكذا يفعل الجيران والأقارب؟.. لا أظن أن جيراناً
كراماً يعملون هذا العمل..
فتحا الباب فوجدا محمداً يزيل كتل الشوك عن طريقه، وابنته تغسل الأوساخ عن بابهم..
صرخت أم جميلٍ:
-
سنؤذيكم حتى تموتوا أو تتركوا دينكم..
كان
رسول الله كلما خرج من بيته أو دخل إليه يصاب بالأذى الذي أحاطه به أبو لهبٍ وزوجه
وأبناؤه.. وكانت بنات محمدٍ يبكين حزناً على والدهن، كان يهون عليهن ويقول:
-
علينا أن نجاهد لنهدي هؤلاء الضالين...
يؤذيه في بيته
لم
يجرؤ أبو لهبٍ على متابعة أذاه لمحمدٍ ذلك اليوم. لقد دعا محمد جميع أعمامه وعماته
وأقاربه إلى بيته. كيف يدخل إلى بيته وهو الذي لم يترك وسيلةً إلا آذاه بها.. صرخت
به أم جميل:
-
إن كان سيشكوك إلى أهلك، فدعني أحضر معك لأريك ماذا سأصنع به..
نسي
أبو لهبٍ حياءه، ولبس ثيابه، وخرج إلى بيت محمدٍ. أظهر إخوته له غضبهم منه.. لماذا
يؤذي ابن أخيه محمداً؟!! لكنه وقف بوقاحةٍ يقول:
-
يا محمد.. حدثنا عن كل شيءٍ إلا عن دينك.. الذي خالفت به العرب كلهم. إنك تريد أن
تجعل العرب كلهم أعداءنا.. ستهلك أموالنا.. وسيذهب أبناؤنا.. إنك أوقعتنا في شرٍ
عظيمٍ.. وأنتم يا بني عبد المطلب، امنعوا محمداً قبل أن يقتلكم العرب.
خرج
أبو لهبٍ من بيت محمدٍ، فخرج الجميع بعده.. جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
حزيناً.. لم يبق معه إلا عمته صفية، وابن عمه الطفل علي.. همست صفية:
-
لا تحزن يا محمد.. أهلك كلهم معك.
قاطعتها خديجة: المسلمون كثيرون والحمد لله.. إن عاداه أهله فكلنا نفديه بنفوسنا
وأموالنا..
صرخ
علي: لا بد أن ينتقم الله من أبي لهبٍ..
فوجئ الجميع بالزغاريد تنطلق من بيت أبي لهبٍ.. صرخت أم جميل:
-
باركتك الآلهة يا أبا لهب.. يجب أن تقتلوا محمداً قبل أن يقتله غيركم.. أما أنا فقد
وضعت فيه شعراً سأعلمه لصبيان مكة كلهم.. ليشتموه ويؤذوه..
التفتت صفية إلى محمدٍ بغضبٍ وهمست: يجب أن تدعو أهلك مرة ثانيةً وأنا كفيلة أن يقف
أبو طالبٍ إلى جانبك.. وأهلك كلهم أيضاً..
هبت
رقية وأم كلثوم إلى عمتهما صفية تقبلانها.. وتقولان:
-
أنت أعظم مؤمنة يا عمتاه.. جزاك الله ألف خيرٍ..
أهله معه
كانت عينا أبي لهبٍ ترمي بالشرر، حين دخل بيت محمد فسمعه يقول:
-
والله إني رسول الله إليكم.. والله ستموتون ثم سيحييكم الله ليحاسبكم.. فإما إلى
الجنة.. وإما إلى النار..
وقف
أبو طالب وقال: قد قبلنا نصحك يا ابن أخي.. وأنا معك أحميك حتى تبلغ ما أمرك الله
به..
وصاحت صفية مع علي: وكلنا مع أبي طالب..
وقف
أبو لهبٍ كالمجنون وصرخ:
-
واللات لم أجد أسوأ مما فعلتم.. كان يجب عليكم أن تقتلوه لا أن تنصروه.
صرخ
به أبو طالب: لا والله، نحن معه نحميه.
