أطوار خلق الأنسان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : مقدمـــة دلت نصوص القرآن الكريم على أن الإنسان يخلق على أطوار ومراحل متتالية : قال تعالى : ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا(14)﴾[نوح:14] وقال تعالى : ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ﴾ [الزمر:6] . وقد بينت نصوص السنة النبوية أن الأسبوع السابع يمثل نقطة تميز واضحة في حياة الجنين ، كما وصفت هيئة الجنين في الأربعين يوماً الأولى ثم حالته بعد ذلك . وقد حدد الرسول صلى معالم كل فترة وتفاصيلها الدقيقة ، وسنستعرض في هذا البحث الأحاديث النبوية والتفسير العلمي والعديد من المواضيع التي تصف الجنين في الأربعين يوماً الأولى وتبين أطوار الأنسان . وآراء بعض علماء المسلمين لها وفق قواعد اللغة وأصول تأويل النصوص الشرعية وشرحها . ثم نذكر ما استقر من الحقائق العلمية في هذا الموضوع ، وتبين أوجه الإعجاز . مقدمة تـاريخيـة: منذ أن لخص أرسطو النظريات السائدة في عصره والمتعلقة بتخلق الجنين، استمر الجدل بين أنصار نظرية الجنين الكامل القزم الموجود في ماء الرجل وبين أنصار نظرية الجنين الكامل القزم الموجود في بويضة المرأة، ولم يتنبّه أحد من الفريقين إلى أن كلاً من حوين الرجل وبويضة المرأة يساهمان في تكوين الجنين، وهو ما قال به العالم "سبالانزاني" (Spallanzani) سنة 1775م. وفي عام 1783 تمكن "فان بندن" (Van Beneden) من إثبات هذه المقولة وهكذا تخلت البشرية عن فكرة الجنين القزم. التفسير العلمي: يقول الله تعالى في الآية السادسة من سورة الزمر: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}. لقد جاء القرآن الكريم بحقائق عن خلق الإنسان لم تكن البشرية قد عرفتها بعد، ومن أهم هذه الحقائق تقرير أن خلق الإنسان لم يكن دفعة واحدة وإنما مر بمراحل مختلفة تدرج فيها الجنين البشري من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى تكوّن العظام ثم كساء العظام باللحم ثم اكتمال الخلق. ورغم بداهة هذه الحقيقة العلمية عند علماء الأجنة اليوم إلا أنها ظلت مندرسة عبر قرون متطاولة من عهد الفراعنة واليونان القدماء، مروراً بالحضارة العربية الإسلامية وانتهاء بعصر النهضة واكتشاف الميكروسكوب. فقد تعددت التصورات والنظريات، فـ أرسطو قال بأن الإنسان يتكون من دم الحيض وقد سيطرت هذه النظرية على العقل البشري زماناً طويلاً، ثم جاء الاعتقاد بأن الإنسان يكون مخلوقاً خلقاً تاماً في حوين الرجل، بينما اعتقد فريق آخر من العلماء أنه يُخلق في صورة قزم في بويضة المرأة. ولقد كان انعدام الوسائل العلمية التقنية عائقاً حال دون تقدم العقل البشري في هذا الموضوع. واستمر الجدل العلمي قائماً حتى سنة 1775م حينما اعتبر "سبالانزاني" بأن كلاً من حوين الرجل وبويضة المرأة يساهمان في تكوين الجنين البشري حيث يقوم الحوين بتخصيب البويضة التي تبدأ بعدها بالانقسام لتتكون الخلايا الأولى للجنين. وهكذا لم يتخلّ العلم التجريبي عن فكرة القزم البشري حتى أواخر القرن الثامن عشر، في حين أن القرآن الكريم قد أشار إلى ذلك صراحة قبل أحد عشر قرناً فقال سبحانه وتعالى: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون} [الزمر: 6]. وقد قال علماء التفسير بأن عبارة "خلقاً من بعد خلق" تعني أن الإنسان يمر خلال عملية تخلقه بمراحل متتابعة فصلها القرآن في سورة المؤمنون (12-14) حيث قال عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. كما روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: من نطفة أمشاج قوله: "يعني ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا ثم ينتقل بعد من طور إلى طور ومن حال إلى حال ومن لون إلى لون". وهذا ما كشف عنه علم الأجنة الحديث في القرن الثامن عشر، تصديقاً لقوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}. الجنين في الأربعين يوماً الأولى : مرحلة النطفة : تبدأ هذه المرحلة في التكوين من التقاء ماءي الرجل والمرأة ويلاحظ في أول التكوين اندغام الجينات الذكرية والأنثوية كما يلاحظ اختلاط الماء أيضاً . إن وجود الوسط السائل يتفق مع المشاهدات الحديثة بأن الحامض النووي الوراثي (DNA) ينتقل