صخي رجل مسن , بنى كشك صغير في تقاطع شارع عام , ليبيع فيه لفائف الفلافل مع بعض الحلويات والمشروبات .
اضطربت احوال الاهوار , التي تقع على بعد عشرة كيلو متر من كشك فلافل صخي , وبالتالي ازدحمت حركة السيارات والباصات في الشارع العام , باصات تنقل الجنود و اخرى تنقل ازلام البعث , وسيارات اسعاف تنقل المصابين , فتوقف باص مليء بأزلام البعث , ترجل احد البعثيين , يرتدي بدلة البعث الزيتونية , وطلب من صخي خمسون لفة فلافل للرفاق , انشغل صخي بأعداد الطلب , وطفح البعثيون اللفات كأنهم حمير جائعة , وبعد ان فرغوا , ركبوا في الباص من غير ان يدفعوا الثمن , فجرى صخي ليطالبهم بالثمن .
صخي : جا وين الحساب ؟ .
البعثي : هسه احنه رايحيين لساحات النضال او ما عدنه افلوس , انته روح للشعبة ومناك تاخذ حسابك .
صخي بصوت منخفض: تاكلون سم ... روحه بلا رده .
البعثي : واحنه بعد راح نكتب بيك تقرير
صخي : لا بويه لا
البعثي : لا لا تخاف تقرير عن مساعدتك للرفاق الاشاوس
صخي : اذا زين ميخالف
وبعد عاد صخي للكشك , بدت عليه الحسرة والوجوم , عندما شاهد باص اخر محمل بالبعثيين توقف مقابل الكشك , وترجل كبيرهم نحو الكشك .
البعثي : حجي فد لفات فلافل لاخوانك المجاهدين
صخي بتلكأ : اشكد ؟
البعثي : ستين لفة
صخي : والحساب ؟
البعثي : حساب شنو ؟ الحساب من الشعبة .
صخي : رفيقي . الشعبة تتأخر بالدفع ... وانه عندي اربع عوائل معيشهم بهذه الكشك
ابني الجبير استشهد بحرب ايران ... وعنده درزن اطفال .. وابني الثاني اسير بالسعودية وعنده درزن اطفال .. وزوج بتي اسير بأيران وعدهه درزن اطفال واخوي استشهد بحرب الكويت وعنده درزن اطفال ... او هلتشوفني الهط عله عيشتهم من الصبح لليل .
البعثي : هسه خلينه من هذه الحجي .... وانطينه جم درزن لفات
ايقن صخي بأن لا فائدة ترجى من المجادلة , فشرع بأعداد اللفات , بعد ان طفح البعثيون اللفات انصرفوا , فوصلت مفرزة من البعثيين كانت تجول في المنطقة بحثا عن الفارين من الجنود , وكان معهم اسير , مكبل بالقيود , ظهرت عليه علامات التعذيب والضرب , رقّ صخي لحال هذا المسكين , ترجل كبير المفرزة , ليطلب عشرة لفات , فناولهم اياها .
صخي مشيرا للأسير الذي كانت عيناه لا تفارقه : او هذه انطيه لفة ؟
رئيس المفرزة : انطيه سم .
سكت صخي وحاول تجنب الاسير خوفا من بطش البعثيون , في اثناء ذلك , حاول صخي ليسأل البعثيين عن حال المعركة , وهل ستنتهي قريبا ام ستطول ؟ .
صخي : رفيقي ... كلي هاي راح اتطول لو خلصت ؟
كبير المفرزة : شنو اتطول ! .... همه جم صرصور وقضينا عليهم .
******************************
وضعت الحرب اوزارها , فتوجه صخي نحو الشعبة , في الطريق كان يفكر بكيفية استحصال الديون منهم .
صخي : اذا اكللهم اطلب ميه وعشر لفات راح ينطوني حساب سبعين لفة ... بس اذا اكللهم اطلب ميتين لفه .... راح ينطوني حساب ميه وعشر لفات .... خوش فكره .
عند وصوله الى بوابة الشعبة , طلب صخي من الحراس مقابلة المسئول .
صخي للحارس : رفيقي ... اريد اقابل المسعول !
الحارس بصوت عال : شنو المسعول ... كول السيد المسئول .
في الواقع كان صخي قد تعمد لفظ المسعول بدل المسئول , فتظاهر للحارس ان هذه هي لهجته , فعذره الحارس وادخله بعد ان ارشده بالذهاب الى مكتب الذاتية اولا , وبعد لحظات , جاء موظف الذاتية ليخبر صخي بالدخول الى مكتب المسئول .
المسئول : اهلا صخي ... الطيب ابن الطيب
صخي بصوت منخفض : رجب الطيب اردوغان لو ابو الطيب المتنبي
المسئول : كول يا طيب
صخي : البعثيين الرفاق الابطال الافذاذ الاشاوس المناضلين المجاهدين سور الوطن حماة الديار و و و ....
المسئول : كول اشبيهم
صخي : اخذو مني لفات .. وكالولي الحساب من الشعبة
المسئول : جم لفة ؟
صخي : ميتين لفة
المسئول : اشكد يصير حسابهن ؟
صخي : اللفة بميه ... ميتين لفة عشرين الف
المسئول : ابشر ... بس تدري لو مو الرفاق ما يصير امن بالبلاد .. وانته ما تكدر تفتح كشك ولا تكدر تشتغل وتعيل عيالك
صخي : أي والله
المسئول : ها ... الرفاق يضحون بدمهم وكل ما يملكون من اجل المواطن ومن اجلك يا
مواطن
صخي : أي والله
المسئول : يعني احنه هم انريد مشاركة والرفيق يستاهل
صخي بصوت منخفض : أي والله
المسئول : احنه بناءا على مشاركتك في دعم البعثيين راح ننطيك نص المبلغ !.
