جمع الوزير حواس جميع افراد جيشه , واخبرهم بما حدث في قرية ريكان , فحزنوا لذلك , لكنه أضاف بأنه سيذهب الى لقاء الذئب الابيض , فطربوا لسماع الخبر , أختار عشرة من المحاربين ومعهم نجود ليكونوا برفقته , اما المحاربين التسعة الباقين سيبقون لإدارة شؤون الثوار , فقال موصيا اياهم : 

- سوف لن اتأخر قدر الامكان ... أن استطعت اقناعه ... فسنعود سريعا ... وان رفض المجيء معنا ... عدنا بسرعة ايضا ! . 

أمتطوا الجياد , وجدوا بالمسير , قطعوا البراري والوديان , حتى اجتازوا ممرا ضيقا , فأمر الوزير حواس الجميع بالتوقف , ثم العودة من نفس الطريق , أستغرب الجميع ذلك , فقرروا أتباع الاوامر , وظن اخرون انه قد ضل الطريق , او ربما قد غيّر رأيه وسوف يعود لكوخ سندال , لكنهم بمجرد ان عادوا الى الممر الضيق , لاحظوا وجود رجلين كانا يتبعونهم , فلم يكن منهما , الا ان القيا سلاحهما , وقررا الاستسلام , ثم هتفا : 

- انا نستسلم ! . 

اعجب الجميع بذكاء وفطنة الوزير حواس , الذي اقترب منهما وقال لهما سائلا : 

- من ارسلكما ؟ . 

- الوزير مريطي ! .     

تساءل الجميع : 

- ماذا سنفعل بهما ؟ . 

- أربطوهما ها هنا ... ونتركهما ريثما نعود ! . 

ربطوهما واستمروا في المسير . 

                       ******************************* 

كان الملك سبهان يوبخ قادة جيشه , لم يقتنع بأعذارهم في الهزائم المتلاحقة . 

- ثلة من اللصوص يوقعون الهزيمة النكراء بجيوشي ... جيوشي مفخرة جيوش العالم ... لقد افقدتموني هيبتي بين الممالك ... وشمت بي الاعداء ! . 

- سيدي ... لم يكن ذنبنا ... 

- أخرص ... لا اريد ان اسمع اعذارا .

أقترب الوزير مريطي منه , وهمس في اذنه : 

- سيدي ... اسمح لي ان اكلمك بأمر هام على انفراد ! . 

التفت نحوهم , فصرخ فيهم قائلا : 

- أخرجوا جميعا ... وانتظروا اوامري ! . 

ما ان غادر الجميع , ألتفت نحو الوزير مريطي , وقال : 

- هات ما عندك ! . 

- أود ان اطمئنك سيدي ! . 

- بماذا تطمئنني ؟ . 

- لم يهزم جيشنا امام هذه الثلة من اللصوص ! . 

- اذا ؟ . 

- سيدي ... انت تعرف او لعلك نسيت ان القائد خورشيد قائد جيوش المملكة كان من محاربي سرية الذئب الابيض ... وهناك تسعة أخرون يشغلون مناصب مرموقة في جيش المملكة ... كانوا جميعا في تلك السرية ... وهم على علاقة وثيقة مع الوزير حواس ! . 

- أتقصد ان القائد خورشيد كان السبب في هزيمة الجيش ؟ ! . 

- اما هو او التسعة الاخرون ... يجب ان تحضرهم الى هنا ... لتتأكد ان كان ولاءهم للملك والمملكة ام للذئب الابيض ! . 

نهض من كرسيه , وصاح في الحراس : 

- اطلبوا القائد خورشيد للحضور الى هنا ! . 

كان الملك سبهان يتحرك في القاعة جيئة وذهابا , عندما دخل الحارس قائلا : 

- القائد خورشيد ! . 

- دعه يدخل ! .     

أنحنى القائد خورشيد في حضرته , ولم يرفع رأسه , بدون اي مقدمات قال له سائلا : 

- هل ولائك للملك ام لسرية محاربي الذئب الابيض ؟ . 

رفع القائد خورشيد رأسه مستغربا , لكنه فهم القصد , فبادر الى خلع حمائل سيفه , ثم حمل السيف بكلتا يديه , وتقدم ببطء منه , ليحني رأسه , رافعا يداه بالسيف , وقال : 

- ولائي للملك ... وان قطع راسي بهذا السيف ! . 

أبتسم الملك سبهان , ونهض من كرسيه , وطلب منه النهوض , اعاد اليه سيفه , وربت على ظهره , وقال : 

- لم يساورني الشك فيك ابدا ... لكن ماذا عن رفاقك الضباط التسعة ... هل هم مثلك ؟ . 

- لست متأكدا ... لكن اسمح لي ان اختبرهم ! . 

- حسنا ... أختبرهم ... ولك حرية التصرف في الخائن منهم ! .   