من هيولي البييضة إلى الذرية ، فبداية هذا الطور مكونة من نطفة مختلطة منس ائلين وتتحرك في وسط من السائل ، وتستغرق فترة زمنية هي الأيام الستة الأولى من الحمل ، ويبدأ التحول بعد ذلك إلى طور العلقة . طور العلقة : تستمر الخلايا في التراكم بعد مرحلة النطفة ، ويتصلب الجنين مع زيادة تراكم الخلايا ، ثم يتثلم عند تكون الطية العصبية ، ويتم تعلقه بجدار الرحم بعد أسبوعين ، ويأخذ الجنين في اليوم (الحادي والعشرين) شكلاً يشبه العلقة ، كما تعطي جزر الدماء المحبوسة في الأوعية الدموية للجنين لون قطعة من الدم المتخثر ويكون هذا إلى الواحد وةالعشرين وبهذا تتكامل المعاني التي يدل عليها لفظ علقة إلى حوالي اليوم الواحد والعشرين . وبهذا تأخذ العلقة حصتها من الأربعين يوماً وإلى هذا تشير الآية الكريمة : ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ﴾ [المؤمنون:14] . طور المضغة : يبدأ هذا الطور بظهور الكتل البدنية في اليوم (الرابع والعشرين) أو (الخامس والعشرين) في أعلى اللوح الجنيني ، ثم يتوالى ظهور هذه الكتل بالتدريج إلى مؤخرة الجنين . وفي اليوم (الثامن والعشرين) بعد الإخصاب يتكون الجنين من عدة فلقات تظهر بينها انبعاجات ، وبوجودها يصبح شكل الجنين شبيهاً بالعلكة الممضوغة من حيث المظهر الخارجي . ويكتسب الجنين تدريجياً شكل المضغة من حيث الحجم (حيث يكون طول الجنين (1سم) وهو أقل ما يمضغ وبهذا يكتمل طور المضغة في بقية الأيام الأربعين الأولى من حياة الجنين، وهذا الترتيب في خلق الأطوار الأولى يجيء فيه طور المضغة بعد طور العلقة مطابقاً لما ورد في القرآن الكريم قال تعالى : ﴿ فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾ [المؤمنون:14] . وينتهي هذا الطور بنهاية الأسبوع السادس . وفي الأسبوع السابع تبدأ الصورة الآدمية في الوضوح نظراً لبداية انتشار الهيكل العظمي. الحد الفاصل : بعد استعراض ما تقدم نرى أن : النطفة ، والعلقة ، والمضغة ، تكتمل خلال الأربعين يوماً الأولى ، وترى الجنين في نهاية هذه المراحل في شكل مضغة لا يدل على مخلوق إنساني . وفي اليوم الخامس والأربعين يتم تكون الأعضاء وانتشار الهيكل العظمي ، بصورة ظاهرة ويستمر الانقسام الخلوي والتمايز الدقيق بعد ذلك ، ولكن الخطوات الأساسية للتفريق بين شك المضغة والشكل الإنساني تكتمل بين اليوم 40-45. اختلاف في فهم الحديث النبوي : وإذا عدنا إلى فهم علماء المسلمين للحديث النبوي المشار إليه سابقاً نرى أنه قد وقع خلاف بين علماء المسلمين القدامى في تحديد مدة النطفة والعلقة والمضغة ، هل هي أربعون يوماً لكل منها أم أربعون يوماً لها جميعاً بناء على تفسيرهم لحديث عبدالله بن مسعود السابق . لقد فسر بعض هؤلاء العلماء هذا الحديث على أنه يعني أن النطفة والعلقة والمضغة تتم على التوالي في فترات طول كل منها أربعون يوماً ، وفهموا أن عبارة (مثل ذلك ) تشير إلى الفترة الزمنية (أربعين يوماً) واستنتجوا من ذلك أن المضغة لا تتم إلا بعد (120) يوماً . حل الخلاف : وبعد تجميع النصوص الواردة في الباب وتحقيقها والنظر فيها جميعاً تبين أن القول بأن المضغة لا تتم إلا بعد مائة وعشرين يوماً قول غير صحيح للأدلة التالية : 1) روى حديث عبد الله بن مسعود السابق كل من الإمامين البخاري ومسلم ، ولكن رواية مسلم تزيد لفظ (في ذلك) في موضعين قبل لفظ (علقة) وقبل لفظ (مضغة) وهي زيادة صحيحة تعتبر كأنها من أصل المتن جمعاً بين الروايات . وعلى هذا تكون الرواية التامة لألفاظ الحديث كما هي ثابتة في لفظ مسلم (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك … الحديث). 