وقف
أبو لهبٍ كالمجنون وهو يصرخ:
-
إذن ستذهبون وتذهب أموالكم وأولادكم، واللات لن أكون معكم.. لن أستغني عن مالي ولا
عن أولادي.. سأقف مع أعدائكم حتى يموت محمد.
ويؤذيه أمام أهل مكة كلهم..
عادت قافلة الشتاء محملة بجميع ما في الدنيا من بضائع وثمارٍ.. كان أبو لهبٍ يطوف
في الأسواق يبحث عن بضائع تعجبه ليتاجر بها طوال العام.. همس: ما أروع هذه
الأثواب.. إنها من صنع الروم.. قال لصاحبها: كم تريد بها يا عم..
أجابه: كما تريد يا أبا لهبٍ.
سأله: قل ما تريد وأنا أعطيك؟!
أجابه: حسناً سأبيعك معها هذه العطور الشامية..
فجأةً سمعا صارخاً يصرخ من بعيد: يا بني عدي.. يا بني فهر.. يا بني هاشم.. يا بني
عبد منافٍ..
قفز
قلب أبي لهبٍ.. وركض مع أهل مكة كلهم إلى مكان الصوت.. من بعيد رأى على جبل الصفا
رجلاً واقفاً يصرخ. فوجئ حين عرف أنه محمد.. قال في نفسه: محمد لا يكذب.. وخبره لا
بد أن يكون خطيراً..
أسرع حتى كاد يقع.. اندس بين الناس ليسمع ما سيقوله محمد.. سمع الناس يقولون: هل
سيهاجمنا جيش الحبشة..؟!! كما هاجمنا أبرهة عام الفيل؟...
سكتوا جميعاً عندما سمعوا محمداً صلى الله عليه وسلم يقول:
-
أيها الناس.. إن قلت لكم: إن عدواً قد أتاكم من وراء هذا الجبل.. هل تصدقونني..؟!.
صرخوا جميعاً: لم نعرفك إلا صادقاً.
صاح
محمد: أيها الناس.. إن الله أرسلني كي أنقذكم من النار..
ردد
بعض الناس: والله إن رسول الله نعرفه.. ونحبه ونصدقه.. لا شك أنه لن يدلنا إلا على
ما ينفعنا في حياتنا..
سمعوا أبا لهبٍ يصرخ: ألهذا جمعتنا يا محمد؟.. تباً لك.. أهلكك الله.. لقد قطعت
علينا تجارتنا..
قال
الناس: عمه أعلم بشأنه منا..
كاد
الناس يؤمنون بدين محمدٍ.. لولا ما سمعوه من عمه.. سخروا من محمدٍ، وتركوه.. وعادوا
إلى أعمالهم مسرعين..
امتلأت نفس محمد بالآلام.. ها هو ذا عمه أبو لهبٍ يشتمه ويؤذيه ويمنع الناس من
الإيمان به.. عاد إلى بيته وصدره يكاد يحترق.. سيشتمه الناس كما شتمه أبو لهبٍ.. لن
يسمعوا كلامه.. ولن يؤمنوا بنبوته..
الله يدافع عنه...
كانت ليلةً رائعة.. جلس أبو سفيان إلى العباس يخبره بما ربح ذلك اليوم من تجارته..
رأيا من بعيدٍ رجلاُ قادماً.. إنه أبو جهلٍ.. صاحا به: أهلاً.. أهلاً..
لكنه لم يجبهما سأل بلهفةٍ:
-
أدريت يا عباس بماذا شتم محمد أخاك أبا لهبٍ..؟!..
فوجئ العباس وهمس: لا والله ما دريت.. ماذا قال به؟!..
أجابه: زعم أن الله أنزل عليه هذه السورة..
(تبت يدا أبي لهبٍ وتب)..
هتف
أبو سفيان: يا ويح محمدٍ.. إنه يدعو عليه بقطع يديه وهلاك نفسه!!!
تابع أبو جهلٍ:
(ما
أغنى عنه ماله وما كسب).
صرخ
العباس: ولماذا لن ينفعه ماله ولا عمله.. ماذا سينزل به؟؟!!
تابع أبو جهل: (سيصلى ناراً ذات لهبٍ)..
قفز
العباس وهو يصرخ: والله إن محمداً لا يكذب.. لا بد أن يكون أبو لهبٍ الآن يحترق مع
بيته وماله. لا بد أن أذهب لأنقذه..
صرخ
أبو جهل: انتظر حتى أكمل عليك.. (وامرأته حمالة الحطب)..
صرخ
أبو سفيان: ويل أختي.. والله لقد ملأت طريق محمد بالحطب والأشواك..
صرح
العباس: أكمل.. أكمل...
تابع أبو جهل: (في جيدها)..
صرخ
أبو سفيان: ماذا في عنقها؟..
أكمل أبو جهلٍ: (حبل من مسدٍ)..
صرخ
العباس وهو يركض: يا ويلها: في عنقها حبلٌ من نارٍ.. يا ويلها وويل زوجها.. ما زالا
يؤذيان محمداً حتى نزل عليهما العذاب...
وصل
إلى بيت أخيه أبي لهب لكنه لم يجد فيه ناراًٍ ولا حريقاً.. دخل إليه فوجد أبا لهبٍ
يصيح من مرضٍ أصابه لم يعرف له سبباً.. اقترب منه، عرف أنه لم يسمع بما نزل على
محمدٍ من آياتٍ.. تركه واتجه إلى بيت ابن أخيه محمدٍ.. سأله:
-
بالله عليك يا ابن أخي هل أنزل الله عليك آياتٍ في أبي لهبٍ؟..
همس
محمد صلى الله عليه وسلم: نعم.. نعم.. تبت يدا أبي لهب وتب.
صرخ
العباس: بالله عليك يا ابن أخي لا تقل هذا.. سيهلك عمك.. ويذهب ماله وأهله..
همس
محمد: لقد نزل قول الله به.. ولا بد أن يهلك ويهلك ماله.. ويدخل مع زوجه في نار
جهنم يوم القيامة..
همس
العباس: هل سيحترق يوم القيامة باللهب..؟!.. وهل سيطول حريقه؟!!
أجابه: خلود لا ينتهي يا عم.
همس
العباس: وأم جميلٍ زوجه هل سيبقى حبل النار في عنقها خالداً أيضاً..؟!..
همس
محمد: نعم.. نعم..
همس
العباس: هلك والله أبو لهبٍ.. وهلكت زوجه معه..
شفي
أبو لهبٍ ذلك الصباح من آلام جسمه.. ضحكت له أم جميلٍ.. ووضعت الطعام أمامه.. قالت
له: لقد سمعت شتائمك لمحمدٍ أمام أهل مكة كلهم.. إنك رجلٌ عظيمٌ يا أبا لهبٍ..
سكتت وسكت أبو لهبٍ حينما سمعا من بعيدٍ أطفال مكة يهتفون:
(تبت يدا أبي لهبٍ وتب
ما
أغنى عنه ماله وما كسب
سيصلى ناراً ذات لهب..
وامرأته حمالة الحطب.
في
جيدها حبل من مسدٍٍ)...
طار
صواب أبي لهبٍ وصرخ كالمجنون: يا ويح محمد.. إنه يشتمني كما شتمته..؟!..
سمعا من خارج الدار صارخاً يقول وهو يدخل بيتهما: يا ليته كان شتماً من محمدٍ.. إنه
الهلاك وعذاب الله الخالد.. إنه كلام الله.
صاحت أم جميلٍ: وأنت أيضاً يا عباس؟!!
صاح
بها: كثيراً ما نصحناكما بألا تؤذيا محمداً.. لقد انتهى كل شيءٍ.. لا بد أن
تهلكا... وعذاب الله يوم القيامة أبشع وأقسى..
خخرجت أم جميلٍ كالمجنونة وبيدها حجرٌ كبير تريد أن تقتل محمداً... وهي تحس كأن
رقبتها مشدودةٌ بحبل النار الملتهب.. وسقط أبو لهبٍ على الأرض وكأن النار بدأت
تأكله...