                 ***************************************** 

اجتمع القائد خورشيد بالضباط التسعة , وعرض عليهم ما يجري بمكر وحيلة , مذكرا اياهم فيما مضى من امر سريتهم وبطولاتها , وحسن الصحبة , وأضاف : 

- لقد سمعت ان الوزير حواس ذهب برفقة البعض من المحاربين الى وادي الذئب الابيض ... سيلتقون به ... ويحاولون اقناعه بالمجيء معهم ! . 

لاحظ علامات التوتر على الضباط , بعد ان حدق كلا منهم في وجه الاخر , لكنه اردف بخبث ودهاء : 

- كيف ستكون الامور ... لو جاء الذئب الابيض ... هل سنبقى مع الملك سبهان ...ام نلتحق به ! . 

أطلق زفرات حسرة مخادعة , واضاف : 

- الامر عسير ! . 

لم ينبس احد منهم ببنت شفة , أكتفوا بالاستماع , فظهرت علامات التوتر عليه , فقال بشيء من العصبية سائلا : 

- لماذا انتم صامتون ... هل انتم مع الملك ام مع الذئب الابيض ؟ . 

نهض الضابط بريبر , مجيبا سؤاله بسؤال اخر : 

- أتشك بولائنا ... يحيى الملك ! . 

نهضوا جميعا مرددين : 

- يحيى الملك ! . 

أبتسم القائد خورشيد لذلك , لكنه لم يفهم ما أضمروه وعنوه , كانوا يعنون ولاءهم للذئب الابيض وسريته , اما الملك , فكانوا يقصدون به ابن الملك شكاحي , الامير المفقود ! . 

                        ******************************* 

وصل الوزير حواس ورفاقه الى مفترق طرق , فتوقف قائلا : 

- الان يجب ان نفترق ... كل منا سيذهب في جهة ... وسنلتقي هناك ! . 

وأشار الى جبل اخضر بعيد , لكنهم سألوا مستغربين : 

- لماذا ؟ ! . 

- يجب ان نكون على حذر ... وان نبقي مكان الذئب الابيض سرا ! . 

- كما نعلم لم يستطع احد الوصول اليه ...

- السبب ... لم يكن هناك من يعرف الطريق اليه ( الوادي ) ... فمن ذهب لم يعد ابدا ! . 

سار كل واحد منهم في جهة , وأنطلق الوزير حواس من جهة , متنقلا بين الاشجار والاعشاب الكثيفة , حتى وصل في اليوم التالي , وكان اولهم , فجلس ليستريح قرب جدول ماء , وينتظر وصولهم , ثم بدأوا بالتوافد واحدا بعد الاخر , ما ان اكتمل عددهم , أنطلقوا بمحاذاة الجبل الاخضر , متجهين نحو مصدر ماء الجدول , ساروا عدة ساعات , فقرر الوزير حواس التوقف في هذا المكان قائلا : 

- لا يمكننا التقدم اكثر ... فهناك الكثير من الكمائن ... قد وضعها الذئب الابيض ... فكل من اقترب وقع فيها ومات ! . 

- وماذا سنفعل ؟ . 

- سنفكر في حل ! . 

 بينما الجميع يفكرون , وكل لديه رأيه الخاص , لاحظت نجود وجود بوق معلق في غصن شجرة , أستغربت وجوده هناك وفي هذا المكان , فتسلقت الشجرة وانزلته , أقتربت منهم قائلة : 

- هذه هي بوابة الوادي ... وقد وضع الذئب الابيض البوق ها هنا ... فكل من اراد لقائه ما عليه الا ان ينفخ في البوق ... بالضبط كما نطرق ابواب المنازل ... اما من حاول الاقتحام ... فسيكون فريسة سهلة للكمائن .    

أندهش الجميع لفطنتها , وطلبوا منها ان تنفخ في البوق , فنفخت , وأنتظروا مشاهدة ما سيحدث ؟ ! , لم يمر وقت طويل , حتى سمعوا صوتا قريبا منهم مرحبا بهم : 

- اهلا بالرفاق القدامى ! . 

بادر الجميع للنهوض والانحناء عند سماعهم الصوت , الا نجود , فقال لهم : 

- يجب ان لا تنحنوا ... فما نحن الا اصدقاء ! . 

رفعوا رؤوسهم , وتعانقوا طويلا , عناقا حارا , انهمرت فيه سيول الدموع , فلاحظ وجود نجود , اقترب منها ماسحا الدموع من عينيه , قال لها مبتسما :  

- نصفا من سندال ... ونصفا من تليفه ... لابد وان تكوني ابنتهما ؟ ! . 

- نعم سيدي ! . 

فأنبرى سندال ليقول : 

- لو انك لم تعرف من تكون , لخاب ظني فيك ! . 

أنفجر بقهقهة بصوت مرتفع , وضحك الجميع من الاعماق ! .  

                    **************************************    يتـــــــــــــــبع


المراجع

kitabat.info

التصانيف

أدب  مجتمع   الآداب   قصة