شاء الله أن تدهسه سيارة طائشة في
العاصمة ، قبل تسريحه من الخدمة الإلزامية بأيام ، وكالعادة حضرت الشرطة العسكرية
لتكتب ضبطا في الحادث ، كما حضرت سيارة الإسعاف لتنقله إلى المستشفى العسكري وفي
الطريق أسلم الروح إلى بارئها .
وعند البحث عن هويته العسكرية للتعرف
على شخصيته وقع في أيدي المسؤولين كتيب صغير عليه عبارة "حزب البحر" .
نظر بعضهم إلى بعض ، وأعلنوا جميعا
:أنهم لم يسمعوا بهذا الحزب من قبل .
كان لابد من رفع الأمر إلى المخابرات
لتضع يدها على خيوط تنظيمية لحزب جديد هو حزب البحر ؟!!
وتدوالت الأيدي الكتيب الصغير ضمن
إضبارة تتضخم ليضاف إليها شروحات وتوضيحات ، وليعلن الجميع براءتهم من معرفة هذا
الحزب . فمخابرات الأمن السياسي أعلنت أن ليس في صفوف المدنيين من عمال وفلاحين
وأساتذة وطلاب وحرفيين ، حزب بهذا الاسم .
ومخابرات أمن الدولة أكدت أنها لم تسمع
بهذا الحزب لا في القطر ، ولا في الدول المجاورة ،فلو كان حزبا وافدا لكان عملاؤها
أخبروها بدخوله إلى البلاد!!
وسقط في يد المخابرات العسكرية ،
فالكتيب الذي يحمل اسم حزب البحر ، ضبط مع عنصر عسكري ، لا مدني ، وهذا العنصر قد
فارق الحياة ؟!
ولكن بعضهم لم يعدم الذكاء فأشار على
زملائه بعرض الكتاب على المختصين لمعرفة مؤلف الكتاب وتحديد السنة التي طبع فيها .
وهكذا كان .. فقد توصلوا من خلال حروف
مطموسة مر عليها عهد طويل ، إلى معرفة اسم المطبعة ..ولم تكن فرحتهم أقل من فرحة
"أرخميدس " حين صاح وجدتها !!
فاتصلوا بالمقدم المسئول ليعرضوا عليه
نبأ اكتشافهم ، بعد أن تعرفوا على اسم المطبعة ، التي يطبع فيها الحزب منشوراته …
وبدوره لم ينتظر المقدم طويلا ، حتى جهز حملة من أربع سيارات مداهمة ، لاقتحام
المطبعة ، و اعتقال صاحبها .
وعند الفجر تقدمت السيارات ، وأحاطت
بالمطبعة التي كان صاحبها قد أغلقها منذ أكثر عشرين عاما بسبب غلاء الورق ، وهجرة
اليد الفنية العاملة اعترف الرجل الكهل أمامهم ودون أية ضغوط بأن الكتيب طبع في
مطبعته وذهل عناصر المخابرات
_ أنت طبعته ؟!!
_ نعم ،أنا طبعته ؟
_ لماذا ؟ وكيف تطبعه ؟!
_ لوجه الله يا ابني ….
صاح أحدهم وقد تشنجت أعصابه : كيف تقدم
على طبع منشورات حزب ممنوع ..؟
مرت فترة من الصمت ..والعجوز يحدق
بعينيه الذابلتين في وجه قائد الدورية وقد أدرك اللبس الذي وقع فيه .. فأخرج كتيبا
آخر ، ودفعه إليه قائلا: وهذا أيضا أنا طبعته …
نظر رئيس الدورية مندهشا ، فالكتيب
مطبوع عليه : حزب الإمام النووي فصاح وقد ألهبه برودة أعصاب الرجل العجوز : حزب
الإمام النووي ؟!!
ضحك الرجل في أسى عميق وهو يقول :
الحزب _ يا ابني _ مجموعة من الأدعية المختارة ، يجمعها بعض الصالحين للدعاء
والبركة ، وهي ليست كما تظنون تجمعات سياسية .. ألم تقرؤوا القرآن ؟
قال أحدهم : بلى !
فقال الشيخ العجوز : القرآن مقسم إلى
ثلاثين جزءا ، وكل جزء ينقسم إلى حزبين .. والذي ينظر في مختلف طبعات القرآن
الكريم يرى ذلك .
ارتفع صوت المؤذن من المسجد المجاور ..
فانطلق الشيخ بهدوء وسكينة وعادوا ليستلموا مهمة جديدة تكشف عن حزب جديد …..