بين الحجارة  و الحطام ، و بيديها اللتين أذبلتهما ستون خريفا ، جلست تحفر حول قدم برزت  من تحت الركام.

 في ذهنها  تساؤل  تحاول ان تبعده :" أهـو هـو ؟" .

لاحت لها نسمات جنين المخيم وقد هجرت برودتها حين ذابت آخر ثواني الصباح أمام لهب الظهيرة القادم .

بالقرب منها  انهمك شاب ممزق الثياب بدا في العشرين من عمره  بكتابة كلمات على جدار منزل تداعى من أثر صاروخ او قذيفة مدفعية أو ربما  جرافة . حين فرغ ابتعد قليلا  ليقرأ . كانت العبارة  بالإنجليزية تقول : "Is this moral ? "  واتبعها بالعربية ( هل هذا أخلاقي ؟) .

ابتعد  يجر نفسه .

بعضه كان  يحترق.

وفي قلبه ظلّ للسؤال.

واصلت العجوز الحفر  بيديها . أبعدت حجرين  . انكشفت  الركبة . أثر  قديم عليها  يكاد لا يبين ربما وقع عليها او من التعذيب في سجن ما. لكنها لم تطل التفكير في السبب بل كانت لا تزال تسأل " أهو هو ؟"

اقترب رجل في أواخر الأربعين من عمره . توقف مليا أمام العبارة . أمسك علبة الدهان والفرشاة اللتين تركهما الشاب  وكتب بالإنجليزية أيضا :" Who cares , brother? " اتبعها بالعربية أيضا ( من يهتم يا أخي ؟) . أدار ظهره  مبتعدا وهو يترنح من السير على حجارة  و حطام  البيوت الذي خلفه الاجتياح الأخير للعدو ، وبدا له أن كل شيء حوله صار آذانا تضج بالصمم.

نظرت المرأة حولها . طلبت مساعدة من شابين كانا غير بعيدين عنها . أخذوا جميعا يحفرون  ويبعدون الحجارة . في عينيها بدأت تتجمع قطرات .. تحبسها المرأة . تغمض عينيها كي لا ترى سترته .. قميصه الذي اشتراه  قبل شهر .. صدره الذي يشبه غابة استوائية  يشقها كالنهر جرح قديم . بقوة هائلة كانت تمسك بتلابيب السؤال  الذي أوشك ان يفارق  ذهنها دون عودة :" أهو هو ؟"

اقترب شاب  دون العشرين  من العمر . تجولت عيناه في المشهد الكافكوي  واستقر بصره على الجدار . تحركت الفرشاة  في يده نزقة متعجلة رسم الكلمات . كتب بالعربية:

(  لا أسئلة . لا أجوبة . لا لوم !)

اخترقت سمعه ضحكات صبية يسخرون من الجدران التي انتصبت جثثا هامدة . نظر إلى السماء طويلا وتلألأت  في مخيلته صور حور وترانيم ملائكية . ابتسم لخضرة الغد القادم  .وابتعد وهو يتحسس جسده قطعة قطعة قطعة قطعة قطعة ………. قطعة !

     


المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع   الآداب   قصة