2) ذكر القرآن الكريم أن العظام تتكون بعد طور المضغة ، قال تعالى:" فخلقنا المضغة عظاماً"﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا ﴾ وحدد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام في حديث حذيفة أن بدء تخلق العظام يكون بعد الليلة الثانية والأربعين من بدء تكون النطفة فقال (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها … الحديث). واستنتج من ذلك أن النطفة والعلقة وةالمضغة تتم خلال الأربعين يوماً الأولى . قال ابن الزملكاني : ( وأما حديث البخاري فنزل على ذلك ، إذ معنى يجمع في بطن أمه ، أن يحكم ويتقن ، ومنه رجل جميع أن مجتمع الخلق) . ونظيره في الكلام قولك : إن الإنسان يتغير في الدنيا مدة عمره . ثم تشرح تغيره فتقول : ثم إنه يكون رضيعاً ثم فطيماً ثم يافعاً ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً ثم هرماً يتوفاه الله بعد ذلك . وذلك من باب ترتيب الإخبار عن أطواره التي ينتقل فيها مدة بقائه في الدنيا . أوجه الإعجاز في الأربعين يوماً الأولى : 1) جمع خلق الإنسان : قال عليه الصلاة والسلام : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ) فظاهر من الحديث أن خلق الإنسان يجمع في أربعين يوماً . ويقرر الأطباء بعد رحلة طويلة من الدراسة والتشريح الدقيق لجسم الجنين في الأربعين يوماً الأولى ، أن الأعضاء الرئيسية للإنسان جميعاً ، تتخلق واحداً بعد الآخر فلا تمر الأربعون يوماً الأولى إلا وقد اجتمعت جميع الأجهزة ، ولكن في صورة براعم . وتكون مجموعة في حيز لا يزيد عن سنتيمتر . كما أن الجنين يكون مجموعاً حول نفسه بالتفاف في شكل قوس ، أوي شبه حرف (C) بالإنجليزية. 2) ( ثم يكون ، في ذلك علقة مثل ذلك ) . أي ثم يكون علقة مكتملة الخلق المقدر لها ، مثل ما اكتمل خلق الإنسان ، واجتمع في الأربعين يوماً الأولى ، كما سبق البيان . ويقرر العلم الحديث أن الجنين فيما بين اليوم الخامس عشر إلى اليوم الرابع والعشرين يأخذ صورة العلقة التي تسبح في البرك ، وتتعلق بالماشية . 3) ( ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ) وهذه معجزة أخرى تبين دقة الاسم الذي أطلق في القرآن الكريم والسنة النبوية ، على الطور الذي يأتي بعد طور العلقة ، وهو اسم : مضغة. كما يتجلى الإعجاز مرة ثانية في بيان أن طور المضغة يتطور تدريجياً ، حتى يأخذ شكل المضغة المستديرة المميزة بعلامات تشبه طبع الأسنان عليها ، وبسطح غير منتظم . . 4) يدل الحديث على أن النطفة والعلقة والمضغة تتم خلال الأربعين يوماً الأولى بالرغم من أن الجنين خلال هذه الفترة يكون صغيراً جداً .. آيات الإعجاز: قال الله تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: 6]. وجه الإعجاز في الآية القرآنية : وجه الإعجاز في الآيات القرآنية هو تقريرها صراحة بأن الإنسان يمر خلال تخلقه بمراحل متتابعة، وأنه لا يُخلق دفعة واحدة في صورة قزم، وهذا ما كشفت عنه دراسات علم الأجنة الحديث. الخاتمة: نحمده سبحانه على اتمامنا لهذا البحث المتواضع ,, والذي تحدثت فيه عن اطوار ومراحل تكون الأنسان كما تناولت التفسير العلمي ووجه الإعجاز في الإيات القرآنية .. وايضا تحدثت عن كيف يتكون الجنين في الأربعين يوما الاولى... وقد تبين لي ان الله سبحانه وتعالى لم يخلق الجنين مرة واحدة متجاوزاً كل الأطوار في طور واحد فيخلقه جنيناً مرة واحدة متكامل الخلق منسق التجسيم واضح الأجهزة والمعالم..وأسالـــه جل وعلا السداد والتوفيق والرضا,,, و أن يجعل من هذا البحث منفعة للقارئ وان يكتبه في ميزان حسناتنا ,,, المراجع: - القرآن الكريم . - البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن الكريم . - حاشية الجمل على الجلالين ، ط . دار التراث العربي ، بيروت . - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ط . دار المعرفة ، بيروت . - صحيح مسلم ، ط . دار إحياء التراث العربي ، بيروت . - مسند أحمد ، دار المكتب الإسلامي ، بيروت . - المعجم الكبير للطبراني ، مطبعة ابن تيمية ، مصر . - الترمذي ، ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت . - أبو داود ، ط دار الحديث ، حمص – سورياً . - ابن ماجة ، ط المكتبة العلمية ، بيروت . - مصنف عبد الرزاق ، ط المكتب الإسلامي ، بيروت . - أو نعيم في الحلية ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت . - جامع الأصول في أحاديث الرسول y ط دار الفكر ، بيروت . جعفر الفريابي في الفتح ، ط دار المعرفة ، بيروت . -المفردات للأصفاني ، ط دار المعرفة ، بيروت . - المعجم الوسيط ، ط . دار إحياء التراث الإسلامي ، قطر . - بحث العلقة والمضغة . - بحث المصطلحات القرآنية .

المراجع

www.kuwait25.com/ab7ath/view.php?tales_id=650موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث