(إلى السيد حسن نصر الله)
|
|
في انقطاعِ الكهرباءْ
|
تحتَ القصفْ
|
وحدي في البيتْ
|
كنتُ ما أزالُ أحاولُ وصفَ الديارْ
|
خط الأفق متعرج من حطام المباني
|
والدخان دعاء عابسْ:
|
ديار ببيـروتٍ وأخـرى ببغـدادِ |
عييٌ بها الناعي عييٌ بها الشادي
|
لقد كنتُ أبكي في طلولٍ لأجدادي |
فأصبحت أبكي في طلولٍ لأحفادي
|
...
|
امتدت يدٌ من ورائي
|
تَعَدَّتْ أربعةَ عَشَرَ قرناً،
|
رَبَّتَتْ عَلَى كَتِفِي:
|
لاتَخَفْ، لستَ وحدَك، ما دُمنا معك فلن تَنْقَطِعْ
|
...
|
وإلتفتُّ فإذا بهم جميعاً هنا
|
سُكاَّنُ الكُتُبْ
|
أَئِمَّةٌ وحُدَاةٌ وشعراء
|
كيميائيونَ وأطبَّاءُ ومُنَجِّمُون
|
وخيلٌ تَمْلأُ البيتَ وتفيضُ على الشارع
|
وتخوضُ عِدَّةَ أميالٍ في البحر
|
...
|
وسْطَهم على شاشةِ الفضائيةْ
|
نَظَرْتُ إليه
|
أميرُ المؤمنينَ بعمامةٍ سوداء
|
علامةُ نَسَبِهِ للحُسَينِ بنِ عَليٍّ بنِ أبي طالبْ
|
ثم إنَّ العربَ إذا طلبت الثأرَ تَعَمَّمَتْ بالسوادْ
|
ثم إنَّهُ لَفَّ الليلَ عَلَى رأسِهِ وأصبحْ
|
ثم إنَّهُ ذَكَّرَني،
|
وكُنْتُ قد نَسِيتُ،
|
أنني ذو كرامةٍ على الله
|
...
|
مِنْ آلِ بيتِ الرسولِ يـا حَسَـنُ |
مَنْ لَو وَزَنْتَ الدُّنيا بهم وَزَنُـوا
|
جُزِيتَ خيراً عـن أُمَّـةٍ وَهَنَـتْ |
فَقُلْتَ لا بأسَ مـا بكـم وَهَـنُ
|
لِيَذْكُـرَ الصُّبْـحُ أَنَّـهُ نَـفَـسٌ |
وَيَذُكُـرَ الليـلُ أّنَّــهُ سَـكَـنُ
|
وَيَذُكُـرَ الـرُّوح أنَّــهُ جَـسَـدٌ |
وَيَذْكُـرَ السِـرُّ أنَّــهُ عَـلَـنُ
|
ويَذْكُـرَ الطيـنُ أنَّــهُ بَـشَـر |
تَذَكُّـراً قـد يشوبُـهُ الشَّـجَـنُ
|
وأَنَّـه ربمـا اْشْتَهَـى فَـرَحَـاً |
وربمـا لا يَـروقُـهُ الـحَـزَنُ
|
وربمـا لا يَـوَدُّ عِيشـةَ مَـن |
أنفاسُـهُ مِـنْ أعدائِـهِ مِـنَـنُ
|
وأنَّـهُ فـي قتالـهـم رَجُــلٌ |
وأنـه فـي جدالـهـم لَـسِـنُ
|
وقد يُجِـنُّ الجنـانُ مـن رَجُـلٍ |
في الحَرْبِ ما لا تُجِنُّـهُ الجُنَـنُ
|
خليفـةَ اللهِ باْسْمِـكَ انتشـروا |
خَلقاً جَديداً من بعـد مـا دُفِنـوا
|
إنَّـا أَعَرْنـا الأميـرَ أنْفَسَـنـا |
وَهْوَ عَليها في الكَـرْبِ مُؤْتَمَـنُ
|
...
|
وامتدَّت اليدُ إلى السماء،
|
مُتَعَدِّيَةً أربعة عشر قرناً،
|
ونَزَعَتِ الليلَ عنها برفقْ
|
نَزْعَكَ الضمادَ أو اللثامْ
|
فإذا تحته ليلٌ آخرْ
|
فَنَزَعَتْه أيضاً
|
وهكذا ليلاً بعد ليلْ،
|
كأنها تَقْلِبُ صَفَحَاتٍ في كتابْ
|
وكلَّما قَلَبَتْ صَفْحَةً منهْ
|
شَفَّت الصفحاتُ الباقيةُ عن كلامٍ ما:
|
ألا تَرَى النبوءة
|
سلاحهم يَهوِي
|
وسلاحنا يَصعدْ
|
...
|
نما لبلابٌ على الصاروخ،
|
والتفَّ عليه حتى كَسَاه
|
ثم أزهرْ
|
صاح وَلَدٌ، الله أكبر
|
وهوى سقفُ إسرائيلْ
|
دخلوا إلى الملاجئ،
|
كالترابِ تحتَ البساط
|
أصلُ الإنسان تُرابْ
|
ولكنَّ فرعَه السماءْ
|
وثمارُه سُكَّانُها
|
راقبتُ الفضائياتِ وتَذَكَّرتُ،
|
إنَّ الله، رغم كل شيئ، حقيقةٌ علميةْ
|
...
|
في انقطاع الكهرباء
|
تحتَ القصفْ
|
لستُ وحدي
|
وإن الليلَ أسودُ كالتمرْ
|
كل ليلةٍ تَمْرة،
|
وما زالت اليد،
|
تقطفها تَمْرةً تَمْرةً
|
وليلةً ليلةً
|
وإنه ليس بيني وبين الجنَّةِ إلا هذه التَمْراتْ
|
وامتدَّت يدٌ
|
مُتَعَدِّيَةً أربعةَ عَشَرَ قرناً
|
فصافَحَتْني
|
وبايَعْتُها
|
وكنتُ ما أزال أحاولُ وصفَ الديار
|
وأنقل القصيدة من القافية المكسورة
|
إلى القافية المرفوعة:
|
...
|
ديارٌ تَغَلاَّها مـن الدهـرِ ناقـدُ |
تَجَفَّلُ عنهـا كالنَّعـامِ الشدائِـدُ
|
ديارٌ يَبِيتُ الدهـرُ جَـرْوَاً ببابها |
تُلاعِبُهُ عِنْـدَ الصبـاحِ الولائِـدُ
|
وغيمٌ كطيَّـاراتِ طفـلٍ يَشُدُّهـا |
بِخَيْـطٍ فَيُدْنـي بينَهـا وَيُبَاعِـدُ
|
يَظَلًّ عليها عاكفاً مِثْـلَ مُحْـرِم |
يَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَكَّةٍ وَهْوَ وَافِـدُ
|
وتُنْقَشُ في جُدْرانهـا كـلُّ آيـةٍ |
فتَرْتَدُّ في نحرِ الليالـي المكايِـدُ
|
ومِن حَولِها الخيلُ العِتاق تجمَّعَتْ |
بِـلا لُجُـمٍ مُسْتَأْنَسَـاتٌ أَوَابِـدُ
|
خُيولٌ أطاعـت راكِبيهـا محبـةً |
وَلَيْسَ لها حتَّـى القِيَامَـةِ قائِـدُ
|
وَلَيْسَتْ بأطلالٍ ولَسْـتُ بِشَاعِـرٍ |
ولكنَّنـي فيهـا لأهلِـيَ رائِــدُ
|
أراها قريباً ليسَ بينـي وبينَهـا |
سِـوَى قَصْـفِ هـذا الليـل... |