إسعاف في المشرحة

 

لم تكن أكثر من حالة برد ولكن لا بد من التوجه إلى المركز الصحي الأقرب إلى مكان العمل للحصول على إجازة مرضية قانونية.

- خطَّ الطبيب على ورقة أمراً بإمداد جسمي بوحدة تغذية "جلوكوز" حيث لم يدخل جوفي طعام ولا شراب منذ يومين ونصف، وطلب مني التوجه بهذا الأمر إلى قسم الإسعاف التابع للمركز، سلمت الورقة لإحدى الممرضات

وغابت فاضطررت دون مساعدة إلى ارتقاء سرير مرتفع منبسط بالكامل وعار من أي ملاءة أو وسادة، لاحت في الأفق حمامة بيضاء فطلبت منها تعديل وضع السرير برفعه من جهة الرأس تخفيفاً للألم الذي يصيب الظهر من ذلك الانبساط الجثماني.

قالت: إن السرير مكسور.

وعندما لمحت انزعاجي قالت:

- سأحاول رفعه ولكن على مسؤوليتك، حيث يمكن أن يسقط في أي وقت.

عندما رأتني أتلفت حولي قالت:

- هذا هو السرير الوحيد الشاغر.

فقلت: لا بأس سأبقى حذرة ما استطعت.

سألتها عن الممرضة التي أخذت مني الورقة فأجابت: لست أدري.

وفرت هذه الأخرى بعيداً حيث لم أرها بعد ذلك.

بعد حين عادت الممرضة التي سلمتها الورقة وكأنها غفلت عن الأمر تماماً ناديتها فجاءت "بالعدة" وبدأت بعملية البحث عن الوريد. غرست إبرة في باطن ساعدي وأخرجتها ثم أدخلتها وكررت المحاولة من أربع إلى خمس مرات، لكنها عندما يئست من الوصول إلى موارد الحياة أغلقت "الحفرة" بشريط لاصق واعتذرت، قلت لا عليك ولا يهمك في محاولة مني لتهدئة توترها الذي يزيد من متاعبي.

كانت تحادثها وتمازحها زميلة لها أثناء اعتنائها بالسرير المجاور، فسارعت "ملاك الرحمة" خاصتي بطلب المساعدة من التي تبدو أكبر سناً وأعمق تجربة فلبت على الفور وبدأت في البحث عن مكان جديد تغرس فيه الإبرة، ومن دون تردد اختارت الرسغ من جهة الإبهام.. كأنما صعقة كهربائية رفعت جسمي بكامله عن السرير لتلقي بي بين ذراعي الممرضة الأولى في محاولة تكبيل لتثبيتي ريثما تتم العملية، أخرجت الإبرة من الجسد المنهك ثلاث مرات لا يمكن أن أنساها أبداً، فقد هيء لي أنني في سجن "أبو غريب"، كنت أود أن أقول توقفا لا أريد تغذية في الوريد ولا في الفم، بل كنت أتمنى لو أتمكن من ترك السرير ولكن هيهات، فإحداهما تكبلني بذراً عليها والأخرى تقبض على يدي بشدة غارسة فيها الإبرة، وأخيراً تدفقت من خرم الإبرة.. في السرير المجاور كانت امرأة تصحن الملح برموش عينيها من شدة الألم –حسب تعبير جدتي- في معاناة أشد حدة أثناء التنقيب عن وريدها.

بعد حوالي ساعة وقد فرغ الطبيب من الأرقام المتكدسة على مقاعد الانتظار جاء لمتابعة حالتي، فأخبرته أنه يتوجب عليهم إعادة تأهيل الممرضات، أجاب الطبيب أن المسمى الوظيفي لهؤلاء هو "عاملات تمريض" ولسن ممرضات، وشكا لي من قلة الكوادر، كان هذا قبل أسبوع من اليوم وما زال اللون الأزرق المائل إلى السواد في رسغي كلما يلامسه شيء ينتفض جسدي كله، فالحمد لله الذي تدخلت رحمته لينقذني من "ملاك الرحمة" التي كانت ستتلف العصب في يدي وتصيبها بالشلل.

     


المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب   الآداب   قصة