صخي : انعم الله
فكتب المسئول على ورقة , وناولها لصخي , وطلب منه الذهاب للمحاسب , لغرض صرف المبلغ , تنقل صخي بين الممرات , محاولا ايجاد المحاسب او من يرشده الى مكتبه .
صخي لاحد البعثيين : رفيقي .. وين المحاسب ؟
البعثي : منا وتلف يمنه وتلف يسره .
انطلق صخي , فلم يعثر على شئ , فسأل شخصا اخر .
صخي : رفيقي ... وين المحاسب ؟
الرفيق ملوحا الى نهاية الممر : بنهاية هذه الممر .
صخي : توني جيت مناك ... وما لكيته .
الرفيق : جا روح ليغاد
ذهب صخي الى المكان , فلم يجد شيئا , قرر ان يسأل غيرهم .
صخي : رفاقي ... وين المحاسب ؟
اشاروا عليه بصعود السلم , فأن مكتب المحاسب في الطابق العلوي , صعد الى هناك , واخذ يتنقل بين الممرات , فلم يعثر عليه , فسأل احد الرفاق .
صخي : رفيقي ... وين المحاسب ؟
فأشار البعثي الى الاعلى , تمتم صخي بعدة كلمات غير مسموعة , وصعد السلم الى الاعلى , فوجد نفسه في سطح البناية , وكان هناك عدد من الرفاق يتولون حراسة الشعبة , بادرهم صخي سائلا .
صخي : رفاقي ... وين المحاسب ؟
فأشار احدهم الى الاعلى , فنظر صخي الى السماء الزرقاء الصافية , وتمعن النظر فيها طويلا وبعد ان تمتم بكلمات .
صخي : بس اشلون اصعد ؟!!!!
عاد صخي الى السلم خائبا .
صخي : يا كوواويد عله هاي الدكه الناقصه ... مناعيل الوالدين ... جلاب اولاد جلاب .
قرر صخي ان لا يسأل رفيقا , وان يبحث عن مراجع كي يسأله , فوجد مراجعا برداء مدني , فسأله , فلم يتوان المراجع ان يرشده الى مكتب المحاسب , فسلم صخي الورقة للمحاسب , الذي قرءها بتمعن , ثم تناول خمسة الآلاف دينار واعطاها اياه .
صخي : بس مكتوب عشرة
المحاسب : واني كطعت فلوس التبرعات
صخي : يا تبرعات !
حينما وصل صخي قريبا من الذاتية , اوقفه موظف الذاتية واخذ منه الفا دينار , لانه سهل عليه امر مقابلة المسئول , وعند بوابة الشعبة , اوقفه الحارس , وطلب منه ان يدفع له جزءا من المال الذي حصل عليه , لانه سهل عليه الدخول , فناوله الفا , وفي هذه الاثناء , نادى احد الرفاق على صخي , فكان احد البعثيين مسئول عن الباص الاول , فتملق لصخي وطلب منه ان يدفع له خمسة الالاف دينار , لانه اوقف الباص امام الكشك , وكان بأمكانه ان يوقف الباص امام أي مطعم اخر , فأخرج صخي الفا دينار فقط , واخبره ان هذا كل ما بحوزته .
صخي : خلي اشرد بسرعة كبل لا يجي ابو الباص الثاني لو ابو المفرزة وهم يريدون !!!
*************************************
وبعد ان سقط النظام , انقلبت الامور , فحكمت البلاد الاحزاب المطاردة , وانهار الحزب الحاكم , واصبح طريدا , بينما صخي لم يتغير حاله , الا بعد ان توقف موكب لسيارات حديثة , مدججة بالجنود والسلاح امام الكشك , ترجل من احداها رجل بدا كأنه زعيما , او رمز كبير .
الرجل وجه الكلام الى صخي : هاي بعدك هنا ؟
صخي : أي والله ...
الرجل : ما عرفتني ؟
صخي : لا والله .
الرجل : مرة من المرات وقفت يمك ... بس كلشي ما اكلت .
صخي : الناس التمر بينه هواي .... شي تاكل لفات فلافل ....شي تشرب عصير ... شي كل شي ما ياكلون ولا يشربون .
الرجل : هسه اذكرك .. اني الجنت امكتف بالمفرزه البعثية
صخي : ها ها ... هسه اتذكرت
الرجل : انت جنت متعاون وياهم ... وجنت تمدهم بالفلافل تغديهم وتعشيهم وتريكهم ..
صخي : انه لا احبهم ولا اريد اشوفهم ... بس تدري انه على باب الله ... والله كلشي ما انطوني
الرجل : بس ... الكشك تشيله منا ... خلال 24 ساعة
صخي : جا وين اروح ؟ ....مو هذه باب رزقي ورزق عيالي
الرجل : هاي مشكلتك .. اذا ما تشيله .. انه راح اشيله بالشفلات
صخي : يبووووو ... ابسط بالولاية ... ساعة تجيني الطوارئ .. ساعة البلدية ... ساعة الصحة ... ساعة يجيني مدري منو .
الرجل : مراعاة لسنك .. ما راح انحاسبك على اعانتك للبعثيين .. نكتفي وياك برفع الكشك
انصرف الرجل مع موكبه , وعاد صخي الى داخل الكشك , يصفق يدا بيد , يقبض على لحيته ويقول :
- والله ساعة الشفته امجتف .. رف كلبي عليه .. وكسر خاطري
المراجع
رابطة أدباء الشام
التصانيف
ادب قصص