اعتدت كل يوم أن أبدأه بهمسة حب صباحية، أناجي فيها روحها الحاضرة، مستحضرا عطرها وجمالها ورقة إحساسها، فكيف لي أن أكتب الآن همسة الصباح تلك، وأنا أشعر بأن الصباح لم يبزغ بعد وهي غضبى، لا ترد على مناجاتي تلك، صرت محتارا فيما يرضيها، وصرت أخشى من كل كلمة أقولها، باتت تعاتبني على كل كلمة كبيرة وصغيرة، ولا تعذرني بأي موقف كان، صارت عصبية المزاج وحادة، كأنها فقط شوكة في وردة لا تريد أن تعطيني سوى ألمها، تستعظم تصرفاتي وتهولها، ولم تعد تستوعبني كما كانت من قبل، تهددني بتسليط الليل عليّ ليكون أطول من ساعاته المعتادة. وقد نجحت، ففي كل ما فعلتُ أو فعلتْ لم يكن أحد فينا ينتصر إلا على ذاته، ليقهرها أكثر.
حاورتني لمدة قصيرة، حوارا متعجلا، رفعا للعتب، سألتني: كيف أنت اليوم؟ قلت: لا بأس، ما زلت أعاني من الأمريْن الوحدة والشوق، فهل فكرت يا ترى أن تنقذني من وحدتي، غيرت الموضوع، قليلا مكثت، غابت، ولم تعد موجودة بين يدي الحروف، وأنا بقيت أعاني وحدتي وآلاما لا حصر لها غير الشوق وأشياء أخر.
رجوتها بأن لا تزيد أوجاع القلب الطافح بالمرارة، لم تعرني أي اهتمام، تركتني في جمرة الانتظار متصلبا أمام جهازي الأبله العجوز، لعلها تعطف فترد على بعض تأوهاتي المستكينة المتوددة، ولكنها لم تفعل، يبدو أنني قد خنتها خيانة عظمى، وأنا لم أكن أعرف.
أحدث نفسي وأهذي طوال تلك الليلة التي لم أذق فيها طعما للنوم أو الطعام والشراب، فلم يكن لي صاحب في هذه البلوى المتجددة كل حين سوى فنجان قهوتي الممتقع بمرارة نفس متعبة، وسيجارة لم تكد تنهي ذاتها حتى تتجدد ليظل اشتعالها ودخانها يذكرانني بأنني ما زلت محتارا قلقا، لا أعرف ماذا ستكون الخطوة القادمة؟
أرسلت لها اعتذاري فأودعته محذوفات الفضاء المفتوح على استهزائها وسخريتها، غطت في نوم عميق، مرتاحة البال هانئة وهي تعلم أنني وصلت إلى حافة الجنون، كانت تعلم علما يقينيا أنني قد وصلت إلى حالة من التلاشي والضياع، ولكنها لم ترقّ لحالتي ولم تجاملني ببعض كلام! كأنها كانت تقتنص اللحظات لتراني مقهورا متكاملا في الشقاء متعامدا من الأسقام، لم تفلح الأشواق المتراكضة في دمائي أن ترجعها إلى ما كانت عليه، أهملت كل ذلك، وأهملتني.
أو ربما لم تنم، وظلت تسهر مع ألعاب الفيس بوك حتى ساعة متأخرة، أو ربما ظلت تراقب ما سأقول لها عبر ألواحي الإلكترونية الملطخة بالجنون، ولعلها كانت تزداد نشوة كلما شعرت بأنها سبب شقائي المرّ المتزايد، "هل كل ذلك يكون منك أيتها الوردة الفائحة عطرا، ونورا كان يغذي روحي بالأمل، ويعطيها مبرر وجودها".
ذهبت، وذهبت راحة البال معها، جرت وراء خطوة لم يكن من ورائها غير المزيد من التلاشي، فقد أصبحنا أكثر قلقا، وأشد توجسا وأعظم انتكاسا، وكل ذلك من أجل ماذا يا ترى؟ إنه موقف عابر، كنت أظنه عاديا، وإذا به يحمل في طياته زلزالا مدمرا، نجحت في أن تنسج قصة عذاب جديدة، وبرعت في العمل من الحبة كبة، هي هناك هانئة وأنا هنا أنتظر بعض سلامها وسلام روحي المسكونة بالرياح العاصفة!!

المراجع

shbabmisr.com

التصانيف

ادب   قصص   مجتمع   الآداب   قصة